الأحبار الأعظمون: توضيح وشرح لمعني السماح بالعودة للطقس اللاتيني

روما، 23 يوليو 2007 (ZENIT.org)

نادرًا ما نالت وثيقة بابوية صدىً كالذي نالته البراءة البابوية "الأحبار الأعظمون" للبابا بندكتس السادس عشر. لقد حولت الحملة الإعلامية كنه الوثيقة إلى حرب مع أو ضد رجوع اللغة اللاتينية، وإلى عودة الاحتفال بالقداس بحسب التقليد التريدنتيني، دون وعي جوهر المسألة الحقيقي.

لتسليط الأضواء على النواحي الحقيقية للوثيقة التقت زينيت بالأب مانليو سودي، أستاذ في الليتورجية ولاهوت الأسرار والوعظ في الجامعة السالسية في روما (www.unisal.it). وهو أيضًا مدير "المجلة الليتورجية" www.rivistaliturgica.it).

* * *

لماذا نشأت كل هذه النقاشات حول البراءة البابوية "الأحبار الأعظمون"؟

سودي: إن ردات الفعل التي نراها ما هي إلا نتيجة حملة تضليل وتهريب أخبار، ولكنها أيضًا تعبير عن التمنيات المعلنة والمخاوف الواقعية، التي بلغت قمتها مع صدور الوثيقة.

لقد أخطأت بعض الانتقادات هدفها، أما بعضها الآخر فيبدو واقعيًا. نحتاج إلى بعض الوقت لكي تهدأ المياه ونضع بعض الترتيب لنفهم مختلف أبعاد المسألة (التي هي اكثر تعقيدًا مما تبدو عليه للوهلة الأولى).

 

برأيكم، هل هي واضحة نقطة انطلاق الوثيقة؟

سودي: جميعنا مهتمون بمحاولة البابا النبيلة لإعادة الوحدة والسلام في الكنيسة الكاثوليكية على الصعيد الليتورجي.

فلقد وضعنا التاريخ القريب أمام تمزق في  نسيج الكنيسة بسبب عدم قبول بعض توجهات المجمع، وخصوصًا بعض وثائقه. أعتقد أن الليتورجية، بنوع ما، كانت ضحية شيء أعمق وأكثر جذرية.

لقد تم الحديث مرارًا وتكرارًا عن انقطاع وعدم استمرارية بين كتابي القداس، التريدنتيني والفاتيكاني. هذا الأمر ليس دقيقًا على الإطلاق، ويكفي أن ننظر إلى مكنونات النصوص، وإلى الأسلوب الذي تم فيه القيام بالإصلاح الليتورجي.

بالحقيقة، من السهل رؤية أن كل ما كان في كتاب القداس التريدنتيني هو موجود في كتاب قداس الفاتيكاني الثاني؛ الفرق الوحيد هو أن الأخير هو أكثر ترتيبًا وأكثر غنىً من السابق.

ففي الكتاب القديم، على سبيل المثال، كانت السنة الليتورجية تتمحور أكثر حول الشهور (فلنفكر هنا بازدهار "الأشهر التقوية")، ولا حول الازمنة الليتورجية.

 

ما الذي يتغير في ليتورجية الكنيسة؟

سودي: إن الوثائق – وأتحدث بالجمع لأننا أمام 3 نصوص: "البراءة البابوية"، الرسالة إلى الأساقفة، والبيان الإعلامي (غير الرسمي) – تُظهر تغييرات كبيرة. وهناك بعض الأمور التي ينبغي تبيانها، لأن الأمر ليس مجرد تغيير في الطقوس. لسنا بصدد استبدال كتاب قداس بآخر، كما لو كانا مضادين. أرى بوجه الخصوص 3 أبعاد معقدة تؤثر في نسيج الكنيسة ذات الطقس الروماني:

–      اللغة اللاتينية: هذه اللغة لا ترتبط بكتاب قداس القديس بيوس الخامس أو الطوباوي يوحنا الثالث والعشرين؛ اللاتينية هي اللغة الطقسية الرسمية للكنيسة الرومانية، ولذا فإن كتاب قداس بولس السادس (1970 و 1975) ويوحنا بولس الثاني (2002) هما في اللاتينية أيضًا. إن الحنين للغة اللاتينية والترنيم الغريغوري ليسا داعيًا كافيًا للتخلي عن قداس ما بعد المجمع، لأنه من الممكن الاحتفال بهذا الأخير باللاتينية ومع الترنيم الغريغوري.

–       كتاب القراءات: العودة إلى القداس التريدنتيني تؤدي بطريقة اوتوماتيكية إلى الانغلاق على ما قاله المجمع حول بسط مائدة كلمة الله بسخاء أمام المؤمنين. فمع كتاب قداس العام 1962، نفقد بشكل مباشر غنى كتاب القراءات الحالي.

–      أما البعد الثالث فيتعلق بترك صلاة المؤمنين (النوايا)، ونصوص صلوات  جميلة جدًا تمت استعادتها من التقليد الأقدم.

كل هذه هي كنوز سيفتقر إليها جميع الذين سيعودون بشكل حصري إلى كتاب قداس العام 1962. وهذه المخاوف حاضرة بين المختصين في العلوم الليتورجية.

 

يقول البعض أن البراءة البابوية تزيل سلطة إصلاح بولس السادس الليتورجي. ما رأيكم في هذا؟

سودي: لا أريد الكلام عن "إزالة سلطة"، لأننا نتحدث عن الكنيسة التي هي أمنا جميعًا. ولكن، إذا ما لم يتم التعامل مع هذه العملية بشكل جيد، قد تؤدي إلى إضعاف إصلاح المجمع الفاتيكاني الليتورجي.

أشير إلى أن المشكلة تتعلق فقط ببعض الجماعات، أما بالنسبة للأشخاص الذين يؤمون الرعايا بشكل اعتيادي لن تكون هنالك مشاكل. فمن تقبل الليتورجية المتجددة لا يشعر بحاجة إلى الرجوع إلى الصلاة وإلى الإصغاء لكلمة الله بلغة لا يعرفها (منذ عصور!).

ولكن التعامل مع هذه الحالات هو الذي يولد مشكلة. فتحويل المسؤولية من الأسقف إلى الكاهن يفتح المجال أمام نتائج لا يسهل تخيلها. 

لقد ولدت وسائل الإعلام تشويشًا فريدًا في المخيلة العامة: فمعظم الأشخاص يعتقدون بأن الأمر يتعلق بالعودة إلى الاحتفال بالقداس باللغة اللاتينية.

 

يجري الكلام كثيرًا عن الليتورجية، وهنالك إحساس بأن الليتورجية تتمتع باهتمام كبير، ولكن في الوقت نفسه، أنها نقطة مليئة بالأفكار المغلوطة. ما رأيكم؟

لقد احتفلنا منذ بعض السنوات بمرور 40 عامًا على المجمع الفاتيكاني الثاني. لا بل نبدأ الآن بالتحضير لمرور 50 سنة على الدستور في الليتورجية المقدسة (Sacrosanctum Concilium) عام 2013. أشك بأن هنالك وعي مسالم وكافٍ لهذه الوثيقة من قبل من يتحدث عن الليتورجية. ففي العدد الأول يقول الدستور: "يعمل المجمع المقدّس… على جعل المؤسسات القابلة التغيير أكثر انسجاماً وروح العصر… لذا فهو يرى أنه يرجع إليه بوجه خاص أمر إحياء الليتورجية وتطويرها". وفي هذا الإطار، يذكّر المجمع بالمبادئ، ويسن الأحكام لتطبيقها (عدد 3). ومن ثم يتم التعريف بمفهوم الليتورجية من المنطلق الكتابي-اللاهوتي والليتورجي (راجع الأعداد 5 -7)، على أنها " ممارسة لوظيفة يسوع المسيح الكهنوتيّة يعبّر فيها، بإشارات حسيّة، عن تقديس الإنسان الذي يتّم وفاقاً لكلّ شخص، ويجري فيها جسد يسوع المسيح السرّي، رأساً وأعضاءً، عمل العبادة العامة الكاملة" (عدد 7).

إضافة إلى هذه المبادئ يتحدث المجمع عن الاشتراك الفاعل للمؤمنين (راجع عدد 48)، ويدعو إلى إعادة النظر بهيكلية القداس (عدد 50)، ويدعو إلى إعادة إدخال الصلاة المشتركة (عدد 53)، وإلى إصدار طقسي جديد للاشتراك في الاحتفال (عدد 58).

 

هل كانت هذه المداخلة الحبرية ضرورية لإعادة القداس باللغة اللاتينية؟

سودي: من يعرف ليتورجية الكنيسة، إنْ في تاريخها أو في إصلاحها الحالي، يجب عليه أن يعرف أن الطقس الروماني يعبّر عن نفسه دومًا في لغته الأصلية (منذ أكثر من 16 قرنًا) التي هي اللاتينية. لذا فكتاب قداس المجمع الفاتيكاني الثاني هو في اللاتينية أيضًا. يكفي أن ندخل في البازيليكات والكاتدرائيات لنرى كيف يتم الاحتفال بالقداس باللغة اللاتينية نهار الآحاد، وكيف يستعمل أيضًا الترنيم الغريغوري.