التبتل الكهنوتي علامةً لمحبةِ المسيح للأم تريزا دي كالكوتا

1.    أعطى ذاته من خلال الأفخارستيا.

2.    أعطى نعمة الكهنوت لتكميل حضوره الدائم في الأفخارستيا، لذلك:

·        بدون كهنة لايوجد يسوع

·        بدون كهنة لايوجد غفران

·        بدون كهنة لايمكننا الحصول على التناول المقدس.

مثلما أعد الأب مكاناً لأئقاً، لإبنه في حضن العذراء التي أحبته، كذلك يكون مناسباً لكل كاهن، أن يعد ويجهز ويهيء المكان للمسيح ابن الله بداخله، بإختياره التبتل الكهنوتي بكامل حريته، وإرادته.

إن الزواج والإنجاب هما من علامات حب الله وحضوره وسط الرجال والنساء الذين أختاروا أن يتعاونوا في مواصلة حياتهم الجديدة في العالم، ولقد تكلم يسوع بصورة واضحة، عن بعض الأشياء، بما في ذلك الأشياء الأكثر والأعظم أهميةً، عندما قال: إن الناس في السماء، لايزوجون ولايتزوجون، لكنهم يعيشون كالملائكة، لهذا يوجد بعض ممن قد تخلوا عن الزواج، من أجل ملكوت الله. فيصبح التبتل الكهنوتي، هو النعمة للإعداد لحياة الملكوت، ويدعو المسيح كهنتة، كي يكونوا معاونيه في الكنيسة، ولينشروا ملكوت أبناء الله.

” جاء إلى بيتنا في أحد الأيام، أثنين من الشباب، ليتبرعوا بمبلغ كبير من المال، لمساعدة الفقراء، وذلك لأنه قد أعلن في كنائسهم عن هذا الإحتياج الملح لدينا، لأنه كما تعلمون، فنحن نطعم عدداً غفيراً من الناس في كالكوتا كل يوم. وقد أخبراني ” لقد تم زواجنا منذ يومين، ولكننا قبل الزواج قد قررننا أن لا نقوم بشراء ملابس الزفاف الخاصة، ولانعمل حفلة لاستقبال المدعوون، ولكن نقدم هذه المبالغ لاطعام الفقراء”. فكان ذلك بالنسبة لي شئ مثير للاندهاش والعجب، فسالتهما: لماذا عملتما هذا؟ فاجباني لاننا نحب هؤلاء حباً جماً، ونريد أن نرى بهجة هذا الحب في ومع الأشخاص اللذين تخدمونهم”.  

 

بالنسبة لىٌ هذه القصة الرائعة لشخصين ، حاولا أن يقدما رمزاً حياً للاتحاد، مع  يسوع وكهنتة،لا تقوم تضحيتهم على المال، ولا على الأشياء المادية وحدها، بل على التبتل الكهنوتي الذي يعطي الكهنوت معنى أسمى وأنبل. تلك العطية العظمى يقدمها الشخص ليسوع، في يوم سيامتةِ الكهنوتية، بقلب وجسد عزراوي، والذي ندعوه نحن التبتل الكهنوتي، لذلك يكون حب المسيح العزراوي للكنيسة، حاضر وممثللاً في شخية الكهنة، لأن الكنيسة هي جسد، وعروس المسيح.

 

ليس التبتل فقط ما نستطيع أن نقول عنه على حسب مفهومنا، إنما هو كل ما يفوق فهمنا وإدراكنا له، لأنه نعمة وعطية وإختيار من الله لنا، وهذا يمكننا التوصل إليه عندما نتأمل فيه بدقة وعناية، وفي ما خلق الله، لأنه خالق جميع الأشياء، بما فيها من كبير وصغير.

 

يخلق التبتل الكهنوتي، فراغ وعطش داخل الشخص يسمح من خلاله باستقبال النعمة العجيبة، ولسد هذا الفراغ وروي هذا الظمأ، لايستطيع أحد أن يملأه الأ يسوع ذاته، من خلال نعمة حبه الإلهي للكاهن، وقد قدم يسوع في المقام الأول النعمة الثمينة، اذ قدم ذاته كي يقيم صداقة شخصية مع كل من يؤمن به، داخل نطاق الحب، لكن هذه الصداقة تتوقف على إرادة الإنسان وتفاعله معه. 

أعزائي معاوني المسيح، لقد قلتم “نعم” ليسوع، هو الحال في كلمتة، التي توضح إنه قد عاش فقيراً. إن تبتلكم الكهنوتي يكون فارغاً مرعباً، ما لم يكن حراً وإختيارياً، لأن الله لايستطيع أن يملئ ما هو ممتلئ، وإنما يفيض ويغمر بنعمه على كل من يعبر له عن إحتياجه، وبقولكم “نعم” في بداية أختياركم، يوضح هذا عظمة فقركم إليه، وهو أن تكونوا دائماً في حالة العطش للمعونة الإلهية، فعليكم جميعا، وعلى كل وأحد أن يشعر دائما أنه في أحتياج وعوز للأمتلاء من الله، لأن الخطر يأتي عندما يشعر الكاهن أنه ممتلئ من كل شيئ، لأن المسيح الي بداخلنا يريد أن نعمل كل شيئ معه، وبمحبة خاصة لله الأب، فيصبح لدي الكاهن القدرة على حمل وتوصيل المسيح للآخرين، وهذا من خلال إتحاده الوثيق به في حياتة الخدمية وبكل مافيها من نشطات، كي يظهر السلام والمحبة من خلالكم وبمثلكم وقدوتكم وتمثلكم بصاحب كهنوتكم وهو الكاهن الأعظم، وعندما تفعلون هذا بحرية تامة يكون أختياركم للتبتل الكهنوتي مبني على أساس من الصخر.  

   

بدلاً من أن يصبح أباً لأبن واحد، أو أكثر على الأرض، الا إنه يهب حب المسيح للجميع، حقاً، إن المسيح يدعو كاهنهُ، كي ينقل حب الأب الرؤف إلى كل إنسان، لهذا السبب يدعونه الناس “أب”. 

إن التبتل الكهنوتي لايعني عدم الزواج، وعدم تكوين أسرة، إنما يكمن في الحب الغير المنقسم للمسيح، والتشبه به من خلال العفة! “من يستطيع أن يفصلني عن محبة المسيح”، لذلك يجب أن يكون حبنا له مقترنناً بالحرية الكاملة، حرية الأبناء لا حرية العبيد، هذه الحرية تتجسد في الحب كلية في ومن أجل جميع البشر، اذاً نحن في حاجة إلى الحرية، بصفة خاصة في الفقر والبساطة في الحياة. استطاع المسيح أن يعمل هذا كله، وباختياره وحريته، أيضاً يمكننا نحن أن نختار بأن لانستحوز ما هو متلذذ وممتع لذواتنا، لاننا لسنا لذواتنا، إنما نحن للآخرين، بنعمة المسيح المعطاة لنا. إيها الكهنة عليكم أن تكونوا متمتعيين بالفرح في هذه الحرية، لاتخافوا من شئ، وعليكم أن تحبوا المسيح حباً غير منقسم، مظهرين ذلك في عملكم، لأن الكاهن الذي يحب المسيح بكامل حريته، متمماً هذه الحرية بطاعتة يستطيع أن يكمل عمل المسيح من خلال حمله للدم الثمين بين ذراعيه، وتحويله للخبز، إلى خبز الحياة وتقديمة إلى من هم جائعين إلى الله. 

على كل اللذين هم مدعوون لأتباع يسوع، في تبتله الكهنوتي، ومشاركته كهنوته، أن يصلوا، ويطلبوا القوة والشجاعة منه للمواصلة…… “المواصلة حتى الآلم”. فهذه العطية نظهر وتتجلى من خلال الحب الحقيقي، وهذا نستطيع أن نعمله عندما ننفتح عليه، حتى نصير شيئاً واحداً معه ومن خلاله، وبذلك يستطيع المسيح أن يعمل أشياء عظيمة من خلال الشخص، أعظم من التي قد عملها سابقاً.

 

وللأسف الشديد لا يوجد اليوم من يصلون، من أجل الكهنة، كنواب عن المسيح على الهيكل، وفي سر الأعتراف، وفي باقي الأسرار، لاننا نجده يستخدم الضمير الشخصي “أنا”، مثل يسوع. فكروا في أن على الكاهن، أن يكون شيئاً واحداً مع يسوع، لأنه يتخذ مكانه، واسمه، ويردد كلماته، ليتمم عمله، ويغفر الخطايا، يحول الخبز والخمر في شكلهم البسيط، إلى خبز الحياة جسده ودمه. فقط إنه في صمت قلبه، وبسماعه لكلمة الله التي تملأ كيانه، يستطيع أن يتلو هذه الكلمات: ” أنا أحلك” و ” هذا هو جسدي”. يجب إذن أن يكون لسان الكاهن نقي، وكذلك قلبه، حتى يستطيع أن ينطق هذه الكلمات: ” هذا هو جسدي”، ويحول الخبز إلى جسد المسيح الحي. كذلك يجب أن تكون طاهرة نقية يدي الكاهن، مماثلة ليدي يسوع، لأنه يرفع بواستطهما دم يسوع الثمين. حتى كلما أتى إليه شخص خاطئ ليعترف بما فعل، يصير بعدها بلا خطيئة، ولهذا فعلى الكاهن أن يكون نقياً مقدساً غافراً للخطايا بتلاوته هذه الكلمات ” أنا أحلك”! فيصبح الكهنوت مقُدساً ومقََدس، وقداستة في المسيح الذي جاء لأرضنا في صورة إنسان، ليعيش الحب مع البشرية ويعيدها إلى أبيه، بغفرانه للخطايا. لدينا مثل مدهش في هذا من واقع خدمتنا للأشخاص: “تعرفت أحدى الراهبات على شخص منغلق على ذاته، منذ سنوات طويلة لايتحدث مع أحد، لكنها ظلت تقوم بكل ما يمكن أن يعمل لإنسان، طيلة هذه السنوات، وفي مرة ظل هذا الشخص لمدة يومين لايتكلم، وفي نهاية اليوم الثاني قال لها ” لقد أحضرتِ المسيح في حياتي، أحضري ليّ أيضاً أباًكاهناً”. ففي الحال أحضرت له كاهن، واعترف بعد أن قضى ستين عاماً بدون أعتراف، وقد مات في نفس اليوم‘‘.

هكذا يكون الكاهن، وسيطاً بين الله والإنسان، بل بالأحرى مثل يسوع في محو الخطايا. لقد دخل الله في حياة الإنسان، أما غفران الخطايا فيأتي عن طريق الكاهن، ويعيد علاقة الشخص مع الله.

لقد كانت معجزة النعمة الالهية، التي جاءت إلى الشخص الذي ظل بعيداً لسنوات عديدة، واستطاع أن يعبر عنها بطريقة ممتازة: ‘‘لقد أحضرتِ المسيح في حياتي….. أحضري ليّ أيضاً أباً كاهناً‘‘. هذه العلاقة، هذه الرحمة، هذا الغفران لخطاياه، قد تحققوا عبر يدي الكاهن المباركتين، وكلماتة، المستمدة من نعمة الله له.

 

يجب على الكاهن أن يبشر بالمسيح، ولا يستطيع أن يبشر به أن لم يكن قلبه ملئ بالله: “الله محبة”. لهذا يحتاج الكاهن إلى أن يستمع لصوت الله في صمت قلبه، لأنه عندما يكون قلبه ممتلئ بكلمة الله، يستطيع أن يبشر بها.

 

يا كهنة الله، أنتم أدواته الحية، لذلك يجب أن يكون عملكم دائماً لمجد الله الأب، وبنفس الروح في الحق والحياة والوحدة عليكم أن تكونوا متحدين مع يسوع دائماً، في قلبكم، فكركم، وعملكم، حتى تصبح كل الأشياء التي تعملوها من أجله، ومعه الواحد مع الأب، لانه هكذا تصبحون واحداً معه. لايستطيع أحد أن يفصلتي عن المسيح، هكذا نستطيع أن نقول مع القديس بولس: “لا أنا أحيا، بل المسيح يحيا فيّ”.

 

صار المسيح خبز الحياة، كي يشبع جوعنا بحبهِ، صار جائعاً فيمكننا أن نشبع جوعه بحبنا له. عندما كان القديس بولس ذاهباً لاضطهاد المسيحيين في دمشق، وقع على الأرض وسمع صوت يقول له “شاول، شاول لماذا تضطهدني؟”. فاجابه وعينية منغلقة قائلاً: “من أنت يارب”. المسيح لم يذكر مؤمني دمشق بل ذكر نفسه مضطهداً. نفس الشئ: “لأن من يفعل شيئ بأخوتي الصغار فبي يفعله”. من يقدم لكم كوب ماء باسمي أجره لايضيع، من قبل طفل باسمي فقد قبلني. لأننا نحاسب على ماعملناه في حياتنا من أعمال، بصفة خاصة اطعام الجائع، كسوة العريان، أيواء الغريب، زيارة المريض، رعاية المتروك والمرفوض والمنبوذ، ويقول: “كنت جوعاناً فلم تطعموني”. ولم أكن جوعان إلى الخبز، إنما إلى الحب. لم أكن عرياناً إلى ثوبِ لألبسه، إنما كنت محتاج لأن أعامل بكرامة كإبن لله، كنت بلا مأوى، ولم يكن إحتياجي لمنزل مبني من الطوب. كنت متروكاً، مرفوضاً، مهملاً، مهمشاً، بدون حب، وبهذه الأشياء كنت واحداً لاقيمة له في نظرة المجتمع، وأنتم لم تفعلوا شيئاً من هذه ليّ. لقد صار يسوع خبز الحياة في الأفخارستيا، كي يطعم جوعنا إلى الله، لأننا جميعاً خلقنا للحب ولنكون محبيين، وهذا ما عبر عنه يسوع بصورة واضحة جداً. فكيف نعيش الحب مع الله؟ أين الله؟ كيف نحب الله؟

 

إن الله موجود في كل مكان، عندما نستطيع أن نقدم شيئاً للأخرين، نقدم هذا الشيئ له. علينا أن نختار ونعيش حبه في عمل حي. لهذا السبب لا توجد دعوة كهنوتية، تقرر عمل هذا الشيء أو ذاك: لقد خلق الكاهن ليكون كليةً – جسداً، عقلاً، وقلباً، وكل جزء من تكوينه هو من الله الذي دعاه بإسمهِ، فيصبح كاهن له، مقّدساً ومحباً لله الأب، وليسوع الذي أختاره كما هو. فيقال أن الكاهن قد أختير كي يقوم بعمل حي، وبحب غير متناه لله. فيصبح بذلك عمله مقدساً، فعليه أن يرجع العمل إلى الله، وليس لذاته، وبذلك يرد النفوس إلى الله. لأن المسيح قد قال: ” ليروا أعمالكم الصالحة، فيمجدوا أباكم الذي في السموات”.

 

عليكم أن تكونوا صورة المسيح ذاته، تبعيتكم يجب أن تكون له، كلماتكم هي كلماته، لأن الناس لايبحثون عن ذكاءكم، بل يريدون أن يروا الله فيكم، حياتكم تحت ظل قيادته، وليكن بحثكم الدائم عن المسيح وحده، وتذكروا أن بعلاقتكم مع المسيح، تستطيعون نقله للآخرين بسهولة، مثلما كان المسيح في وحدة تامة مع الأب، هكذا يجب أن تكون علاقتكم ووحدتكم مع المسيح، لأنكم أخترتوا أن تكونوا رسله، مكملين لعمله، وبهذا يصبح من السهل للآخرين أن يروا يسوع فيكم. ولكي تكونوا كهنة على حسب قلب الرب، يعوزكم شيئ هام، وهو أن تصلوا باستمرار، وبدون ملل، بصفة خاصة سر الأفخارستيا الذي فيه يتحد الكاهن مع المسيح ليكون شيئ واحد.

 

أتصل بيّ أحد الأشخاص بعد وفاة صاحب القداسة، البابا بولس السادس، وقد كنت في لندن، فقد سالني  قائلاً: ماذا تقولين عن صاحب القداسة؟ فأجبته قائلةً: ” لقد كان قديساً، أباً حنوناً، أحب الأطفال كثيراً والفقراء منهم  بصفة خاصة، عاش حباً خاصاً لإرساليات المحبة، نصلي له الآن لأنه عاد لبيت الأب”. كل ما قلته عن صاحب القداسة هو حقيقي لأنه، عندما أوشك على الموت، أحتفل بالقداس مع السكرتير الخاص به بجوار سريره، وفي لحظة التقديس التي عاشها بقلبه، مما جعله يشعر بحب المسيح له بصفة خاصة في لحظات الآلم، فتذكر آلم المسيح، وحبه له. أيضاً قلت هذا عن صاحب القداسة لأني أتذكر عندما كان أجتماع خاص بالأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات، لقد قال جملة قصيرة تحمل الكثير من المعاني وهي: ” فقط أعيش قداسي”.

من خلال مواظبتكم على الإفخارستيا، ومحبة الله في إبنه يسوع المسيح، الموضوع في صورة الخبز والخمر، يجب أن يتجسد ذلك في حياتكم اليومية، عليكم أن تواصلوا قداسكم في حياتكم اليومية العادية، في أعمالكم مهما كانت كبيرة أو صغيرة، لحظة بلحظة، لأن السراج لايضئ بدون زيتِ، كذلك بالنسبة لكم أيها الكهنة عليكم أن تستمدوا زيتكم من يسوع الحي الموجود في بيت القربان، وأتبعوه دائماً في سر الأفخارستيا، حتى تستطيعوا أن تظهروه وتقدموه للآخرين من خلال كل ما تقومون به من أعمال الرحمة والحب في مجال خدمتكم.

 

 نجد العديد من الكهنة اليوم، مشغولين كثيراً بالأعمال الأجتماعية، والتقدم الأجتماعي، لدرجة أنهم أهملوا حياتهم الكهنوتية، مع العلم أنه يوجد العديد من الأشخاص اللذين يستطيعون أن يقوموا بادارة هذه الأعمال أفضل من الكهنة الف مرة، لأنهم ذوو خبرة فيها، وهذا لايعنى أن يترك الكاهن ولايهتم بالعمال الأجتماعية الإنسانية، دون أن يهتم بها، إنما يحتاج الناس اليوم أن يروا في الكاهن، رجلاً مقدساً، مقوداً من الله، يرون فيه حضور المسيح بحضوره معهم وبزيارته لهم، يرون فيه رجل خلاص، بما لديه من سلطة مقدسة في غفران الخطايا من خلال سر الاعتراف.

لقد تاسست جمعية لأباء مرسلي المحبة، في أكتوبر سنة 1984، وكان هدفها الأساسي هو تجسيد حياة الأنجيل وسط الشعب، بصفة خاصة بين الفقراء منهم، وهو طريقة للشهادة الحية لحقيقة الأنجيل، ولقد أختاروا ان يعيشوا كهنوتهم بهذه الطريقة الحية. أعتقد أن هناك العديد من الكهنة اليوم اللذين لايتخذون المسيح المبدأ والساس في حياتهم، لكن عالمنا اليوم متعطش إلى كهنة، كهنة قديسيين، بصفة خاصة في التبتل الكهنوتي، لأن العالم يحتاج للمسيح اليوم، لأن الكاهن المتبتل عندما يتحد بالمسيح حقيقةً يصيران شيئاً واحداً          

مريم أم الكهنة


تاملوا في سيدتنا مريم العذراء، أم يسوع، التي ظلت مع إبنها حتي الصليب، وهو الكاهن الأعظم، وقد كتب القديس يوحنا الرسول كلمات يسوع، وهو على الصليب قائلاً: “يا امرأة هوذا إبنك، يابني هذه أمك”. اذا فكرننا في مريم العذراء نجدها حقيقيةً تحمل أحسن المعاني الخاصة بالكاهن، بعذرويتها وأمومتها لله، لأنها أستطاعت أن تقول بسهولة “هذا هو جسدي … هذا هو دمي”، وذلك بحملها وولادتها للمسيح، أوبالاحري تظل خادمة الرب، فعلينا أن نقتدي بها دائماً، فهي أمنا، وواحدة منا، نصلي إليها ونتشفع بها، لأنها قد اصبحت نموذجاً طبيعياً لنا على هذه الأرض، في تأسيس الكنيسة، وشاهدة ومدعمةً لكهنوت الرسل، بوصفها أماً لهم وللكنيسة، التي كانت في بدايتها الأولى،وكما استطاعت أن تساعد يسوع على أن ينمو، بوجودها معه، أيضاً أن تساعد في نمو الكنيسة في البداية. لقد عاشت على الأرض عدة سنوات بعدما صعد المسيح إلى السماء، فاستطاعت في هذه السنوات أن تكون مشاركة في نشأة الكنيسة الأولى، وأيضاً معينة لكل كاهن، ولايستطيع أحد أن ينكر أنها أعظم من أي كاهن، وحتي يومنا هذا مازال حبها يتدفق بغزارة نحو كل الكهنة.


 من الحسن جداً لنا عندما نتشفع بمريم العذراء، لأننا بحاجة إليها، نصلي إليها، حتي تساعدنا علي اكتساب النعم الإلهية في حياتنا، وبصفة خاصة نعمة التبتل الكهنوتي، الذي هو علامةً على محبة المسيح. تذكروا أن الله عندما يدعو الشخص، يدعوه بإسمهِ حتي يصير كاهن له، مدعو لنشر الحب، لذلك لا تخافو أتبعوه، فهو يساعدكم، يقودكم، يحبكم، فعليكم نشر هذه الأشياء في عالم اليوم.


ضعوا يديكم في يدي مريم، التي حملت عليها المسيح، عندما جاء إلى أرضنا، واستطاعت أن تحمله للآخرين، وأنتم أيها الكهنة أيضاً مدعوون لحمله وتوصيله للآخرين، لكن تذكروا أنكم لايستطيعون عمل هذا، أن لم يكن موجود بداخلكم، من خلال علاقتكم الشخصية بزيارتكم له في بيت القربان، وأيضاً في سر الأفخارستيا الذ يجب عليكم أن تبدوا به يومكم. وبصلواتكم الشخصية أثناء النهار لمريم، وأنتم في عملكم الذي هو من أجل المسيح، ومعه، تقربوا دائماً من مريم، أطلبوا منها كي تساعدكم كي يصير قلبكم نقياً، عفيفاً، مليئاً بالحب والتواضع، كي تستطيعوا توصيل المسيح للآخر من خلال حياتكم، كما هو في الخبز والخمر، أحبوا المسيح كما أحبته مريم، وأخدموه في شعبة الفقير. 


ترجمه بتصرف عن الإيطالية

الشماس دانيال أيوب- أسيوط