حالة الكنيسة الكاثوليكية في مصر (3) الأنبا/ يؤنس زكريا

رابعاً: خصوصيات الكنيسة الكاثوليكية في مصر
تتميز الكنيسة الكاثوليكية في مصر بخصوصيات كثيرة ومتنوعة، نذكر من أهمها  ما يلي:
     1.  تتكون الكنيسة الكاثوليكية في مصر من سبع كنائس، تابعة لمختلف البطريركيات الكاثوليكية في الشرق العربي، وهذا ما يضفي عليها مزيداً من الغنى في التراث المسيحي والتقاليد الكنسية، وكثيراً من الثراء والتنوّع الليتورجي، الخاص بكل كنيسة من خلال سبع ليتورجيات مختلفة،. هذا التراث الفريد للكنائس الكاثوليكية في مصر، يعطي مزيداً من الحيوية والتجديد الروحي لمؤمني الكنيسة المصرية.
       2.      تتميز العلاقة بين الكنائس الكاثوليكية في مصر بالمحبة الأخوية الصادقة والتعايش معاً بروح الألفة والسلام والتعاون المتبادل. نرى هذا في الترابط الحميم وشركة المحبة التي تجمع بين المسؤولين عن هذه الكنائس، وفي اجتماعاتهم المشتركة والدورية في "مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في مصر"، حيث ينصهر الجميع في بوتقة الحب والتعاون الأخوي والعمل من أجل خير الكنيسة الجامعة. كما نرى هذا في روح العلاقة الوطيدة التي تجمع بين الرهبنات الكاثوليكية، وفي تعاونها وتضامنها معاً، من أجل تنمية العمل الرسولي والحياة الرهبانية في مصر. نرى هذا أيضاً، على مستوى العلمانيين الكاثوليك، من خلال مشاركتهم الفعالة في الأنشطة الرسولية والخدمات الإنسانية والاجتماعية.
       3.      يوجد في مصر العديد من الرهبانيات الكاثوليكية، التي كان لها، ومازال، رسالة تاريخية هامة في تنشيط الأعمال الرسولية والتجديد الكنسي للكنيسة الكاثوليكية في مصر. يبلغ عدد الجمعيات الرهبانية النسائية 39رهبنة، وعدد البيوت الرهبانية 176بيتاً، وعدد الراهبات 1098 راهبة، ويبلغ عدد الجمعيات الرهبانية الرجالية 12 رهبنة، وعدد البيوت الرهبانية 74بيتاً، وعدد الرهبان 212 راهباً.
                 4.             تعتبر الكنيسة الكاثوليكية في مصر رائدة في مجال الخدمة الاجتماعية والثقافية، ونموذجاً في خدمة الإنسان والمجتمع والوطن:
أ‌-            عن طريق الرهبنات الكاثوليكية والجمعيات والهيئات والمؤسسات الخيرية المتنوعة، تقدم الكنيسة رسالتها الاجتماعية، وتعمل من أجل تقدّم وتنمية الإنسان المصري، من خلال الخدمات الصحية، ومحو الأمية التعليمية والفكرية، والتنمية الاقتصادية والمعنوية. من الملاحظ، أن هذه الخدمات تقدم لجميع المواطنين، أيّاً كانت انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الاجتماعية.
ب‌-       عن طريق المدارس الكاثوليكية، ذات الشهرة والتاريخ، والتي تتسم بالأداء المتميز في مجالي التربية والتعليم، توفر الكنيسة للنشء الحديث التربية النموذجية والتدريس الحديث، وتعمل على تنشئة وتثقيف أجيال الغد. يبلغ عدد هذه المدارس 168 مدرسة، منتشرة في جميع أنحاء القطر المصري، وتشمل كل مراحل التعليم وفروعه، ويبلغ تعداد تلاميذ هذه المدارس 125000 تلميذاً وتلميذة، ينتمون إلى كل الفئات الاجتماعية، ومن كل الأديان والطوائف.
                5.              يتمتع معظم أبناء الكنيسة الكاثوليكية في مصر بالجنسية المصرية، وإن كان من بينهم بضعة آلاف من أصول وجنسيات مختلفة، وهذا يذكي كثيراً صفة الكثلكة والروح الجامعة للكنيسة الكاثوليكية في مصر.
                6.              تنفرد الكنيسة الكاثوليكية في مصر، وربما على المستوى الكنسي العالمي، بوجود "المجلس الرعوي العام للكنيسة الكاثوليكية في مصر"، الذي تأسس بقرار من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر، في ديسمبر 1979، ويتكوّن من جميع الكنائس الكاثوليكية بمختلف هيئاتها ومؤسساتها، ويعمل أعضاؤه للتجديد الروحي، والتخطيط الرعوي والتنسيق الرسولي وتنمية المؤمنين روحياً وإنسانياً واجتماعياً، ويتيح الفرصة للعلمانيين للمشاركة في رسالة الكنيسة.
                  7.            حضور الكنيسة الكاثوليكية في مصر، بجانب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنائس المسيحية الأخرى، وأيضاً بجانب اخوتنا المسلمين، يلزمها بأن تكون كنيسة الحوار والمشاركة، وأن يكون لها دور رائد في مجال العمل المسكوني من أجل تحقيق الوحدة المسيحية، ودور فعال في الحوار الأخوي والعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، والسعي من أجل بناء مجتمع المحبة والسلام والخير.
خامساً: نداء الكنيسة الكاثوليكية في مصر
للكنيسة الكاثوليكية في مصر طموحات كثيرة، ترغب في تحقيقها:
1.  الدعوة إلى المزيد من التعاون والتنسيق بين الكنائس الكاثوليكية والرهبانيات والجمعيات والهيئات والمؤسسات العاملة على أرض مصر، مع ضرورة تبادل الخبرة والخدمات فيما بينهم وبين كل الكنائس الكاثوليكية ومؤسساتها العاملة في الشرق الأوسط.
2.  تحقيق المزيد من تضامن كنيسة الأقباط الكاثوليك مع الكنيسة الكاثوليكية في مصر والشرق الأوسط، وتحقيق المزيد من تفتّح وتقارب الكنائس الكاثوليكية في مصر والشرق الأوسط مع كنيسة الأقباط الكاثوليك. والعمل معاً للخروج من قوقعة الطائفية، والانغلاق والانكباب على الاهتمامات المحلية، إلى روح المحبة الكاملة، والانفتاح على الآخرين، والسعي المشترك من أجل تحقيق كنيسة الروح والقلب والفكر الواحد.
3.  الدعوة إلى التعاون المتبادل بين المسؤولين في الكنائس الكاثوليكية في مصر والشرق الأوسط، من أجل تنمية الدعوات الكهنوتية والرهبانية، وتقديم التكوين المناسب والملائم لكهنة ورهبان وراهبات المستقبل، مع توفير التكوين المستمر لهم. أيضاً، الاهتمام بتكوين العلمانيين وتثقيفهم لاهوتياً وروحياً واجتماعياً، وتأهيلهم المستمر وفتح المجال أمامهم للمشاركة في رسالة وخدمة الكنيسة.
4.  العمل معاً، للحد من نزيف هجرة المسيحيين للخارج، ومساعدة الشباب حديثي التخرج على الاستقرار، وتهيئة فرص العمل لهم، من أجل خير بلادنا وكنائسنا.
5.  تضافر كل الجهود الكاثوليكية من أجل تأسيس مطبعة كاثوليكية، ودار نشر لتوزيع المطبوعات الكاثوليكية في مصر، وتدعيم الكتب والمجلات والدوريات الكاثوليكية، والعمل الجاد لإنمائها وتطويرها وانتشارها بين الجميع.
6.  تنسيق الجهود الكنيسة، من أجل حفظ تراث الآباء والأجداد، والتقاليد الكنسية العريقة، والثراء الليتورجي والتاريخي لكنائسنا الشرقية، والعمل على تنمية وتجديد وتنظيم هذا التراث، بحيث لا يكون تراثاً متحفياً وتاريخياً فحسب، بل ينبوع حياة روحية ومشاركة حياتية فعالة، للخير الروحي العام.
7.  الدعوة إلى التعاون المشترك في دفع عجلة العمل المسكوني إلى الأمام، وتقدم الحوار مع اخوتنا المسلمين، وتحقيق مزيداً من أعمال المشاركة والتعاون بين الجميع.
8.  تزكية وتنشيط الروح الإرسالية بين الإكليروس والرهبان والراهبات والعلمانيين، والعمل على تلبية الاحتياجات الإرسالية الملّحة في البلاد العربية والأفريقية، وتجديد الكرازة ودعوة الإيمان للشعب المسيحي، وتعليم الكبار والصغار حقائق التعليم المسيحي، وبذل كل الجهد من أجل الحفاظ  على نقاء الإيمان المسيحي في حياة وقلوب المؤمنين، وحمايته من كل ضعف وأخطاء بلا تهاون أو إبطاء.
خاتمة
ختاماً أرجو أن اكون قد وفقت في تقديم رؤية متكاملة لحالة الكنيسة في مصر، وأتضرع إلى الرب القدير أن يبارك كل عناصر هذه الكنائس العريقة ذات التراث التليد ويكلل كل أعمالنا بالنجاح، ويقودنا بإرشاد روحه القدوس إلى عمل  ما يمجد اسم الرب، وإلى تحقيق كل ما يفيد ويبني كنيستنا ومجتمعنا وبلادنا.
أنظر الجزء الأول والجزء الثاني

المراجع
–              الأب بطرس سعد الله، اليوبيل الماسي للكلية الإكليريكية للأقباط الكاثوليك، 1899-1974، القاهرة.
–              مركز  الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، تقرير الحالة الدينية في مصر، 1995، الجزء الأول، 1996، القاهرة.
–              الدليل العام للكنيسة الكاثوليكية في مصر، 1998، القاهرة.
–              مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، تقرير الحالة الدينية في مصر، 1997، الجزء الثاني، 1998، القاهرة.
المرجع: عن مجلة صديق الكاهن