كرامــة الإنســان

يشترك الشخص البشري في نور الروح القدس الإلهي و قوته ، و هو قادر بعقله أن يفهم نظام الأشياء و يوظفها له . كما انه قادر بإرادته أن يتجه بنفسه و قلبه إلى الخير الحقيقي . ليجد كماله في السعي إلى الحق و الخير و حبهما .
· أعطانا الله الحرية في كل حياتنا البشرية .
· خلق الله الإنسان حراً عاقلاً و منحه كرامة شخص يمتلك المبادرة و له السيطرة على أفعاله . حتى يتمكن هو بذاته أن يبحث عن خالقه ليصل إلى سعادته و كماله بنفسه .
· كرامة الشخص البشري تقتضي السعي إلى الخير العام ، و على كل واحد أن يساهم في تحسين أوضاع الحياة البشرية .


ثانياً : في عين أخيه الإنسان
خلق الله الإنسان على صورته كمثاله ثم خلق له مُعيناً ، فالله خلقنا جميعاً حتى نشاركه في خلقه الدائم و المستمر لكي نمجده إلى الأبد . و رأى الله أن آدم لا يستطيع العيش بمفرده فخلق له حواء لتكون معيناً له و أعطى كل واحد فيهما الانجذاب للآخر و الميل إليه حتى يظلوا يحتاجون إلى بعض يساندون بعضهما البعض في حياتهما . و لكي نشير إلى احترام كل إنسان لأخيه الإنسان الذي يُشاركه الحياة لابد أن نشير إلى :


1. احترام الشخص البشري
لا يمكن بلوغ العدالة الاجتماعية إلا في احترام كرامة الإنسان الذي أعطاهـــا الله له و أعطاه أن يكون مسئول عنها . فلكي نحترم الإنسان لابد أن نحترم حقوقه في هذه الحياة ، حقوقاً كاملة أعطاها الله لكل إنسان خلقه على هذه الأرض . و ذلك يحدث عندما يحترم كل إنسان قريبه ( كما أوصى المسيح ) كذاتٍ أخرى له .

2. المساواة و الاختلافات بين البشر
بما أن جميع البشر هم على صورة الله الأوحد و نفس الذات و العقل و العاطفــــة و الإرادة ، و بما أن المسيح افتداهم بذبيحته ، فهم مدعوون إلى المشاركة في السعادة الإلهية نفسها و هم يتمتعون إذن بكرامة متساوية . لذلك هم جميعاً متساويين في الحقوق .

لا يتمتع الإنسان عندما يأتي إلى العالم بكل ما هو ضروري لنمو حياته الجسديـة و الروحية ، فهو إذن في حاجة إلى الآخرين ، فكل إنسان له احتياج معين يستطيع الآخر أن يُلبيه له و يكون هذا في إطار تبادل مستمر له طابع الحب و هذا ما يُساعدنا للوصول إلى السعادة الإلهية التي يدعونا الله إليها . و هذه الاختلافات و الفروق بين الناس و بعضها داخلة في تدبير الله ، الذي يُريد أن يتقبل كل واحد من الآخرين ما يحتاج إليه و أن يُشارك بما عنده من الوزنات مَن هم في حاجة إليها .

3. التضامن الإنساني
مبدأ التضامن ( محبة القريب الفعلية ) هو من أساسيات الإخوة الإنسانية المسيحية . و يظهر هذا التضامن في توزيع الخيرات التي لدينا لمن يحتــــاج إليها . و لا يتوقف التضامن عند النواحي المادية فقط بل أن التضامن فضيلة مسيحية يُشارك فيه الإنسان الآخر في الخيرات الروحية كما يشاركه في الخيرات المادية التي يمتلكها .
احترام الحياة البشرية


احترام حياة الإنسان هي جزء لا يتجزأ من احترام كرامة الإنسان ، فحياة الإنسان هي هبة من الله الخالق و هي ملك له وحده و جميعنا يعلم أن الوصية الخامسة من وصايا الله هي { لا تقتل } فالله هو خالق الإنسان و الحياة و الموت هما من أعمال يديه فقط . و ليس لأي إنسان الحق في التحكم في حياة إنسان آخر بأي شكل من الإشكال . فحياة الإنسان مقدسة لأنها من عمل الله الخالق . و ليس لأحد سلطان عليها غيره .

يكشف الكتاب المقدس منذ بدء التاريخ البشري في قصــــــة قايين و هابيل عن وجود الغضب و الشهوة في الإنسان و هما نتيجة للخطيئة الأولى ( خطيئة آدم ) و لقد لعن الله فعل قايين ” أن صوت دماء أخيك صارخ في الأرض ، و الآن فملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دماء أخيك من يدك تك 4 : 10-11 ” و منذ ذلك الحين فقتل كائن بشري يتعارض بوجه خطير مع كرامة الإنسان و قداسة الخالق . و سنتطرق الآن لبعض صور القتل التي هي ضد كرامة الإنسان و ضد احترام حياته البشرية .
1- القتل المُتعمد
تنهي الوصية الخامسة ” لا تقتل ” عن القتل المباشر و عن عمد بكونه خطيئة مميتة لأنه يقوم بحرمان شخص من حياته التي وهبه الله إياها . كما تنهي عن أن يكون الإنسان سبب لتعرض إنسان آخر للموت .
2- الإجهاض
ما هو الإجهاض ؟
الإجهاض هو قتل طفل لم يولد بعد في داخل أحشاء أمه ، و هذا يتمّ بشكل مباشر من قبل المجهضين ، و بقبول الأمهات و أحياناً بضغط أو بتجاهل الآباء أو بعدم علمهم و نحو (30–50 % يجبرون بالإجهاض بواسطة الزوج ، الصديق ، الأهل و المدرسة… )

مع تطور العلم الطبي كلنا ندرك عن يقين بأن الحياة تبدأ عند ساعة التلقيح ، فينفخ الله روح إنسان فعندما نجرد الجنين من إنسانيته و روحه نقدر أن نعتبره شيء نتحكم به كما نشاء نتخلص منه ، نسحبه ، نختبره ، و نعامله كالحيوان و نضع نفسنا مكان الله نسمح له بالحياة أم لا .

حق الإنسان في الحياة يبدأ من اللحظة الأولى من حياته في بطن أمه . و الإجهاض هو جريمة قتل عمد و السيدة التي تقوم بإجهاض نفسها تكون قد ارتكبت القتل عن عمد كما أن المساعدة الفعلية على الإجهاض هي أيضاً خطيئة جسيمة في حق هذا الطفل الذي لم يرى النور . فللطفل الحق في الحياة منذ الحبل به ( قبل أن أصورك في البطن عرفتك و قبل أن تخرج من الرحم صورتك ار 1 : 5 ) و الإجهاض المباشر تتعارض بوجه خطير مع كرامة الإنسان الذي وهبه الله الحياة . و بما انه من الواجب معاملة الجنين كشخص منذ الحبل به فلابد من الدفاع عن سلامتــه ، و من الاعتناء به مثل كل كائن بشري آخر .


إعلان البابا يوحنا بولس الثاني في رسالة إنجيل الحياة ” بالسلطـــــة التي أولاها لي المسيــح و خلفاءه ، وبالشركــة مع الأساقفــة الذين جرموا الإجهاض غير مرة و أجابوا على الاستفتاء الذي أتينا إلى ذكره سابقـاً ، و هم موزعـون في كل أنحـاء العالــم ، و أعربوا بالإجماع عن موافقتهم على هذا – أعلن أن الإجهاض المباشر المتوخي غايةً أو وسيلة ، هو خلل أدبي باهظ ، بصفة قتلاً متعمداً لكائن بشري بريء . هذه العقيدة ترتكز على الشريعة الطبيعية وعلى كلام الله المكتوب ، وقد ورثناها عن طريق التقليد الكنسي وتعلمها السلطة الكنسية العادية والجامعة .

3- الموت الرحيم ( الأوتنازيا )
الأوتنازيا أو الموت الرحيم هو قتل الأشخاص المُصابون بأمراض مستعصية أو قتل الأشخاص المشوهون أو المعاقون و هذه ضد عمل الله و تدبيره . فالموت الرحيم مهما كان دوافعه أو وسائله فهو وضع حد و نهاية لحياة شخص و هي غير مقبولة أخلاقياً و مسيحياً و تتعارض مع احترام الله الحيّ في خليقته .
كلمة قتل هي للشرير و الرحمة للمحب و لله و لكن خلط الكلمتين لتبرير عمل موت إنسان ، يمزج الأحاسيس الداخلية ليجعل الشر أن يظهر بأنه عمل خير ، والنتيجة هي قتل روح و التعدي على الحياة .

4- الانتحار :
كل إنسان مسؤول عن حياته أمام الله الذي منحه إياها ، و يبقى هو سيدها و نحن ملزمون بالشكر و بصونها إكراماً لله و لأجل خلاص نفوسنا . و نحن وكلاء على حياتنا و ليس من حقنا أن نتحكم فيها فصاحب المُلك على حياتنا هو الله الذي أودعنا إياها .
يتعارض الانتحار مع العدالة و الرجاء و المحبة الإلهية لأنه يأس في رحمة الله الرحيم ، الذي يشملنا بحبه و رعايته و رحمته الواسعة منذ الأزل و إلى الأبد .

خاتمــــــــة :
القديس غريغوريوس النصيصي يقول :
” السقوط أدخل إلى طبيعتنا الإنسانية بذار الموت . المسيح أخذ على عاتقه الإنسانيـــــــة الساقطة و أدخل إليها بذار الحياة “المعمودية ” وقوة الحياة ” الافخارستيا ” للانتصــــــــــــار على الموت و تأسيس مبدأ توحيدها وعدم فسادها .
المسيح بإعطائنا جسده و دمه يُعطينا الحياة و يصل بنا مجدداً إلى الله الآب ، بجعلنا خليقة جديدة ( 2كر: 5/16 ) تشاركه بالخلق و الخلاص . و هو يُجدّد فينا الحياة الروحية ، و بالتالي الحياة الجسدية لأن الإنسان جسد وروح . بينما من يعطي حبوب الإجهاض ، أو يُعطي وسيلة للموت الرحيم يُعطي السم و الموت و يفصل مجدداً الإنسان عن خالقه و عن شريكة حبه ، كما فصلتنا الخطيئة الأصلية عن الله على يد آدم وحواء في بداية الكون ( تك : 3 ) .



المراجــــع :
– الكتاب المقدس
– التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية : الجزء الثالث / الحياة في المسيح – القسم الأول / دعوة الإنسان بالروح – الفصل الثاني / الجماعة البشرية – المقال الثالث / العدالة الاجتماعية ،
القسم الثاني / الوصايا العشرة – المقال الخامس / الوصية الخامسة .
– المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني : بيان في الحرية الدينية – كرامة الإنسان
– رسالة البابا يوحنا بولس الثاني ” انجيل الحياة ” .