كل مسيحي هو كاهن وجوده

 

ZENIT.org

للمذبح عند المسيحيين قيمة رمزية عالية، لذلك تفضل الكنيسة ألا يكون متنقلاً بل ثابتًا.

هذه إحدى الأفكار التي عرضها الأب فيليكس ماريا أروشينا، أستاذ في اللاهوت الليتورجي في كلية اللاهوت في نافارا

يشغل الأب أروشينا، وهو من كهنة (Opus Dei) دور أمين السر في مجلس الأساقفة الإسبانيين في مجال الليتورجية.

* * *

بنظركم، هل يكرس بندكتس السادس عشر أهمية للمذبح أكثر من أسلافه؟

الأب أروشينا: كان هناك اتفاق جامع بين آباء الكنيسة وهو أن "المذبح هو المسيح".

وجميع أساقفة روما كانوا يتمتعون بحس مرهف في هذا الموضوع. بندكتس السادس عشر وأسلافه من قبله جعلوا المذبح "يتكلم" عبر فن احتفالهم.

هل من الممكن أن يكون المذبح المسيحي متنقلاً؟

الأب أروشينا: كان القرنان الثامن عشر والتاسع عشر، زمن الإرساليات وحاجات المرسلين، والذين كانوا مضطرين إلى الاحتفال بالقداس على مذابح صغيرة ومتنقلة.

لذا من الممكن أن يكون المذبح المسيحي متنقلاً، وفي هذه الحالة يكون مباركًا لا مكرسًا.

رتبة تبريك المذبح المتنقل جملية جدًا، وتحمل في طياتها لاهوتًا عقائديًا عميقًا.

ولكن الكنيسة، بسبب أهمية المذبح الكبيرة، تفضل المذبح الثابت.

فمن الأهمية بمكان أن نلاحظ أن الحياة الليتورجية تدور حول "سر المذبح". المذبح المسيحي هو سر. المذبح هو المائدة التي تمنحنا الأسرار (mensa donatrix sacramenti).

المسيح هو صلب عمل الكنيسة؛ والمذبح، رمز المسيح، هو صلب مبنى الكنيسة.

مركزية المذبح في الكنيسة ليست نقطة وصول بل نقطة انطلاق. فهي تعكس مركزية المسيح بالنسبة للجماعة الليتورجية والعالم والتاريخ.

ما ارتباط المذبح بالعرش والمنبر؟

الأب أروشينا: يتضمن تعليم الكنيسة الكاثوليكية لاهوتًا رمزيًا وصوفيًا رائعًا يمكننا أن نفهم دور كل من المذبح زالعرش والمنبر.

فخلال الاحتفال، المسيح هو ملك على العرش، كاهن على المذبح، ونبي على المنبر. وهذه خصائص المسيح الثلاث (tria Christi munera) التي تشكل مشروعًا أيقونيًا مشترك في هذا اللاهوت.

نظرًا لرمزيته المسيحانية العميقة، يحمل دلالة بخسة، على سبيل المثال، مذبحٌ من خشب، وعرش من رخام، ومنبر من معدن.

ما معنى أن يكون المسيحي "مذبح" الله؟

الأب أروشينا: من كان ضليعًا بفكر الماضي الرمزي، لا يتعجب أن فكرة المسيحي كمذبح الله تمد جذورها في أعرق التراث الآبائي.

هناك عظة لبطرس كريسولوغوس يقول فيها: "اجعل من قلبك مذبحًا" (altare cor tuum pone). الليتورجية لا تقتصر على الاحتفالات بل تمتد في العبادة الوجودية.

كما المسيح الرأس، يجعل من نفسه مذبح تقدمته، كذلك على المعمدين، أعضائه، أن يصيروا مذابح حية في تقدمتهم الوجودية. يقول القديس خوسي ماريا اسكريبا، كل مسيحي هو كاهن وجوده.
مذبح الكنيسة ومذبح القلب مرتبطان بشدة. الأول هو قلب المَقدِس، والثاني هو أعمق ما في الشخص البشري، مقدِسه الداخلي.

هناك تكامل بين مذبح الكنيسة ومذبح القلب، ويشكل الاثنان وحدة متناسقة.

والمذبح الحق حيث تقدم ذبيحة المسيح، هو الوحدة الحية بين الاثنين، لأن الحياة المسيحية كحركة نبضة القلب: انقباض احتفالي وانبساط وجودي يضم كامل حياة المعمد.

على هذا المذبح الحي الذي يمثله القلب، يقدم المسيحي "ثقادم روحية مرضية لدى الله بواسطة يسوع المسيح". يقدم جسده "كقربان حي ومقدس ومقبول لدى الله".

هذه هي عبادة المسيحيين الروحية التي يُدعون إليها في ختام الذبيحة الإلهية: "مجدوا الله في حياتكم. إذهبوا بسلام". بعد ذبيحة الافخارستيا، تأتي الذبيحة الروحية. بعد الليتورجية العبادة.

تبدأ عندها "الليتورجية الأخرى"، وهي بُعد العبادة في حياة من ينتمي إلى المسيح: حياة يتم التعبير عنها دومًا عبر منطق التقدمة والعهد والوساطة والتكفير