سر التوبة والمصالحة عبر التاريخ

سر التوبة والمصالحة عبر التاريخ

  بقلم: فادي أسود

 
إن تاريخ ممارسة الكنيسة لهذا السر فيه شيء من التنوّع، فلقد مارسته مختلف الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية، وحتى البروتستانتية، بأساليب عديدة على مر العصور، كما مارسته الكنيسة الواحدة بطرق مختلفة من عصر لآخر.
لقد تطوّر سر المصالحة بشكل تدريجي وخضع لتغييرات من حيث الممارسات لا نشاهدها في أي سر آخر. وإن كان السيد المسيح قد أسس هذا السر بقوله لتلاميذه: "من غفرتم خطاياهم تغفر لهم، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت عنهم" ( يو 20 : 23 )، إلا أنه لم يتفوّه بكلمة واحدة عن طريقة ممارسته تاركاً للكنيسة مهمة البتّ في شكله وأسلوبه.
عندما نطلع على تاريخ الكنيسة المتعلق بهذا السر وطرق ممارسته نستطيع تمييز المراحل التالية:
من عهد الرسل حتى بداية القرن الثالث :
قال السيد المسيح لبطرس: "سأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فما ربطت في الأرض ربط في السموات ، وما حللت في الأرض حلّ في السموات" ( مت 16 : 19).
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة هو: هل كان الرسل يمارسون سر المصالحة على النحو الذي يمارس اليوم؟
إن معظم نصوص العهد الجديد التي نعتمد عليها لإثبات أساس سر المصالحة قد لا تتعلق مباشرةً
به إنما بسر العماد الذي يتطلب التوبة من طرف الإنسان ويمنح المغفرة من لدن الله. فقد فهم التقليد القديم قول يسوع السابق على أنه يخصّ سر العماد الذي يحلّ من الخطايا، والقديس أوغسطينس (القرن الرابع) تردّد فيما بعد في فهم هذه الآيات بين سر العماد وسر التوبة، أما مجمع تريدانت فقد بت نهائياً أمر تأسيس سر التوبة على أنه يستند إلى هذه الآيات.
ورد في رسالة القديس يعقوب: "ليعترف بعضكم لبعض بخطاياه " ( يع 5 : 16 ).. فهل هذه العبارة تصرّح بممارسة سر الإعتراف في عهد الرسل؟
حسب ما أشار يسوع في ذلك الوقت كان إذا أخطأ أخ نحو أخيه يذهب المؤمنون إليه ليمنحوه نصيحة أخوية فإذا لم يقبل عرضوا الموضوع على الرسل والتلاميذ من بعدهم، وهذا ما يتعلق بالخطايا الخاصة. أما بالنسبة للخطايا العامة فقد تحددت تدريجياً بـ :
أولاً- خطيئة الكفر: كالإرتداد والهرطقة ومزاولة السحر .
ثانياً – خطيئة القتل: وتتضمن قتل الإنسان لأخيه، الإجهاض، السرقات، التسبب في الأذى..
ثالثاً – خطيئة الزنى: وكل ما يتعلق بالجنس .
كانت جماعة الكنيسة تربط الخطيئة ثم تحل الخاطئ، وهاتين الكلمتين لا تعنيان ما نفهمه اليوم من رفض الكنيسة لمنح الحل أو قبوله ، فهما من التعابير الرابينية (اليهوديّة) الشائعة في أيام المسيح والرسل وتعنيان الحرمان من الجماعة.
فقد كان الخاطئ يحرم من ممارسة الحياة المسيحية الجماعية وبصفة خاصة الافخارستيا، وعند اجتماع المؤمنين لكسر الخبز كان الخاطئ يلبس ثوب التوبة (المسوح) ويغطي نفسه بالرماد ويركع أمام المؤمنين طالباً رحمتهم بالدموع والتنهدات. وخلال تلك الفترة، التي كانت من الممكن أن تكون طويلة وليست كما هي الحال في أيامنا، يقوم الخاطئ بأعمال تقوية مضنية كالصوم والصلاة والصدقة، وكانت الكنيسة تتشفع لله من أجل عضوها المريض. وبعد ذلك تتم المصالحة مع الجماعة بأن يصعِد الأسقف التائب إلى صدر الكنيسة أمام جميع المؤمنين المجتمعين لكسر الخبز .
 
كان سر التوبة يمنح مرة واحدة في الحياة ونادراً جداً مرتين ولذلك كان يسمى "العماد الثاني". ولم يكن ينله الشباب وإن كانوا في حالة الخطيئة المميتة حتى لا تضطر الكنيسة لأن تمنحهم إياه مرة ثانية، فلم ينله إلا الشيوخ والمترملون والمرضى على فراش الموت. خاصةً وان ممارسة هذا السر كانت تفرض أحياناً أعمالاً تكفيرية مدى الحياة كالانقطاع عن العلاقات الزوجية وعدم مزاولة بعض المهن كتجارة الأسلحة والكهنوت …والمراجع التي نستند إليها لمعرفة ذلك فهي: ترتوليانوس في مؤلفه "عن التوبة" و كتاب "الراعي" لهرماس، الذي يورد ما يلي: "ثمة يوم محدد للتوبة فمن فاته هذا اليوم لن يلق مناسبة أخرى للتوبة، ومن خطئ بعد هذا اليوم لن يتلق الغفران".
في النصف الأول من القرن الثالث :
ظهر في بداية هذا القرن سؤال هام حير ضمير الكنيسة :هل يمكن الصفح عن جميع الخطايا، أم أن هنالك خطايا لا تحل؟ وهل يعود جميع الخطأة إلى الكنيسة أم يظل بعضهم مربوطين خارجها طوال حيا تهم؟
هذا السؤال لم يكن عقائدياً بمعنى: هل يحق للكنيسة أن تحلّ بعض الخطايا فقط، بل كان رعوياً،
بمعنى هل من الملائم للخاطئ أن تحل خطيئته؟
لاشك أن هذه التساؤلات نشأت على أرضية الاضطهادات الدامية التي واجهت الكنيسة في نشأتها، وخاصةً الاضطهادات الثلاث الأخيرة التي اتسمت بالعنف فأنكر بعض المؤمنين إيمانهم ثم ارتدوا إلى الكنيسة بعدها . فكيف تتصرف الكنيسة تجاههم؟
إزاء ذلك برز اتجاهان متعاكسان احدهما متشدد والآخر متساهل:
كوبريانوس أسقف قرطاجة في شمال أفريقيا كان متشدداً بعد الاضطهاد الأول، لكنه لان فيما بعد مغيراً موقفه بشكل جذري بعد الاضطهاد الثاني. وتصرف بابوات روما تصرفاً رعوياً مماثلاً بمسامحة ورحمة العائدين وتفهّم ضعفهم البشري. أما ترتليانوس فقد اعتبر ذلك تراخياً يحث المؤمنين على الوقوع في الخطايا لاسيما خطيئة الزنى. وكان هذا أيضاً رأي تيار المونتانية الذي انتمى إليه ترتليانوس في آخر حياته .
من هنا نشأ خلاف بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية في النظرة إلى سر التوبة ، فيقول كوبريانوس الذي يمثل نظرة الكنيسة الغربية أن مصالحة الخاطئ مع الكنيسة تسبب الغفران من الله ، لذلك فإن أعمال التكفير هي بمثابة سبب غفران الخطيئة. أما أوريجانوس الذي يمثل رأي الكنيسة الشرقية لم يعتبر أن المصالحة مع الكنيسة تسبب الغفران من الله بل إن غفران الله يسبب المصالحة مع الكنيسة بمعنى أن أعمال التكفير هي شرط فقط للغفران تجلب المغفرة ولا تسببها.
من النصف الثاني من القرن الثالث إلى القرن السادس :
في هذه الفترة نشأ ما يسمى نظام "التوبة العلنية" الذي تميّز بالقسوة والتصلب. فقد بلغ زمن الربط في بعض الحالات عشرين سنة في مثل خطيئة القتل المتعمد. وكانت الكنيسة تذكّر المؤمنين بضرورة إشهار الخاطئين للسلطة الكنسية. وسبب ذلك أن المسيحية انتشرت في المدن ولم تعد الخطايا علنية ومعروفة لدى الجميع كما في جماعة المسيحيين الأوائل .
تبلور دور الأسقف تدريجياً في عملية الربط والحل حتى احتكر السر تماماً. فعندما كان الخاطئ يدخل في مرحلة التوبة العلنية كان يجلس مع الأسقف في انفراد بشكل خاص يعتبره المؤرخون نواة الاعتراف الحالي. وكان أوغسطينس (345 – 430) قد سمح بالاعتراف الفردي الخاص في بعض الحالات كالزنى والقتل مخافة أن يتعرض الخاطئ للأذى من قبل السلطات المدنية. وفي منتصف القرن الخامس أمر لاون بابا روما بأن ينحصر الإقرار بالخطايا في شخص الأسقف احتراماً للخاطئين وحفاظاً على سرية ما اقترفوه . بعدها كان الخاطئ يدخل في مرحلة التكفير العلني التي يحدد الأسقف مدتها حسب جسامة الخطيئة. وفي الصوم الأربعيني يوم خميس الأسرار أو سبت النور كان يتم اللقاء الثاني بين الخاطئ والأسقف الذي كان يضع يده على الخاطئ التائب أو يعانقه علامة الحل الكنسي فتفرح الجماعة الكنسية بعودة الخاطئ إلى حضن الكنيسة وتتناول معه جسد ودم المسيح تعبيراً عن الفرح والوحدة .
ومع تقدم الوقت كان لابد من إيجاد نظام آخر غير التوبة العلنية الذي يؤخذ عليه ما يلي :
رعوياً: أصبح النظام متشدداً وقاسياً فابتعد عنه الخاطئون خوفاً منه .
روحياً: مع الوقت فترت همة المؤمنين وخمد حماسهم لمجيء المسيح الثاني فكثرت الخطايا.
اجتماعياً: مع انتشار المسيحية في المدن الكبرى لم يعد ممكناً أن يحيا التائبون التوبة العلنية ولم يعد مستحباً إشهار الخاطئين خوفاً من تدخل السلطات المدنية .
ثقافياً: مع فتور الحياة الروحية تركز الاهتمام حول الخطايا الخُلقية، فظهرت لوائح عن الخطايا أتت إلى الغرب من الشرق لاتناسب عقلية الغرب، إذ كان الشرق يونانياً بدأت فيه الحياة الرهبانية والغرب كان رومانياً تسوده الروح العلمانية .
عقائدياً: استحوذت أعمال التكفير على الأهمية القصوى في نظام التوبة العلنية ، ففقدت مجانية الخلاص والمغفرة دورها الأمر الذي طرح تساؤل: ما جوهر سر التوبة؟.. هل يكمن في غفران الله للخطايا وعودة الخاطئ إلى الكنيسة أم في انجاز الأعمال التكفيرية من قبل الخاطئ؟..
عصر الرهبنة (القرن السادس):
 بعد نشأة الرهبنات في الشرق على يد القديس باسيليوس الكبير (279 – 329) انتشر نظام التوبة الخاصة ففي الأديرة كان المرشد الروحي راهباً يسكنه الروح القدس وكان يسمى الروحاني وبشكل تدريجي امتزج الارشاد الروحي بسر المصالحة حتى استقر في القرون السابع والثامن والتاسع ، وظهرت "كتب التوبة" البيزنطية التي ترشد إلى ممارسة سر التوبة. وقد خالف الأقباط هذا النظام وآثرو التوبة العلنية حتى القرن الثاني عشر عندما وافق عليه نهائياً البطريرك ميخائيل الأتريبي بتأثير من الكنيسة السريانية التي كانت قد اعتمدت هذا النظام .
أما في الغرب فقد ترهبن كاهن إيرلندي الجنسية اسمه باتريك (وهو شفيع إيرلندا) في أحد أديرة فرنسا ثم سيم أسقفاً وعاد إلى إيرلندا وأدخل في أديرته نظام الارشاد الروحي لدى راهب شيخ كان الرهبان يسردون له تجاربهم وسقطاتهم. لم يكن هذا الشيخ كاهناً ولكن سرعان ما حول باتريك الشيوخ المرشدين إلى كهنة يتقبلون الإقرار بالخطايا من الرهبان ويحلونها .
ثم انتشر هذا النظام في الغرب بما فيه روما باستثناء اسبانيا (التي اعتمدت هذا النظام ابتداءً من القرن السابع بتأثير من الراهب كولومبانوس) وأخذ نظام التوبة العلنية بالتلاشي تدريجياً.
 
القرون الوسطى :
في نهاية القرن الثامن سعى شارلمان إلى توحيد أوروبا ونشر النظم الرومانية ومنها نظام التوبة العلنية الذي كان قائماً آنذاك فتواجد النظامان معاً حسب المبدأ: توبة علنية لخطيئة علنية، وتوبة خاصة لخطيئة خاصة. إلا أن نظام التوبة الخاصة فرض نفسه في النهاية وقد بدأ بإقرار خاص بالخطايا وحل علني داخل إطار ليتورجي يترأسه الأسقف وظل كذلك حتى منتصف القرن العاشر. وأصبح التكفير يتبع الحل ولا يسبقه كما في التوبة العلنية .
وهنا قد يقع نظام التوبة الخاصة في فخين :
أولاً: كثرة الإلحاح في الإقرار بالخطايا واهتمام الخاطئ وتركيزه على ما يجب أن يقر به للكاهن يكون على حساب توبته الحقيقية التي هي أساسية أكثر من الإقرار. لذلك نرى في الكنيسة البيزنطية أن هذا السر تسوده أجواء من انسحاق القلب من ألم الخطيئة والندم عليها والتوبة، فيشعر الخاطئ أنه شوّه صورة الله فيه وبالتالي يرغب في تغيير حياته والقداسة. لذلك تكثر في صلوات الاستغفار الشرقية معايير عامة أكثر منها خاصة: "إذا خطئنا عمداً او سهواً، قولاً أو فعلاً، بجزع القلب أو صغر النفس بإرادة أو بغير إرادة ، بوعي أو بغير وعي".. 
ثانياً: فقدان البعد الجماعي الكنسي ، وهنا حافظت الكنائس الشرقية على البعد الجماعي ففي قداس الكنيسة القبطية تذكر صلاة الحل قبل خدمة الكلمة (القراءات) بصلاة الحل للابن وصلاة حل الخدام، مما يتيح مشاركة الجماعة في الصلاة من أجل الخطأة. وكذلك في الطقس الأثيوبي والماروني يكون الحل في نهاية خدمة القرابين وقبل المناولة.
نحن إذاً أمام نظامين متباينين لممارسة سر المصالحة اختبرتهما الكنيسة متتالين أو سوياً ولكل منهما ميزاته وعيوبه. ويحق لنا التساؤل: أليس من الممكن أن نختبر مزيجاً منهما مدمجاً ميزات كل منهما ومتجنباً عيوبهما ؟؟؟
 
أما الاعتراف الرسمي بنظام التوبة الخاصة كان في مجمع اللاتران الرابع بروما سنة 1215 الذي أكد على ضرورة الاعتراف بالخطايا المميتة والجسيمة، وأدخل فرض ممارسة السر مرة واحدة على الأقل في السنة في عيد الفصح .وقد بدأت في منتصف القرن الثالث عشر الجدالات اللاهوتية والمناظرات العقائدية لتحليل نوعية السر وعناصره الأساسية.
حتى ذلك الوقت كانت فاعلية السر تكمن في توبة الخاطئ وليس في حل الكاهن. من بين من رفعوا راية هذه النظرية كان دانس سكوت (1270 – 1308) الذي ركز على تبرير الإنسان ونيله الغفران من لدن الله بفضل توبته (الفعل الباطن) لا بفضل حلّ الكاهن (الفعل الظاهر) مبيناً ضرورة تفاعل الانسان مع نعمة الله .
خالف القديس توما الاكويني (1225 – 1274) هذه النظريّة، إذ رد الأمور إلى نصابها اللاهوتي مميزاً بين مزدوجتين متكاملين لفاعلية السر :
توبة الإنسان / غفران الله …………. الوجه الذاتي للسر
إقرار الإنسان / حل الكاهن ……….. الوجه الموضوعي للسر
ففي نظره تصبح التوبة حقيقية إذا تموضعت في الإقرار للكاهن، ونيل الحلّة منه يمنح غفران الله، وليست الحلّة إشارة إلى توبة التائب فقط كما يدعي دانس سكوت، لكنه إشارة وتحقيق لمغفرة الله .
موقف الاصلاح البروتستانتي والرد عليه :
كان لوثر يؤمن في بداية الأمر بسر التوبة ويؤيده ويمارسه شخصياً ويشجع المؤمنين على ممارسته معتبراً إياه "تجديداً لسر المعمودية". إلا أنه فيما بعد، طبّق كلام الإنجيل الخاص بالربط والحل بسر المعمودية لا بسر التوبة. فقد كان يؤيد الإقرار بالخطايا إنما لأي مؤمن وليس للكاهن بالذات لأن كل مؤمن يحمل بذور الكلمة، والكلمة هي التي تدفع الخاطئ للتوبة، ومن ثم لا داعي إلى وساطة الكنيسة خاصةً وأن المسيح لم يؤسس فعل الإقرار للكاهن كما أن الكنيسة الأولى لم تألف الإقرار للكاهن .وبحسب رأيه، ليس الكاهن هو من يحلّ الخطايا بل المسيح، وما الكاهن سوى خادم يقرّ بأن الله قد غفر فعلاً خطيئة من يؤمن بأن الله غفرها وإن لم يكن تائباً توبة كاملة .
غير أن لوثر كان يؤمن أن الإقرار بالخطيئة المميتة أمر نافع ومفيد، إنما غير ضروري إذ أن الله يرحم ويغفر مباشرةً. أما الإقرار بالخطايا العرضية فلم يوافق عليه وكذلك لم يوافق على ضرورة نيل سر التوبة مرة واحدة في السنة على الأقل .وكان يقول أن جملة "مغفورة لك خطاياك من لدن الله " هي جملة إخبارية لا تعني الحل من الخطيئة.
ينطلق لوثر في تحليله للتوبة من الشريعة إلى الإنجيل ومن التوبة إلى الإيمان، بمعنى أن الشريعة تولد التوبة بالخوف، خوف الضمير أمام الله الديّان. أما الإنجيل فإنه يولد الإيمان الذي هو رد الإنسان على الله. وجميع الأعمال الذاتية كالإقرار والتكفير هي رياء وتبرير ذاتي ومجهود ذاتي فاشل. ولخذص مجمل نظرته بالآية: "توبوا وآمنوا بالإنجيل".. فالإيمان بالإنجيل هو الغاية القصوى.
لقد وقف مجمع تريدانت 1545 – 1563 في وجه الإصلاح وردّ على مواقف كل من لوثر وكالفن وميلانكتون، عبر القرارات التالية :
القرار الأول: التوبة سر حقيقي أنشأه المسيح، الغرض منه غفران كل خطايا المعمدين .
القرار الثاني: هنالك تمييز واضح بين سر المعمودية وسر التوبة في العهد الجديد .
القرار الرابع: نص يوحنا 20 : 22 ، 23 هو تأسيس لسر التوبة ولا يتعلق بالكرازة الإنجيلية كما يفهمها المصلحون .
القرار التاسع : حل الكاهن هو كلام القاضي في محاكمة كما يقول كبريانوس وترتوليانوس
وليس كلمة إخبارية كما يقول المصلحون .
من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر :
في هذه الفترة دارت نقاشات لاهوتية حول ندم الخاطئ ميزت بين :التوبة الكاملة التي منبعها المحبة والانفتاح على الله، والتوبة الناقصة المبنية على الخوف والعوامل النفسية .
 
ما قبل المجمع الفاتيكاني الثاني :
تركز الاهتمام في بداية القرن العشرين على تواتر نيل سر المصالحة، ولهذا التواتر مزايا وعيوب :
المزايا:
سرياً: يحقق ثمار المعمودية من توبة مستمرة وخلاص ونمو في الحياة الجديدة.
وجودياً: يجدد رغبة المؤمن الذي يخطئ لضعفه وفتوره بحياة أفضل .
لاهوتيّاً: يبين وجه الله الرحيم الذي يساند الخاطئ يومياً بنعمته الفاعلة .
أما العيوب:
سرياً: يركز على الإقرار بالخطايا على حساب التوبة الحقيقية.
وجودياً: علاقة الكاهن بالخاطئ تخلو من الحوار العميق الذي يشعر فيه كلا الطرفين بأنهما يقومان بعمل إلهي وإنساني معاً.
إلهياً: يظهر فيه الله قاضياً دياناً أكثر منه إله رحمة وحنان .
كنسياً : يفقد البعد الجماعي الكنسي لصالح البعد الفردي.
المجمع الفاتيكاني الثاني :
آثر المجمع الفاتيكاني الثاني (1965) على ذكر كلمة "مصالحة" على غيرها من التسميات للدلالة على أنه يصالح الخاطئ بالله وبالكنيسة وبالبشر بعد فسخ عهد الحب .
كما دمج بين النظامين "العلني" و"الخاص" وأعطى توازناً بين البعد الكنسي والبعد الشخصي دون تسلط أحد العنصرين على الآخر. وقد وضّح أن كل خطيئة تمس الله والإنسان معاً وبالتالي يذكر بأن الكنيسة جمعاء تتوب عندما يتوب خاطئ وتشاركه في ذلك .أما مدبرو السر فهم الأساقفة ويساعدهم في ذلك الكهنة .
 
هذا المقال هو بحث قدّمه الكاتب للأب بسّام آشجي في سياق "مادة الأسرار"، ضمن برامج "دورات الدروس اللاهوتيّة"، بتاريخ:15 / 3 / 2004
 
المصادر:
سر التوبة والمصالحة/ موسوعة المعرفة المسيحية/ … صبحي حموي اليسوعي
اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر………………..   سليم بسترس
سر المصالحة ………………………………………     فاضل سيداروس اليسوعي
مجلة نور وحياة / التوبة / العدد 36 آذار – نيسان لعام 1978