رسالة الميلاد للمطران إبراهيم مخايل إبراهيم مطران الروم الملكيِّين الكاثوليك في كندا

"وَأَنْتِ، يا بَيْتَ لَحْمٍ، أرضَ يَهوذا، لَسْتِ الصُّغْرى في مُدُنِ يَهوذا الرئيسيَّة، لأنَّهُ مِنكِ يَخرجُ قائدٌ سوفَ يَرعى شَعبي"

 

 

كندا، الثلاثاء 18 ديسمبر 2012 (ZENIT.org).

ننشر في ما يلي رسالة الميلاد 2012 للمطران إبراهيم مخايل إبراهيم، راعي كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك في كندا.

* * *

إبراهيم مخايل إبراهيم

بنعمة الله

مطران الروم الملكيِّين الكاثوليك في كندا

إلى الآباء والشمامسة والرهبان والراهبات

ومؤمني ومؤمنات وأصدقاء أبرشيَّتنا المحروسة من الله

"وَأَنْتِ، يا بَيْتَ لَحْمٍ، أرضَ يَهوذا، لَسْتِ الصُّغْرى في مُدُنِ يَهوذا الرئيسيَّة، لأنَّهُ مِنكِ يَخرجُ قائدٌ سوفَ يَرعى شَعبي." (ميخا 5/2 – متَّى 2/6)

بهذه الآية من النبي ميخا، أفتتح رسالتي الميلاديَّة إليكم لهذه السنة، أحمِّلها كلَّ محبَّتي وأدعيتي وتمنيَّاتي. فعيد الميلاد هو عيد حلول قائد مميَّز في حياتنا، اسمه يسوع المسيح. هو الذي يقودنا إلى أبيه السماوي بفعل تقْدِمَةِ الذات عنَّا وعَمَلِ الروح القدس فينا. فحينما كنَّا أرقَّاء للخطيئة وواقعين تحت وهن أثقالنا، تفطَّرت أحشاءُ الله حُنُوًّا علينا، ابتدأ عمل الخلاص. القائد الإلهي يتحرَّك على قدر احتياجاتنا، متميِّزا من معظم قادة الأرض الذين يتحرَّكون على قَدْر احتياجاتهم. لم يكن لله مكسبٌ في التجسُّد إلاَّ أن يرانا رابحين لخلاصٍ لم نكن نحن قادرين على تحقيقه بأنفسنا. لقد نقلنا بقراره الأزلي، لمَّا حلَّ ملءُ الزمان، من أرض همومنا الموحشة إلى سماءٍ، حمل هو فيها همومنا واهتماماتنا. قَبْلَها، كنَّا مُدْرَجين في لوائح تقويماتنا الشخصيَّة، لا بل كنَّا فيها سجناء التاريخ المغلق على ذاته إلى أن حلَّ بيننا ومن أجلنا قائدٌ يُدوِّن كِياننا في عمق كِيان الله. به صار لنا مكانٌ على صفحات "مُفكِّرة" الله الذي أحبَّنا حبًّا أبديًّا وحبًّا خلاصيًّا. أحبَّنا لأجل ذواتنا، لا من أجل ذاته، بعد أن أرهقنا حبُّ الذات، مُهملِين محبَّة الله ومحبَّة القريب، ومحبَّة الأعداء أيضًا. القائد الإلهي يحبُّنا من أجل ذواتنا.

في الميلاد، يقودنا الله بيسوع المسيح نحو فهم الحقائق الإلهيَّة وتذوُّق بهائها الذي لا انقضاء له. حقائق تخاطبنا من العُلى حيث مجدُ الله يجذبنا من شبه العدم الذي رمينا فيه أنفسنا. حقائق تدعونا إلى عشقها في الكلمة المتجسِّد بيننا. قبلها كنَّا معتادين على عِشْرَةِ الزائلات التي لا غِبطة فيها، وبها ابتدأنا بتأمُّل صورة العقل التي فينا. فالقائد الإلهي يفجِّر فينا قوَّة الذكاء، فنرتفع بالتواضع إلى رحاب الملكوت الذي وُلِدَ في مغارة. وحده التأمُّل بالباقيات، يُطلق العنان للنُّطق بعظَمَة المغارة التي حوت سماءً. نُحَدِّث عن الطفل المولود فيها، الذي يقودنا بالتواضع لنتسربل بالنور المُنبعث من المزود، فتتروَّض أعيننا على مشاهدته بعد أن اعتادت على الاستراحة في العتمات. لن تغرينا الظُّلمة بعد اليوم، لأنَّنا لبسنا المسيح الذي لبس بشرتنا فأسكنها أخدار الألوهة. إنَّه القائد المتأنُّس من أجل أن نتألَّه.

في الميلاد، يقودنا الطفل الإلهي من أرض الخوف إلى جنَّة الإيمان، ومن زمن العنف إلى مملكة السلام. به نصبح أقوياء، ونتفوَّق أوَّلاً على ذواتنا وعلى معاناة أفكارنا العقيمة وقلوبنا السقيمة لأنَّ الله صار معنا، عمانوئيل. صار الله سلاحنا في الميدان وخوذة خلاصنا ودرعنا في الجهاد. هو القائد الشجاع الذي يسير في المقدِّمة، ويكون الأوَّل في الموت عنَّا لكي ينغلب الموت فينا على الدوام، بينما تُميتُنا غالبيَّة قادة هذه الأرض فداءً عنها لتكون هي في بَرِّ أمان.

في الميلاد، يقودنا المسيح نحو التغيير. هو الذي غيَّر وجه التاريخ، فشقَّه إلى شقَّين لنكون نحن في عهد جديد، في زمن التجديد، وفي فضاء الالتصاق بالتاريخ المتمسِّحن والمنفتح على الأبديَّة. لسنا بعد اليوم في سجن الجسد، لأنَّ الغير المتجسِّد قد حلَّ في جسد ليحرِّرنا من أسر الجسد، ويطلقنا في عصور الروح اللامتناهية. لم نعد نفضِّل الموت على كسر جمود أفكارنا السقيمة وضمائرنا النائمة.

في الميلاد، نستفيق من سبات إرادة الحياة وغيبوبة الغفران. في الميلاد، توقظنا قوَّةُ الصفحِ عن ذواتنا المكبَّلة بعُقَدِ الذنوبِ، وعن الآخرين على إشراق نور المعرفة في العالم. لأنَّنا نحن الساجدين لآلهة البغض والأنانيَّة والإدمان والانتقام… نتعلَّم من المجوس السجود لشمس العدل، المسيح إلهنا.

في هذا الميلاد، قُدنا أيُّها الطفل الإلهي إلى مخارج أزماتنا ويأسنا، أفرادًا وجماعاتٍ. قُدْ شرقَنا نحو السلام واحترام حرِّيَّة الضمير والمُعتقد، والحفاظ على كرامة الإنسان. قُدْ غربَنا، وكل دول القرار نحو الإيمان بالله والعدل، والعدول عن السباق على التسلُّح والتسليح، والعودة إلى اتِّباع الطرق السلميَّة في إيجاد الحلول للمعضِلات العالميَّة.

إرحم يا طفل الرحمة والخلاص، أطفال سورية وأهل سورية، وأعد لهم السلام. إحمِ مصر ولبنان وفلسطين والأردن والعراق والسودان وكلَّ أوطاننا التي تعيش الخوف على المستقبل والمصير. بارك وطننا كندا وأبرشيَّتنا فيها ورعايانا ومؤسَّساتنا، وهبنا نعمة الاتِّحاد والنجاح. بارك كهنتنا وكلَّ مساعديهم في الخدمة، وزوِّدنا جميعًا، إكليروسًا وعلمانيِّين بالإرادة الصالحة والمحبَّة الشاملة.

أتمنَّى أن يلفُّكم فرح ميلاد المسيح، وأن تكون السنة الجديدة 2013 سنة مباركة بشفاعة مريم والدة الإله، أمِّ القائد الإلهي.

المسيح وُلد! فمجِّدوه.