إرشادات لاستخدام علم النفس في قبول وإعداد المرشحين للكهنوت

روما، الثلاثاء 11 نوفمبر 2008 (zenit.org).

ننشر في ما يلي الأعداد 1-12 من "إرشادات لاستخدام علم النفس في قبول وإعداد المرشحين للكهنوت" التي صدرت عن مجمع التنشئة الكاثوليكية.

أولاً: الكنيسة وتمييز الدعوة

1.    "تأتي كل دعوة مسيحية من الله وتعتبر عطية من عند الله. ولكنها لا تُمنح أبداً خارج الكنيسة أو بشكل مستقل عنها، إنما تحدث في الكنيسة ومن خلال الكنيسة، الصورة النيرة والحية لسر الثالوث الأقدس1. ويجب على الكنيسة "التي تولد الدعوات وتعدها"2 تمييز دعوة وأهلية المرشحين للخدمة الكهنوتية. ففي الواقع، "يجب اعتبار دعوة الروح الداخلية كدعوة الأسقف الحقيقية"3.

في إطار تعزيز هذا التمييز، ومن خلال العملية الشاملة للإعداد من أجل الكهنوت، تنشغل الكنيسة بمسألتين وهما الحفاظ على صلاح رسالتها، وفي الوقت عينه، على صلاح المرشحين. في الحقيقة، وتماماً ككل دعوة مسيحية، تحمل الدعوة إلى الكهنوت، إضافة إلى البعد المسيحي، بعداً كنسياً جوهرياً: "فهي لا تنبثق فقط "عن" الكنيسة وتوسطها، وهي لا تُعرف وتجد الكمال فقط "في" الكنيسة، ولكنها تبدو كذلك بالضرورة – في خدمة الله الأساسية – كخدمة "من أجل" الكنيسة. ومهما يكن شكل الدعوة المسيحية، فهي هبة تهدف إلى بناء الكنيسة وتنمية ملكوت الله في العالم"4.

لذلك، فإن صلاح الكنيسة وصلاح المرشح لا يتعارضان، بل يلتقيان. ويعمل المسؤولون عن الإعداد على التوفيق بين هذين الصلاحين، بأخذهما بالاعتبار معاً على الدوام في فعاليتهما المتشابكة. هذا هو المظهر الأساسي للمسؤولية الكبيرة التي تقع عليهم في خدمتهم للكنيسة وللأفراد فيها5.

 

2.    إن الخدمة الكهنوتية التي تُفهم ويُعمل بها وفق المسيح، العريس والراعي الصالح، تتطلب مواهب محددة إضافة إلى فضائل أخلاقية ولاهوتية، يدعمها توازن بشري ونفسي – وبخاصة عاطفي – ، بغية تمكين الشخص من أن يكون معداً بشكل ملائم لمنح نفسه في حياة التبتل، بطريقة حرة فعلاً في علاقاته مع المؤمنين6.

إن الإرشاد الرسولي "أعطيكم رعاة" (Pastores Dabo vobis) ما بعد السينودس، يتناول الكلام عن مختلف أبعاد الإعداد الكهنوتي: الإنساني، والروحي، والفكري، والرعوي. وقبل أن يبحث النص في البعد الروحي – "وهو عنصر بغاية الأهمية في تعليم كاهن"7 – يشدد على أن البعد الإنساني يشكل أساس كل إعداد. وتعدد الوثيقة جملة من الفضائل الإنسانية، والقدرات المتصلة المطلوبة من كاهن، لكيما تكون شخصيته** "جسراً وليس عائقاً أمام الآخرين في لقائهم مع يسوع المسيح، فادي البشرية8. وتتراوح هذه الفضائل والصفات بين توازن الشخصية العام، والقدرة على تحمل أعباء المسؤوليات الرعوية، من معرفة متعمقة بالروح البشرية إلى حس عدالة وإخلاص9.

** يتعلق مفهوم "الشخصية" في هذه الوثيقة بالرشد العاطفي، وغياب الاضطراب العقلي.

وتستحق بعض هذه الصفات اهتماماً خاصاً: الإدراك الإيجابي والثابت للهوية، والقدرة على تكوين علاقات بشكل ناضج مع أشخاص ومجموعات؛ حس انتماء راسخ يشكل أساس الاتحاد المستقبلي مع مجمع الكهنة وأساس تعاون مسؤول في خدمة الأسقف10؛ الحرية المدعومة بأهداف عظيمة وترابط في تحقيقها في العمل اليومي؛ الشجاعة على اتخاذ القرارات، والالتزام بها؛ معرفة الذات، ومعرفة المواهب والقيود لدمجها ضمن احترام الذات أمام الله؛ القدرة على إصلاح الذات؛ تقدير الجمال بمعنى "روعة الحقيقة" إضافة إلى فن إدراكه؛ الثقة التي تولد عن تقدير الشخص الآخر وتؤدي إلى القبول؛ وقدرة المرشح على دمج جنسه وفقاً للرؤية المسيحية، حتى بالنظر إلى واجب التبتل11.

هذه التنظيمات الداخلية يجب أن تُصاغ خلال إعداد الكاهن المستقبلي لأنه مدعو إلى بناء الجماعة الكنسية، كونه رجل الله والكنيسة. وبمحبة الله الأزلي، ينمي الكاهن تقديراً حقيقياً وكاملاً للبشرية. كما أنه يعيش أكثر فأكثر غنى عاطفته في بذل نفسه لله، الواحد والثالوث، ولإخوته وبخاصة المتألمين منهم.

بوضوح، هذه هي الأهداف التي يمكن أن يحققها المرشح فقط من خلال التعاون اليومي مع عمل النعمة داخله. ويتم إحراز هذه الأهداف من خلال طريق إعداد تدريجية ومطولة لا تكون تخطيطية12 على الدوام. 

وتستلزم الدعوة الكهنوتية طاقة استثنائية ومتطلبة من الديناميكيات الإنسانية والروحية. فقط من خلال معرفة هذا الأمر، يستطيع المرشح الاستفادة من تمييز متنبه ومسؤول للدعوة، يهدف إلى التفريق بين سبل الإعداد وفقاً لاحتياجات كل فرد، وإلى التخطي التدريجي لضعفه على المستويين الروحي والإنساني. ويجب على الكنيسة تزويد المرشحين باندماج فعال للبعد الإنساني، على ضوء البعد الروحي، إذ يصب فيه ويكتمل به13.

ثانياً: تحضير المُعدين

3.    يجب على كل معد أن يتمتع بمعرفة جيدة بالشخص البشري: إيقاعات نموه؛ قدراته ونقاط ضعفه؛ وأسلوب عيش علاقته مع الله. وبالتالي فمن المحبذ أن يوفر الأساقفة – باستخدام مختلف التجارب، والبرامج، والمؤسسات ذات السمعة الحسنة – إعداداً ملائماً في منهجية الدعوة لدى المعدين، وفقاً للإرشادات التي صدرت مسبقاً عن مجمع التربية الكاثوليكية 14.

يحتاج المعدون أن يكونوا محضرين بشكل ملائم للقيام بتمييز يسمح وفق احترام عقيدة الكنيسة حول الدعوة الكهنوتية، باتخاذ قرار عاقل وأكيد في ما يتعلق بقبول المرشح للدخول إلى الإكليريكية، أو بيت إعداد الإكليروس، أو صرفه من الإكليريكية أو بيت الإعداد لأسباب عدم الأهلية. كما يجب على التمييز أن يسمح للمرشح بالحصول على مرافقة على طريقه من أجل اكتساب هذه الفضائل الأخلاقية واللاهوتية الضرورية لعيش هبة حياته بالكامل، بانسجام وحرية داخلية، بحيث يصبح "خادم الكنيسة كجماعة"15.

4.    هذه الوثيقة التي صدرت عن مجمع التنشئة الكاثوليكية وهي دليل الإعداد في التبتل الكهنوتي، تقر بأن "الأخطاء التي تحصل في تمييز الدعوات ليست بنادرة، وبأن الشوائب النفسية التي تكون أحياناً من النوع المَرَضي، تظهر في عدة حالات فقط بعد السيامة الكهنوتية. إذاً، فإن الكشف عن هذه الشوائب في وقت مبكر يساعد على تجنب العديد من التجارب المأساوية"16.

من هنا، تظهر حاجة كل معد إلى أن يتمتع، وفق الإجراءات المتعارفة، بالإدراك والإعداد النفسي17 اللذين يخولانه قدر الإمكان إدراك حوافز المرشح الحقيقية، وتمييز العوائق التي تمنعه من دمج الرشد الإنساني والمسيحي، وملاحظة أي اضطرابات عقلية يعاني منها المرشح. يجب على المعد تقييم تاريخ المرشح بدقة وحذر، على الرغم من أن هذا التاريخ لا يشكل وحده المعيار الحاسم الكافي للحكم في إمكانية قبول المرشح أو صرفه من الإعداد. كما يجدر به أن يعرف كيفية تقييم الشخص ككل، من دون أن ينسى طبيعة النمو التدريجية، وأن يرى نقاط الضعف والقوة لدى المرشح، ومستوى اطلاع المرشح على مشاكله. أخيراً، يجب أن يميز المعد قدرة المرشح على التحكم بتصرفاته بمسؤولية وحرية.

لذلك، يجب على كل معد أن يكون مستعداً، حتى من خلال حلقات تعليمية معينة، لفهم الشخص البشري بعمق، وفهم متطلبات إعداده للخدمة الكهنوتية. لهذه الغاية، يجب الاستفادة من اللقاء مع الخبراء في العلوم النفسية، لمقارنة الملاحظات والحصول على التوضيحات حول بعض المسائل.

 

ثالثاً: مساهمة علم النفس في تمييز الدعوة وإعدادها

1.    نظراً لأن الدعوة إلى الكهنوت هي ثمرة هبة مهمة يمنحها الله، فإنها تكمن مع تمييزها خارج اختصاص علم النفس. على الرغم من ذلك، من المفيد اللجوء في بعض الحالات إلى خبراء في العلوم النفسية. هذا الأمر يسمح بإجراء تقييم أكثر تأكيداً لوضع المرشح النفسي، ويساعد على تقييم ميوله الإنسانية للاستجابة للدعوة الإلهية، كما يوفر بعض المساعدة الإضافية للنمو الإنساني لدى المرشح. يستطيع هؤلاء الخبراء أن يدلوا برأيهم للمعدين في ما يتعلق بتشخيص الاضطرابات النفسية أو ربما معالجتها. إضافة إلى ذلك، يمكنهم من خلال اقتراح وسائل من أجل تأييد استجابة لدعوة أكثر حرية، أن يدعموا تطور الصفات الإنسانية (والمتصلة بها) المطلوبة من أجل ممارسة الخدمة18.

يجب على الإعداد للكهنوت أن يواجه مختلف عوارض عدم التوازن المتجذر في قلب الإنسان19، والظاهر بشكل خاص في التناقضات بين مثال بذل الذات الذي يتوق إليه المرشح، والحياة التي يعيشها. هذا ويجب على الإعداد معالجة المشاكل المتواجدة في التطور التدريجي للفضائل الأخلاقية. إن مساعدة المرشد الروحي والمعترف هي أساسية وضرورية من دون شك من أجل تخطي هذه المشاكل بنعمة الله. ولكن في بعض الحالات، تعيق بعض الجراح النفسية السابقة التي لم تتم معالجتها بعد، تطور هذه الصفات الأخلاقية.

في الواقع، إن طلب هؤلاء الذين يريدون حالياً أن يتم قبولهم في الإكليريكية يعكس بطريقة أكثر أو أقل تأكيداً، ارتباك عقلية تتميز بالفناء، وعدم الاستقرار في العائلة وفي العلاقات الاجتماعية، والنسبوية الأخلاقية، والرؤى الخاطئة عن الجنس، وتقلقل الخيارات، والإنكار النظامي للقيم، بخاصة عبر وسائل الإعلام.

من ضمن المرشحين، يمكن أن نجد بعض الأشخاص الذين مروا بتجارب إنسانية، عائلية، مهنية، فكرية، أو عاطفية، تركت فيهم بطرق مختلفة، جراحاً نفسية لم تندمل بعد، إنما تسبب الاضطرابات. هذه الجراح التي يجهل المرشح تأثيراتها الفعلية غالباً ما يعزوها بشكل مخطئ إلى أسباب خارجة عن ذاته، مما يمنعه من إمكانية مواجهتها بشكل ملائم 20.

ومن الواضح أن المسائل المذكورة أعلاه يمكنها أن تحد قدرة المرشح على التقدم على طريق الإعداد نحو الكهنوت.

Si casus ferat21 – أي في بعض حالات الصعوبات الخاصة – من شأن اللجوء إلى خبراء في العلوم النفسية، قبل القبول في الإكليريكية وخلال طريق الإعداد أن يساعد المرشح على تخطي هذه الجراح النفسية، وعيش أسلوب الحياة الذي يظهره يسوع الراعي الصالح، رأس الكنيسة وعريسها 22، بطريقة أكثر استقراراً وعمقاً.

بغية التوصل إلى تقييم صحيح لشخصية المرشح، يمكن للخبير اللجوء إلى إجراء مقابلات واختبارات بموافقة المرشح المسبقة، الواضحة، العلنية والطوعية23.

يجب على المعدين عدم استخدام تقنيات المعالجة النفسية نظراً لطبيعتها الحساسة.

2.    من المفيد أن يتمكن الكاهن والمعدون الآخرون من الاعتماد على تعاون الخبراء في العلوم النفسية. ويجب على هؤلاء الخبراء الذين لا يستطيعون أن يكونوا جزءاً من فريق الإعداد، أن يتمتعوا بكفاءة معينة في مجال الدعوات، وأن يربطوا حكمة الروح بخبرتهم المهنية.

وفي إطار اختيار الخبراء للمباشرة بالاستشارة النفسية، لا بد من ضمان مداخلة تكون منسجمة قدر الإمكان مع إعداد المرشح الأخلاقي والروحي من أجل تجنب أي ارتباك أو تعارض مؤذيين. لذلك، يجب عدم النسيان بأنه يجب على هؤلاء الخبراء، وإضافة إلى كونهم متميزين بسلامة رشدهم الإنساني والروحي، أن يستلهموا من علم الإنسان الذي يشارك بانفتاح الرؤية المسيحية حول الإنسان، والجنس، والدعوة إلى الكهنوت والتبتل. على هذا النحو، يمكن لمداخلاتهم أن تأخذ بالاعتبار سر الإنسان في حواره الشخصي مع الله، وفقاً لرؤية الكنيسة.

أما في حال عدم توفر خبراء مماثلين، فلا بد من اتخاذ الخطوات اللازمة لإعدادهم24.

ولا بد من دمج المساعدة التي تقدمها العلوم النفسية في سياق الإعداد الكامل للمرشح، والتي يجب ألا تعيق القيمة غير المستبدلة للمرافقة الروحية، بل أن تعمل بشكل خاص على ضمانها لأن المرافقة الروحية من شأنها الحفاظ على المرشح في المواجهة مع حقيقة الخدمة الكهنوتية، وفقاً لرؤية الكنيسة. أما جو الإيمان والصلاة والتأمل بكلمة الله، ودراسة اللاهوت وحياة الجماعة – الجو الأساسي لنضج استجابة سخية للدعوة الموهوبة من الله – فإنهما يسمحان للمرشح أن يفهم بالضبط معنى اللجوء إلى علم النفس ضمن مسار دعوته، ويسمحان له بدمجه ضمن المسار عينه.

3.    من خلال الالتزام بمبادئ هذه الوثيقة وتوجيهاتها والتمسك بها، يجب على مختلف البلدان تنظيم الاستعانة بالخبراء في العلوم النفسية في Rationes institutiones sacerdotales. كما يجب على الأساقفة أو كبار المسؤولين القيام بالأمر عينه في الإكليريكيات المستقلة.

 

التمييز الأولي

1.    منذ اللحظة التي يتقدم فيها المرشح إلى الإكليريكية، يحتاج المعد إلى القدرة على فهم شخصيته بدقة، وفهم إمكانياته، وتصرفاته، وأنواع أي جراح نفسية، مقيماً طبيعتها وحدتها.

كما يجب ألا ننسى وجود ميل محتمل لدى المرشحين لتقليص نقاط ضعفهم أو إنكارها. إن هؤلاء المرشحين لا يتحدثون مع المعدين عن البعض من الصعوبات الجدية لديهم، لأنهم يخشون من أن يتم عدم فهمهم أو قبولهم. وهكذا، فإنهم بالكاد يعززون توقعات واقعية عن مستقبلهم. ومن جهة أخرى، هناك بعض المرشحين الذين يميلون إلى التشديد على مصاعبهم الخاصة، باعتبارها عوائق لا تُذلل في مسار دعوتهم.

إن تمييز المشاكل المحتملة التي تعيق الدعوة في الوقت المناسب من شأنه أن يفيد الشخص، ومؤسسات الدعوة، والكنيسة. وتتضمن هذه المشاكل اعتماداً عاطفياً مفرطاً؛ وعدائية غير متكافئة؛ وقدرة غير كافية على الالتزام بالواجبات؛ وقدرة غير كافية على تأسيس علاقات ساكنة من الانفتاح، والثقة، والتعاون الأخوي، والتعاون مع السلطة؛ وهوية جنسية مشوشة أو غير محددة بعد.

في مرحلة التمييز الأولي، تكون مساعدة الخبراء في العلوم النفسية ضرورية بشكل أساسي على الصعيد التشخيصي، عندما يظهر الشك في وجود اضطرابات نفسية. وإن ثبتت حاجة المرشح للعلاج، يجب أن يتم هذا العلاج قبل قبوله في الإكليريكية أو في بيت الإعداد.

تكون مساعدة الخبراء مفيدة للمعدين، حتى عندما يرسمون طريق إعداد خاصة باحتياجات المرشح.

أما في حال تقييم إمكانية أن يعيش المرشح نعمة التبتل في الإيمان والفرح، ببذل حياته بالكامل على صورة المسيح رأس الكنيسة وراعيها، يجب ألا ننسى بأنه من غير الكافي التأكد من قدرته على الامتناع عن النشاط التناسلي. من الضروري أيضاً تقييم توجهه الجنسي، وفقاً للتوجيهات التي أصدرها هذا المجمع 25. إن العفة للملكوت هي في الواقع أكثر بكثير من مجرد الامتناع عن العلاقات الجنسية.

على ضوء الأهداف المذكورة أعلاه، يمكن لاستشارة نفسية أن تكون مفيدة في بعض الحالات.

ب‌- الإعداد التالي

2.  خلال فترة الإعداد، يمكن أن يلبي اللجوء إلى العلوم النفسية الاحتياجات الناجمة عن أي أزمات، وأن يفيد في دعم المرشح في مساره نحو حيازة أكثر تأكيداً على الفضائل الأخلاقية. كما بإمكانه أن يزود المرشح بمعرفة شخصيته بشكل أعمق، وأن يساهم في تخطي مقاومته النفسية لمتطلبات دعوته، أو جعلها أقل حدة.

يمكن أن يبذل المرشحون أنفسهم لله بوعي وحرية، وبمسؤولية تجاه أنفسهم وتجاه الكنيسة، عندما يكونون قد سيطروا ليس فقط على نقاط ضعفهم، بل على قواهم الإنسانية والروحية 26.

يمكن التوصل إلى نضج الدعوة المسيحية ووضوحها وإتمامها، إلى جانب مساعدة علم النفس، من خلال مساهمة علم الإنسان في الدعوة المسيحية وفي النعمة. إلا أن المرء لا يمكنه التغاضي عن أن نضجاً مماثلاً لن يكون خالياً تماماً من المصاعب والتوترات التي تتطلب انضباط النفس، وروح التضحية، وتقبل الكفاح والصليب27، وعهد الذات إلى مساعدة النعمة28 التي لا تُستبدل.

3.  من الممكن أن يستمر المرشح – على الرغم من التزامه ودعم علم النفس أو المعاجة النفسية – في إظهار عدم قدرته على المواجهة الفعلية لنقاط عدم نضجه الخطيرة – حتى بالنظر إلى الطبيعة التدريجية للنمو البشري. إن نقاط عدم النضج هذه تشمل تبعية عاطفية قوية، نقصاً ملحوظاً في الحرية ضمن العلاقات، قساوة طبع مفرطة، عدم ولاء، هوية جنسية غير مؤكدة، وميولاً مثلية عميقة، وغيرها. في هذه الحالة، يجب عدم متابعة طريق الإعداد.

والأمر سيان إذا ما اتضح بأن المرشح يجد صعوبة في عيش العفة في التبتل، بمعنى أن يعيش التبتل كعبء ثقيل يعرض توازنه العاطفي والاجتماعي للخطر.

رابعاً: التماس تقييمات الإخصائيين، واحترام خصوصية المرشح

4.  يرجع فعل اختيار المرشحين إلى الكنيسة، التي تختار من هم أهل للخدمة الراعوية. ومن ضمن حقوقها وواجباتها، يجدر بها التأكد من وجود الصفات المطلوبة في الأشخاص الذين تقبلهم في الخدمة المقدسة29.

إن القانون 1051، البند الأول من القانون الكنسي، يتوقع بأنه يجب، بهدف تفحص الصفات المطلوبة بالنظر إلى السيامة، توفير تقييم لحالة المرشح الجسدية والنفسية30 من بين جميع الأمور الأخرى.

ويثبت القانون 1052 أنه يجب على الأسقف بغية التقدم في سيامة المرشح، أن يكون متيقناً من أن "الحجج الإيجابية أثبتت" أهليته، وألا يقوم بالسيامة في حال الشك.

من هنا، يحق للكنيسة أن تتحقق من أهلية الكهنة المستقبليين، حتى من خلال اللجوء إلى العلم الطبي والنفسي. في الواقع، يجدر بالأسقف أو بالمسؤول المختص ألا يدقق فقط في أهلية المرشح بل أن يثبتها أيضاً. لا يمكن للمرشح إلى الكهنوت أن يفرض شروطه الخاصة، بل يجب أن يقبل باتضاع وامتنان القواعد والشروط التي تضعها الكنيسة نفسها، من ضمن مسؤوليتها31. لذلك، وفي حالات الشك حيال أهلية المرشح، يكون القبول في الإكليريكية، أو بيت الإعداد محتملاً فقط بعد تقييم نفسي لشخصية المرشح.

5.  يقع اكتساب المعرفة الضرورية من أجل إصدار حكم أكيد وحذر في موضوع أهلية المرشح، ضمن حقوق المؤسسة الإعدادية وواجباتها. لكن هذا الأمر يجب ألا يضر حق المرشح في السمعة الحسنة، التي يتمتع بها كل شخص، وحقه في الدفاع عن خصوصيته، كما يفرض القانون 220 في القانون الكنسي. وهذا يعني بأن الاستشارة النفسية للمرشح تتم فقط بموافقة مسبقة، وواضحة، وطوعية منه.

وليعمل المعدون على ضمان جو من الثقة يمكن المرشح من الانفتاح والمشاركة باقتناع في عمل التمييز والمرافقة، مقدماً "تعاونه المقتنع والقلبي". والمطلوب من المرشح أن يكون صريحاً وصادقاً مع المعدين، لأنه فقط عندما يسمح لهم بصدق بمعرفته، يتلقى المساعدة في هذا المسار الروحي الذي يسعى إليه بنفسه من خلال دخوله إلى الإكليريكية.

أما الجو التعليمي بين التلاميذ والمعدين – المتميز بالانفتاح والشفافية – ، والدوافع والسبل التي سيقدم بها المعدون اقتراحاتهم إلى المرشح لأن يخضع للاستشارة النفسية، فتصبح أكثر أهمية وأكثر عزماً على تخطي سوء التفاهم المحتمل.

وليتجنبوا فكرة أن اقتراحاً مماثلاً يشكل المقدمة لاستبعاد المرشح الحتمي من الإكليريكية أو بيت الإعداد.

بالإضافة إلى أن المرشح يحظى بحرية اختيار الخبير الذي إما يختاره من بين الخبراء الذين يعينهم المعدون، وإما يختاره بنفسه ويقبل المعدون به.

ووفقاً للإمكانيات، ينبغي ضمان الحرية للمرشح في الاختيار من بين الخبراء الذين يتمتعون بالصفات الضرورية المحددة33 .

إن رفض المرشح طلب المعدين لأن يخضع للاستشارة النفسية، فلا يجبره المعدون أبداً على القيام بذلك. ولكنهم بدلاً من ذلك، يباشرون بحذر في عمل التمييز من خلال المعرفة التي يتحلون بها، واضعين القانون 1052 المذكور أعلاه نصب أعينهم.

 

خامساً: العلاقة بين المسؤولين عن الإعداد والخبير

أ‌-       المسؤولون في المنتدى الخارجي

1.    بروح ثقة متبادلة، وبالتعاون مع إعداده الخاص، من الممكن أن يُدعى المرشح اختيارياً إلى أن يقدم موافقته الخطية على أن ينقل الخبير في العلوم النفسية المعين بثقة، نتائج الاستشارة للمعدين الذين يختارهم المرشح بنفسه. ويستخدم المعدون أياً من المعلومات المكتسبة لرسم صورة عامة عن شخصية المرشح، ولاستدلال التوجيهات المناسبة لطريق إعداد المرشح في مرحلة لاحقة، أو لقبوله في السيامة.

وبغية حماية خصوصية المرشح وسمعته الجيدة حاضراً ومستقبلاً، يتعين الاهتمام بألا يعلم أحد عن الآراء المهنية التي يدلي بها الخبير سوى المسؤولين عن الإعداد، مع الحظر الدقيق والملزم بعدم استخدامها بأي شكل من الأشكال إلا من أجل تمييز الدعوة وإعداد المرشح.

ب‌- الطابع الخاص بالتوجيه الروحي

14. ليست مهمة المرشد الروحي بسهلة، لا في تمييز الدعوة ولا في مجال اليقين.

هناك مبدأ ثابت يفيد بأن التوجيه الروحي لا يمكن أبداً الاستعاضة عنه أو استبداله بأشكال التحليل أو المساعدة النفسية. إضافة إلى ذلك، فإن الحياة الروحية بذاتها تحبذ نمواً في الفضائل الإنسانية، في حال عدم وجود عوائق نفسية 34. من خلال التفكير بهذين المبدأين، يجد المرشد الروحي الحاجة إلى أن يقترح على المرشح الخضوع لاستشارة نفسية من غير فرضها35 ، وذلك بغية إزالة الشكوك المتعذر حلها بطريقة أخرى، والعمل بثقة أكبر في التمييز والمرافقة الروحية.

إن طلب المرشد الروحي من المرشح الخضوع لاستشارة نفسية، فمن المستحسن أن يقوم المرشح إلى جانب إعلامه المرشد الروحي بنتائج الاستشارة، بإعلام معد المنتدى الخارجي، بخاصة إذا ما دعاه المرشد الروحي بنفسه إلى القيام بذلك.

وفي حال رأى المرشد الروحي أنه من المفيد أن يكتسب المعلومات بنفسه مباشرةً من المستشار، فليعمل وفق ما ورد في رقم 13 عن معدي المنتدى الخارجي.

ومن خلال نتائج الاستشارة النفسية، سوف يستدل المرشد الروحي التوجيهات المناسبة من أجل التمييز الذي هو من اختصاصه، والإرشادات التي يجب أن يقدمها للمرشح، وإمكانية الاستمرار على طريق الإعداد.

ج- مساعدة الخبير للمرشح والمعدين

15. إن الخبير – بقدر ما هو مطلوب منه – سوف يساعد المرشح على التوصل إلى معرفة أوسع عن نفسه، وقدراته، ونقاط ضعفه. كما سيساعده على مقارنة المثل العليا لدعوته بشخصيته، مشجعاً إياه على تنمية تمسك شخصي، وحر، وواع بإعداده. كما تقع على الخبير مسؤولية تزويد المرشح بالتوجيهات اللازمة المتعلقة بالمصاعب التي يقاسيها، وتبعاتها المحتملة في حياته وخدمته الكهنوتية المستقبلية.

بعد أن يكون الخبير قد أجرى تقييمه مع الأخذ بالاعتبار التوجيهات التي قدمها إليه المعدون، يقوم بتقديم ما لديه – بموافقة خطية مسبقة من المرشح – مساهماً بذلك في فهم شخصية المرشح والمشاكل التي تعترضه الآن أو في المستقبل.

وفقاً لتقييمه وكفاءته، سوف يشير أيضاً إلى الاحتمالات المتوقعة في ما يخص نمو شخصية المرشح. إضافةً إلى ذلك، سوف يقترح، بحسب الضرورة، أشكالاً وسبلاً للدعم النفسي.

سادساً: الأشخاص الذين استُبعدوا من الإكليريكيات أو بيوت الإعداد، أو الذين تركوها طوعاً

16. من المخالف لقواعد الكنيسة قبول أشخاص في الإكليريكية أو بيت الإعداد كانوا قد تركوا، أو بالأحرى قد استُبعدوا من إكليريكيات أو بيوت إعداد أخرى، من دون جمع المعلومات الضرورية من أساقفتهم أو كبار المسؤولين عنهم، بخاصة المعلومات المتعلقة بأسباب الاستبعاد أو الرحيل 36.

من واجب المعدين السابقين أن يقوموا بتزويد المعدين الجدد بالمعلومات الدقيقة. كما أنه من الضروري الانتباه إلى أنه غالباً ما يترك المرشحون المؤسسة التعليمية تلقائياً بغية تجنب الاستبعاد القسري.

أما في حال الانتقال إلى إكليريكية أخرى أو بيت إعداد آخر، فإنه يجدر بالمرشح أن يُعلم المعدين الجدد عن أي استشارة نفسية أُجريت مسبقاً. وفقط من خلال موافقة المرشح المكتوبة والطوعية، يستطيع المعدون الجدد التواصل مع الخبير الذي أجرى الاستشارة.

وفي حال أن مرشحاً خضع لمعالجة نفسية بعد صرفه مسبقاً، ووردت إمكانية قبوله في الإكليريكية، فإنه يجب أولاً التحقق قدر الإمكان من حالته النفسية. وهذا الأمر يتضمن جمع المعلومات الضرورية من الخبير الذي عالجه، وذلك بعد حصوله على موافقة خطية وطوعية من المرشح.

وفي حال طلب أحد المرشحين، بعد لجوئه إلى خبير في علم النفس، أن يتم نقله إلى إكليريكة أخرى أو بيت إعداد آخر، ورفض التسليم بالنتائج التي أصبحت متوفرة لدى المعدين الجدد، يجب تذكر إثبات أهلية المرشح بحجج إيجابية، وفق قاعدة القانون 1052 المذكور أعلاه، ووجوب استبعاد كل الشكوك المعقولة.

خاتمة

17. فليقدم جميع الملتزمين في الإعداد، بحسب مختلف مسؤولياتهم، تعاونهم المقتنع، باحترام اختصاص كل منهم لكيما يكون تمييز الدعوة ومرافقة المرشحين كافيين "من أجل قبول المدعويين فقط إلى الكهنوت، ومن أجل إخضاعهم لتدريب مناسب، أي مع استجابة واعية وطوعية بتكريس ذاتهم ليسوع المسيح الذي يدعوهم إلى التقرب منه والاشتراك معه في رسالته الخلاصية" 37 .

إن الحبر الأعظم بندكتس السادس عشر، وخلال المقابلة التي مُنحت للموقع أدناه، الكاردينال والمدبر الرسولي في 13 يونيو 2008، صادق على هذه الوثيقة وأجاز نشرها.