عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير

الديمان، 29 يوليو 2007 (zenit.org).

ننشر في ما يلي عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير التي ألقاها في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في الديمان

"كل مدينة او بيت ينقسم يخرب"

 
ذات يوم، جاء يسوع المسيح قوم من اليهود ومعهم رجل أعمى واخرس، وطلبوا اليه ان يشفيه مما به. فشفاه يسوع المسيح وراح الرجل يتكلم ويبصر. فدهش الجميع من ذلك، وراحوا يقولون:"اليس هذا ابن داود اي المسيح"؟ وسمع الفريسيون كلامهم فقالوا:"كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب، وكل مدينة، او بيت ينقسم لا يثبت. فان كان الشيطان يطرد الشيطان فقد انقسم، فكيف تثبت مملكته"؟ وان كنت ببعل زبوب، اي بالشيطان، أطرد الشياطين، فبمن يطرده ابناؤكم"؟

اجل ان كل بيت ينقسم على نفسه يخرب. هذا هو كلام السيد المسيح، اي كلام الله. وهذه قاعدة لا تقبل الشواذ. وكل فئة، او حزب، او طائفة، او جماعة، تنقسم على نفسها، مصيرها الخراب، والتشرذم، والانحلال. وعلينا ان نتعظ ونعتبر، ونرعوي، ونضع حدا لهذا الانقسام الذي لن يقف عند حد، اذا تواصل، على الوتيرة التي نراها.

وننتقل الى مواصلة الحديث عن العائلة، وما يفتك بها من آفات، خاصة ما يعيب به بولس الرسول الرومانيين في رسالته اليهم، وهو يقول:"لذلك أسلمهم الله بشهوات نفوسهم الى الدعارة يشينون بها اجسادهم، فقد استبدلوا بالباطل الحق الالهي، وأتقوا المخلوق وعبدوه دون الخالق، تبارك ابدا". ولهذا اسلمهم الله الى الاهواء الشائنة، فاستبدلت اناثهم الوصال الطبيعي بالوصال غير الطبيعي، وكذلك ترك الذكور الوصال الطبيعي للاناث والتهب بعضهم عشقا لبعض، الى ما سوى ذلك، مما لا يليق ذكره.

وقد اصدر الكاردينال جوزف راتزنغر الذي اصبح اليوم البابا بندكتوس السادس عشر وثيقة في الثالث من حزيران سنة 2003 شرح فيها موقف الكنيسة الكاثوليكية من قضية الشذوذ الجنسي، وهذا هو مختصرها.
ان تعليم الكنيسة في ما خص الزواج وتكامل الجنسين، يعرض حقيقة واضحة للعقل السليم، وهي تعترف بها كل كبريات الثقافات في العالم.

 

الزواج ليس قرانا عاديا بين اشخاص بشرية. الخالق هو من رسمه في طبيعته، وجعل له غايات وخصائص جوهرية، على ما ورد في المجمع المسكوني الفاتيكاني الاخير. وما من عقيدة بامكانها ان تمحو من العقل البشري هذه الحقيقة الاكيدة الثابتة، وهي ان الزواج لا يتم الا بين شخصين من جنس مختلف، وذلك عن طريق هبة أحدهما الآخر هبة شخصية متبادلة خاصة وحصرية. وهذان الشخصان يسعيان الى المشاركة بينهما. وهكذا يتكاملان ليعاونا الله على خلق أناس جدد ولتربيتهم.

ان الحقيقة الجديدة الخاصة بالزواج أثبتها الوحي في رواية الخلق التي أوردها الكتاب المقدس، وهي تعبير عن الحكمة البشرية الاصلية التي يستمع فيها الى صوت الطبيعة ذاتها. ان سفر التكوين يتحدث عن ثلاث معطيات أساسية تعود الى قصد الله الخالق بالنسبة الى الزواج. لولا ان الله خلق الانسان على صورته، وذكرا وأنثى خلقهما، على ما يقول سفر التكوين. فالرجل والمرأة متساويان، ومتكاملان بوصفهما شخصين ذكرا وأنثى. فمن جهة ان الجنس هو جزء من طبيعة الانسان، ومن جهة ثانية، ان الله رفعه لدى الانسان الى مستوى عال، أي شخصي يجتمع فيه الجسد والنفس، وبعد فالزواج رسمه الخالق بوصفه حالة حياة يجتمع فيها شخصان مختلفا الجنس ويتشاركان في عمل الخلق، على ما يقول سفر التكوين:" ويترك الرجل اباه وامه ويتحد بامرأته فيصير كلاهما جسدا واحدا". وقد اراد الله ان يشرك الانسان، رجلا وامرأة، في عمله الخاص، عمل الخلق، ولهذا باركهما بقوله لهما:"انميا واكثرا، واملأ الارض". ان تكامل الجنسين، اي الرجل والمرأة، في قصد الله وخصبهما، انما هما من طبيعة الزواج وجوهر المؤسسة الزواجية.

وعلاوة على ذلك، ان اتحاد الرجل والمرأة رفعه المسيح الى كرامة سر. ان الكنيسة تعلم ان الزواج المسيحي هو علامة فاعلة لاتحاد المسيح بالكنيسة، على ما يقول بولس الرسول. هذا المعنى المسيحي للزواج، لا ينتقص في شيء من القيمة الانسانية العميقة للاتحاد الزواجي بين الرجل والمرأة بل يثبته ويقويه.

وما من اساس للمقارنة، ولو بعيدة، بين قران مثلي الجنس، وقصد الله من الزواج والعائلة. الزواج مقدس، فيما العلاقات بين مثلي الجنس تخالف الشريعة الادبية للطبيعة. ان اعمالهم تقفل الباب بوجه هبة الحياة. ولا تنطلق من التكامل العاطفي والجنسي الحقيقي. وهي اعمال مرذولة كل الرذل.
الكتاب المقدس يقبح الاعمال التي يقوم بها اناس من جنس واحد، على ما يقول بولس الرسول:" لذلك اسلمهم الله بشهوات نفوسهم الى الدعارة يشينون بها اجسادهم. قد استبدلوا الباطل بالحق الالهي, واتقوا المخلوق وعبدوه من دون الخالق. والكتاب المقدس لا يستنتج من ذلك ان كل الذين يقومون بمثل هذه الاعمال هم من طبعهم فاسدين ومفسدين. غير انه بحسب تعليم الكنيسة, ان الرجال والنساء الذين يتألمون من هذه الشواذات يجب ان يعاملوا بالرفق والرحمة. وهم كغيرهم مدعوون لكي يعيشوا بنقاوة وطهارة. ولكن ما يقترفون من خطايا ضد الطهارة انما هو مستقبح جدا.

ان مواقف السلطة المدنية تتخذ بالنسبة الى هؤلاء الناس مواقف مختلفة, فهي حينا تتسامح وتسمح بقران مثلي الجنس, وتعاملهم معاملة مختلفي الجنس, وحينا تتشدد ازاءهم, ولكن الكنيسة, على كل حال, لا تقر هذه الزواجات التي تخالف الطبيعة.

ولكن الضمير الادبي لا يمكنه ان يسلم بهذه الشواذات. ومن الواجب تذكير الدولة بوجوب الحد من هذه الظاهرة المستنكرة لكيلا تعرض الاخلاق العامة للخطر, والسماح بوقوع الشر يختلف كل الاختلاف عن التسليم به وتشريعه. وما من طريقة للقبول بمثل هذه القوانين التي تجيز هذه الامور المخالفة للطبيعة البشرية.

ذلك ان غاية الشريعة المدنية هي محدودة بالنسبة الى الشريعة الاخلاقية, ولا يمكنها ان تخالف العقل السليم دون ان تفقد قوة الالزام الضميري. وكل شريعة بشرية لها قوة الالزام ما دامت تطابق القاعدة الاخلاقية الطبيعية, وما دامت تحترم خاصة حقوق كل انسان, وهي حقوق يستحيل تجاهلها, على ما يقول القديس توما الاكويني. والشرائع التي تجيز قران مثلي الجنس هي تخالف العقل السليم, لأنها تعطي ضمانات قانونية تشابه تلك التي توليها مؤسسة الزواج. ولا يمكن الدولة ان تشرع هذه الزواجات دون ان تخل بواجبها في حماية الزواج الذي هو مؤسسة جوهرية تعمل لمصلحة الخير العام. وهذا في النهاية من شأنه ان يغير النظام العام, ويطمس القيم الاخلاقية الاساسية, ويمتهن مؤسسة الزواج الحقيقية.

وهذه الزواجات بين اشخاص من جنس واحد لا يمكنها ان تؤمن الايلاد والمحافظة على الجنس البشري, واللجوء الى وسائل اصطناعية ينتقص مما يجب للانسان من كرامة, ويخل بنمو الاولاد, ويقوض كيان العائلة البشرية, ويعيق تطور المجتمع الانساني. وهذه الحالة تتسبب بظلم كبير يقوم على التضحية بالخير العام, وحق العائلة للحصول على ما يمكن المحافظة عليه بطرق غير مضرة بالنسبة الى الجسم الاجتماعي بكامله.

واذا كان جميع المؤمنين ملتزمين بمقاومة الاعتراف القانوني بالزواجات غير الطبيعية وغير المألوفة, فإن المسؤولية تقع في الدرجة الاولى عل عاتق رجال السياسة الكاثوليك الذي لا يمكنهم ان يوافقوا على مثل هذه الامور, وعليهم ان يشهدوا للحقيقة.

اذا كانت الكنيسة تحترم كل الناس, فلا يمكنها ان تسلم ما يرتكبون من شواذات. والخير العام يقضي بالاعتراف بالزواج بين اشخاص مختلفي الجنس, وهو في اساس العائلة, التي هي اولى خلايا المجتمع.

كل بيت ينقسم على نفسه يخرب. هذا هو قول السيد المسيح. وهو قول يصح على العائلة, والفئة, والجماعة, والحزب, والوطن.
العائلة التي تخرج على القاعدة التي وضعها الله لها, تنقرض, وتزول. والحزب الذي ينقسم على نفسه يتفتت. والوطن الذي يتعادى ابناؤه ويتفانون كل في سبيل مصلحته الخاصة, دون مراعاة الآخرين, وبالتالي مصلحة الوطن ككل, لا يمكنه ان يثبت امام ما يعصف به من خلافات وانقسامات.
وان ما يجري في منطقتي بيروت العاصمة والمتن, من استعدادات للانتخابات الفرعية على اثر مأساتين أودتا بحياة نائبين بارزين من نواب الوطن, ووزير شاب من وزرائه, هو في اساسه سليم في الظروف العادية, لأن هذا ما يقضي به النظام الديموقراطي. ولكن اللبنانيين تعودوا في مثل هذه الاحوال, خاصة المأساوية, ان يغلبوا العاطفة الانسانية على الحقوق المشروعة, ويتعالوا على المنافسة الشخصية, والاعتبارات الفئوية, ليتركوا مجالا للتراحم والمحبة, خاصة اذا كان من غاب, ذهب ضحية اغتيال مستنكر. وبعد لم يبق من ولاية المجلس النيابي الحالي سوى سنتين, وربما اقل من سنتين, ويترك المجال آنذاك للتنافس الحر. وهذا ما يفهمه, على ما يبدو, مرشحو بيروت وناخبوهم.
ولكن ما نراه في المتن يختلف تماما عما تعودناه منذ زمن. فعسى ان تتغلب العادة المعمول بها منذ سنوات بعيدة, وقد اصبحت شبه تقليد, على نكء الجراح, وتأجيج الخصومات".