الإكليروس للأب د. يوأنس لحظي جيد، الفصل الأول التنشئة الكهنوتية

البابا العاشر من مجموعة القوانين الخاصة بالكنائس الشرقية

الإكليروس للأب د. يوأنس لحظي جيد

(ق.323- 398)

 

يُعد الباب العاشر من الحق القانوني، والخاص بالإكليروس[1] من الأجزاء التي تأثرت تأثرا كبيرا بتعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني[2] حول سر الكهنوت. لا سيما فيما يتعالق بالتمييز الشديد، في الدستور العقائدي "الكنيسة (نور الأمم)"، بين الكهنوت العام والكهنوت الخاص (كهنوت الأسرار)، هذا "التمييز" الذي ينبع من "الاتحاد" في نفس سر كهنوت المسيح الواحد. لأن الكنيسة، بصفتها جسد المسيح، هي شركة ائتلاف بين جميع الأعضاء (1 كور 12: 12)، وكل منها يفيد حياة المجموع اذا مارس دوره المميّز بمهمته كاملة[3].

فسر الكهنوت العام هو ذاك السر الذي يشترك فيه كل المعمدين بمجرد نوالهم سر العماد المقدس ومسحة الروح القدس، والذي يؤهلهم للتمتع بالاتحاد الكامل في جسد المسيح السري، أي الكنيسة، ومن ثمَّ في وظائف المسيح الكاهن والنبي والملك.

بينما سر الكهنوت الأسراري هو، بحسب تعاليم المجمع الفاتيكاني المقدس، ذاك السر الذي ينشِئُ، بما له من سلطان مقدس، الشعب الكهنوتي ويقوده. وبعبارة أخرى هو السرُّ الذي ينالهم بعض الاعضاء لخدمة كل الجسد، فيؤهلهم للاشتراك بطريقة فريدة في سر المسيح الكاهن، وفي وظائف المسيح من: تعليم، وتقديس وقيادة لشعب الله كوكلاء للمسيح[4].

فالكهنة، بحسب تعاليم المجمع، هم، بقوة سر الكهنوت، مكرسون، على صورة المسيح الكاهن الأعظم والأبدي (عب5: 1-10، 7: 24، 9: 11-28)، ليبشروا بالانجيل، ويكون وحدهم رعاة للمؤمنين[5]، ويقيموا الشعائر الدينيّة، ككهنة للعهد الجديد. وإذ يشتركون، على مستواهم في الخدمة، وفي مهمّة الوسيط الواحد الذي هو المسيح (1 تيم2: 5). اشتراك يتمّ عن طريق الرسامة المقدسة، والتي هي: "وثاق جوهري مميّز، يربط الكاهن بالمسيح، الكاهن الأعظم والراعي"[6].

ويؤكد المجمع أنهم "معاونين حكماء للدرجة الأسقفية… فإنهم مع اساقفهم يؤلفون أُسرةً كهنوتيّة واحدة، متنوعة الوظائف… وإذ يقدسون ويدبرون، برئاسة الأسقف، القسم الذي اؤتمنوا عليه من قطيع الرب، فإنهم يُظهرون الكنيسة الجامعة في الأماكن التي هم فيها، ويساهمون اسهاماً فعّالاً في بُنيان جسد المسيح كله (أف4: 4-12). وعليهم، وهمُّهم المستمر ما به الخير لأبناء الله، أن يجنِدوا غيرتَهم للمساهمة في عمل الايبارشية الراعوي كُلها، بل بالحري الكنيسة بأجمعها. وبناء على اشتراكهم هذا في كهنوت اسقفهم ورسالته يجب عليهم أن ينظروا فيه أباً لهم، وأن يُطيعوه باحترام. كما على الأسقف أن أن ينظر إلى الكهنة معاونية نظره الى ابناء واصدقاء أسوة بالمسيح الذي لم يدعُ تلاميذه عبيدا بل اصدقاء (يو15: 5)"[7].

ومما ذكر يتضح أن في سر الكهنوت ثلاث درجات: الأسقفيّة والكهنوتيّة، والشماسيّة[8]. هذه الدرجات الثلاث تمنح من يناله الاشتراك في كل وجبات وحقوق الاكليروس كل بحسب درجته.

مقدمة عامة (ق. 323 – 324):

يُعرف القانونُ الأول، من الباب العاشر، الإكليريكيين بأنهم "خدّام الأقداس، هم مؤمنون تختارهم السلطة الكنسية المختصّّة، وبموهبة الروح القدس التي ينالونها في الرسامة المقدسة، يُنتدبون لكي يكونوا بمشاركتهم في رسالة المسيح الراعي وسلطانه، خدّام الكنيسة. بفعل الرسامة المقدّسة، يميّز الإكليريكيون، بوضع إلـهي، عن سائر المؤمنين" (ق. 323).  وهم ممسحون بمسحة السر المقدس هذه المسحة التي، إن نالوها من السلطة المختصة بشكل صحيح، لا تزول ابداً، حتى بفقدان الحالة الكهنوتيّة[9]، لأن سر الكهنوت هو سر لا يمحى أبداً، مثله مثل سر العماد وسر الميرون المقدسيين[10]. والتي تؤهلهم لقيادة شعب الله بالاشتراك في وظائف المسيح، من تعليم وتقديس وقيادة، كلٌ بحسب درجته.

يؤكد القانون أنهم في الاساس "مؤمنون تختارهم السلطة الكنسية المختصّّة" (راجع ق. 7 بند 1) ولكونهم مختارون فهم يتمتعون ببعض الصفات الخاصة والنعَميِّة، كصفة "الاختيار" وصفة "عطية الروح القدس" التي تجعلهم "نواب" المسيح. ومن الناحية القانونيّة، الحالة الاكليريكية، تشير الى فئة من الأشخاص، اعطي لهم من قبل الكنيسة أن يشتركوا بطريقة فريدة في الجسد الكنسي، وأن تعطي لهم بعض الحقوق والواجبات الخاصة والمحددة من قبل الكنيسة ذاتها.

وهنا تجدر الأشارة بأن التشريع القانوني الحالي والذي يؤكد أنه "بفعل الرسامة المقدّسة، يميّز الإكليريكيون، بوضع إلـهي، عن سائر المؤمنين" (ق. 323 بند 2). يتفق مع التشريع القديم الذي يقول بأن الإكليريكيين: "يتمييزون عن العلمانيين بتأسيس إلهي"[11] فالدعوة الإكليريكية هي دعوة تتمييز بصفتين اساسيين: الاولى: هو أنها تنبع من السيد المسيح ذاته، فهو الذي يحث المؤمن لاتباعه اتباعا خاصة عن طريق الروح القدس. والثانية: هو التعرف من قبل السلطة الكنسية على حقيقة هذه الدعوه وقبولها. شقين لا غنى عنهما ولا انفصال بينهما: الدعوه الإلهيّة، والقبول الكنسية لها؛ فالحالة الإلكليريكية، بحسب الحق القانوني، تمنح فقط لمَنْ تتوفر فيه هذان الشرطين. وهنا يظهر أهمية القبول الكنسي الذي بدونه قد تكون الدعوة حقيقية ولكن لا يمكن تسميتها دعوه إكليريكية، بمعنى أن صاحبها لا يمكن له أبدا ان يتمتع بالحالة القانونية للإكليريكي. فبحسب تعاليم المجمع المقدس يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن الحالة الاكليريكية هي حالة تمنح لمن يشترك في "التنظيم العضوي والسري للكنيسة"، هذا الاشتراك يتمُّ فقط إذا ما توفرا كلا الشرطين.

فإذا كان الكهنوت العام الذي يمنح لكل المؤمنين هو نتيجة اختيار إلهي يُعطى لكل المسيحيين ليكونوا "نقطة الوصل" بين الله وبين البشر، فإن الكهنوت الخاص هو في الأصل ثمرة هذا الاختيار العام ولكنه ايضاً ثمرة اختيار خاص. فلولا الكهنوت العام لما كان هناك كهنوت خاص ولو الكهنوت الخاص لما عُرف الكهنوت العام. فالاكليريكيين هم الذين يذكرون المؤمنيين بأنهم "شعب الله"، وهم الذين يرفعون الذبيحة الروحية، التي من خلالها المسيح ذاته يجعل من اتباعه عطية للآب.

والجماعة الكنسية ليست إلا هذا التناغم بين ما هو بشري وما هو إلهي، بين الكهنوت العام والكهنوت الخاص كاشتراك في كهنوت المسيح، هذا ما يؤكده القانون 324 "إن الإكليريكيّين المرتـبط بعضهم ببعض بالشـركة في الرئاسـة بدرجاتها، أي المقامين في درجات مختلفة، يشتركون، بطرق متنوّعة، في خدمة كنسية واحدة من وضع إلهي". وهنا يظهر بشكلٍ بهيٍ هذا التنظيم الاسراري في الكنيسة، فالكهنوت العام والخاص يتحدون في الينبوع، اي في السيد المسيح، ويتميزون في الدرجة والرسالة. والأمر لا يتعلق مطلقا بأولوية أو دونية للواحد على الآخر بل في الوظيفة المختلفة.

فالكهنوت العام يتأسس على عطية سر المعمودية، هذا الختم الأبدي الذي بدونه لا اشتراك في الجسد الكنسي: "إن المؤمنيين بإندماجهم بالمعمودية في جسد الكنيسة، قد نالوا، بواسطة هذا السرّ، سمة التكرس للقيام بالعبادة الدينية المسيحية. هذه السمة تمكن المسيحيين من التجند لخدمة الله في مشاركة حيّة في ليتورجيا الكنيسة المقدسة ومن ممارسة كهنوتهم العمادي بشهادة سيرة مقدسة ومحبة فاعلة"[12].

أما الكهنوت الأسراري، فهو يتأسس على سر الرسامة المقدسة، الذي يجعل من يناله وكيلا وصورة للمسيح الكاهن الأبدي، ومن ثمَّ امكانية التحرك باسم وسلطة المسيح الرأس ذاتها، وليقدموا الذبائح ويحلوا الخطايا. فالمؤمنون الذين نالوا عطية سر الكهنوت المقدس بذات الفعل ينالون رسالة ومهمة ووظيفة خاصة: والوظيفة النبوية، والملكية الذين للمسيح ذاته كراعي ورأس لكل الجسد. وهم يمارسون هذه الرسالة بتحادهم الفريد في شخص المسيح هذا الاتحاد الذي يعطى لهم من قبل السلطة الكنسية المختصة.

الدرجات المقدسة (ق. 325):

إن سر الكهنوت المقدس هو سر واحد في ذاته ثلوثياً في درجاته وسلطاته، فهو بتأسس إلهي ينقسم إلى ثلاث درجات:

1- الدرجة الأسقفية.

2- الدرجة الكهنوتية (القسيسية).

3- الدرجة الشماسية.

يحدد القانون لكل درجة من هذه الدرجات كيفية الممارسة وحدود السلطة والواجبات والحقوق المتعلقة بكل درجة منها. هذه الحقوق والواجبات التي تنبع من سر الرسامة ذاته، ويحددها القانون، ق. 326 "يُـقام الإكليريكيون في مختلف درجاتهم بالرسـامة المقدسة نفسها؛ لكن لا يسعهم أن يمارسوا سلطانهم إلاّ وفقـًا للقانون". مع الوضع في الاعتبار "أن سلطان الحكم القائم بوضع إلهي في الكنيسة، أهل له وفقا للشرع، المُقامون في الدرجة المقدسة" (ق. 979 بند 1).

بشكل عام يتمُّ الدخول في الحالة الإكليريكية عند نوال الدرجة الشماسيّة، ولكن القانون الحالي يسمح للكنائس ذاتية الحق أن تحدد في شرعها الخاص كيفية الدخول في الحالة الاكليريكية، وهذا يعني أن الكنائس ذاتية الحق يمكن أن تجعل الانتساب للحالة الإكليريكية[13]، وبالتالي نوال لقب "إكلريكي"، يتم عند نوال الدرجات الصُغرى[14]، وهذا يحكمه الشرع الخاص بكل كنيسته متمتعة بحكم ذاتي.

 

الفصل الأول

تنشئة الإكليروس

(ق. 328 – 356)

 

التنشئة:

يوضح القانون إن تنشئة الإكليريكيين هي واجب مقدس يقع على عاتق السلطة الكنسية، وتمارسه عن طريق الإكليريكيات. كما أن التشريع القانوني يؤكد أنه يجب أن تكون التنشئة الإكليريكية تنشئة متكاملة، أي يجب ألا تتوقف فقط عند الجانب الذهني والدراسي، بل يجب أن تشمل كل الجوانب الانسانية، خاصة الجانب الروحي، والزهدي، والطقسي، والرعوي مراعية في ذلك التقليد الخاصة بكنيسته المتمتعة بحكم ذاتي: "منهج تنشئة الإكليروس – مع العمل بالشرع العام بأمانة، ومراعاة تقاليد الكنيسة المتمتّعة بحكم ذاتي –  يجب أن يتضمّن أيضًا قواعد مفصّلة في ما يتعلّق بتكوين الطلبة الشخصي والروحي والعقائدي والرعوي، بالإضافة إلى ما يتعلّق بإلقاء الموادّ المختلفة وتنظيم الدروس والامتحانات" (ق. 330 بند 3).

الأساس التشريعي:

إن التنظيم القانوي الحالي، فيما يتعلق بالتنشئة الإكليريكية، يقوم على التعليم المجمعي وخاصة في القرارات المجمعية "حياة الكهنة الرعاة وخدمتهم"، و "التنشئة الكهنوتية"، "الكنائس الشرقية الكاثوليكية"، وعلى الرسائل البابوية، لا سيما "اعطيكم رعاه".

أسس لاهوتية وقانونية:

إن التنشئة الإكليريكية الخاصة بالخدمة الأسرارية هي:

       حق وواجب كنسي مرتبط ارتباطا جوهريا باساس وطبيعة رسالة الكنيسة (ق. 328).

       حق كنسي لا يمكن لاي سلطة زمنية أخرى أن تتدخل فيه، لا بالتحجيم ولا بالتأثير، فللكنيسة فقط كامل الحق في تنظيمه وتشكيله.

و التشريع الكنسي في القانون 329 يتطرق إلى "الدعوات الكهنوتيّة"، فيؤكد الآتي:

واجب عام: يمس كل الجماعة الكنسية، ولا سيما كل أسرة مسيحية: "إن  مهمّة  تعزيز  الدعوات  لا سيّما  للخدمات المقدّسة، تعود إلى كلّ الجماعة المسيحيّة التي عليها، بناء على اشتراكها في المسؤولية، الحرص على احتياجات خدمة الكنيسة بأسرها: على الآباء والمعلّمين وغيرهم ممّن هم في طليعة المربّين على الحياة المسيحية، أن يُعنوا بإنعاش العائلات والمدارس بالروح الإنجيلية، لكي تتسنّى للأطفال والشبّان حرّية الإصغاء  إلى الربّ الذي يناديهم بالروح القدس ويسارعوا إلى الاستجابة إليه" (ق. 329 بند 1 ،1).

       واجب محدد: هو واجب كل رعية: "على الإكليروس، وفي مقدّمتهم الرعاة، أن يُعنَوا باكتشاف الدعوات وتعزيزها بين الفتيان أو غيرهم، بما في ذلك المتقدّمون في السن" (ق. 329 بند 1 ،2).

       واجب خاص: إن التشريع يضع على عاتق الأسقف مهمة تنشيط الدعوات وإنمائها: "على الأسقف الإيبارشي بنوع خاصّ، بالتعاون مع غيره من الرؤساء الكنسيين، أن يحرّض قطيعه وينسّق مبادراته  في سبيل الدعوات" (ق. 329 بند 1 ، 3).

مع التأكيد على أنه، "يعود لسينودس  أساقفة  الكنيسة البطريركية أو مجلس الرؤساء الكنسيين، أن يضعوا للإكليريكيّات الواقعة في حدود منطقة كنيستهم، منهجا لتنشئة الإكليروس، يُحدَّد فيه بالمزيد من التفصيل ما في الشرع العام؛ أمّا في سائر الحالات فيعود إلى الأسقف الإيبارشي أن يضع مثل هذا المنهج  لإيبارشيّته". (ق. 330 بند 1).

المؤسسات المنط بها التنشئة:

المعاهد الصغيرة أو الإكليريكيات الصغرى:

إن هدف المعاهد الصغرى هو مراعاة كل الذين تظهر عليهم علامات الدعوة، عن طريق إنماء الجانب الديني لديهم ليتماشى مع نموهم الإنساني والعلمي. وهنا تجدر الاشارة إلى أنه يمكن لهذه المعاهد أن تقبل أيضا هؤلاء الذين لا ينّون الانخراط في السلك الاكليريكي بهدف تربيتهم تربية مسيحية صحيحة، ليصبحوا في المستقبل مسحيين صالحين وأمثلة صالحة، لإن المعاهد الصغرى لا تهدف فقط إلى تربية دعوات أكيدة بل إلى دراسة علامات الدعوة لدى مَنْ تظهر عليه، وتربية مَنْ لا تظهر عليه تربيةً مسيحية صالحة.

أما بالنسبة لهؤلاء الذين تظهر عليهم علامات الدعوت فيمكنهم، بحسب ما يحدده الشرع الخاص، أن ينالوا بعض الرسامات الصغرى، وأن يمارسوا بعض الانشطة الرعوية التي يمكن أن تساعدهم في مسيرة نموّ دعوتهم. وهنا يساوي الحق القانوني بين المعاهد الصغرى وبين كل المؤسسات الصغرى التي تهدف لنفس الهدف.

 المعاهد الكبري أو الإكليريكيات الكبرى:

هي مؤسسات لا غني للكنيسة عنها، فهي تهدف إلى تنشيط الدعوات الاكليريكية، والتأكد من صحتها، وتشكيل وتربية المدعويين ليستطيعوا الوصول لنوال الدراجات المقدسة. ويمكن تأسسيها على اساس التقسيم الإيبارشي بحيث يكون لكل ايبارشية إكليريكيتها الخاصة وفي هذه الحالة يعود الأمر لسلطة للأسقف الايبارشي في حدود اسقفيته. او تأسيسها لعدة ايبارشيات مجتمعه، وفي هذه الحالة يعود الامر أمر تأسيسها إلى الأساقفة الإيبارشيين لهذه الإيبارشيات. أو يتمّ تأسيسها لكنيسة متمتعة بحق ذاتي بناءً على قرار لسينودس الأساقفة لتلك الكنيسة. وأخيراً، يسمح القانون بتأسيس إكليركية واحدة لعدة كنائس متمتعة بحق ذاتي معاً، لها ايبارشيات في نفس المنطقة أو الدولة، وذلك توفيرا لتنشئة لا ينقصها شيء من حيث عدد ملائم من الطلبة ووفرة مناسبة من المشرفين والأساتذة المؤهّلين كما يجب، بالإضافة إلى الوسائل الوافية والتعاون على أفضل وجه (ق. 332 بند 2).

مع توضيح أن "الإكليريكيّة يـُنشِئها الأسقف الإيبارشي لإيبارشيته، أمّا الإكليريكيّة المشتركة بين عدة إيبارشيّات، فيُنشئها الأساقفة الإيبارشيّون لهذه الإيبارشيّات، أو السلطة الأعلى، لكن برضى مجلس الرؤساء الكنسيين أو برضى سينودس أساقفة الكنيسة البطريركية إذا تعلّق الأمر بالبطريرك" (ق. 334 بند 1).

كما يمكن للإكليريكية في ظروف خاصة أن تقبل دعوات من إيبارشيات أو كنائس متمتعة بحكم ذاتي أخرى (ق. 333)، ولكن مع مراعاة احترام الطقوس الخاصة بهذه الدعوات، لأنه يجب أن "يُكوّن الطلبة على طقسهم، حتى وإن قُبلوا في إكليريكيّة تابعة لكنيسة أخرى متمتّعة بحكم  ذاتي، أو في إكليريكيّة مشتركة بين عدّة كنائس متمتّعة بحكم ذاتي، وتُرذل كلّ عادة مخالفة" (ق. 343).

التنظيم الخاص بالتنشئة الإكليريكيّة (اللائحة الداخلية):

لكل إكليريكية يجب أن يكون له لائحة خاصة (ق. 922) [15]. هذه اللائحة معتمدة من السلطة المختصة و"يُحدَّد فيها أوّلا هدف الإكليريكيّة الخاصّ واختصاص كلّ سلطة؛ كما تُحدَّد طريقة التعيين أو الانتخاب، ومدّة  الوظيفة،  والحقوق والواجبات والمكافآت العادلة للمشرفين وذوي الوظائف والمعلّمين والمستشارين أيضا، وكذلك الطرق التي يشترك هؤلاء بها بل والطلبة أيضًا في مهمّة المدير، لا سيما في حفظ نظام الإكليريكية. ويجب أيـضًا أن يـكون للإكليريكيّـة دليـلها، يـُنفـّذ به منهج  تنشئة الإكليروس وقواعدها، متّفقةً مع الظروف الخاصّة، وكذلك تُحدّد فيه بالمزيد من الدقّة – مع سرَيان اللائحة الداخليّة – أهمّ نقاط نظام الإكليريكيّة، في ما يخص تنشئة الطلبة والحياة اليوميّة وتنظيم الإكليريكية بأسرها. لا بدّ للائحة الإكليريكيّة الداخليّة من اعتماد السلطة التي أنشأت الإكليريكية، ومن اختصاصها أيضًا تغييرها إذا اقتضى الأمر؛ وهذه الأمور تعود، في ما يتعلّق بالدليل، إلى السلطة التي تحدّدها اللائحة الداخليّة" (ق. 337).

الوضع القانوني للإكليريكيات:

الإكليريكية التي أنشئت على وجه صحيح هي بحكم القانون "شخص اعتباري" (ق.335و921)، و"في جمـيع الشـؤون القانونية، يمثّل المديـر الإكليريكيّة، ما لم يُقرّر الشرع الخاص أو لائحة الإكليريكيّة الداخليّة غير ذلك" (ق. 335 بند 2).

القائمون على خدمة الإكليريكية:

       مدير الإكليريكية:  يتمتع بسلطة مألوفة، وسلطته هي مساوية للسلطة التي يتمتع بها الراعي في رعيته، بستثناء الامور التي تتعلق بالمسائل الزوجية؛ "يقوم  مدير الإكليريكية أو مفوّضه بوظيفة الراعي لجميع الذين في الإكليريكية، باستثناء شؤون الزواج، ومع سرَيان القانون  734. كما أنه "لا يقم مديرو معاهد التربية بخدمة سر التوبة لتلاميذهم على وجه مألوف"، وذلك لأنه "يُحظر على المعرّف حظراً تاماً أن يستخدم المعلومات الحاصل عليها في الاعتراف استخداماً يسئ إلى التائب " (ق. بند 1، 2).

       المدبر المالي: يُعهد إليه الاهتمام بكل ما يتعلق بالأمور المالية.

       مدير الدراسات: ويُعهد إليهم كل ما تعلق بالناحية الدراسية، في حالة إن تكون الدراسة تمت داخل الإكليريكية.

       المرشد الروحي: يُعهد إليه التكوين الروحي، والتشريع الكنسي يؤكد أن وجدوه هو اجباري. فلكل إكليريكية "لا بدّ ولو من أب روحي واحد، غير المدير؛ وبالإضافة إليه، للطلبة الحرّيّة في أن يقصدوا لإرشادهم الروحي أيّ كاهن آخر، معتمَد من قِبَل المدير" (ق.339 بند 1).

        المكوّنيين و المدرسين: وهم مَنْ يُعهد إليهم مهمة التكوين على مختلف المجالات. و"إذا تمّت دراسـة الموادّ المقـرّرة في الإكليريكيّة نفسها، يجب توفير عدد مناسب من المعلّمين المختارين كما يجب، والمتضلّعين كلّ في مادّته، وفي الإكليريكيّة الكبرى يجب أن يكونوا حاصلين على درجات أكاديمية مناسبة" (ق. 340 بند 1). والذين يجب عليهم: "إلى جانب التحضير الشـخصي وتحديثه بلا انـقطاع، على المعلّمين أن يتبادلوا الآراء فيما بينهم وبين المشرفين على الإكليريكيّة، متعاونين متّفقين، في سبيل تنشئة كاملة لخدّام كنيسة الغد، ساعين من خلال تنوّع الموادّ نحو وحدة الإيمان والتكوين" (بند2). وايضا "على مدرّسي العلوم الدينيّة أن يقتفوا آثار الآباء القدّيسين والمعلّمين الذين تفخر بهم الكنيسة، لا سيما الشرقيين منهم، ويجتهدوا في شرح العقائد على ضوء ما خلّفوه من كنز ثمين" (بند 3).

       المرشدين الروحين والمعرِّفين: ويمكن أن يكون من داخل الإكليريكيّة أو من خارجها. فالقانون يؤكد أنه "بالإضافة إلى المعرِّفين المألوفين، يُعيّن أو يُدعى معرِّفون آخرون، مع حقّ الطلبة الكامل في قصد أيّ معرّف، حتّى خارج الإكليريكيّة، مع عدم الإخلال بنظام الإكليريكيّة. وعند إبداء الحكم على الأشخاص، لا يجوز طلب صوت المعرّفين أو الآباء الروحيين". (ق.339 بند 2، 3).

وسلطة تعين كل هؤلاء تعود إلى الأسقف الايبارشي في حالة أن تكون الإكليريكية تحت سلطته المباشرة وفي حدود ايبارشيته. أما في حالة إن تكون الإكليريكية لكل الكنيسة فتعدو سلطة التعيين إلى سنودس الكنيسة. كما يعود الى الأسقف، او سينودس الكنيسة، مهمة الرعاية المالية للإكليريكية، أي توفير كل الاحتياجات المالية للإكليريكية، عن طريق جمع التبرعات (ق. 1014) أو تعين أشخاص يمكنهم الاهتمام بالمسائل المالية أو فرض بعض المساهمات أو الرسوم (ق. 1013).

اختصاصات وواجبات المدير:

يعود "للمدير أن يُعـنى، وفقا للائحة الداخليّة، بالإشـراف العامّ على الإكليريكيّة، وبالتشديد على أن يحفظ الجميع لائحة الإكليريكيّة الداخليّة ودليلها، وكذلك بتنسيق أعمال سائر المشرفين وذوي الوظائف، مع تعزيز الوحدة والتعاون في الإكليريكيّة بأسرها" (ق. 338 بند 2). فهو المسؤول الأساسي عن حياة الإكليريكية وعن قيادتها. فعليه السهر على التكوين الإكليريكي في كل مجالاته من روحية وجماعية ودراسية ورعوية. ومراجعة القائمين على التكوين في هذه المجالات للتأكد من أنهم يقومون بواجبهم على أكمل وجه. وهو كراعي مطالب برعاية، كل من عُهد إليه رعايتهم، رعاية جماعية وشخصية. كما عليه تقديم تقارير دورية إلى الأساقف الإيبارشي لشرح المسيرة التكوينية للطلبة التابعين لهم، ولمجلس الأساقفة أو السينودس لشرح وتقويم الطريقة التي تسير عليها الحياة بالإكليريكية. كما عليه الاهتمام بكل الجوانب الحياتية للطلبة، بما في ذلك الاحتياجات المالية، وتقديمها إلى الأسقف المختص.

القبول في الإكليريكيات:

تقع مسؤولية قبول الدعوات للدخول في الإكليريكية أولاً على الأسقف الإيبارشي، والذي يمكنه أن يطلب المساعدة من مدير الإكليريكية، غير أن القانون يشير إلى أنه لا يمكنه أن يتخلى أو يترك المسئولية كاملة عليه. 

للقبول يجب أن يتوفر في المتقدم:

1-    كل الشروط القبول الوارد ذكرها في اللائحة الخاصة بالإكليريكية؛ "لا يُقبل في الإكليريكيّة إلاّ الطلبة الذين تَثبُت أهليّتهم بالوثائق المطلوبة وفقًا للاّئحة الداخليّة." (ق.342 بند 1).

2-    أن يكون قد نال سر المعمودية وسر الميرون المقدس (بند 2).

3-    الحصول لمن "سبق له أَن كان طالبا في إكليريكيّة أخرى، أو في مؤسسة رهبانيّة أو جمعيّة حياة مشتركة على غرار الرهبان، لا يُقبل إلاّ بعد الحصول على شهادة من مديره أو رئيسه، لاسيّما في ما يتعلّق بسبب فصله أو  مغادرته" (بند 3).

4-    أن يكون تمّ ترشيحة للإلتحاق بالإكليريكية من قبل مرشده الروحي أو من رافقه روحيا أو راعية.

5-    وأن يجتاز الاختبارات الخاصة بالمهارات الروحية والذهنية والنفسية.

التكوين في المعاهد الصغرى:

يجب أن يحث القائمون على خدمة المعاهد الصغرى الطلبة على "أن يحافظوا على علاقة ملائمة مع أُسَرهم وزملائهم، لأنّهم في حاجة إليها، من أجل تطوّرهم النفسي السليم، لا سيّما من الناحيّة العاطفيّة؛ ويُحظر بشدّة، على ضوء قواعد العلوم النفسيّة والتربويّة السليمة، كلّ ما قد يحد ّ ­ بأيّ نوع كان ­ من حرّيّة اختيار الحالة الشخصيّة" (ق. 344 بند 1).

ويراعي الاهتمام بالناحية الروحية لكي يَألف "الطلبة أن عن طريق إرشاد روحي ملائم، اتّخاذ القرارات الشخصيّة والمسؤولة على ضوء الإنجيل، ويهذّبوا ملَكاتهم المختلفة بلا كلَل، من غير إهمال أيّ فضيلة ملائمة للطبيعة الإنسانيّة" (بند 2)

كما يجب أن يشمل "البرنامج الدراسي في الإكليريكيّة الصغرى، ما يلزم في كلّ دولة لمباشرة الدراسات العليا، وبنوع خاصّ كلّ ما هو مفيد لتقلّد الخدمات المقدّسة، بقدر ما يسمح بذلك المنهج الدراسي؛ وتجب على وجه عام  العنايّة في أن يحصل الطلبة على شهادة الدراسات المدنيّة، فيتمكّنوا بها من متابعة الدراسات في مكان آخر أيضا، إذا انتهى بهم  الأمر إلى هذا الاختيار" (بند 3).

التكوين في المعاهد الكبرى:

إن "تنشئة الطلبة في الإكليريكيّة الكبرى، يجب تكميلها بتعويض ما ربّما فاتهم من التنشئة الخاصّة بالإكليريكيّة الصغرى، في كلّ حالة بمفرده، فيندمج التكوين الروحي والثقافي والرعوي معًا، بحيث يصبحون خدّاما للمسيح في  قلب الكنيسة، ونورًا ومِلحًا لعالم اليوم" (ق. 345)

ولأن الشرع الكنسي يعطي أهمية كبيرة لتعلم الطقس الخاص بكل كنيسة واحترامه فإنه يؤكد على مع مراعاة أن "يُكوّن الطلبة على طقسهم، حتى وإن قُبلوا في إكليريكيّة تابعة لكنيسة أخرى متمتّعة بحكم  ذاتي، أو في إكليريكيّة مشتركة بين عدّة كنائس متمتّعة بحكم ذاتي، وتُرذل كلّ عادة مخالفة" (ق. 343).

التكوين الروحي:

إن الجانب الروحي للإكليريكي هو العمود الفقري وهو الاساس الذي ستؤسس عليه كل حياته وخدمة المستقبلية ولهذا فيجب أن "يكون الراغبين في الخدمات المقدسة على تنميّة أُلفة حميمة مع المسيح في الروح القدس، والبحث عن الله في  كلّ شيء، فيحرصوا بدافع من محبّة المسيح الراعي، على اكتساب جميع الناس لملكوت الله، ببذل حياتهم نفسه. وعليهم أن يستمدّوا كل يوم وقـبـل كل شـيء الطاقة لحياتهم الروحيّة والعزم لعملهم الرسولي، من كلمة الله والأسرار المقدّسة". (ق346 بند 1، 2)

والتشريع الكنسي يلزم الطلبة أن:

(1) يتعوّدوا بالتأمل اليقظ والدؤوب لكلمة الله، وبتفسيرها الأمين على هدى الآباء، أن يجعلوا حياتهم أشبه بحياة المسيح، ويتدرّبوا على العيش بالمثـُل الإنجيليّة، راسخين في الإيمان والرجاء والمحبّة؛

(2)  وعليهم أن يشتركوا بلا انقطاع في القدّاس الالهي، ليتجلّى كينبوع وذروة لحياة الإكليريكيّة، كما هو بالنسبة إلى الحياة المسيحيّة بأسرها؛

(3)  ليتلقّنوا الاحتفال بالصلوات الطقسيّة على الدوام حسب طقسهم، ويغذّوا بها حياتهم الروحيّة؛

(4)  ليولوا الإرشاد الروحي بالغ الاعتبار، فيتلقّنوا  فحص ضميرهم فحصا سليما، ويُكثروا من قبول سرّ التوبة؛

(5)  ليحيطوا بتقوى بنويّة القدّيسة مريم الدائمة البتوليّة أمّ الله، التي أقامها المسيح أمَّا لجميع البشر؛

(6)  ويجب تعزيز الممارسات التقويّة التي تؤدّي إلى روح الصلاة، وتؤيّد الدعوة الرسوليّة وتحصّنها، في مقدّمتها تلك التي توعز بها التقاليد الجليلة الخاصّة بالكنيسة المتمتّعة بحكم ذاتي؛ وعلى كل حال تُحبّذ الخلَوات الروحيّة والإرشادات في الخدمات المقدسة والتوجيهات للحياة الروحيّة؛

(7)  يُهذّب الطلبة على الأخذ بشعور الكنيسة وخدمتها، وكذلك على فضيلة الطاعة والتعاون المشترك مع الإخوة؛

(8)  كما يجب مساعدة الطلبة على تنميّة  سائر الفضائل، العائدة بفائدة عظمى على دعوتهم، كتمييز الأرواح، والعفّة، ورباطة الجأش؛ وعليهم كذلك أن يؤثروا  وينمّوا من الفضائل أحبّها للناس، وما يُعلي منها شأن خادم المسيح، كسلامة الفِطرة، والاهتمام الدؤوب بالعدالة، وروح الفقر، والأمانة في الوفاء بالوعود، والكياسة في السلوك، والوداعة  المقترنة بالمحبّة في الحديث.

التكوين الدراسي:

إن الإكليريكية هي الفترة التي يتمّ فيها القسم الأكبر من تكوين الدراسي للإكليريكي، هذا التكوين الذي لا يهدف فقط إلى "التحصيل الدراسي"، بل إلى "النضج الشخصي"، ولهذا فإن التشريع الكنسي يدعوا إلى أن "تـُطبّق قواعد نـظام الإكليريكيّة وفـقا لنضوج الطلبة، بحيث يتعـلّمون شيئا فشيئا ضبط النفس، ويتعوّدون على ممارسة حرّيتهم بحكمة، وعلى التعامل بتلقائيّة وجدّ" (بند 3).

كما أن هدف التكوين الدراسي في الإكليركية هو "إلمام الطلبة بالثقافة العامّة لمحيطهم وعصرهم، وتَقصّيهم مجهود الفكر الإنساني وإنجازاته، فيُحرِزوا معرفة واسعة وراسخة في العلوم الدينيّة، تمكّنهم عن طريق فهم أكمل للإيمان وتأييدهم بنور المسيح المعلّم، من تنوير أبناء عصرهم وخدمة الحقيقة على وجه فعّال" (ق. 347).

وتنقسم "الدراسات الفلسفيّة واللاهوتيّة التي يمكن إتمامها إمّا على فترات وإمّا متّصلة؛ على أن تشمل هذه الدروس ستّ سنوات كاملة  لا أقلّ، بحيث تعادل المدّةُ المخصّصة للدراسات الفلسفيّة سنتين كاملتين والمدّة المخصّصة للدراسات اللاهوتيّة  أربع سنوات كامل. تبدأ الدراسات الفلسفيّة واللاهوتيّة بمدخل إلى سـرّ المسيح وتدبير الخلاص ولا تـُختم ما لم يتّضح الترابط والتآلف المنسجم بين جميع  الموادّ، مع أخذ ترتيب حقائق المذهب الكاثوليكي أي تدرّجها في الأهمّيّة بعين الاعتبار" (ق. 348).

و"التنشـئة الفلسفيّة يجب أن تستهدف تكميل التكوين في العلوم الانسانيّة؛ ولذلك يجب في المقدّمة تحصيل التراث الفلسفي الأصيل الخالد، مع الأخذ بعين الاعتبار حكمة الأسرة البشريّة جمعاء وحكمة الثقافة المحلّيّة على وجه خاصّ، في العصور القديمة والحديثة على حدّ سواء. وكذلك الدراسـة التاريخيّة والمنهجيّة يجب أن تُلقى بحيث يتسنّى للطـلبة بنظرة نقديّة ثاقبة أن يميّزوا بسهولة بين الحقّ والباطل، ويمكنهم أن يتابعوا الأبحاث اللاهوتيّة كما يجب، بعقل منفتح على الله وكلمته، فيصبحوا أصلح للقيام بخدماتهم، بالدخول في حوار حتى مع المثقّفين من أبناء هذا العصر" (ق. 349).

اما فيما يختص بالعلوم اللاهوتية فيجب ان "تُلقى على ضوء الإيمان بحيث يسبر الطلبة غور العقيدة الكاثوليكيّة المستقاة من الوحي  الإلهي، ويعبّرون عنها في ثقافتهم لتصبح  غذاء لحياتهم الروحيّة وأداة فائقة الفائدة للقيام بخدمتهم على وجه فعّال. ويجب أن يكون الكتاب المقدّس بمثـابة روح اللاهوت بأسـره، ولا بدّ من أن تستنير به جميع الموادّ الدينيّة؛ ومن ثم  ينبغي  ­بالإضافة إلى المنهج الدقيق في التفسير ­ تعليم النِقاط الرئيسيّة في التدبير الخلاصي وكذلك أهمّ مسائل اللاهوت الكتابي. وتُدرّس الطقوس مع أخذ أهمّيتها الخاصة بعين الاعتبار كمصدر ضروري للعقيدة والروح المسيحيّة الحقيقيّة. وما دامت الوحدة التي أرادها المسـيح لكنيسـته لم تتحقّق بعد بملئها، يجب أن تكون المسكونيّة أحد الأبعاد الضروريّة لجميع الموادّ اللاهوتيّة". (ق. 350 بند 1، 2، 3)

و"يجـب أن يلائم  التكوين الرعوي ظروف المكان والزمان ومواهب الطلبة، سواء كانوا من المتبتّلين أو المتزوّجين، واحتياجات الخدمات التي يتأهّبون لها. ينبغي تنشئة الطلبة أوّلا في فنّ التعليم المسيحي والوعظ، والاحتفالات الطقسيّة، وإذارة الرعيّة، والحوار التبشيري مع غير المؤمنين أو غي  المسيحيين أو المؤمنين الفاترين، والرسالة الاجتماعيّة ووسائل الاتصال الاجتماعي، بدون إهمال الموادّ المساعدة كعلم النفس وعلم الاجتماع الرعوي (ق. 352).

وأخيرا "يجب أن تُنظّم، وفقا للشرع الخاص، تمارين واختبارات تساعد على توطيد التكوين لا سيّما الرعوي، كالخدمة الاجتماعيّة أو الخيريّة والتعليم المسيحي، وبنوع خاص دورة رعويّة في أثناء التكوين الفلسفي ­اللاهوتي، ودورة شمّاسيّة قبل  الرسامة  الكهنوتيّة" (ق.353).

وخلاصة القول هو أن التكوين الدراسي يهدف إلى شيئين:

الأول التكوين الذاتي من حيث أن الطلبة اللاهوتيين يجب أن يعطوا شهادة عن ايمانهم، شهادة مبنية على اساس إيماني شخصي وناضج وثابت.

والثاني البعد الرسولي من حيث أنهم سيصبحون شهودا للمسيح، وسيكون مطالبين أن يزرعوا في قلوم الاخرين نعمة الإيمان، وبما أن فاقد الشيء لا يعطيه، فهم مطالبون بان بحكم اختيارهم أن يهتموا بهذا الجانب اهتماما مسؤولا، بحيث يستطيعون أن يقدموا شهادة للرجاء الذي فيهم، شهادة تتفق مع الوسائل الرعوية الحديثة، مستغلين في ذلككل ما من شأنه أن يساعدهم على الوصول إلى هذا الهدف.

وهنا يظهر دور الأسقفة الذي يجب ألا يكون لديهم شيئا أخر أهم من الإكليريكية (ق. 336 بند 1) كما عليهم أن يزورا الإكليريكيّة بكثرة للنظر في شأن تكوين الطلبة، لا سيّما إذا تعلّق الأمر بالمزمعين أن يُرَقّوا إلى الدرجات المقدسة" (356 بند 2).



[1]  سيتم استخدام كلمة "إكليروس" و"إكليريكي"، كمرادفات، للإشارة الى من نال درجة كهنوتية أي: الشماس الإنجيلي والكاهن والأسقف.

[2]  ملحوظة: الاستشهادات الواردة في هذا المقال هي مأخوذة من الترجمة اللبنانية للمجمع الفاتيكاني الثاني، أما الاستشهادات القانونية فهي من الترجمة المصرية: "مجموعة قوانين الكنائس الشرقية".

[3]  مجمع تبشير الشعوب،  ليل راعوي (1/10/1989)، 3.

[4]  المجمع الفاتيكاني الثاني، الكنيسة "نور الأمم"، 10.

[5]  راجع: كرسنزيو سيبه، وثيقة صادرة عن مجمع الإكليروس "DIRECTOIRE POUR LE MINISTÈRE ET LA VIE DES PRÊTRES"، دليل في خدمة الكهنة وحياتهم، 1994، ص. 28.

[6]  يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي ملحق بمجمع الأساقفة، أعطيكم رعاة "PASTORES DABO VOBIS"، 25/ 3/ 1992، ص10.

[7]  المجمع الفاتيكاني الثاني، الكنيسة (28)

[8]  الدرجة الشماسية هي الدرجة الدُنيا من الدرجة الكهنوتية ، ويصفها المجمع المقدس بأنها درجة الذين سيموا بوضع اليد "لا بقصد الكهنوت بل بقصد الخدمة" نفس المرجع (29)

[9]  ففي حالة "الحط من الحالة الإكليريكيّة"، يفقدون هذه الحقوق والواجبات الخاصة بالسر، وإن احتفاظوا بالمسحة المقدسة، لأن السر إن تمَّ بطريقة صحية لا يمكن أن يمحي ابدا. فالإكليريكي الذي تسقط علية عقوبة الحط أو الحرمان الكبير أو الصغير، يبقى اكليريكياً فحتفظا بالسر محرومان من ممارسة وظائف السر.

[10]  راجع ق. 672 البند  1 – " أسرار المعموديّة  والمسح بالميرون المقدّس والسيامة المقدّسة لا يمكن إعادتها".

[11]  راجع الارادة الرسولية "في الطقوس الشرقية"،  ق. 38 البند 1 ، 1

[12]   التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم. 1273.

[13]  وهذا لأن التشريع الحالي يعطي لكل كنيسة "ذاتية الحق" حرية التصرف بحسب طقوسها، فالقانون 327 يقول: "إذا اتُّـخِذ أو عُـيِّن – بالإضـافة إلى الأساقـفـة والكـهـنة والشمامسة الإنجيليين- خُدّام آخرون، يـُقامون في درجة صغرى ويُدعَون على وجه عامّ  صغار الإكليريكيين، من أجل خدمة شعب الله أو مزاولة شعائر الطقوس المقدّسة، فانّ هؤلاء لا يحكمهم إلاّ الشرع الخاص بكنيستهم المتمتّعة بحكم ذاتي".

[14]   (راجع: ك 28، 29 و خ ك 2، 7 و ك ش 17 و الارادة الرسولية "في الطقوس الشرقية  ق. 38-40).

  [15] كل شخص اعتباري أنشِئ بمنح خاصّ من السلطة الكنسية المختصّة، يجب أن يكون له لائحته الداخلية المعتمدة من قِبَل السلطة المختصّة بإنشاء هذا الشخص الاعتباري. البند 2 ­ مع سرَيان الشرع العام، لاعتماد هذه اللائحة الداخلية يجب أن يحدَّد فيها بالمزيد من الدقّة ما يلي: (1) غاية الشخص الاعتباري المميَّزة؛ (2) طبيعة الشخص الاعتباري؛ (3) مَن المختصّ بإدارة الشخص الاعتباري وكيف ُتمارس؛ (4) مَن يمثـّل الشخص الاعتباري أمام المحكمتَين الكنسيّة والمدنيّة؛ (5) مَن المختصّ بالتصرّف في أموال الشخص الاعتباري، ومن هو المنفِّذ في حالة زوال الشخص الاعتباري، أو تقسيمه إلى  عدّة أشخاص اعتباريّة، أو ضمّه إلى أشخاص اعتبارية أخرى، مع التقيّد دوما بإرادات المحسنين والحقوق المكتسبة. البند 3 ­ قبل اعتماد اللائحة الداخليّة لا يسع الشخص الاعتباري أن يقوم بأيّ عمل على وجه صحيح.