الحركة المسكونية اليوم

 

الحركة المسكونية

إعداد: مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك

تقديم: سعد زغلول منصور

الحركة المسكونية اليوم

أصبحت الحاجة إلى الوحدة أمراً ملّحاً في حياتنا الكنسية، لأننا جميعاً نشكل معاً "قطيعاً صغيراً" (راجع لوقا 32:12) في منطقة الشرق الأوسط، حيث أرسلنا الله الآب لنتمم رسالة الفداء التي أتانا بها ابنه ربنا يسوع المسيح. فإذا أردنا أن تكون شهادتنا لهذه الرسالة مقبولة أمام اخوتنا المؤمنين من المسلمين واليهود وجميع الذين أراد الله لنا أن نعيش معهم، يجب أن تكون شهادتنا واحدة. ولن تكون خدمتنا التي نقدمها لمجتمعنا صادقة وخصبة وفعالة، إلا بمقدار ما نوحد جهودنا المتواضعة ووسائل عملنا المحدودة. بل وأهم من ذلك، إن حضورنا نفسه ومستقبلنا في هذا الجزء من العالم متوقفان على مقدرتنا على توحيد جهودنا، لنكون "قلباً واحداً وروحاً واحداً" (راجع أعمال 44:2، 45) لمواجهة القضايا المطروحة اليوم أمامنا، مثل قضية العدل والسلام وهجرة المسيحيين، والعلاقات بين الأديان، والاندماج الاجتماعي والثقافي في مجتمعاتنا، إلى ما هناك من القضايا المشتركة التي تواجه عالمنا العربي وجميع كنائسنا فيه.

 

كلنا نطلب الوحدة

كلنا، السلطات الكنسية والإكليروس والمؤمنون العلمانيون، نرى اليوم الرؤية نفسها ونشعر بالحاجة الملحة للوحدة، ولو اختلفت أحياناً الأولويات وطرق التعامل مع هذه القضية. ونرجو أن تكون مواقفنا متكاملة وإن اختلفت. فبعض أبناءنا يلحون، ويمارسون الضغوط لكي يعمل الرعاة بجد في هذا المجال، مع أننا نرى أن بعض مطالبهم أو أساليبهم يحتاج إلى مزيد من الروية، إذ أنهم لا يدركون دائماً كل المضاعفات اللاهوتية وحقيقة العلاقات الكنسية.

رغبتهم الملّحة على سبيل المثال وعملهم الدؤوب في سبيل الاحتفال معاً بعيد الفصح قد يكون مطلباً إيجابياً، مع أنه ما زالت هناك عقبات تحول دون ذلك، ومثال آخر يهم المؤمنين ويحتاج إلى عمل جاد على طريق الوحدة هو مجال الزواجات المختلطة التي تحدث تمزقاً أحياناً في داخل الكثير من العائلات المسيحية. وقد نظرنا في هذه القضية وحددنا فيها مواقف عملية، وذلك في اجتماعنا في دير الشرفة عام 1996 مع اخوتنا بعض بطاركة الكنائس الأرثوذكسية الأجلاء. من الأكيد أن الوحدة الكنسية لا تنحصر في هذه القضايا فقط، بل تتناول أيضاً قضايا أخرى في العقيدة لابد من التوصل إلى اتفاق فيها.

المبادرات المسكونية اليوم

لقد أكدنا على أهمية الوحدة بين المسيحيين منذ لقاءاتنا الأولى عام 1991 و 1992. وفي رسالتنا الثانية المشتركة في عيد الفصح عام 1992 بعنوان "الحضور المسيحي في الشرق، شهادة ورسالة" أسهبنا في الكلام على ضرورة الحوار والتعاون المسكوني، وقلنا أننا: "في الشرق نكون مسيحيين معاً أو لا نكون" (رقم39). وأوصينا باتخاذ المبادرات المناسبة في كل بلد وإيبارشية. وعلى صعيد الشرق الأوسط اتخذنا قراراً موحداً منذ عام 1988 لكي تصبح العائلة الكاثوليكية عضواً كاملاً في مجلس كنائس الشرق الوسط، الذي غدا الآن ملتقى جميع كنائس المنطقة وأداة تواصل بينها.

أهم ما توصل إليه الحوار المسكوني

إن التقدم الكبير الذي تم في العلاقات بين الكنائس خلال نصف قرن مضى، شجع وقوى التزامنا المسكوني في خدمة الوحدة الكاملة. ولهذا لابد من أن نعرف الثمار الواعدة للمساعي التي تمت في هذا المجال، سواء على صعيد الكنيسة الجامعة أو على صعيد منطقتنا في الشرق الأوسط بصورة خاصة.

 مع الكنيسة الأرثوذكسية

فتحت الشخصيات الكبيرة مثل البابا يوحنا الثالث والعشرين والبابا بولس السادس والبطريرك المسكوني أثيناغورس الأول طرقاً جديدة للتلاقي والاعتراف المتبادل بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية. كان اللقاء التاريخي الذي لا يُنسى بين البابا بولس السادس والبطريرك المسكوني أثيناغورس الأول في القدس في القدس في كانون الثاني يناير 1964 علامة بداية جديدة. وسوف يبقى صورة حية للمثال المنشود، بل شبه أيقونة سابقة للوحدة الكاملة المطلوبة.

وفي السابع من كانون الأول/ ديسمبر 1965، في آخر أيام المجمع الفاتيكاني الثاني، كان رفع الحرم المتبادل (الذي يعود إلى سنة 1054) والذي أصبح رمز الانشقاق بين روما والقسطنطينية، بمثابة إعلان رسمي للتبادل العميق في العلاقات والمواقف. كان هذا الإعلان الكنسي في الوقت نفسه "تنقية للذاكرة التاريخية ومغفرة متبادلة والتزاماً متضامناً للبحث عن الشركة".

تلا ذلك تبادل الزيارات بين البابوات والبطاركة المسكونيين واللقاءات المتعددة بين أساقفة ولاهوتيين وكهنة ومؤمنين، في إطار ما سُمي بحوار المحبة. فتبدلت شيئاً فشيئاً نظرة كل من الكنيستين تجاه الأخرى. بهذا المعنى استطاع البابا بولس السادس أن يقول لدى زيارته إلى البطريركية المسكونية في اسطنبول في تموز/ يوليو 1967: "الآن وبعد فترة طويلة من الانقسام وسوء الفهم المتبادل، منحنا الرب أن نكتشف بعضنا بعضاً، كنيستين شقيقتين بالرغم من العقبات التي قامت بيننا".

كنيستان شقيقتان

ألهمت هذه الرؤية، رؤية الكنيستين الشقيقتين، مسيرة الحوار اللاهوتي المعلن عنه عام 1979. وكانت أعمال لجنة الحوار المشتركة الدولية مثمرة إلى حد تمكن معه البابا يوحنا بولس الثاني والبطريرك المسكوني برتلماوس (في زيارته إلى روما عام 1995) من التصريح معاً: "أدى الحوار إلى إيجاد مفهوم مشترك لسر الكنيسة عبر الزمن في تسلسل الخلافة الرسولية. إن هذه الخلافة الرسولية في كنائسنا أساسية لتقديس شعب الله ووحدته. وعلى اعتبار أن خدمة الحب الإلهي تتم في كل كنيسة محلية، وأن كنيسة المسيح تظهر بها حضوره الفاعل في كل منها، استطاعت اللجنة المشتركة أن تصرّح أن كنائسنا تعترف بعضها ببعض كنائس شقيقة مسؤولة معاً عن المحافظة على كنيسة الله أمينة للتدبير الإلهي، ولا سيما فيما يختص بالوحدة".

مع كنائس الشرق القديمة

بدأت الكنيسة الكاثوليكية علاقاتها الأخوية مع سائر كنائس الشرق بطرق مختلفة. وهي الكنائس التي لم تعترف بقرارات مجمعي أفسس (431) وخلقيدونية (451) فيما يختص بشخص سيدنا يسوع المسيح.

لدى زيارة العديد من الآباء بطاركة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية (والمعروفة أيضاً باللاخلقيدونية) إلى روما، وقع البابا معهم على بيانات مشتركة تؤكد الإيمان المشترك بيسوع المسيح، إلهاً حقاً، وإنساناً حقاً، كاملاً في لاهوته وكاملاً في ناسوته. وظهر بهذه البيانات أن الخلافات حول شخص سيدنا يسوع المسيح، والتي كانت في أصل انقسام الكنائس، كانت لها أسباب متنوعة ومن أهمها الاختلاف في التعابير اللغوية. فوضع بذلك حد لخمسة عشر قرناً من سوء الفهم والمخاصمات.

وصدر كذلك بيان مشترك مشابه بين البابا يوحنا بولس الثاني وماردنحا الرابع، بطريرك كنيسة المشرق الأشورية، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1994.

بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية

تم التوصل كذلك إلى اتفاق بين الكنيسة الأرثوذكسية (الخلقيدونية) والكنائس الأرثوذكسية الشرقية (اللاخلقيدونية) وهي الكنائس الأرمنية والقبطية والحبشية والسريانية، بفضل أعمال اللجان اللاهوتية من كلا الطرفين. وقد عملت هذه اللجان في مرحلة أولى بصورة غير رسمية من 1964-1971، ثم بتفويض رسمي من 1985-1993. إلا أنه لم يتم بعد قبول هذا الاتفاق رسمياً من قبل السلطات المختصة في جميع هذه الكنائس.

مسؤولية كنائسنا

ونرى الآن أنه من واجبنا، نحن كنائس الشرق الأوسط، أن نولي انتباهاً خاصاً نص هذه الاتفاقات الكريستولوجية (حول شخصية سيدنا يسوع المسيح) ومضمونها، لأننا نتواجد جميعاً في المنطقة نفسها ومعاً نحن مدعوون لحمل شهادة مشتركة لربنا يسوع المسيح أمام المسلمين واليهود.

مع الكنائس والجماعات الكنسية في الغرب

كثرت اتصالات الكنيسة الكاثوليكية، بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، مع مختلف الكنائس والجماعات الكنسية المنبثقة عن حركة الإصلاح. فبدأت حوارات ثنائية مع الأنجليكان واللوثريين والاتحاد العالمي للمصلحين والميتودبست وتلاميذ المسيح إلخ… ولكن الحوار مع الأنجليكان واللوثريين هو الذي إدى إلى نشر نصوص لاهوتية مشتركة ذات غنى كبير في سر الكنيسة، وفي السلطة فيها، والافخارستيا والخلاص إلخ…

مع مجلس الكنائس العالمي

وطورت الكنيسة في الوقت نفسه تعاونها مع مجلس الكنائس العالمي، ولا سيما عبر مجموعة العمل المختلطة (travail groupe mixtede) ومن خلال إسهامها في أعمال اللجنة "إيمان ودستور"  (Foi et Constitution)وكانت الوثيقة التي نشرت عام 1982 ع المعمودية والإفخارستيا والرتبة الكهنوتية أفضل تلك الوثائق وأغناها، إذ أنها تبيّن توجهات مشتركة مذهلة بين الكنائس المسيحية الكبرى.