نعلم أن هناك مجالات عديدة يمكن الحديث عنها لتوضيح موضوع البشارة عند بابا العصر يوحنا بولس الثاني ونذكر على سبيل المثال لا الحصر الرسائل البابوية والزيارات الرعوية والخطابات والغفران والمحبة والمواقف المشرفة تجاه قضايا العراق وفلسطين وحوار الأديان.
وفي هذا اللقاء سوف أركز على رسالته " العبور إلى الرجاء " ولقاءه مع الشباب لأنهم الأكثرية في لقاءنا اليوم.
العبور إلى الرجاء:
نجد في الرسائل البابوية موجز عن فكر البابا وإيمانه وكل ما تؤمن به الكنيسة وكيفية مواجه تحديات الحياة اليومية والمواضيع الملحة.
ومن أهم هذه الرسائل البابوية للبابا يوحنا بولس الثاني رسالته " العبور إلى الرجاء " وقد صدرت النسخة الأولى من هذا الكتاب سنة 1994 في إيطاليا باللغة الإيطالية.
وهذه الرسالة عبارة ملخص للمقابلة التلفزيونية التي أجراها البابا عام 1993 بمناسبة إحياء ذكرى مرور خمس عشرة سنة على اعتلائه السدة البابوية. وهذا العمل يعتبر خطوة تاريخية لأنه لأول مرة في تاريخ البابوية يظهر البابا أمام عدسات التصوير والتسجيل ليجيب عن أسئلة ترك اختيارها لمبادرة حرة من قبل صحافي أسمه فيتوريو ميسوري. وخلال المقابلة يعرض البابا تجاربه التي أجتازها والتي تساعدنا على الوصول إلى الرجاء والفرح. ويطرح بشكل محدد كيفية إعادة تبشير المناطق التي ابتعدت عن الإيمان، بالإضافة إلى مواضيع خاصة ومحرجة يجيب عنها قداسته بكل صراحة ووضوح.
في هذه الرسالة يشدد على ضرورة إعادة تبشير العالم المسيحي وتجديد إيمانهم ومن ثم تبشير العالم غير المسيحي. ويشدد على ضرورة أن يختلي كل واحد منا بنفسه ويمتلئ من الروح القدس ومن ثم الخروج إلى الآخر. وفي هذا الإطار يقول الرسام "بليز باسكال:" ( أمر واحد يكمن وراء شقاء البشر كله ألا وهو عدم معرفة البقاء بهدوء وسكينة داخل غرفة ".
وفي إجابته على الاستفسار عن العبارة التي يرددها في كل تعليم: الكرازة الرسولية أو بالا حرى الكرازة الجديدة وهو في صلب موضوعنا اليوم يقول قداسته:
في الواقع: "إن النداء على اندفاع تبشري كبير يلقى آذانا ً مصغية في كنيسة عالم اليوم، مع انه لم يكن منسيا ً في القديم: " الويل لي أن لم أبشر ".
" إن كرازة الرسل هي التي أرست قواعد الصرح الروحي للكنيسة، وعلى خطى الرسل فأن التلاميذ أكملوا عمل الكرازة في الجيلين الثاني والثالث. وكان ذلك عصر القديس اغناطيوس الأنطاكي، والقديس بوليكربوس، وغيرهم من الشهداء الأبرار."
أما المجامع المسكونية المتتالية فقد عقدت بهدف توضيح حقائق الإيمان الموحاة، في أسلوب سهل ومقنع، لمن كانوا يعيشون في محيط ثقافته يونانية.
وقد تطورت الكرازة من خلال الالتقاء مع ثقافة كل عصر. لذلك فقد اشترك الرسل كلهم بتبشير العالم بطريقة فاعلة… ألم يقل السيد: "أذهبوا إلى العالم كله… هناك شعور بأن الكنيسة في حالة كرازة مستمرة.
أن الكنيسة تعلن وتبشر بالمسيح الذي " هو الطريق والحق والحياة ". وعلى الرغم من الضعف البشري فأن الكنيسة لا تمل من التبشير.ففي القارة الأفريقية أنشئت كنائس وهناك كنيسة محلية بإدارة أساقفة أفارقة. والمسيحية هناك في ازدياد بينما في أوروبا تتضاءل.
وبالرغم من كل الصعوبات فالكنيسة "لم تكف عن إلقاء نظرة مستقبلية مليئة بالرجاء، على الرغم من كل الخسائر التي تتكبدها. فهذا الرجاء هو علامة الروح القدس “.
وبعد عشر سنوات على انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني دعي مجمع الأساقفة إلى الانعقاد ليدرس موضوع الكرازة الرسولية والتبشير. فكانت ثمرة هذه الجهود الإرشاد الرسولي لبولس السادس " واجب الكرازة " وهو تطوير لتعليم الكنيسة عن التبشير.
نحن أبناء الأنبياء والقديسين نسير على خطاهم وكما سمع إبراهيم دعوة الله إلى مواصلة حج الإيمان." كذلك لا تزال دعوة الإنجيل تتكرر "اتبعني "(متى 4:19 ). هذا الصوت يدعوا الناس، اليوم، وبخاصة الشباب، ليذهبوا بعيدا ًعلى طرقات الإنجيل،باتجاه عالم أفضل."
يوم بداية حبريته عام 1978 قال للشباب في ساحة القديس بطرس: "أنتم رجاء الكنيسة والعالم، وأنتم رجائي ".
" هؤلاء الشباب هم حملة طاقة واسعة للخير والإبداع "
نحن أساسا، بحاجة إلى حماسة الشباب، وإلى فرحهم بالعيش اللذين يكملان فرح الله الأصلي عندما خلق الإنسان.
بابا العصر ونقل البشارة للشباب:
كان البابا يوحنا بولس الثاني من أهم الباباوات الذين اهتموا بالشباب ووجهوا جل اهتمامهم للقاء الشباب والإصغاء لهم ومحبتهم.
وقد بلغ اهتمام البابا بالشبيبة ذروته عندما حدد يوم خاص للقاء مع الشباب من كل أنحاء العالم أطلق عليه اليوم العالمي للشباب (( WYD WORLD YOUTH DAY.
وقد تم إلى اليوم 20 لقاء، يحتاجوا إلى دراسة معمقة للوصول إلى خلاصة هذه التجربة الغنية من لقاء البابا مع الشباب على مدى سنوات ويمكننا بالإضافة إلى ذلك عرض المواضيع المتنوعة وخبرات الشباب الروحية والاجتماعية في هذه اللقاءات.
ومن أجمل اللقاءات هي التي تمت في روما بمناسبة الاحتفال في سنة اليوبيل التي دعا الشباب فيها إلى:
1- مقاومة التجارب.
2- العمل.
3- تحول الأيمان.
4- تقوية الشخصية.
5- المشاركة والحوار.
6- بناء طرق جديدة للحياة.
7- الاحتفالات ليست خارجية بل رحلة داخلية.
الجميل في كل هذه الاجتماعات أن البابا كان يذهب إلى الشباب ويقبلهم على أرضهم وفي وطنهم ولا ينتظرهم حتى يأتوا إليه كما كان يحدث في الماضي.
سوف نرجع بالزمان والتاريخ للوراء ونسافر مع الشبيبة إلى بعض البلدان ونعيش معا ً خبرات تركها لنا شباب من مختلف المناطق في العالم.
سوف نقلع بالطائرة إلى:
1- اللقاء في روما 1985 ، العنوان: السلام في العالم
وقد وجه من خلاله رسالة إلى الشباب في العالم في أحد الشعانين وركز فيها على بناء حضارة الحقيقة والمصالحة والمحبة.
2– اللقاء في الأرجنتين 1987، العنوان: أتيت لأعلن الإنجيل لكم
في مساء السبت أجتمع مليون وثماني مائة ألف في بيونس أريوس. وشجع الشباب بقوله: " أنتم رسل لبشارة الإنجيل التي تبني مجتمع مؤسس على الحب ".نعمل على كل ما يجعلنا أخوة معا ً في السلام والعدالة. الله يحبنا ونحن علينا أن نكون وسائل بيد الله.وقال لأمريكا اللاتينية افتحوا قلوبكم لمحبة المسيح.
3– اللقاء في سانتياغو في أسبانيا 1989، العنوان هو: البشارة الجديدة
تجمع سان جاك كومبوستيل للحج
ستكنون لي شهودا. وقد وجه سؤالا للشباب وهو على ماذا تبحثون؟
الجواب عليه يتعلق بمعنى الحياة. إذا كنتم تبحثون عن الله؟ ستكتشفون أن الله هو أيضا ً يبحث عنكم.
4- لقاء شيستيكوفا 1991
الحج إلى جاسانا غورا
ركز فيه على أن الذي حدث مع أجدادنا وآبائنا في الإيمان أعتمد على التزامهم. و الغد يعتمد عليكم. كما أنه علينا احترام الاختلاف والحرية والعدالة.وما فكك الاتحاد السوفيتي السابق هو الجوع إلى الله وحبهم لمريم العذراء. شجع الشباب القادمون من الغرب على محاربة المخدرات لأنها تؤدي إلى النزاع وشجع على اللقاء بين الشرق والغرب.
مما ميز هذا اللقاء تنوع الحضور والمشاركين من شباب وكهنة وأساقفة.
5- لقاء دنفر USA 1993
تجمع الآلاف الشباب بالرغم من غياب تقليد الحج في المزارات أميركا.
كل مجموعة كانت تعبر عن انتمائها من خلال الحركات و اللبس T-Shirt والأعلام. لقد حضروا بسبب التزامهم بالكنيسة وحبهم للبابا. كان لديهم شعور عميق يقول نحن جسد واحد , جسد المسيح , الفرح أن نكون معاً.
6- مانيلا الفلبيني 1995
العدد كان يفوق الوصف, و يعد من اكبر التجمعات. الموضوع هو التبشير الجديد و اكتشاف دعوتنا. اللقاء يساعد لفهم الروح القدس و شهادة القديسين تظهر قوة الله من خلال كلامه "لم تختاروني بل أنا اخترتكم لتثمروا و يبقى ثمركم ", "أعط المال للفقراء و تعال اتبعني.","كما أرسلني الآب كذلك أرسلتكم ". احد المشاركين قال "تعلمنا أن نقابل البابا كأخ. و السؤال الموجه لنا هو: ماذا افعل من الصلاح لأحصل على الحياة الأبدية؟
موت ونهاية حياة البابا القديس يوحنا بولس الثاني:
"عندما تُقابلُ الشبابَ، تُصبحُ شاباً. لذا اليوم أنت تَجتمعُ مع بابا الشاب." من أقوال البابا يوحنا بولس الثاني في لقاء الشبيبة العالمية في روما 2000
والشباب احتفل به هناك.
و هذا ما قاله الناسِ بأنّ البابا يوحنا بولس الثاني كَانَ بابا الشبابِ.
وفي منشورِه الأولِ "Redemptor hominis "(مارس/آذار 1979) شجّعَ شبابَ العالمِ لتَحَمُّل مسؤوليتهم في الكنيسةِ وفي المجتمعِ. أثناء السفراتِ الـ104 في الخارج ومؤتمراتِ وجماهيرِ غير معدودةِ مَع الشبابِ، أبدىَ البابا أمنيتِه: "يَكُونُ الشباب بُناةَ حضارة جديدة مِنْ العدالةِ والحبِّ." يوحنا بولس الثّاني كَانَ قادر على جَعْل الشبابِ متحمسِ حول الكنيسةِ أثناء مرحلة صعبة مِنْ التوجيهِ ضمن مجتمعِ. التزامه الاجتماعي، أعجبَ نشاطَ سياسيَ ومظاهرَ خيريةَ الجيلَ الصغيرَ.
إنّ أيامَ الشبابَ العالميةَ بدون شك هي قضية ناجحةِ. في 1984 أكثر مِنْ 300,000 شاب مِنْ جميع أنحاء العالم وافقَ على دعوةِ البابا ثم لروما ل"يوبيل سنة الألفين".
منذ ذلك الحين، نجاح الأيامِ الشبابِ العالميةِ أَصْبَحَ دَفْع ذاتياً. بعد اليومِ الشبابِ العالميِ في تورنتو، البابا جون بول الثاني كَتبَ في 6 أغسطس/آبِ 2004 في الرسالةِ العشرون يوم شباب عالمي 2005 في Cologne: "من المهم، صديقي العزيز، التَعَلّم لمُلاحَظَة الإشاراتِ الذي بها الله يَدْعونا ويُوجّهُنا. عندما نحن شاعرون بأَنْ تحت قيادته، يُواجهُ قلبَنا بهجةَ أصيلةَ وعميقةَ بالإضافة إلى رغبة قويَّة لمُقَابَلَته و قوّة مثابرة لإتّباعه بطاعةً."
تَبنّى يوحنا بولس الثّاني هذه الكلماتِ. و أتتَ مِنْ أعماقِ قلبِه، وهو يَترك كلماته هذه للشباب في هذا العالمِ.
مَنْ ادعى بأنّ شابِ اليومِ فَقدَ إحساسَهم مِنْ القِيَمِ؟ هَلْ حقَّاً إنَّها صدق بأنهم لا يُمْكن أنْ يُعتَمدوا عليهم؟ "وائتمن يوحنا بولس الثّاني إلى شبابِ العالمَ رمز: صورة المسيح المصلوب الخشبية الهائلة، لاحقاً لِكي يَكُونَ المعروف ب"صليب الشباب العالمي".
الله، الذي يَحْكمُ الحياةَ والموتَ، أراد البابا أن يكون مَعه في أبريل/نيسانِ. البابا يوحنا بولس الثاني كَانَ نموذج عظيم للجيلِ الصغيرِ، ومُذكّر على المرحلةِ السياسيةِ العالميةِ، أوراق تراث الذي في نفس الوقت التزام. أيام الشباب العالمية المستقبلية سَتَتذكّرُ وتتشرف في هذا البابا.
وخلاصة القول أنه على كل إنسان أن يركز على الخلوة والصلاة وإعادة تبشير نفسه قبل الآخرين. فالانطلاق الصحيح يكون من الداخل إلى الخارج فليس المهم النشاطات الخارجية وأن أنسى نفسي.فماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نقسه. ومن أهم صفات المبشر إن تعكس تصرفاته وجه المسيح الحقيقي.
وفي الختام نردد مع القديس بولس " الويل لي أن لم أبشر "