الافخارستيا: سر المحبة

"سر المحبة" والجمال الليتورجي

 \"\"

مقابلة مع الأب إدوار ماكنامارا

روما، 15 مايو 2007 (ZENIT.org

يؤكد الأب إدوار ماكنامارا أن جمال الليتورجيا الحقيقي يتبدى عندما يشارك فيها الكاهن والجماعة بشكل فعلي وبتقوى كبيرة.

 

الأب ماكنامارا أستاذ مادة الليتورجيا في جامعة سيدة الرسل الحبرية في روما. وهو يجيب في هذه المقابلة التي تجريها معه وكالة زينت عن الأسئلة المتعلقة بموضوع الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس للبابا بندكتس السادس عشر تحت عنوان "سر المحبة" «Sacramentum Caritatis»   وهو ثمرةُ انعقاد سينودس الأساقفة حول "الإفخارستية" الذي دُعي الأب ماكنامارا لحضوره بصفة خبير في أكتوبر 2005.

 

 س: في الفقرة 35 يكتب الأب الأقدس: " فلليتورجيا كما للوحي المسيحي على كل حال علاقة لا تتجزأ مع الجمال: إنها روعة حقيقية". فهل من المبالغة أن نقول أن توافر ليتورجيا جميلة هو الشرط الأساسي لقيام جماعة كاثوليكية حية؟

 

 ج: كما يقول الأب الأقدس، إن للجمال علاقة متأصلة مع الليتورجيا؛ وهو مرتبط بشكل وثيق مع الليتورجيا الحقيقية الصادقة. غير أن هذا الجمال لا يقوم على الأماكن المقدسة الفخمة والموسيقى السامية وحسب. فالجمال الأساسي في الليتورجيا هو الذي يظهر في الجماعة المتحدة قلباً ونفساً في الصلاة وفي الإحتفال بتضحية يسوع. إنه جمال مشاركة الكاهن والجماعة بشكل كامل وفعلي وبإيمان في هذا السر العظيم. وبالرغم من بعض النقص في المظاهر الخارجية في بعض الأحيان، فإن هذا الجمال يتبدى في كل مرة يحاول فيها الكهنة والمؤمنون عيش الليتورجيا بملئها. فهناك مظاهر أخرى للجمال كالموسيقى والفن والشعر وخشوعية الرتبة المهيبة التي تؤدي بشكل طبيعي إلى بروز الجمال الداخلي. فكلما حاولت الجماعة أن تعيش جمال سر الليتورجيا هذا بملئه وتغوص فيه كلما ازدادت رغبتها في التعبير عنه بقالب يضاهي هذا الجمال جمالاً. إنه لاعتبار طبيعي يقوم على أنه لا يليق بالرب الإله سوى أفضل ما يمكننا تقديمه. والتاريخ واضح في هذا الشأن: وهو يعلمنا أن المسيحيين، حتى في ظل حقبة الإضطهادات، كانوا يستخدمون مختلف المعادن الثمينة المتاحة للإحتفال بالإفخارستية. وهذا ما يفسر الطفرة في تشييد البازيليكات فور انتهاء فترات الإضطهاد والطقوس المهيبة التي كانت تمارَس والتي كانت تُعتبر تطوراً طبيعياً وليس قطيعة بالنسبة إلى الممارسات السابقة. وهذا الإعتبار ذاته يصح بالنسبة إلى أجيال المهاجرين الفقراء الذين لم يتراجعوا أمام أي تضحية لازمة لكي تحظى جماعاتهم الرعوية بكنائس فخمة تُزيَّن بأغلى التحف الفنية. ولكن هناك أيضاً رموز ليتورجية تنمّ عن ذوق رخيص وبشاعة لا توصف وهي في الواقع ليست سوى تعبير عن سوء فهم هذا السر وتقديره لا بل أحياناً ولسوء الحظ تعبير عن عدم الإيمان.

 

 س: في الفقرة 37 يكتب الأب الأقدس: "بما أن الليتورجيا الإفخارستية هي في الأساس فعل إلهي نشترك فيه في يسوع من خلال الروح القدس، فإن الأساس الذي ترتكز عليه ليس رهينة استنسابيتنا ولا يخضع لتغيرات العصر". أتراه يوجه هذا السؤال إلى الكهنة؟

 

 ج: بالفعل، إن هذه العبارة موجهة إلى الكهنة ولكن ليس إليهم وحدهم. فهي تطال في المقام الأول بنية الليتورجيا الأساسية وليس قوانين الفرض والقداس وحسب. فمجرد القول إن الليتورجيا هي عمل الله الأساسي يدحض نظرية من يحاولون حصرها بمجرد تعبير إجتماعي يمكن التصرف به بحرية وتكييفه مع التغيرات الإجتماعية. إن الخطر من جعل الليتورجيا أسيرة الموضة لا تعني الكهنة فقط بل كل من يشتركون في إعداد الليتورجيا. فهناك من دون شك كهنة يعدّلون الليتورجيا بشكل إعتباطي وكما يحلو لهم، ولكن هناك قراء يدخلون التصحيحيات على النصوص لدواعٍ أيديولوجية وخبراء في الموسيقى يكيفون الليتورجيا مع مقتضيات الموسيقى وليس العكس، من دون أن ننسى كل الذين يدخلون أشكالاً موسيقية غير ملائمة بحجة مواكبة العصر. إذاً لا بد لنا من أن نتعلم من جديد أن نتلقى الليتورجيا باعتبارها إرثاً ثميناً وليس كوسيلة ترفيه. هذه هي النقطة التي أراد قداسة البابا أن يركز عليها على ما أظن.

 

 

س: يقول قداسته بوضوح في الفقرة 46 أنه: "نظراً لارتباط العظة بكلمة الله، لا بد من تحسين مستوى العظات". فكيف يمكن للكهنة أن يقوموا بذلك؟ 

 

ج: هناك الكثير من النصوص الممتازة سواء في الكتب أو على شبكة الإنترنت ولكن بنظري لا شيء يضاهي ثالوث "الصلاة والإستعداد والممارسة" لتحسين مستوى العظات. فالعظة يجب أن تكون أولاً ثمرة الصلاة والحوار السليم مع الله حول النص. قد يبو كلامي قاسياً بعض الشيء ولكن إسمح لي أن أقول أن عظة الكاهن أو الشماس التي لم تكن ثمرة تأمل ليست جديرة بأن تُلقى. إن كتابة عظة من 8 إلى 10 دقائق تتطلب تحضيراً وفيراً لكي ينقلوا بأفضل القوالب البشرية الممكنة ما أرادهم الله أن يقولوه. و"التحضير" يعني أن الكاهن أو الشماس عليه أن يغذي نفسه وروحه بتمارين مستمرة. كذلك على الواعظ الجيد أن يتمرن قبل إلقاء عظته على طريقة الإلقاء والوقفات وسرعة الإلقاء. وهذه التوصية مهمة بشكل خاص بالنسبة إلى الكهنة والشمامسة الأصغر سناً الذين تصطدم فيهم الحماسة بقلة الخبرة في غالبية الأحيان فإذا بهم رغبة في قول الكثير فيمزجون الأمور ببعضها البعض.

 

س: يكتب قداسة البابا في الفقرة 6: "إن كل عملية إصلاح كبيرة مرتبطة نوعاً ما بإعادة اكتشاف الإيمان بحضور الرب في الإفخارستية وسط شعبه". هل لهذه الأهمية التي يوليها للإفخارستية أسبقية تراتبية على كل الأوليات الأخرى من مثل مسألة المسكونية والحياة العائلية والعلاقة مع الديانة الإسلامية؟

 

ج: أعتقد أن المسألة هنا هي مسألة نوعية أكثر منها مسألة أولوية زمنية. إذا لم نكن نحن المسيحيون الكاثوليك متمسكين فعلياً بالمبادىء الأساسية لإيماننا وممارستنا فإن التزامنا حيال اولويات الأخرى كالمسكونية أو العلاقات مع الإسلام يكون سطحياً وفارغ المضمون، وقائماً على فكرةأ خاطئة عن المسكونية وخطاب فارغ من أي معنى. فقد يشعر المسيحي الإنجيلي المليء ورعاً وتقوى وصاحب الثقافة البيبلية الواسعة على سبيل المثال بارتياح أكبر بحضور كاثوليكي يحركه حماس إفخارستي كبير منه مع مسيحي آخر من دون تقوى. فلعله يتفق مع هذا الأخير على بعض النواحي اللاهوتية ولكنهما كانا ليتفقا أكثر لو كانت مسألة حضور الله تشكل بالنسبة إليهما الحقيقة المعاشة نفسها. والأمر سيان نوعاً ما مع المؤمنين من المسلمين.  

 

 س: إن الإرشاد يحث على استعمال أوسع للغة اللاتينية في الإحتفالات الإفخارستية. فما هي الفوائد التي قد تترتب عن ذلك وما السبيل للقيام بذلك في عالم فقد معظم المؤمنين فيه عادة استخدام هذه اللغة؟

 

 ج: إن الفوائد جمة. تخيل الفرق لو أنه خلال الأيام العالمية للشباب المزمع عقدها في سيدني تمكن 500000 شاب وشابة من إنشاد "قدوس، قدوس" أو صلاة "الأبانا" بصوت واحد بدل أن يكتفوا بالإستماع إلى أجواق المرنمين. إن ذلك كفيل بأن يعزز بشكل كبير شعور الإنتماء إلى الكنيسة. من جهة أخرى، إن الإحتفال من حين لآخر أو ربما بوتيرة أكبر بالقداس باللغة اللاتينية واستخدام اللغة اللاتينية المستعملة في الأناشيد الغريغورية من شأنه أن يساعد على استعادة حسّ المقدسات في الليتورجيا، سيما وأن معظم هذه الأناشيد ترافق النصوص على وجه أفضل مما تفعل التوزيعات الموسيقية باللغات المحلية. صحيح أن استخدام اللغة اللاتينية لم يعد مألوفاً كما في السابق، ولكن في المقابل، أن تكون الصيغة الأصلية للنصوص مطبوعة بشكل جيد في الأذهان من شأنه أن يسهل استخدام اللغة اللاتينية في المناسبات، فيحفظ الناس معنى النصوص عن ظهر قلب ويتمتعون بتذوق جمالها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأناشيد. يقول البعض إن المسألة لمغامرة جنونية ولكن في العالم أجمع، وسواء تعلق الأمر بالنصوص أو بالأناشيد، هناك أمثلة كثيرة عن إمكانية استخدام متوازن للغة المحلية واللاتينية ترتب عنه إفادة كبيرة للجميع على المستوى الروحي.

 

 س: يتناول قسم من الوثيقة التداعيات الإجتماعية لسر الإفخارستية. إلى أي حدّ تجعلنا حياتنا الإفخارستية أكثر تيقظاً من ناحية العدالة والمحبة؟

 

ج: بحسب العبارة الواردة في الفقرة 37، تقودنا ليتورجيا الإفخارستية إلى المسيح من خلال الروح القدس. فكلما اقتربت نفسنا من المسيح كلما تماثلت معه وسعت إلى الإقتداء به. إن قربنا من المسيح يحدونا إلى رؤيته في الآخرين، وبخاصة في الجائع والعطش والعريان والجاهل والمريض والسجين. فأن نكون قرب المسيح يعني أن نكون قريبين من الفعل الأسمى القائم على بذل ذاته، من أجلنا، في الجلجلة، هذه العطية التي تتوج تعاليمه في التطويبات. وبذلك، فإن عبادة الإفخارستية تقودنا حتماً إلى العدالة والمحبة. بالنسبة إلى البعض، سيتضمن ذلك التزاماً ملموساً في النشاطات الآيلة إلى تعزيز العدالة والمحبة. وبالنسبة إلى البعض الآخر، سيترجم ذلك في الصلاة وأفعال التضحية من أجل الأكثر عوزاً. ولكن بالنسبة إلى الجميع، إن ذلك يعني عيش العدالة والمحبة في حياتنا اليومية وفي علاقاتنا مع الآخرين.