إعداد الأخت سامية صموئيل
من راهبات القلب المقدس – أبريل 2013
خاص بالموقع –
في هذا الزمن المقدس ، زمن الصوم ، يدعونا يسوع لنذهب معه إلى البرية ، نعيش معه ، نحدثه ونصغي له، نتعلم منه ونستقي القوة والمثابرة والشجاعة لواجهة كل ما يقابلنا من صعوبات ومعوقات، وفي هذا النطاق يكون صومنا دعوة إلى الصوم دعوة للتتغيير والتجدُد والتتلمذ.
جعل يسوع من الأربعين يوماً التي قضاها صائماً في البرية زمناً مميزاً، وهو لذلك زمن مميز في حياة المؤمن المسيحي؛ إنها مسيرة عودة إلى الذات وإلى الله وإلى الناس، زمن الاختلاء وهو زمن الصراع ، ولكنه أيضاً زمن العون الالهي وزمن النعمة. هكذا اختبر السيد المسيح الأمرفي خروجه إلى البرية والصوم فيها على مدى أربعين يوماً.
ولهذه الخبرة وجهان، وجه خارجي تقشفي ووجه روحي داخلي. وقد حذرنا يسوع من الاكتفاء من هذا الزمن بالوجه الخارجي، أو إتمامه بشكل يهيمن على البعد الروحي الذي يبقى الأهم في كل الممارسات الدينية. لذلك ذكر الممارسات الثلاث التي يقوم بها المؤمنون عادة في مثل هذا الزمن المميز، وهي الصوم والصلاة والصدقة. وفي كل من هذه الممارسات، على أهميتها، حذر من "الإستعراض" مشدّداً على شيء من السرية، كي يقول لنا إن البعد الخارجي ليس بالأهم، وأن المسيرة الداخلية التي أنا مدعو أن أحققها، بعون الله ونعمته، تبقى هي الأهم في نظر المسيح، لذا قال :
"إذا صليت فادخل مخدعك …
وإذا صمت فاغسل وجهك…
وإذا تصدّقت فلا تعلم شمالك ما صنعت يمينك."
– الصوم دعوة إلى التغيير والتجدّد
يبادر يسوع نحونا ونحوي بشكل خاص، إنه يتوجه إليً كما توجه إلى سمعان وأندراوس والتلاميذ الآخرين. رأى سمعان، نظر إليه، وهو ينظر إليً شخصيًا ويدعوني باسمي لأنه يعرفني. "لا تخف فاني قد افتديتك ودعوتك باسمك، إنك لي"(اشعيا 43: 1)، رأى سمعان وأخاه اندراوس وقال لهما: اتبعاني (مر1: 17). نظر اليهما وكلمهما، طلب منهما أن يغيرا اتجاه حياتٍهما من صيادي سمك إلى صيادي ناس للملكوت الآتي " فتركا الشباك لوقتهما وتبعاه " (مر18:1) الصوم دعوة إلى التخلي عما قد يعيق مسيرتي نحو الله فأتمكّن من إحداث تجدد يصوب طريقي فيمكّنني من أن أتبع يسـوع على مثال يعقوب ويوحنا وسمعان وأندراوس. كان طلب يسوع ملحًا وأتى الجواب على قدر الإلحاح: "فتركا لوقتهما ما كان يشغل موقعًا أساسيًا في حياتهما وتبعاه… “هو يدعوني في هذا الصوم إلى العودة إليه، وذلك من خلال العودة إلى ذاتي وإلى الناس الذين هم حولي. هل أنا مستعدٌ لأن أتغيَّر؟ أن أعود كالإبن الضال ؟ قد لا تكون عودتي من بعيد وقد تكون من قريب، ولكن في كل منا حاجة دائمة للعودة والرجوع إلى ذواتنا وإلى الله وبعضنا إلى بعض. ما الذي يثقل مسيرتي ويلزم تغييره؟
– الصوم دعوة إلى التتلمذ
يدعوني المسيح أنا، اليوم، أن أعي هذه الحقيقة الجديدة وأدعها تغير حياتي، لذلك وجب عليً أن أتتلمذ على يده لأتعرف عليه عن قرب. "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله". (مت 4/4) هذا ما أراد يسوع أن يقدمه لتلاميذه الأولين بعد أن دعاهم، لذلك دخل معهم إلى المجمع، ولأنهم كانوا في حال من اليقظة ولديهم ارادة للتغيير، للتجدد، أصغوا إليه "فأعجبوا بتعاليمه" (مر 22:1)، اخذوا به لأنه كان واضحاً وواثقًا من نفسه. الثقة تبدد الخوف. هذا التعليم أيقظ فيهم شعورًا شخصيًا جديدًا " أُعجبوا" وصًلهم من جديد إلى عمق هويتهم ، كونهم خلقوا على صورة الله ومثاله. هذا يعني أنني واحد في العمق مع الله.، وعندما أعود إلى عمق هويتي أشعر بأنني في أمان. ولكنني عندما أنسى هذه الحقيقة وأحدد كياني تحديدًا سطحيًا "بالأنا" المنظور، آنذاك يكتنفني الخوف. التتلمذ يعني أن اتعرف إلى شخص المسيح وأخلق معه علاقة حب شخصية.
"إنه قدّوس الله" هكذا عرفه الروح الشرير: "أنا أعرف من أنت : أنت قدوس الله" (مر. 24:1). هل يمكنني أن أقول ذلك عن قناعة حقيقية، أن أقف أمام المسيح الذي إليه أنتمي وأقول له بصدق: "أنا أعرف من أنت"؟ هل يدهشني تعليم يسوع أم أنني قد تعودت عليه فأصبح عاديًا ولم أعد أتعجّب أو أشعر بشيء خاص لدى سماعه؟! هل يجعلني اتساءْل: "ما هذا؟ إنه لتعليم جديد يلقى بسلطان! " (مر 27:1) الدهشة… الإعجاب مشاعر عميقة تتخطى العقل إلى القلب والوجدان.
التتلمذ عملية مشتركة بين العقل والقلب. هنالك ما يفهمه العقل ولكن هنالك أيضًا " ما لا يفهم إلاَّ عن طريق القلب"، عن طريق الثقة والحب والدهشة والاعجاب… الصوم مسيرة، إنه عبور، هو صورة مصغرة لمسيرة الحياة. هذا يذكرنا برحلة يسوع والتلاميذ على البحيرة؛ هنا تتجلى بوضوح دينامية الخوف والثقة. يمكننا أن نتذكر موقف التلاميذ عندما نمر في حياتنا بالمصاعب والتجارب والقلق. ردة فعل "الأنا" الأولى هي الخوف ذلك لان "الأنا" غير موصول دائمًا بعمق حقيقتي، في أن ألله معي! يسوع الذي يجسد قوة الله كان نائمًا، كان في حال هي أبعد ما يكون عن الخوف؛ كان في سلام لأنه على تواصل مع ذاته الإلهية، مع تلك القوة التي كانت تخرج منه لتشفي، تلك القوة هدأت العاصفة.
هذه هي حقيقة يسوع التي أنا مدعو إلى أن أتعرف إليها. هذه الحقيقة التي تحمل السلام والطمأنينة، تهديء كل اضطراب. إنها في عمق ذاتي المخلوقة على صورة الله، هذه صورة الله فيَّ فاذا ما أيقظتها أمكنها أن تحول الخوف الذي فيّ إلى ثقة لا تتزعزع. هذا في صلب الوعي الذي أنا مدعو إليه في الصوم، اليقظة وتلك هي التوبة التي تغيرني، تجددني، تبدد الخوف الذي فيّ وتوصلني بيسوع المسيح في عمق ذاتي.