عن النهار – عمان
تقرير: هالة حمصي
الدموع بغتت، على غفلة، آن غلين وهي تقرأ بيان اعلان "المنتدى المسكوني الفلسطيني- الاسرائيلي" امام الجميع.
توقفت قليلا عن الكلام، قبل ان تتماسك مجددا وتتابع بغصة خنقت صوتها. "نعم، لقد سمعنا صوت الكنائس المسيحية في اسرائيل والاراضي الفلسطينية تقول لنا اعملوا معنا… صلوا من اجلنا… ارفعوا معنا اصواتكم…ساعدونا لنحطم الحواجز ونبني الجسور… اصرّوا معنا…كونوا شركاء لنا. ولها نقول، معاً سنتحرك ونصلي ونتكلم ونعمل كي نبني معكم الجسور من اجل سلام دائم (…)"، قالت باسم رفاقها المؤتمرين. وفي الختام، كان تصفيق حار في القاعة، تعبيرا عن الموافقة على كل كلمة وردت في البيان الختامي، والابتسامات ارتسمت على الوجوه.
بـ"نداء عمان"، اختتم مجلس الكنائس العالمي (WCC)مؤتمره الدولي بعنوان:"الكنائس معاً من اجل السلام والعدالة في الشرق الاوسط" مساء الاربعاء، والذي نظمه في العاصمة الاردنية عمان على مدى ثلاثة ايام. وكانت الحصيلة 11 نقطة تدفع بحزم في اتجاه "السلام والعدالة والمصالحة… ووقف العنف"، اعلن من خلالها ممثلو الكنائس الاعضاء في المجلس والمؤسسات التابعة لها جملة مواقف من النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي والسلام في الشرق الاوسط، بعد بحث ومناقشة تركزا على "الضرورات الخلقية واللاهوتية من اجل سلام عادل، والضرورة المسكونية من اجل الوحدة في العمل، والضرورة الانجيلية من اجل تضامن ثمين".
اليوم الاخير من المؤتمر حرّكته ملاحظات المؤتمرين واقتراحاتهم المختلفة لادخال تعديلات على هذه الجملة او تلك في بيان اوّلي، او على هذا الموقف او ذاك، الى مناقشات ومداولات وشروح لهذا او ذاك. وقد اوجب ذلك عودة لجنة صياغة النداء الى الاجتماع مجددا، لادخال التعديلات المقترحة على نص النداء قبل تلاوته النهائية. كذلك، كان عمل المنتدى والعضوية فيه وخصائصه احد ابرز التساؤلات التي اثارها عدد من المؤتمرين، "وخصوصا اننا نود ان نطلع على شؤون عملية تتعلق به. فلا نعود الى منازلنا ونقول انشأناه، لكن لا نعرف كيف يعمل"، على ما قال احدهم.
وقد حدا الامر بالامين العام للمجلس القس الدكتور سامويل كوبيا على استمهال السائلين بالتشديد على ان "البيان شامل"، قبل ان يغتنم تأخر لجنة الصياغة ليعرض بعض المسائل المتعلقة بالمنتدى. فاشار الى ان "نواة فريق المنتدى سيشكل في اسرع وقت ممكن، خلال اسبوعين او ثلاثة اسابيع، بعد انتهاء المؤتمر. ومطلوب منه ان يلتقي قبل انعقاد اللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمي في ايلول المقبل، كي يخرج باقتراحات حول عمل المنتدى".
وقال ان "ثمة تصورا لان يكون الفريق صغيرا، بحيث لا يتجاوز عدد اعضائه السبعة، ويستثنى من عضويته فريق عمل المجلس. وتكون من مسؤولياته اعداد خطة عمل للمنتدى، في ضوء الخطوط العريضة التي يخرج بها المؤتمر". وحدد "ستة معايير لاختيار اعضاء نواة الفريق، وهي القدرة التمثيلية، والشرعية، والهوية الدينية، والكفاءة، وجدية الالتزام، والتوازن".
كذلك، توالت ست لجان عمل على تقديم اقتراحات وضعتها كخلاصة لمناقشات اجرتها حول مواضيع "بناء السلام وصنعه" على المديين القريب والبعيد، بعدما تولت كل منها، من الثلثاء، البحث في احد النقاط الآتية: رؤى لاهوتية ومن الكتاب المقدس، العدالة والمصالحة، تأثير الاحتلال وردّ الكنائس عليه، الخطوات الاقتصادية الممكنة من اجل السلام وفي مواجهة الاحتلال، نماذج من تضامن كنسي عملي، والدفاع الدولي للكنائس من اجل السلام في اسرائيل وفلسطين.
وبانتهاء لجنة الصياغة من عملها، اطلع المؤتمرون مجددا على النداء، وتناقشوا اكثر، قبل ان يجيبوا مدير الجلسة السفير الكيني كيبلاغات (المنتدى الافريقي للسلام) ب"نعم، نعم…"، ردا على سؤاله: "هل نقبل به؟". وصفّقوا بحرارة، تعبيراً عن موافقتهم عليه. وقد حدّدوا فيه جملة أسس لمبادرتهم: "قرارات الامم المتحدة تشكل اساس السلام، يحق للفلسطينيين تقرير مصيرهم بانفسهم والعودة(الى ارضهم)، ضرورة ان يكون حلّ اقامة دولتين (اسرائيلية وفلسطينية) قابلا للحياة سياسيا وجغرافيا واقتصاديا واجتماعيا، ضرورة ان تكون القدس مدينة مفتوحة يتشارك فيها الشعبان (الاسرائيلي والفلسطيني) والديانات الثلاث، عدم شرعية المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة بحيث تشكل عقبة امام السلام، والجدار الفاصل الاسرائيلي على الاراضي الفلسطينية المحتلة خرق فاضح للقانون الدولي ويجب ازالته، والحل العسكري لهذا النزاع ليس ممكنا".
وقالوا ايضا ان "المنتدى مساحة حيث يمكن تطوير استراتيجية شاملة من المقاربات حول عمليتي صنع السلام وبنائه". وتحت بند "بناء السلام"، شددوا على "تطوير استراتيجيات تدعم مسيرات العدالة والمصالحة، وتقوية ردود الكنائس على الاحتلال (الاسرائيلي)". وفي اطار بند "صنع السلام"، اكدوا اهمية "تشجيع خطوات، ولاسيما اقتصادية، يمكن ان تساعد في انهاء الاحتلال، وتعزيز الجهود الحالية وتعيين نماذج جديدة عملية للتضامن الكنسي، ودعم الكنائس المحلية في المنطقة والمؤسسات التابعة لها (…)".
وتوجهوا الى الكنائس المسيحية في اسرائيل والاراضي الفلسطينية: "معاً سنتحرك ونصلي ونتكلم ونعمل كي نبني معكم الجسور من اجل سلام دائم بين شعوب هذا المكان المعذب والجميل، فلسطين واسرائيل، وكي نضع حدا لعقود من اللاعدالة والاذلال وعدم الاستقرار الامني، ومن العيش كلاجئين وتحت الاحتلال. لقد سمحنا بان يمر الكثير من الوقت. والزمن لم يخدم قضية السلام، انما التطرف. هذه هي قضيتنا العاجلة التي لم يعد يمكن ان تنتظر".
وبعد تلاوة النداء، كانت ايضا لكوبيا كلمة ختامية توجه فيها الى المؤتمرين: "اذا كان المنتدى رحلة نحو السلام، فسيكون رحلة نكتشف من خلالها القدرة المسكونية على ان نكون مدافعين عن السلام. وكي نكتشفها، علينا ان نسير معا، جنبا الى جنب". وشدد على ان "هذه الرحلة تعتمد على كل منكم، وعلى عدد كبير من الكنائس التي تنظر بتطلعات الى ما بدأناه هنا (…) وعلينا ان نظهر الطريق لبعضنا البعض".
وقال في حديث صحافي ان "المؤتمر انتهى بنداء واضح جدا لارساء اداة من اجل تحقيق المنتدى وما قررناه فيه، ووضعنا آليات لعمل المنتدى"، معتبرا ان "المؤتمر يشكل اختلافا كبيرا، وبالتالي لدينا امل كبير في تطبيق ما اتفقنا عليه معا هنا".
من جهته، شدد مطران الاردن والاراضي المقدسة للكنيسة الانجيلية اللوثرية منيب يونان على ضرورة ان"تكون الكنائس نبوية معاً في هذه المرحلة، عندما ترى معاناة الانسانية وتزايد التطرف"، مشيرا الى "اننا تشجعنا لسماعنا مجلس الكنائس العالمي يقول للكنائس المسيحية في الاراضي المقدسة والفلسطينية انها ليست متروكة وحدها، وانه معها في نضالها للحفاظ على المسيحية في كل الشرق الاوسط".
وقال: "يمكن الحفاظ على المسيحية بعمل الكنائس من اجل العدالة والسلام والمصالحة، ليس بين بعضها البعض، انما ايضا مع بقية الاديان. ومن الضروري ان تتكلم الكنائس في العالم بضمير حر، من اجل مصلحة الانسانية، ولا يدفع بها اي فريق سياسي".
يشار الى ان الاقتراحات والآراء التي تبلورت في المؤتمر كانت مهدت لها تجارب عدة من مختلف انحاء العالم في السلام والعدالة، عرضت الثلثاء، وجاءت محطات تأمل واستلهام للمؤتمرين. ومن نيكاراغوا، كان برنامج للتغلب على العنف: "ثقافة السلام في اميركا اللاتينية". وحصدت "الابادة الارمينة" اهتمام الحضور، في ضوء مداخلة قدمتها الاستاذة الجامعية الدكتورة نورا بيرقداريان (كاثوليكوسية الارمن الارثوذكس-لبنان)، وتناولت فيها الابادة من الناحية التاريخية، وقوّة الذاكرة الارمنية والانكار التركي للابادة، وضرورة العدالة في مواجهة اللاعقاب. وقالت: "لا يكفي ادانة الابادة في المؤتمرات الدولية، انما يجب ايضا التحرك والقيام بخطوات عملية". وشددت على انه "لمنع حصول اي ابادة اخرى ممكنة في المستقبل، يجب ممارسة العدالة، وتأمين الحماية للاقليات، ومعاقبة الجرائم ضد الانسانية (…)".
كذلك، كان عرض لاربع تجارب اخرى: برنامج المرافقة المسكوني في فلسطين واسرائيل (EAPPI)، المقاومة المدنية في الفليبين، معابد الكنيسة من اجل السلام في كولومبيا، حركة السلام "بيبول تو بيبول" في السودان، الشهادة النبوية من اجل السلام وخدمة النازحين المسيحيين في سري لانكا، نضال الكنائس المحلي والشامل لوضع حد للتمييز العنصري في جنوب افريقيا.