"أيها الأحباء،
اليوم عيد الميلاد، عيد ميلاد الرب يسوع. لكن للرب يسوع ميلادين، وليس ميلاداً
واحداً. الأول هو ميلاد ابن الله. وهذا الميلاد ليس له بدء، ولن يكون له انتهاء
لأنه أتى من الله الآب. الولادة الأولى هي ولادة الابن من الله الآب وليس من أم.
لكن هذا المولود من الله الآب، كما نقول في دستور الإيمان، مولود من الآب قبل كل
الدهور ولا يصح السؤال متى؟ هذه الولادة ليست كولادتنا نحن، لان المولود عادة يأتي
بعد الوالد، لكن هذه الولادة ليس فيها قبل او بعد.
الابن مولود من الآب
قبل كل الدهور وهو منه، ليس هو شخص آخر ولا هو شخص ثان، وليس هو اله ثان، لكنه منه.
كيف؟ انه يشبه الضوء. فهو لا يعد ولا يقسّم، لكنه النور نفسه، والنور لا يمكن
تجزئته ولا تمييزه. وهكذا هي علاقة ابن الله بالآب. لا يمكن ان تجتزئه من الآب او
تجعل تراتبية في العد، لكن هو من الآب. وهذه هي الولادة الأولى.
الولادة الثانية
حصلت عندما ولد ابن الله الوحيد من العذراء مريم. في الولادة الأولى نذكر الآب
ونقول أنها من الله الآب. أما في الولادة الثانية، فنذكر الأم ونقول أنها من
العذراء مريم. لكن يوجد فرق بين الولادتين، لان المولود من العذراء هو ككل طفل. وقد
قال البعض أن هذا الطفل مثل سائر الأطفال. صحيح انه مثل كل الناس، لكنه ليس صحيحاً
انه فقط كسائر الناس له لحم مثل لحمنا وعظام كعظامنا وهو يشبهنا تماماً وعنده كل ما
عندنا لكن يمتاز عنا بأن الحبل به صار من الروح القدس وليس من أب. لذلك فهذا الطفل
ولد من الآب وحل الروح القدس في الفتاة ليأتي الينا طفلاً كما رأيناه. وعليه فقد
التقى في الطفل يسوع الابن الآتي من الآب مع الابن المولود من العذراء، وهذا شيء
مهم جداً. فما حصل مع الرب يسوع قد يحصل من كل منا، لان الرب يسوع ولد من الآب، ثم
من العذراء. لكننا نولد نحن من الأم اولاً، ثم نولد بالمعمودية من الروح القدس، اي
على عكس ما حصل مع الرب يسوع. لكن الولادتين حصلتا.
ندعو المعمودية
بالولادة الثانية، اي اننا نولد مرتين واحدة من الام والثانية من جرن المعمودية اي
من الروح القدس والماء كما قال الكتاب المقدس. توجد فئة تقول ان يسوع ولد ونما وكبر
وعاش على الارض سنوات عديدة يشاهده الناس ويشاهدونه ويلمسهم ويلمسونه ويحادثهم
ويحادثونه. لكن كان هذا كله وهماً وتصوراً، لان الوضع لم يكن هكذا. اما نحن فنقول
انه كان في الشكل كما نحن له لحم وعظم، يأكل ويشرب بالضبط كما نأكل ونشرب، وهذا شيء
مهم جداً. لماذا؟ لان الذي خلق هو جعله يتجسد في ولادته الثانية من الولادة الاولى.
الله خلقنا جميعاً ووضع روحه فينا واوجد لنا الجسد. لذلك نحن في المعمودية لا نعمد
جزءاً من الانسان، بل نغطسه بكليته كما خلقه الله روحاً وجسداً. وما اقوله شيء
اساسي جداً يفسر لماذا نزل ابن الله من اجلنا وجاءنا من اجل خلاصنا.
نعيد ليس للولادة
الاولى التي تخص الرب يسوع وحده اي الولادة التي تخص ابن الله، بل نعيد للولادة
الثانية التي سببتها الاولى. وكي نتعلم انه لا يوجد فينا شيء لم يصنعه الله الا اذا
كنا لا نسير السيرة الحسنة ولا نسلك الطريق القويم، لانه عندئذ يكون هذا من صنعنا،
وليس من صنع الله فينا. في الاساس كلنا مقدسون ومباركون. ومن لا ينظر الى اخيه هذه
النظرة المباركة يكون اعمى ولا يرى الاشياء الحسنة. فالله لا يفرّق بين خلائقه
وكلهم مباركون.
عيد الميلاد اليوم
عيد كل واحد على وجه الارض، لان الرب يسوع جاء ليخلصه من خطاياه بالمعمودية. نحن
نخلص اذا قررنا الا نعود الى الوحل الذي كنا نتمرغ فيه. عيداً مباركاً وان شاء الله
يكون العيد عيد تقديس، تقديس لنا بكامل كياننا روحاً وجسداً. آمين".
الكاتدرائيّة المريميّة – دمشق – السبت 25/12/2004
عن موقع القديسة تريزا