الأب رفيق جريش يحاور الكاردينال ليوناردو ساندري
القاهرة, Tuesday, 15 January 2013 (زينيت).
أجرت جريدة حامل الرسالة الكاثوليكية بمصر لقاءً مع عميد مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري ننشر في ما يلي تفاصيلها.
* * *
** الأب رفيق جريش: انتم تتحملون مسئولية المسيحيين المشرقيين، فكيف تقرأون يا صاحب النيافة الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط؟
حضرة صاحب الغبطة الكاردينال ليوناردو ساندري: أتذكر بحزن شديد الاعتداء الذي تم على كنيسة سيدة النجاة غداة انتهاء سينودس كنائس الشرق الأوسط والذي راح ضحيته 2 من كهنتنا في العراق منذ سنوات قليلة. وهذا بالضبط هو الصليب الذي تحمله الكنيسة في طريق الآلام. لقد زرت بغداد الشهر الماضي لإعادة افتتاح الكنيسة بعد ترميمها ولتقديم فروض المحبة والتحية والاحترام أمام النصب الذي تم إنشائه تذكارا للشهداء الذين بلغ عددهم 50 من بينهم العديد من النساء والأطفال.
هذه هي رسالة الكنيسة في سينودس الشرق الأوسط الأخير: السير في طريق الآلام مع المتألمين، وهو في ذات الوقت طريق الفداء.
لقد تحدثنا في السينودس عن موضوعين أساسيين: المشاركة والشهادة للمسيح كوسائل مفضلة لكي تحقق الكنيسة رسالتها. وأقصد المشاركة والتبادل في داخل الكنيسة نفسها. جاءت هذه المحاور في التوصيات التي قدمتها الكنيسة بعنوان Ecclesia In Medio Oriente . في هذا التقرير جمع قداسة البابا كل ما اقترحه الآباء الكهنة والمطارنة الذين شاكوا في هذا السينودس ورسم خارطة طريق. فلا يمكن أن تعيش كنيسة في منطقة الشرق الأوسط دون أن تعيش حالة المشاركة أولا في داخلها. إذا المطلوب هو أن يتشارك الكهنة والأساقفة مع العلمانيين كي يحيوا معا هذه المرحلة الهامة من حياة الكنيسة بكل محبة وعطاء. والواقع أن هذا طريق يتطلب التزاما جادا طلبه البابا بالفعل من الكنائس التي ستقوم بتحويله إلى واقع ملموس، رغم المصاعب التي كثيرا ما تقابلنا وتؤلمنا العديد من المرات.
منذ عشرة سنوات كان عدد المسيحيين العراقيين حوالي مليون، وتقلص عددهم إلى حوالي 450 ألف. ولدينا شعور بأن المسيحيين هم الذين يهاجرون أولا. وبكل أسف هؤلاء المهاجرين هم الذين تلقوا أفضل تعليم وتقلدوا أفضل المناصب وميسورين ماديا. وهذه الظاهرة تقلقني أنا أيضا ككاهن، أن أرى أفضل من في رعيتي يرحلون بسبب أحداث الربيع العربي. فأنا أحتاجهم معي هنا لاستكمال ما بدأه جدودهم.
إن رحيل المسيحيين هو دون شك خسارة كبيرة للكنيسة هنا، فهؤلاء فرصتهم أكبر في التأثير على الآخرين داخل الكنيسة والسير بهم إلى الأمام سياسيا واجتماعيا. وأقول ما كرره البابا عدة مرات: أرجوكم إبقوا هنا، ابقوا في بلاد جدودكم، وإن رحلتم، لن يكون الشرق الأوسط هو هو. فلا تجعلوا مجيء المسيح هنا مجرد حدث تاريخي حدث منذ 2000 سنة، نحن نريد أن يستمر المسيح في هذه المنطقة من خلال تواجد أبنائنا المسيحيين الفعلي هنا. وقد شاهدت في عدة مناطق في شمال العراق على سبيل المثال كنائس وليدة، يحييها ابناؤها مثل المسيحيين الأوائل، محبين وواثقين وغيورين وواهبين من ذواتهم الكثير. اتفق معك بأن رحيل المسيحيين يثير القلق لكن لازال يوجد أمل وثقة وإيمان داخل الكنائس. ومن ناحيتنا في الفاتيكان، نحن نرغب في مساندتها ودعمها ونصلي من أجلها.
** هل يعتقد الفاتيكان أن دول أوروبا تفهم أهمية الدور الذي تلعبه كنائس المشرق؟
أعرف العديد من المسيحيين في فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا وحتى في انجلترا يشاركون المسيحيين المشرقيين آلامهم ويفعلون الكثير من الخير لهم. الأمر واضح بالنسبة لهم، فهم يعون جيدا أن عليهم أن يبذلوا كل ما في وسعهم لدعم مسيحيي المشرق حتى يظل الوجود المسيحي في هذه المنطقة. وهذا الشعور شأنه شأن الكثير من النوايا الحسنة، يتم محاربته من قوى ظلامية خفية تريد الحد من اندفاعه بشتى الطرق. ولكننا نضع أنفسنا في يدي المسيح ليقوم هو بحمايتنا. نحن لسنا قوى سياسية تتحكم في مصائر الأمور، قوتنا منبعها الانجيل الذي يعلم التواضع والتسليم التام. فحتى إن كنا نرى جمال الوجود المسيحي في الشرق الأوسط، تقابلنا عقبات يمكن أن تتغلب علينا.
** يميل كلامك إلى أن يصبح وعظة كنسية تفيض بالأمل..
لقد انبهرت عندما صلينا القداس في كنيسة سانت كاترين بالأسكندرية وشاهدت المئات من المؤمنين يرفعون إيديهم بثقة عجيبة إلى السماء قائلين: "أبانا الذي في السموات…" هنا تكمن قوتنا، فنحن نملك إيماننا بإنجيل الفقراء والمعذبين.
** لقد كانت زيارة البابا إلى لبنان محور اهتمام كبير لنا في مصر وكان واضحا للجميع سعادته الشخصية بها.
نعم لقد سعدت بمرافقة قداسته في هذه الزيارة التاريخية إلى لبنان وشاهدت عن قرب كيف أن البابا بذل كل ما يستطيع لكي يقترب من المؤمنين هناك. ففي كل وعظاته، كان ينقل الإيمان ومفاهيم الثقة والمحبة المسيحية إلى المتلقين من جموع الشعب والإكليروس. وهذا دليل قاطع على اهتمام قداسته الخاص والكبير بمسيحيي الشرق. لقد شاهد البابا بنفسه أنه رغم العنف والسلاح والتمييز، يوجد في المشرق مسيحيون أقوياء بإيمانهم يسيرون بكنيستهم على طريق الخلاص.
** هل ينوي الفاتيكان القيام بجهود مماثلة في سوريا لوقف العنف ؟
الفاتيكان يبذل جهودا كبيرة لوقف القتال في سوريا. الضحايا كثر هناك ولا ذنب لهم. الأحداث في سوريا تسحقنا وفي كثير من الأحيان لا نعرف بماذا نرد أو ماذا نقول. ففي تضرعاتنا الصامتة، لا يسعنا إلا أن نطلب من المسيح التدخل لإنهاء هذا الوضع الخطير والمحزن. ورغم أن كنائسنا وأبروشياتنا تتألم بشدة من هول ما تراه، إلا أنني أعلم جيدا أنها تفعل كل ما بوسعها للحفاظ على رعاياها. وأرجو أن تستمع جميع الأطراف إلى نداء البابا لوقف العنف المسلح في سوريا.
** ما هي الرسالة التي تودون إيصالها لأبناء الكنيسة من المصريين؟
أستحضر ما قاله قداسة البابا لهم وهم يحضرون دستورهم الجديد وهو أن يطرقوا كل سبل الحوار والانفتاح على الآخرين بهدف التصالح معهم، من أجل بناء مصر الجديدة التي مهدت لحضارات العالم والإنسانية كلها. نريد أن تستعيد مصر دورها الإقليمي والدولي. نصلي في الفاتيكان من أجل تحقيق هذا لأننا نعرف العديد من المصريين المخلصين الذين يعملون كسفراء للمحبة والتعاون مع العالم أجمع. أثق في توازن فكر ومنطق المصريين الإنساني الذي سوف يتفانى في بناء هذه الدولة العظيمة منذ فجر التاريخ.
وعن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فقد كان لقاء بقداسة البابا تواضروس الثاني لقاءً رائعاً، حيث أظهر قداسته انفتاحاً "محباً" لنا لما لاقيناه من حفاوة الترحيب بنا، كما طلب البابا تواضروس أن يذكر قداسة البابا بندكتوس السادس عشر مصر وشعبها في صلاته.
شكرا جزيلا يا صاحب الغبطة على هذا الحوار الشيق وأرجو أن تبلغوا قداسة البابا محبتنا الكبيرة له وأن تطلبوا منه الصلاة من أجلنا.