الحوار بين الأديان، لسفير لبنان لدى الكرسي الرسولي

تحليل للسفير ناجي أبي عاصي (الجزء الثالث)

روما، 15 يونيو 2007 (ZENIT.org)

 موضوع الحوار بين الأديان ولاسيما مع الإسلام كان محطّ تحليل خاص من جانب سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي. كما ذكّر السفير بموقف الكرسي الرسولي المؤيد للسلام في الشرق الأوسط: "من أجل وضع حدّ للأزمة والعذاب الذي تتكبّده الشعوب من جرائها، لابدّ من اعتماد مقاربة شاملة".
ويذكّر سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي بأنّ إحدى ميزات الكرسي الرسولي تكمن في "عدم امتلاكه مصالح مادية يدافع عنها، حيث تترفع أعماله عن أي مصلحة خاصة".
وقد جاء حديث الدبلوماسي اللبناني في مداخلة له في الخامس عشر من مايو الجاري حول "دور التمثيل الدبلوماسي ووظائفه لدى الكرسي الرسولي" في إطار مادة بعنوان "الكنيسة الكاثوليكية والسياسة الدولية للكرسي الرسولي" ضمن دورة حول "السلك الدبلوماسي: السفارات البابوية والتمثيل الدبلوماسي لدى الكرسي الرسولي" جرت في الجامعة الحبرية الغريغورية في روما.
وقد توجهت هذه الدورة الدراسية إلى دبلوماسيين من العالم العربي لتعريفهم على الكنيسة الكاثوليكية بدعوة من مؤسسة "الغريغوريانا" والمعهد الدولي "جاك ماريتان". وترأس الجلسة الكاردينال جان-لويس توران.
يلفت السفير أبي عاصي إلى أنه "يجب أن تتمثل الأولوية في ما يخصكم وفي ما يخص الديبلوماسيين القادمين من دول حوض البحر الأبيض المتوسط ذات الغالبية المسلمة في البحث عن السبل والوسائل التي من شأنها أن تساهم في إرساء سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، مهد الديانات السماوية الثلاث؛ ناهيك عن تفعيل الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات من أجل تعزيز التعارف والفهم والإحترام المتبادل وتبديد سوء التفاهم والخلافات والمفاهيم الخاطئة والعمل معاً على رفع التحديات العالمية الكبيرة التي تعترض الإنسانية جمعاء".
وتساءل: "ما هي أسس الحوار بين الأديان؟ هل من بنى وأسس محددة متوافرة لدينا هنا لكي نطلق هذا الحوار ونواصله؟"، مشدداً على "التلازم بين النواحي الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية" ومنبهاً إلى أنه "يجب التنبه دائماً إلى عدم الخلط بين الحوار بين الأديان والحوار بين الإسلام والغرب".
وأضاف قائلاً: "إن الكنيسة كونية بالفعل وهي تدافع عن قيم كونية تحظر كل أشكال اللجوء إلى القوة والعنف في العلاقات الإنسانية والدولية".

أسس الحوار
وفي إشارة إلى البيان المجمعي Nostra Aetate قال السفير: "ذكر قداسة البابا بندكتس السادس عشر في الكلمة التي وجهها في مقابلته مع سفراء الدول الأعضاء أو المراقبة في منظمة المؤتمر الإسلامي في الخامس والعشرين من سبتمبر 2006 (ذكّر) بما جاء في المجمع الفاتيكاني الثاني، كما هو وارد في بيان "Nostra Aetate" الذي يمثل الجزء الثالث منه شرعة الحوار الإسلامي-المسيحي وفيه: "وتنظر الكنيسة بعين الإعتبار أيضاً إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحيّ القيوم الرحيم الضابط الكل خالق السماء والأرض المكلّم البشر. ويجتهدون في أن يخضعوا بكليتهم حتى لأوامر الله الخفية، كما يخضع له إبراهيم الذي يُسند إليه بطيبة خاطر الإيمان الإسلامي"".
واستشهد بهذه الفقرة من البيان: "وإذا كانت قد نشأت، على مرّ القرون، منازعات وعداوات كثيرة بين المسيحيين والمسلمين، فالمجمع المقدس يحض الجميع على أن يتناسوا الماضي وينصرفوا بإخلاص إلى التفاهم المتبادل، ويصونوا ويعززوا معاً العدالة الإجتماعية والخيور الأخلاقية والسلام والحرية لفائدة جميع الناس".
ضرورة حيوية
ثم ذكر مقطعاً من كلمة البابا بندكتس السادس عشر إلى الجماعات المسلمة في كولونيا في العشرين من أغسطس 2005 حين قال: "لا يجوز للحوار بين الأديان والحضارات بين المسيحيين والمسلمين أن يكون خياراً إضافياً فهو ضرورة حيوية يتوقف عليها مستقبلنا".

الإلتزام بخدمة الحقيقة
وأوضح السفير قائلاً: "في ما خص الأخطاء والمصالحة والتوبة، لم يتردد البابا بندكتس السادس عشر في إعطاء هذه الشهادة في أول خطاب تهنئة وجهه إلى السلك الديبلوماسي بتاريخ 9 يناير 2006 وجاء فيه: "إن الإلتزام بخدمة الحقيقة يفتح الطريق أمام التوبة والمصالحة. والكنيسة الكاثوليكية، في ما خصها بالتحديد، تدين الأخطاء الفادحة التي ارتُكبت في الماضي سواء من قسم من أعضائها أو من قبل مؤسساتها؛ وهي لم تتردد في الإعتذار. فالإلتزام من أجل نصرة الحقيقة يفرض ذلك"".
من جهة أخرى، أشار السفير إلى أن هذا الحوار يتميز بأربعة عناصر: وجود "عقيدة فاتيكانية للحوار (تتجسد خصوصاً في بيان "Nostra Aetate" الصادر في 28 أكتوبر 1965)"، "ومحاور وحيد وسامٍ (قداسة البابا)"، و"بنية (تتألف من المجلس الحبري للعلاقة بين الأديان واللجنة الخاصة المكلفة تعزيز العلاقات مع المسلمين من الناحية الدينية)" و"إطار لدراسة الإسلام وفهمه يتمثل في المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية".
واستدرك قائلاً: "بيد أنه في المقابل ليس هناك من محاور وحيد معترف به رسمياً في الإسلام".

وسائل تفعيل الحوار
إن تفعيل هذا الحوار يفترض، برأي السفير أبي عاصي، "تشجيع القادة الروحيين والمدنيين، ولاسيما أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي وملك المغرب طبعاً وأمين عام جامعة الدول العربية وشخصيات مثل شيخ الأزهر أو الرئيس السابق خاتمي (الذي قابل البابا بندكتس السادس عشر في الرابع من مايو الفائت) على زيارة الكرسي الرسولي بشكل منتظم. وما الرحلة الأخيرة التي قام بها البابا بندكتس السادس عشر إلى تركيا في شهر نوفمبر 2006 إلا شاهد على أجواء التفاهم والتهدئة التي من شأن زيارات ولقاءات كهذه أن تولّدها".
وأما الوسيلة الثانية لتشجيع الحوار فهي "إمكانية قيام الديبلوماسيين بتفعيل النقاش الثقافي، من خلال تنظيم أو رعاية منتديات وندوات ومعارض وحلقات حوار ومؤتمرات ولقاءات حول مواضيع كالحوار والسلام والعدالة والتنمية".
وأما الوسيلة الثالثة فتقضي ب"العمل على استحداث هيئات دائمة للحوار مع الكرسي الرسولي، تكون قادرة على تأمين المتابعة والتنسيق وعلى التفاعل بشكل سريع مع حالات التوتر والخطر والأزمات".
ولفت الديبلوماسي اللبناني إلى أن لبنان بالضبط مدعو إلى "أداء دور محدد ومتميز" في هذا المجال.

الدور الخاص بلبنان
وأوضح قائلاً: "بالحديث عن بلادي، قال البابا يوحنا بولس الثاني: "لبنان أكثر من بلد، إنه رسالة، رسالة حرية وعيش مشترك". ويخصص الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس "رجاء جديد للبنان" الذي وجهه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى المكرسين وإلى كافة المؤمنين في لبنان بتاريخ 10 مايو 1997 بدوره جزءاً كبيراً لمسائل العلاقات مع المسلمين، والحوار الإسلامي-المسيحي، والتعايش، والتضامن مع العالم العربي، والسلام، والمصالحة".
ورأى في ذلك "برنامجاً على البعثة الديبلوماسية اللبنانية لدى الكرسي الرسولي وعلى كل فريق محب للحوار أن يتبعه عن كثب".
وأضاف: "لن يتسنى لنا الوقت لكي نتحدث عن الشرق الأوسط وفلسطين وهما موضوعان يستحقان أن تخصَص لهما ندوة خاصة وإن تمت مناقشتهما بإسهاب في الحلقتين اللتين نظمتا في 10 و11 مايو.
لكن اعلموا أن البعثات الديبلوماسية لدى الكرسي الرسولي ناشطة في متابعة هذه المسائل الأساسية".

حلّ شامل في الشرق الأوسط
وذكّر بموقف قداسة البابا الرسمي في هذا الشأن الذي عبّر عنه خلال زيارة أعضاء السلك الديبلوماسي للتهنئة بحلول العام الجديد في 8 يناير 2007 حين قال: "يشكل الشرق الأوسط مصدر قلق بالنسبة لي. ولهذا السبب أردتُ أن أبعث برسالة الى كاثوليك المنطقة بمناسبة الميلاد، لأعبر لهم عن تضامني وقربي الروحي منهم، ولأشجعهم على الاستمرار في البقاء في المنطقة، وكلي ثقة بأن شهادتهم ستساهم في بناء مستقبل من السلام والأخوة. أجدد دعوتي الملحة الي جميع الأطراف المعنية في سياسة المنطقة، على أمل أن تتوطد العلامات الإيجابية التي ظهرت خلال الأسابيع الأخيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولن يتوقف الكرسي الرسولي عن تكرار بأن الحلول العسكرية لا تأتي بنتائج كما أثبتت حرب لبنان الصيف الماضي. إن مستقبل هذا البلد يمر بالضرورة عبر وحدة جميع مكوناته ومن خلال العلاقات الأخوية بين مختلف الأفرقاء الدينيين والإجتماعيين. وهذه رسالة رجاء للجميع. لا يمكن الإكتفاء بالحلول الجزئية والجانبية. ولوضع حد للأزمة وللمعاناة التي تخلفها لدى الشعوب، يجب المضي قدماً من وجهة نظر شاملة، لا تستثني أحداً من البحث عن الحل الأنسب، وتعير انتباهاً لطموح الشعوب المعنية ومصالحها. يحق للبنانيين، بنوع خاص، أن ينعموا باحترام استقلال بلدهم وسيادته. ويحق للإسرائيليين في العيش بسلام في بلدهم، كما يحق للفلسطينيين بوطن سيّد وحر. فإذا رأى كلّ من شعوب المنطقة بأنه قد أُخِذت تطلعاته بعين الاعتبار، لا يشعر آنذاك بأنه مهدَّد، وتتوطد الثقة المتبادلة"".