أؤمن بالله واحد، المقام الأول من 355-384
355- «خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأُنثى خلقهم» (تك27:1). فللإنسان محلٌّ فريد في الخليقة: إنه «على صورة الله» (1ً)؛ في طبيعته الخاصة يجمع ما بين العالم الروحاني والعالم المادي (2ً)؛ خُلِقَ «ذكراً وأُنثى» (3ً)؛ اختصه الله بصداقته (4ً).
1ً. «على صورة الله»
356- بين جميع الخلائق المرئية، الإنسان وحده «يستطيع أن يعرف خالقه ويحبه»[i]. إنه «على الأرض الخليقة الوحيدة التي أرادها الله لذاتها»[ii]. إنه وحده المدعو إلى المشاركة في حياة الله بالمعرفة والمحبة. خُلِقَ لهذه الغاية، وهذا هو سبب كرامته الرئيسي:
«ما الداعي الذي جعلك تكون الإنسان على هذه العظمة؟ المحبة العظمى التي نظرت بها إلى خليقتك في ذات نفسك، وقد شُغِفت بها؛ إذ إنك خلقتها بمحبة، وبمحبة أعطيتها كياناً قادراً أن يتذوق خيرك الأزلي»[iii].
357- بما أن الفرد البشريَّ على صورة الله فمقامه مقام شخص: فهو ليس شيئاً ما وحسب، بل هو شخصٌ ما. إنه قادر على أن يعرف نفسه، وأن يضبطها، وأن يبذل ذاته باختياره، وأن يدخل في شركة غيره من الأشخاص؛ وهو مدعوّ، بالنعمة، إلى معاهدة مع خالقه، وإلى تلبيته تلبية إيمانٍ ومحبةٍ لا يستطيع أحدٌ غيره أن يقوم مقامه فيها.
358- الله خلق كل شيء للإنسان[iv]، ولكن الإنسان خُلِقَ لخدمة الله ومحبته، ولكي يقدم له الخليقة كلها:
«فمن هو الكائن الذي سيأتي إلى الوجود في مثل هذه الهالة من التقدير؟ إنه الإنسان، الوجه الحي العظيم والعجيب، الأكرام في عيني الله من الخليقة كلها جمعاء: إنه الإنسان، ولأجله وُجدت السماء والأرض والبحر وسائر الخليقة، وخلاصه هو الذي علق عليه الله مثل هذه الأهمية حتى إنه لم يوفر ابنه الوحيد نفسه في سبيله. وإن الله ما انفك يسعى السعي كله لكي يرقى بالإنسان إليه ويُجلسه إلى يمينه»[v].
359- «إن سر الإنسان لا يفسره تفسيراً حقيقياً إلا سرُّ الكلمة المتجسد»[vi].
«القديس بولس يعلمنا أن رجُلين اثنين هما في أساس الجنس البشري: آدم والمسيح … وهو يقول: إن آدم الأول خُلِق كائناً بشرياً نال الحياة؛ وأما الآخر فكائن روحاني يُعطي الحياة. الأول خلقه الآخر ومنه نال النفس التي تُحييه … آدم الثاني جعل صورته في آدم الأول عندما كان يجبله. من هُنا أُلقيت عليه مهمته واسمه وذلك لكي لا يُعرض من صنعه على صورته للضياع. آدم الأول، وآدم الأخير: الأول ابتدأ، والأخير لن ينتهي؛ إذ إن الأخير هو الأول في الحقيقة، على حد ما قال هو نفسه:«أنا الأول والأخير»[vii].
360- إذا كان الجنس البشري من أصلٍ مُشترك فهو يؤلف وحدةً؛ ذلك أن الله «صنع من واحدً كل أمة من البشر» (أع 26:17)[viii]:
«إنها لرؤيا عجيبة تلك التي تجعلنا نتأمل الجنس البشري في وحدة أصله في الله؛ في وحدة طبيعته، المركبة عند جميع تركيباً واحداً من جسم مادي ونفس روحانية؛ في وحدة غايته الفورية ورسالته في العالم؛ في وحدة مسكنه: الأرض التي يستطيع جميع اللبشر، بحق طبيعي، أن يستعملوا خيراتها لكي يحافظوا على الحياة ويُنموها؛ في وحدة غايته العُليا: الله نفسه الذي يجب على الجميع أن يتوجهوا إليه؛ في وحدة الوسائل لبلوغ هذه الغاية؛ (…)؛ في وحدة الافتداء الذي قام به المسيح لأجل الجميع»[ix].
361- «نظام التضامن البشري والمحبة هذا»[x]، فضلاً عن وفرة تنوع الأشخاص، والثقافات والشعوب، يؤكد لنا أن جميع البشر إخوة في الحقيقة.
2ً. «واحدٌ من جسدً ونفسً»
362- الشخص البشري، المخلوق على صورة الله، كائنٌ جسديٌ وروحانيٌ معاً. والرواية الكتابية تعبر عن هذه الحقيقة بكلام رمزي عندما تثبت أن «الله جبل الإنسان تُراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار الإنسان نفساً حيّة» (تك7:2). فالإنسان بكامله كان في إرادة الله.
363- كثيراً ما ترد اللفظة نفس في الكتاب المقدس بمعنى الحياة البشرية[xi]، أو كامل الشخص البشري[xii]. ولكنها تدل أيضاً على أعمق ما في الإنسان[xiii] وأثمن ما فيه[xiv]، أي ما يجعله على وجه أخص صورة الله:«نفس» تعني مبدأ الإنسان الروحاني.
364- يشترك جسدُ الإنسان في كرامة «صورة الله»: إنه جسدٌ بشريٌ لأن النفس الروحانية تبث فيه الحياة، والشخص البشريَّ بكامله مُعد لأن يصبح، في جسد المسيح، هيكل الروح[xv]:
«الإنسان واحدٌ بجسده ونفسه، وهو بوضعه الجسدي نفسه يجمع في ذاته عناصر العالم المادي، بحيث تبلغ فيه قمتها، وترفع بحرية إلى الخالق صوت حمدها. فلا يجوز للإنسان إذن أن يحتقر الحياة الجسدية، بل عليه أن يعامل جسده بالإحسان والإكرام لأنه خليقة الله ومُعدٌ للقيامة في اليوم الأخير»[xvi].
365- وحدة النفس والجسد هي من العمق بحيث يجب أن تُعد النفس «صورة» الجسد[xvii]؛ أي أن الجسد المركب من مادة يصبح بالنفس الروحانية، جسداً إنسانياً وحياً، الروح والمادة، في الإنسان، ليسا طبيعتين اثنتين متحدتين، ولكن اتحادهما يكون طبيعة واحدة.
366- الكنيسة تعلم أن كل نفس روحانية يخلقها الله مباشرة[xviii]؛ – إنها ليست من «صُنع» الوالدين-؛ وهي تعلمنا أيضاً أنها غير مائتة[xix]؛ إنها لا تتلاشى عندما تفارق الجسد بالموت، وهي تعود إلى الاتحاد بالجسد في القيامة الأخيرة.
367- يحصل أحياناً أن نُميَّز النفس من الروح. وهكذا فالقديس بولس يُصلي قائلاً:«وليحفظ كل ما فيكم أرواحكم، ونفوسكم، وأجسادكم، بغير لوم عند مجيء ربنا» (1تس23:5). والكنيسة تُعلم أن هذا التمييز لا يُدخل في النفس ازدواجية[xx]. «الروح» يعني أن الإنسان موجَّه منذ خلقه إلى غايته الفائقة الطبيعة[xxi]، وأن نفسه قادرةٌ على أن تُرقى مجاناً إلى الشركة مع الله[xxii].
368- تقليد الكنيسة الروحي يُشدد على القلب بالمعنى الكتابي لـ«عُمق الكيان» (إر33:31) حيث يُقرر الشخص أنه الله أولاً[xxiii].
3ً. «ذكراً وأنثى خلقهم»
مُساواة واختلاف أرادهما الله
369- الرَّجُل والمرأة خُلِقا أي إن الله أرادهما: في مساواة كاملة، لكونهما شخصين بشريين من جهة، ومن جهةٍ أُخرى بكيانهما الخاص رجلاً وإمرأة. أن يكون «رجُلاً» وأن تكون «امرأة» تلك حقيقة حسنة وقد أرادها الله: للرجل والمرأة كرامةٌ ثابتةٌ تأتيها مباشرةً من الله خالقهما[xxiv]. الرجل والمرأة هما، في الكرامة الواحدة، على صورة الله. وهما يعكسان حكمة الخالق وجودته في «كيان الرجولة» وفي «كيان الإنوثة».
370- يس الله على صورة الإنسان البتة. فهو ليس رجُلاً ولا امرأةً. الله روح محض ليس فيه مكان لاختلاف الجنسين. ولكن «كمالات» الرجل والمرأة تعكس شيئاً من كمال الله المتناهي: كمالات الأم[xxv]، وكمالات الأب والزوج[xxvi].
«الواحد للآخر» – «وحدة اثنين»
371- الرجل والمرأة خُلِقا معاً، وقد أرادهما الله الواحد للآخر. وكلام الله يُسمعنا ذلك بتلميحات مختلفة في النص المقدس. «لا يُحسن أن يكون الإنسان وحده فأصنع له عوناً بإزائه» (تك18:2). ما من حيوان يمكن أن يكون هذا الـ «بإزاء» الإنسان.[xxvii] المرأة التي «بناها» الله من الضلع التي أخذها من الرجل، والتي أتى بها الرجل، تبعث من الرجل صُراخ إعجاب، صراخ محبةٍ وشركة:«هوذا هذه المرّة عظمٌ من عظامي ولحم من لحمي» (تك23:2). الرجل يكتشف في المرأة «أنا» آخر، من البشرية نفسها.
372- الرجل والمرأة صُنِعا «الواحد للآخر»: لا أن الله صنعهما «نصفين» و«غير كاملين»؛ إنه خلقهما لشركة شخصين يستطيع فيها كل واحد أن يكون «عوناً» للآخر، لأنهما في الوقت نفسه متساويان لكونهما شخصين («عظمٌ من عظامي») ومتكاملين لكونهما ذكراً وأُنثى[xxviii]. وفي الزواج يجمعهما الله بحيث، وهما «جسداً واحداً» (تك24:2)، يستطيعان أن يُعطيا الحياة البشرية: «انموا واكثروا واملأوا الأرض» (تك28:1). والرجلُ والمرأة، زوجين ووالدين، عندما يُعطيان نسلهما الحياة البشرية يُسهمان إسهاماً فريداً في عمل الخالق[xxix].
373- الرجل والمرأة مدعوان، في تصميم الله، «لإخضاع» الأرض[xxx] على أنهما «وكلاء» الله. وهذه السيطرة يجب أن لا تكون تسلطاً تعسفياً وهداماً. فالرجل والمرأة مدعوان، على صورة الخالق الذي «يحب جميع الكائنات» (حك25:11)، إلى الاشتراك في «العناية الإلهية» تجاه جميع المخلوقات. من هنا مسؤوليتهما عن العالم الذي عهد الله فيه إليهما.
4ً. الإنسان في الفردوس
374- الإنسان الأول لم يُخلق صالحاً وحسب، ولكنه أقيم في صداقة مع خالقه، وفي تناغم مع ذاته ومع الخليقة التي حوله والتي لا يفوقها إلا مجد الخليقة الجديدة في المسيح.
375- الكنيسة، عندما تفسر رمزي الكلام الكتابي على نور العهد الجديد والتقليد تفسيراً أصيلاً، تعلم أن أبوينا الأولين، آدم وحواء، أقيما في حالة «قداسة وبرٍ أصلي»[xxxi]. ونعمة القداسة الأصلية هذه كانت اشتراكاً في الحياة الإلهية[xxxii].
376- بإشعاع هذه النعمة تقوت جميع أبعاد الحياة البشرية. فما دام الإنسان في صداقةٍ مع الله كان في منجى من الموت[xxxiii] ومن الألم[xxxiv]. فالتناغم في داخل الشخص البشري، والتناغم بين الرجل والمرأة[xxxv]، وأخيراً التناغم بين الزوجين الأولين وجميع الخليقة، كانت تؤلف الحالة المدعوة «برارةً أصلية».
377- «إخضاع» العالم اذي ألقى به الله إلى الإنسان منذ البدء كان يتحقق قبل كل شيء في الإنسان نفسه بالانضباط اذاتي. كان الإنسان في كامل ذاته كاملاً ومنظماً، إذ كان محرراً من الشهوات الثلاث[xxxvi] التي كانت تُخضعه لُمتع الحواس، للتجشع في الخيرات الأرضية، وإثبات الذات في وجه أوامر العقل.
378- وكانت علامة أُلفته مع الله أن جًعَله الله في الجنة[xxxvii]. فعاش فيها «يحرث الأرض ويحرسها» (تك15:2): ليس العمل مشقة[xxxviii]، ولكنه إسهام الرجل والمرأة مع الله في إكمال الخليقة المرئية.
379- هذا التناغم كُلُّه في البرارة الأصلية، الذي هُيئ للإنسان في تصميم الله، سيُفقد بخطيئة أبوينا الأوين.
بإيجاز
380- «لقد صَنعت الإنسان على صورتك، يالله، وجعلت الكون بين يديه، حتى إذا خدمك، أنت خالقه، كان سيد الخليقة»[xxxix].
381- الإنسان مُهيأ لأن ينقل صورة ابن الله المتأنس – «صورة الله غير المنظور» (كو15:1) – حتى يكون المسيح بكراً ما بين جمعٍ غفيرٍ من إخوةٍ وأخوات[xl].
382- الإنسان «واحدٌ من جسدٍ ونفس»[xli]. عقيدة الإيمان تُثبت أن النفس الروحانية والغير المائتة يخلقها الله مباشرةً.
383- «الله لم يخلق الإنسان وحيداً: منذ البدء ذكراً وأنثى خلقهم» (تك27:1)؛ وهذا الجمع بين الرجل والمرأة هو الصورة الأولى لتشارك الأشخاص»[xlii].
384- الوحي يُطلعنا على حالة القداسة والبرارة الأصليتين عند الرجل والمرأة قبل الخطيئة: كانت صداقتهما مع الله في أصل سعادة وجودهما في الفردوس.
[i] ك ع 12، 3
[ii] ك ع 24، 3
[iii] القديسة كاترينا السيينية، حوار العناية الإلهية، 13
[iv] رَ: ك ع 12، 1؛ 24، 3؛ 39، 1
[v] القديس يوحنا الذهبي الفم، عظات في التكوين 2، 1
[vi] ك ع 22، 1
[vii] القديس بطرس خريسولوغوس، عظات 117: 1-2
[viii] رَ: طو6:8
[ix] بيوس12ً، «الحبرية العظمى»؛ رَ: ع ك أ 1
[x] م ن
[xi] رَ: متى25:16-26؛ يو13:15
[xii] رَ: أع 41:2
[xiii] رَ: متى38:26؛ يو27:12
[xiv] رَ: متى28:10؛ 2مك30:6
[xv] رَ: 1كو19:6-20؛ 44:15-45
[xvi] ك ع 14، 1
[xvii] رَ: مجمع فيينا، (سنة 1312)، دستور "الإيمان الكاثوليكي": د902
[xviii] رَ: بيوس 12، "الجنس البشري"، 1950: د3891؛ ق ش 8
[xix] رَ: مجمع لاتران 5ً، سنة1513: د1440
[xx] مجمع القسطنطينية 4ً، سنة870: د657
[xxi] م ف1ً، الدستور العقائدي "ابن الله"، ق2: د3005؛ رَ: ك ع 22، 5
[xxii]رَ: بيوس 12، "الجنس البشري"، 1950: د3891
[xxiii] رَ: تث5:6؛ 3:29؛ أش13:29؛ حز26:36؛ متى21:6؛ لو15:8؛ رو5:5
[xxiv] رَ: تك7:2، 22
[xxv] رَ: أش 14:49-15؛ 13:66؛ مز2:131-3
[xxvi] رَ: هو1:11-4؛ إر4:3-19
[xxvii] رَ: تك19:2-20
[xxviii] رَ: ك م، 7
[xxix] رَ: ك ع 50، 1
[xxx] رَ: تك28:1
[xxxi] مجمع ترنت، الجلسة الخامسة أ، قرار في الخطيئة الأصلية، ق1: د1511
[xxxii] رَ: ك2
[xxxiii] رَ: تك17:2؛ 19:3
[xxxiv] رَ: تك16:3
[xxxv] رَ: تك25:2
[xxxvi] رَ: 1يو16:2
[xxxvii] رِ: تك8:2
[xxxviii] رَ: تك17:3-19
[xxxix] ق ر، صلاة إفخارستية 4، 118
[xl] رَ: أف3:1-6؛ رو29:8
[xli] ك ع 14، 1
[xlii] ك ع 12، 4