الوجه الإنساني للإرهاب مقابلة مع المونسنيور ميشال شويانس

روما، 24 أبريل 2007 (ZENIT.org) –

"تبني مثليو الجنس أطفالاً، السماح بالموت الرحيم حتى عند الأولاد، تشريع الإجهاض حتى في البرتغال… ما الذي يجري حالياً في أوروبا؟ من أين تأتي نزعة الموت هذه ومن يشجعها؟"

 في هذا الحديث إلى وكالة زينت، يحاول المونسنيور ميشال شويانس الإجابة عن هذه الأسئلة، عبر تحليل لمصادر نزعة الموت التي نشهدها، مستنداً بشكل خاص إلى كتابه "الوجه الإنساني للإرهاب". وننشر في ما يلي الجزء الأول من هذه المقابلة.

  يقول المونسنيور شويانس: "يبدو أن أوروبا قد فضلت خيار الموت على خيار الحياة. ففي مجمل القارة الأوروبية لم تعد معدلات الولادة بمستوى  معدلات الوفيات، وباتت الشعوب هرمة ونسبة السكان الناشطين إقتصادياً في تراجع. وينخفض عدد سكان قرابة عشرين دولة على أساس سنوي. ففي العام 2005 وحده، خسرت روسيا حوالى 800000 نسمة وألمانيا قرابة 140000، في حين أن إيطاليا وبولونيا وإسبانيا تتجه في الإتجاه نفسه. وكان البابا مار يوحنا بولس الثاني قد لفت منذ سنوات إلى هذا "الإنتحار الديمغرافي" في أوروبا الذي يمكن اختصاره في المقارنة التالية: ففي العام 1914، كانت أوروبا تشكل 25% من سكان العالم. أما في العام 2050 فلن تمثل سوى 7% من إجمالي سكان الأرض.

 س: كيف تفسرون دهشة الموت هذه؟

 ج: لقد ندد البابا يوحنا بولس الثاني "بثقافة الموت" في مناسبات عديدة. وقد باتت هذه الثقافة راسخة ومنتشرة في أوروبا حيث تدل على تراجع للرجاء. فقد أصبح تعقيم النساء والرجال سلوكاً شائعاً. ويسجل العديد من دول أوروبا نسباً متساوية من الإجهاض والولادات. وبحسب مكتب البيانات السكانية فإن أكثر من 70% من النساء في أوروبا يستخدمن وسائل منع الحمل. أما البلدان الأوروبية التي قوبلت رسالة "الحياة الإنسانية" فيها بأعلى مستوى اعتراض، فهي نفسها الدول التي تحارب مبدأ الحياة. فماذا نقول عن الآثار الجانبية السرطانية لعقاقير منع الحمل التي تقرّ منظمة الصحة العالمية بوجودها؟ وماذا نقول عن إمكانية الإجهاض التي قد تنتج عن هذه العقاقير؟ وماذا نقول أخيراً عن خطر الموت الذي يأخذه أشخاص مصابون بأمراض منقولة جنسيا" على عاتقهم؟ 

  س: في كتابكم "الوجه الإنساني للإرهاب" كما في كتابات أخرى، تشددون باستمرار على جذور نزعة الموت هذه. وتشيرون إلى سيطرة نزعة الموت في الأيديولوجيات المعاصرة، خاصة في الشيوعية والفاشية والنازية ولكن أيضاً في النظام الليبرالي المعاصر…

 ج: إن الأيديولوجيات التوتاليتارية التي ولدت في القرن العشرين تستمر إلى ما بعد انقضاء الأنظمة التي أسست لها. وتشترك هذه الأيديولوجيات جميعاً في رفضها لأي مرجع أخلاقي. فعلى المرء أن يكون مستعداً للموت أو للتضحية بحياته إذا ما استدعى منه الحزب أو طهارة العرق أو الدولة ذلك. إن هذه الأيديولوجيات التي ألهمت الشيوعية والنازية والفاشية لا زالت حية تُرزق، إضافةً إلى أنها حالياً تتعزز عبر النيوليبرالية الجانحة التي تجد جذورها في تيار "التنوير" في القرن السابع عشر. وقد ورثت الأيديولوجية الليبرالية عن تيار التنوير شعارين أساسيين، أولهما مبدأ الفردية الذي يعتبر أن الأهم هو استقلالية الفرد وحريته المطلقة. فإن كان الفرد يتمتع بالقوة اللازمة، بإمكانه أن يستعمل الآخرين ويستغلهم ويستخدمهم لمنفعته أو لذته وأن يتخلص منهم إذا اعتبر أن لا فائدة منهم. وعليه، فالإنسان ليس كائناً إجتماعياً، بل إن هذه الأيديولوجية ترى فيه عدواً للإنسان الآخر، وسيّد الحياة. أما الشعار الثاني فهو الإستنسابية المطلقة التي تعطي الأولوية للمنطق الفردي بحيث تصبح الحقيقة نسبية فيحدد الأفراد قاعدتهم الخلقية وفقاً لما تمليه مصالحهم ولذاتهم الشخصية. وبالتالي، فإن المنطق يصبح وسيلة قياس الأهواء واللذات فيتعين محاربة الدين كما كافة الأحكام المسبقة. 

 إن تيار التنوير هو مصدر التيارات المعاصرة الرافضة لكل قانون وكل قاعدة أخلاقية وبالتالي كل ديانة تدعو إلى الإمتثال لقواعد أخلاقية طبيعية. إن هذه النزعة إلى الفردية والإستنسابية المطلقة هي اليوم المسؤول الأول عن الإستخفاف بعطية الموت من خلال الإجهاض والموت الرحيم على سبيل المثال، بالإضافة إلى استعمال وسائل منع الحمل. إن البعض على مثال الفيلسوف هيغيل يذهب أبعد من ذلك فينادي بالإنتحار لا باعتباره حقاً وحسب بل باعتباره الترجمة الأسمى للحرية الفردية. وطبعاً، فإن منطق هذين الشعارين يقوم على إزالة كل قاعدة أخلاقية وكل ديانة، ويؤدي إلى الذاتية واللاأدرية إزاء كل المسائل المتصلة بالحياة، وإلى النسبية حيال مسألة القيم والنيهيلية (العدمية) حيال معنى الوجود والموت.   

  س: أليس التيار البيئي قادراً على التغلب على تأثير هذه الأيديولوجيات؟

 إن الأمر يعتمد على نظرتنا إلى مفهوم البيئة. فهناك بيئة عذبة، وهي ليست جيدة وحسب بل ضرورية، وهناك بيئة متطرفة تجد ترجمتها المعاصرة الأسطع في شرعة الأرض وهي وثيقة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة. والأيديولوجية التي تؤسس هذه الشرعة تقوم على أفكار قريبة من تلك التي قال بها أول مدير لمنظمة اليونسكو جوليان هاكسلي منذ خمسين عاماً ومفادها أن الإنسان "حيوان مفترس" وأنه "وباء الكرة الأرضية". وهو وليدة تطور مادي صرف ولا يمكنه أن يدّعي أنه يتفوق من حيث الكرامة على باقي الكائنات التي تؤمّ العالم. أما بالنسبة إلى بيتر سينجر، فحيازة كلب بصحة جيدة خير من أن يكون لك طفل مريض. واليوم تتكرر هذه الأفكار ليس في شرعة الأرض وحسب بل أيضاً على لسان خبراء علم الإنسان ككلود ليفي-شتراوس. ووفقاً لهذه الأيديولوجية البيئية التي تحمل أفكار قريبة للغاية من تيار ال"نيو آيج"  (New Age) فإن الإنسان، بعد موته، يعود بشكل حاسم ونهائي إلى الأرض التي خرج منها. وبالتالي، فإن الكلمة الأخيرة تكون للموت النهائي الذي لا يترك للرجاء سبيلاً.

  س: أمام الزائرين الرسوليين في دول أميركا اللاتينية سفراء الكرسي الرسولي في أميركا اللاتينية، أشار الأب الأقدس إلى تأثير مجموعات الضغط التي يمكنها أن تؤثر سلبياً على العمليات التشريعية. فهل من مجموعات ضغط تعمل على تشجيع ثقافة الموت؟

 ج: للإجابة عن هذا السؤال لا بد بدايةً من توضيح المصطلحات. إن أتباع العلمانية يبقون عمداً على اللبس القائم بين مصطلحي اللادين والعلمنة. فالعلمنة تعني منذ أيام رينان الفصل بين الكنيسة والدولة، بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية. ومبدئياً، إن العلمنة ليست مصدر مشاكل كبرى في مجتمعاتنا. أما العلمانية، فهي عقيدة منتسبة بشكل صريح وعلني للتقليد التنويري. إلا أن هذه العقيدة قد تشبّعت من الأيديولوجيات التي تسير في فلكها، وبخاصة الأيديولوجية الفاشية وتلك البيئية. وتهدف هذه العقيدة إلى القضاء على كل معتقد، مسيحياً كان أو غير مسيحي. كذلك، فإن العلمانية كناية عن شبكة حركات تعمل لنصرة هذه العقلانية المناهضة للدين. وقد أخذت بعض جمهوريات أوروبا على عاتقها مهمة تكاد تعتبرها "مقدسة" لنشر العلمانية في العالم، ومنها فرنسا وإسبانيا اللتان تسعيان كل بدورها إلى تصدير نموذج العلمانية فيهما، فتوجهت فرنسا نحو أوروبا في حين تصب إسبانيا جهودها على منطقة أميركا اللاتينية. 

 وطالما أن هذه العقيدة وتلك الحركات متجذرة في العقلانية والفكر الحر الإستنسابي فهي في خدمة ثقافة الموت. فإلى بعض وكالات الأمم المتحدة، على غرار صندوق الأمم المتحدة للسكان العظيم الشأن، كثيرة هي منظمات المجتمع المدني، كالإتحاد الدولي لتنظيم الأسرة التي تعمل على التعدي على الدين وعلى نشر ممارسات ووسائل للسيطرة على الحياة. وأضرب هنا مثالين آخرين عن الحركات التي تعمل على نشر العلمانية. أولهما هي الماسونية وهي شبكة عالمية سرية تستفيد من محرّمات الكلام عنها التي لا بد من كسرها. إن العديد من المنشورات الموقعة أحياناً بقلم ماسونيين تعلن صراحةً عن دور المجموعات الماسونية في "فَبرَكة" قوانين متعلقة بأخلاقيات الحياة لا تحترم الحق في الحياة. حتى إن بعض أعضاء هذه المنظمة يعتبرون أن منظمتهم قد ساهمت ولا تزال تساهم في حملات تهدف إلى حرمان الطفل الذي لم يولد بعد والأشخاص الذي يعانون مرضاً مستعصياً أو انهياراً عصبياً من الحماية القانونية؛ وحدهم الأشخاص المسؤولون عن إجراء عمليات الإجهاض أو الموت الرحيم يحظون بهذه الحماية القانونية. أما المثل الثاني فيتعلق بمجموعات الضغط العديدة التي تمول تجارة الموت وتعمل على إعطائها حماية قانونية. ونخصّ بالذكر هنا منظمة غير حكومية بإسم  Catholics for a Free Choice (كاثوليون من أجل خيار حرّ) وهي خدعة فكرية كبيرة تستغل كاثوليكيين كُثُر إذ توهمهم بأنها تعمل في خدمة الحياة في حين أن هدفها الوحيد يقضي بحضّ الأبرياء النافعين على الفيام بخيار الموت.

 ميشال شويانس، بالتعاون مع آن-ماري ليبير، "الوجه الإنساني للإرهاب"« Le terrorisme à visage humain »، باريس، منشورات فرانسوا-كسافيه دي غيبر، 2006.

 س. "تبني مثليو الجنس أطفالاً، السماح بالموت الرحيم حتى عند الأولاد، تشريع الإجهاض حتى في البرتغال… ما الذي يجري حالياً في أوروبا؟ من أين تأتي نزعة الموت هذه ومن يشجعها؟"

 في هذا الحديث إلى وكالة زينت، يحاول المونسنيور ميشال شويانس الإجابة عن هذه الأسئلة، عبر تحليل لمصادر نزعة الموت التي نشهدها، مستنداً بشكل خاص إلى كتابه "الوجه الإنساني للإرهاب". وننشر في ما يلي الجزء الثاني من هذه المقابلة. للإطلاع على الجزء الأول راجع عدد زينت تاريخ 26 أبريل.

  س: في كتابكم الأخير "الوجه الإنساني للإرهاب" تفضحون وجهاً جديداً للإرهاب وهو إرهاب الياقة البيضاء والقميص الأبيض. كيف برأيكم يشجع هذا الشكل الجديد للإرهاب ثقافة الموت؟

 ج: خلافاً للإرهاب التقليدي، إن هذا الوجه الجديد للإرهاب هو أكثر فعالية لأنه متخفّ. وهو يتعلق بمجموعة ميادين تضم علوم طب الأحياء وعلم السكان والحقوق وتكنولوجيا المعلومات والتواصل. وهو يفيد من دعم لوجستي ومالي من قبل أهم المنظمات الدولية. إن هذا الوجه الجديد للإرهاب يستهدف أولاً فكر الأشخاص وأخلاقهم. وهو يتخذ وجهاً إنسانياً فيبدو وكأنه يخدم الحقيقة ويحمل لواء الحرية ولكنه في الواقع يحاول جرّ الأشخاص إلى ثقافة الموت في نهاية المطاف. فتُجرَّد الكلمات من معانيها الأصلية لتُحرّف وتشوَّه  وتغطي الأعمال الإجرامية. وتنتفي المعايير التي تسمح بتمييز الصحيح عن الخطأ و الخير عن الشر. وتتحول العدالة ناتجاً للمتجارة والمساومة. وبالتالي، يصبح من الضرورة إنقاذ القانون من الوضع المشين الذي يلحق به عندما يُستعمل لتبرير أي فعل أو عمل.

 س: أنتم تشددون على أن هذا الوجه الإنساني للإرهاب هو ظاهرة جديدة. ولكن ماذا عن الحملات الدعائية وعمليات غسل الأدمغة الجارية في الأنظمة التوتاليتارية المعاصرة؟…

 ج: فعلاً، لطالما كان الإنسان ميالاً إلى الرضوخ طوعاً لعبوديته. واليوم، يتم استغلال هذه العملية النفسية بوسائل وتقنيات لبقة وأنيقة. أما الجديد المفجع فهو قيام جبهة مشتركة ضد الحياة على الصعيد العالمي يتآزر فيها رجال القانون والسياسة والأطباء وخبراء الاقتصاد والأخلاق والفلاسفة، علماً أنهم من ينتظر منهم حماية الحياة بكل صراحة ومن دون تردد. في الحقيقة، إننا نشهد ثورة ثقافية جديدة على النطاق الدولي مغلقة كلياً في وجه التسامي وخاضعة لسيطرة يوتوبيا قوامها مجتمع من دون رجاء.

 س: يبدو وكأن الكنيسة تقف وحيدة في دفاعها عن الحياة. والكثير من المسيحيين يواجهون مشكلة الضمير والأخلاق  في اضطلاعهم بمسؤولياتهم في المجتمع. وتلوح بوادر اضطهاد في العديد من البلدان…

 ج: هذا بالضبط ما نلاحظه. ويسوع هو أول من اضطُر لمواجهة عدائية من كانوا يعتبرون أن الخلاص هو وليدة أعمالهم وليس عطية مجانية من عند الله. لقد اصطدم يسوع بتحالف الكذب والعنف الشيطاني. وقد بدأ درب جلجلته مع التجارب التي يتواجه فيها مع الشرير. صحيح أنه من وجهة نظر إنسانية الكنيسة وحيدة في مواجهة ثقافة الموت. فنحن ولا شك نخوض حرباً من نوع جديد، حرباً دينية بامتياز. فالإرهاب بوجهه الإنساني يتعرض للشخص البشري لأن هذا الشخص البشري هو على صورة الله. وبما أن قوى الشر عاجزة عن أذية الخالق، فهي تجنح ضدّ المخلوق الذي بعقله وإرادته يعكس ناحية من وجهه الإلهي. ففي مقابل من يرفضون الاعتراف بمحدوديتهم وتلقي الدعوة ليصبحوا أبناء لله إلى منتهى الدهور، على الكنيسة أن تقدم للعالم رسالة عطف وحنان من شأنها أن تحيي القدرة على المحبة الخامدة في أكثر القلوب قسوةً.

 
 لذلك يتعين على المسيحيين تلافي حجري عثرة. الأول هو خصخصة الديانة التي تقول بضرورة حصر الدين في أضيق نواحي الحياة الخاصة. وهذه الخصخصة التي تجد جذورها في العلمانية إنما تهدف إلى القضاء على رسالة المسيحيين في المجتمع وعلى إحباط عزيمتهم. أما العثرة الثانية فهي التبعية، أي أن يقبل المسيحي بأن يتمّ تهميشه أو شراؤه. وهذا ما يحصل مع بعض المسيحيين الذين يقبلون بتهوّرٍ دعوات إلى محافل ماسونية. ولما كان الضيف المسيحي ملزماً بالتكتم على أسماء الأشخاص الحاضرين هناك، فهو بالتالي قد باع جزءاً لا يستهان به من حريته وبات متواطئاً مع القيود الأدبية التي تفرض على الماسوني التكتم عن جزء أساسي من هويته أي عن انتمائه إلى المحفل. وبالتالي، سيكون من الصعب جداً على الزائر أن ينتقد على الملأ، على سبيل المثال، هذا المشروع المرفوض من الناحية الأخلاقية والصادر عن "إخوة" له قاموا باستقباله بينهم.

 س: إن أحد فصول كتابكم معنون: "أي أنثروبولوجيا؟ وأي أخلاق؟". هلاّ شرحتم لنا الغاية من هذا الفصل؟

 ج: لا يمكن للوجه الإنساني للإرهاب أن يجد ملاذاً له إلا في مجتمع يعتبر الإنسان مجرد فرد. وقد ذكرنا منذ قليل الجذور التنويرية لمفهوم الإنسان هذا. غير أننا لا نعير دائماً انتباهاً لاستمرار هذه النظرة للإنسان الفردية بامتياز. وطالما أن هذه النظرة ستبقى مسيطرة، فإن العائلة عاجلاً أم آجلاً في خطر. فالعائلة تتطلب رؤيا مشخصنة للإنسان أي رؤيا يكون بموجبها الإنسان كائن تواصل وكائناً اجتماعياً قادراً على أن يحب الآخر ويساعده على النمو ويحتاج إلى الآخر لينمو بدوره، كائناً قادراً على إعطاء الحياة في العلاقة الزوجية. فعندما تسيطر الرؤيا الفردية للإنسان يميل الفرد إلى التمييز بين هدف الإتحاد وهدف الإنجاب في العلاقة مع الشريك فتؤول اللذة خيراً ويضحي الطفل خطراً. ومتى سيطرت هذه النظرة، يتم التفريق ما بين العلاقة الجنسية والحب فتتحول العلاقة وظيفة فيزيولوجية يكون الهدف الوحيد منها خدمة المتعة الفردية. وتجد هذه النزعة الفردية ذروتها في أيديولوجية "الجنس" حيث يختار الأفراد جنسهم بغض النظر عن خصائصهم الجنسية. وبرامج "الصحة الإنجابية" التي تروّجها بعض وكالات منظمة الأمم المتحدة هي في خدمة هذا الخيار الأيديولوجي. من هذا المنطلق، فإن كلمات كالزواج والعائلة والأمومة والأم والأبوة والأب وغيرها تفقد علة وجودها وتختفي من القواميس. فبمساعدة سحر الكلام المحوّر، تحلم أيديولوجية "الجنس" بإعادة بناء عالم وهمي بامتياز. فكما أن هناك أشخاص ينفون حقيقة حصول المحرقة، هناك أشخاص ينفون بشكل أعمى وقائع طبيعية واضحة وضوح الشمس.

  ميشال شويانس، بالتعاون مع آن-ماري ليبير، "الوجه الإنساني للإرهاب"« Le terrorisme à visage humain »، باريس، منشورات فرانسوا-كسافيه دي غيبر، 2006.

 * المونسنيور شويانس هو كاهن بلجيكي وأستاذ فخري لمادة الفلسفة السياسية والأيديولوجيات المعاصرة في جامعة لوفان الكاثوليكية، وعضو في الأكاديمية الحبرية للحياة والأكاديمية الحبرية للعلوم الاجتماعية وأكاديمية المكسيك لأخلاقيات الحياة. كما أنه مستشار في المجلس البابوي للعائلة.