شيء أفضل

وتضرعت إلى الرب في ذلك الوقت قائلاً.. دعني أعبر وأرى الأرض الجيدة..ولم يسمع لي بل قال لي الرب كفاك. لا تَعُد تكلمني أيضاً في هذا الأمر(تث 3: 23 -26)

لم يَعُد من العسير علينا الآن أن نستشف بعض السر الذي يكمن وراء رفض الله لصلاة موسى: فقد احتاج الشعب، المزمع الاستيلاء على الأرض، إلى رجل أصغر سناً، عسكري النزعة، ليتولى قيادتهم. إنهم في جميع تنقلاتهم في البرية كانوا محتاجين إلى راعٍ فوجدوه في موسى الذي احتملهم ورعاهم كقطيع، ولكنهم الآن وقد صاروا مُحاربين، وأمامهم أرض لا بد أن تُقهر، فإنهم في حاجة إلى قائد مُحارب. ومن ثم فقد كان خيراً للشعب أن يخلي موسى مكانه ليشوع. وكان صواباً من الوجهة التدبيرية أن تتوقف سيادة الناموس (الذي يرمز إليه موسى) لتتولى سيادة الروح (الذي يرمز إليه يشوع) في القيادة إلى الميراث.

ثم أي شيء أفضل تحقق لموسى تعويضاً عن رفض الله لتوسلاته؟ لنفترض جدلاً أنه لم يَمُت بالكيفية التي مات بها، فكان سيدخل الأرض وهناك يشيخ جداً وتنحط قواه ويتضاءل بصره. إلا أنه خلافاً لكل هذا "لم تكِّل عينه ولا ذهبت نضارته" (تث 34: 7 ). وما تخلت عنه كرامته وهيبته، بل أُخذ وهو في قوته، ولم تكن مناحته مجرد إجراء شكلي، بل عن شعور عميق بالخسارة الفادحة. وهكذا ثبت أن توقيت الله كان على حق، وأنه دائماً كذلك.

بل هنالك ما هو أكثر من ذلك، ففي العهد القديم كانوا يعلّقون أهمية قصوى على مناحة الإنسان وطريقة دفنه. فإن كان هذا هو الواقع، فموسى إذاً يشغل مكاناً فريداً في مجالات الشرف بين رجال الله، فقد قام الله نفسه بإجراءات الدفن، ولم يكن هناك بشر، وما من أحد يعرف أين قبره (تث 34: 6 ). فلا جدال إذاً أن موسى حاز في موته أعظم التكريم.

أحياناً يأبى الله علينا ما نطلب، وأحياناً يرى لزاماً عليه أن يفعل ذلك كعبرة للآخرين، ولكن لنا أن نثق أنه إن فعل ذلك، فإنه لا بد يعوضنا بأفضل مما رجونا، وماذا لنا أن نقول عن مشاركة موسى في مجد جبل التجلي؟ ومرة ثانية ماذا عن التكريم الضمني الذي تُشير إليه ترنيمة موسى عبد الله وترنيمة الخروف (رؤ 15: 3 ) فما كان الحرمان الأرضي المباشر ليجرد موسى من المُجازاة السماوية، بل يا للعجب، فإنه ضاعف وعظَّم أرباحه الأبدية.

ماكنتوش