سينودس الأساقفة: كلمة الله فى حياة ورسالة الكنيسة، الخطوط العريضة

سينودس الأساقفة

——————————
المجلس الثانى عشر العام العادى  

كلمة الله فى حياة ورسالة الكنيسة

الخطوط العريضة



الفاتيكان – 2007

 

تمهيد

 

        كلمة الله حيّة فاعلة، أمضى من كل سيف له حدّان، تنفذ في الأعماق إلى ما بين النفس والروح والمفاصل ومخاخ العظام، وتحكم على خواطر القلب وأفكاره (عب 4: 12).

 

        يثبت تاريخ الخلاص كله أن كلمة الله حيّة. فالله هو الذي يبادر بالتواصل مع الإنسان (را  لو 20: 38). ويوجه كلمته إلى الإنسان، صنعة يديه (را  أي 10: 3) والذي خلقه لكي يكون قادراً على التجاوب معه والدخول في علاقة مع خالقه. وتصاحب كلمة الله الإنسان منذ خلقته حتى نهاية غربته على الأرض. وتتجلى هذه الكلمة بطرق متعددة ولكن قمة تجليها هو التجسد، عندما صارت كلمة الله، بواسطة الروح القدس، بشراً (ر 1 يو 1: 1 و14): يسوع المسيح، الذي مات وقام، هو الحيّ (ر1 رؤ 1: 18) وهو الذي عنده كلام الحياة الأبدية ( ر1 يو 6: 68).

 

        كلمة الله أيضاً جادة وقاطعة، تنير حياة الإنسان إلى الطريق القويم بواسطة الوصايا العشرة (ر1 مر 20: 1-21) والتي أوجزها يسوع المسيح في وصية حب الله ومحبة القريب (ر1 مت 22: 37-40). أما التطويبات ( ر1 لو 6:20-26) فهي نموذج الحياة المسيحية في الإصغاء إلى الله، إذ يدخل في علاقة مع الإنسان الخاطئ والمدعو في ذات الوقت لحياة القداسة، يدعوه إلى تغيير سلوكه السيئ " انذر الرب إسرائيل ويهوذا على ألسنة جميع رسله وأنبيائه كي يتوبوا عن سوء سلوكهم وليعملوا بوصاياه وفرائصه في الشريعة التي أوصي بها الرب أباءهم، والتي أعطاهم إياها على ألسنة عبيده الأنبياء (2 مل 17: 13). وينادي الرب يسوع في الإنجيل بالتوبة: "توبوا لأن ملكوت السموات اقترب" (مت 3: 2).

تلمس كلمة الله، بنعمة الروح القدس، قلب الخاطئ الذي يتوب وتعيده إلى الشركة مع الله في كنيسته. هناك فرح كبير في السماء لتوبة الخاطئ (ر1 لو 15: 7). تواصل الكنيسة رسالة إعلان الخبر السار باسم الرب القائم من بين الأموات "وتعلن باسمه بشارة التوبة لغفران الخطايا إلى جميع الشعوب " (لو 24: 47). إن الكنيسة، إذ تطيع كلمة الله، تمضي في مسيرة التواضع والتوبة قدماً لكي تكون أكثر أمانة ليسوع المسيح، عريسها وربها، ولكي تعلن الخبر السار بقوة وإخلاص.

 

        "كلمة الله فعّالة. يثبت ذلك تاريخ الآباء والأنبياء وشعب الله في العهدين القديم والجديد – كما يشهد علي ذلك بطريقة خاصة للغاية يسوع المسيح، كلمة الله الذي تجسد "وعاش بيننا" (يو 1: 14). إنه يواصل، بواسطة كنيسته، التبشير بالملكوت وشفاء المرضي (را لو 9:14). تمارس الكنيسة عملها الخلاصي عن طريقة كلمة الله والأسرار وبنوع خاص الإفخارستيا، منبع حياة الكنيسة ورسالتها وقمتهما، التي فيها تصير كلمات التقديس، بنعمة الروح القدس، فعالة وتحول الخبز إلى جسد المسيح والخمر إلى دمه ( را  مت 26:26 -28 ؛ مر 14: 22-23 ، لو 22: 19-20). إن كلمة الله هي منبع الشركة بين الله والبشر أحباء الله. 

         إن العلاقة الوثيقة بين الإفخارستيا وكلمة الله هي التي أدت إلى اختيار موضوع الجمعية العامة الإعتيادية لسينودس الأساقفة، لتلبية الرغبة الملحة في عصرنا لتكريس مناقشات السينودس لدراسة موضوع كلمة الله. بعد سينودس الأساقفة الذي انعقد من 2 – 23 اكتوبر 2005, حول الإفخارستيا نبع وقمة حياة الكنيسة ورسالتها. بدا منطقياً تركيز الانتباه على كلمة الله في حياة الكنيسة ورسالتها لتعميق معني المائدة الواحدة: مائدة الخبز والخمر ومائدة الكلمة الإلهية. يعبر هذا الموضوع عن رغبة الكنائس الخاصة الأساسية التي عبّرت عنها من خلال أساقفتها ورعاتها و قد تم اختيار موضوع السينودس جماعياً. وطبقاً للعادات المترسخة كلف قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر أمانةسر سينودس الأساقفة بالتشاور مع جميع اساقفة الكنيسة الكاثوليكية. فاختاروا موضوع كلمة الله، وقد وردت تفاصيل عديدة ومتنوعة من ردود الكنائس الشرقية ذات الشرع الخاص, وهيئات أساقفة الكنائس والدوائر الرومانية, واتحادات الرهبانيات. وتولت أمانة سر سينودس الجمعية العامة الحادية عشرة للأساقفة دراسة المادة الغزيرة. وجدير بالذكر أن أمانة سر الجمعية العامة تمثل الجمعية كلها حيث انتخبت الجمعية اثني عشر عضواً، في الجمعية العامة الحادية عشر، وطبقاً لدستور سينودس الأساقفة عين قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر ثلاثة آخرين. دارت مناقشات عميقة وثرية في أمانة السر أثمرت عن ثلاثة موضوعات عرضها الأمين العام على الحبر الأعظم.

         لقد تم الإعلان عن الموضوع الذي اختاره الحبر الأعظم، بصفته رئيس سينودس الأساقفة، يوم 6 اكتوبر 2006. بعدها بدأ عمل مجلس أمانة السر العام لإعداد النقاط الرئيسية في وثيقة "الخطوط العريضة" Lineamenta تهدف إلى عرض الوضع بإيجاز والإشارة إلى النقاط الرئيسية في حياة الكنيسة ورسالتها دون إهمال التعرض للصعوبات والنقاط التي يجب حلها والتعمق فيها بما يعود إلى صالح الكنيسة. ترجع "الخطوط العريضة" إلى الدستور العقائدي في الوحي الإلهي وتتبع بأمانة توجيهات آباء المجمع الفاتيكاني الثاني بالإصغاء إلى كلمة الله وإعلانها بثقة  (راجع الوحي الإلهي 1). ويصاحب إعادة قراءة وشرح الدستور العقائدي في الوحي الإلهي, بطريقة رعوية, عرض وتعليم الكنيسة التي يجب عليها شرح وديعة الإيمان الكامنة في التقليد والكتب المقدسة بطريقة صحيحة.

 

     تقدم الوثيقة، بعد كل فصل، مجموعة أسئلة تفصيلية لتساعد على تعميق الموضوع. ويرجي أن تقدم كل الهيئات التي سبق ذكرها الإجابات علي هذه الأسئلة خلال شهر نوفمبر 2007. وتقوم أمانة السر، بمساعدة عدد من الخبراء الأكفّاء بدراسة الوثائق وتقوم بإعداد وثيقة أخرى بطلق عليها "وسيلة العمل" Instrumentum Laboris وتكون بمثابة جدول أعمال الجمعية العمومية الثانية عشرة لسينودس الأساقفة الذي ينعقد بإذن الله من 5 الي 26/10/2008.

         تعيش الكنيسة منذ البدء بكلمة الله. إن الكنيسة، بالمسيح يسوع وبقيادة الروح القدس هي " سر أي علامة ووسيلة" اتحاد كل الجنس البشري اتحاداً وثيقاً بالله (نور الأمم 1). كما أن كلمة الله هي المحرك الذي لا يتوقف لرسالة الكنيسة إلى القريبين والبعيدين. تظل الكنيسة مرسلة دوماً، لكي تحقق وصية يسوع المسيح معتمدة علي قوة الروح القدس (ر1 مت 28: 19).

    

         على مثال مريم العذراء أمة الله المتواضعة، يريد السينودس ان يساعد على اكتشاف كلمة الله العجيبة الحيّة والفعالة وذلك في داخل الكنيسة ذاتها: في الليتورجيا, في الصلاة, واعلان الإنجيل, والتعليم المسيحي, وتفسير الكتاب المقدس, والتعليم اللاهوتي, وفي الواقع الرعوي في حياة الأفراد والجماعات, وفي الثقافات التي يطهرها الإنجيل ويثريها. إن المسيحيين، إذا أيقظتهم كلمة الله, لقادرون على الرد على كل من يسألهم عن سبب رجائهم ( را 1 بط 3: 15) محبين القريب لا بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحق" ( 1 يو 3: 18). وعندما يعملون الصلاح فأن نورهم يسطع أمام الناس عاكساً مجد الله فيمجد كل الناس الآب السماوي ( را مت 5: 16). تشع كلمة الله على الكنيسة كلها فيصبح وجودها في العالم مثل الخميرة التي تجعل العالم أكثر براً وسلاماً, خالياً من كل حقد, ومنفتحاً ليقيم حضارة الحب.

 

     "كلام الله يبقي إلى الأبد. هذا هو الكلام الذي بشرناكم به" 1 بط 1: 25) تتحول دراسة موضوع السينودس إلى صلاة متواضعة, لكي يضئ اكتشاف كلمة الله طريق الكنيسة والمجتمع في مسير التاريخ المتعثرة, أحياناً, للوصول إلى "سموات جديدة وأرض جديدة ليسكن فيها العدل" (2 بط 3 :13).

 

نيكولا ايتروفيتش

رئيس أساقفة سيساك الشرفي

أمين عام سر مجلس الأساقفة

 

الفاتيكان في 25/3/2007

 

 



مقدمة

لماذا ينعقد سينودس خاص حول كلمة الله؟

 

    "الذي كان من البدء، الذي سمعناه ورأيناه بعيوننا، الذي تأملناه ولمسته أيدينا من كلمة الحياة، والحياة تجلّت فرأيناها والآن نشهد لها ونبشركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وتجلت لنا، الذي رأيناه وسمعناه نبشركم به لتكونوا أنتم أيضاً شركاءنا، كما نحن شركاء الآب وابنه يسوع المسيح. نكتب إليكم بهذا ليكون فرحنا كاملاً" (1 يو 1: 1-4).

 

1. "في البدء كان الكلمة" (يو 1:1). "أما كلمة إلهنا فتبقي إلى الأبد (اش 40: 8). تفتح كلمة الله التاريخ بخلق الكون والإنسان: "قال الله" (تك 1: 6 و6…) وتعلن مركزه بتجسد الابن، يسوع المسيح "الكلمة صار بشراً" (يو 1: 14) وتختمه بوعد أكيد بلقاء الله في حياة أبدية "نعم، أنا آتٍ سريعاً" (رؤ 22: 2). انه الضمان المطلق الذي يريد الله ذاته أن يمنحه للإنسان في كل زمان ويجعل من شعبه شاهداً على ذلك. إنه سر الكلمة العظيم, هبة الله العظمي. يريد السينودس أن يعبد هذا الإله وأن يشكره ويتأمل كلمته ويعلنها للكنيسة ولكل البشر.

 

2. يظهر الإنسان المعاصر بطرق متعددة عظم احتياجه للإصغاء لله وللكلام معه. تلاحظ الآن بين المسيحيين مسيرة متحمسة تجاه كلمة الله كنبع حياة ونعمة لقاء الإنسان بالرب.

ولا عجب إذاً أن يتجاوب الله غير المنظور مع انفتاح الإنسان "يتكلم الله في حبه الكبير مع البشر كأصدقاء, ويقيم معهم, ويدعوهم ويدخلهم في علاقة معه" ( ر1 دستور عقائدي في الوحي الإلهي 2). إن هذا الوحي الإلهي السخي هو حدث نعمة دائم.

يمكن أن نتعرف في هذا كله على عمل الروح القدس والذي يصبو، بواسطة الكلمة, أن يجدد حياة الكنيسة ورسالتها، حاثاً إياها علي هداية مستمرة ومرسلاً إياها لإعلان الإنجيل لكل البشر "لتكون لهم الحياة، بل ملء الحياة" (يو 10: 10).

 

3. إن مركز كلمة الله هو الرب يسوع. لقد اختبرت الكنيسة عبر الأجيال سر الكلمة في التأمل الدائم."ماذا تعتبرون الكتاب المقدس أليس كلمة الله ؟ صحيح أن الكلمات التي حررها الأنبياء كثيرة ولكن الكلمة (يسوع المسيح) "وحده هو الذي يلخص الكتاب المقدس كله. ولقد اعتبر المؤمنون "الكلمة" على انه بذرة الله عريسهم الشرعي وإذ قد ولده الله من شفتيه الخصبتين نعم خصيب، قد عهدوا به إلى علامات الحروف لكي يصل إلينا". يلخص المجمع الفاتيكاني الثاني في دستوره العقائدي في الوحي الإلهي تعليم الكنيسة الرسمي عن كلمة الله، مستعرضاً العقيدة شارحاً طريق المعايشة. إن هذه الوثيقة تكلل مسيرة نضج وتعمق بدأً بالرسائل البابوية الثلاثة "الله كلي العناية" للبابا ليون الثالث عشر, و "الروح المعزي" للبابا بنديكتوس الخامس عشر, و "نفحة الروح الإلهي" للبابا بيوس الثاني عشر، لقد عضد هذه المسيرة تفسير كتابي وتعليم لاهوتي مجددان وأثرتها خبرة المؤمنين الروحية, ودعا اليها سينودس الأساقفة عام 1985 والتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية. وقد حث بحرارة تعليم الكنيسة العام والكنائس الخاصة، بعد المجمع، على اللقاء مع كلمة الله، لقناعة الكنيسة أن هذا اللقاء "يضفي عليها انتعاشة" روحية جديدة. يضع أعضاء السينودس ذاتهم إذاً في داخل أنفاس الكلمة التي يوجهها الله لشعبه, في علاقة وثيقة مع جميع لقاءات سينودس الأساقفة (1965 – 2006 ), معتبرين إياها أساس الإيمان، هادفين إلى تحقيق شهادات اللقاء مع الكلمة التي ترد في الكتاب المقدس ( يش 24 ، 84 ، أع 2) وفي تاريخ الكنيسة.

 

4. وبدقة أكثر يواصل هذا السينودس أعمال سابقه، ويريد أن يبرز العلاقة الوثيقة بين الإفخارستيا وكلمة الله. "لأن الكنيسة يجب أن تتغذي بخبز الحياة على مائدة كلمة الله وجسد المسيح". هذا هو دافع السينودس القوي وهدفه الأوّلي: اللقاء مع كلمة الله في يسوع المسيح الحاضر في الكتاب المقدس وفي الإفخارستيا. يؤكد القديس ايرونيموس: جسد الرب طعام حقيقي ودمه شراب حقيقي. الخبز الحقيقي هو الذي يحفظنا في الحياة الحاضرة هو أن نتغذي بجسده ونرتوي بدمه ليس فقط في الإفخارستيا بل أيضاً في قراءة الكتاب المقدس، لأن كلمة الله التي ننهلها من الكتاب المقدس هي طعام حق وشراب حق.

وعلينا أن نتساءل، قبل أن نبدأ موضوعنا، عن الثمار التي أنتجها الدستور العقائدي في الوحي الإلهي على مر 40 سنة في جماعاتنا, وكيف تم استقبال هذا الدستور. لقد جني شعب الله بالتأكيد نتائج ايجابية عديدة من كلمة الله: منها النهضة الكتابية في إطار الليتورجيا, وفي المجال اللاهوتي, والتكوين المسيحي, وانتشار الكتاب المقدس على يد خدام الكلمة, وانطلاق الحركات الكنسية, وانتشار وسائل الاتصال وكفاءتها العالية. ولكن هناك أوجه أخري تظل مفتوحة وتحتاج لحلول. من أكثر الأمور خطورة وإلحاحا هي مظاهر الجهل الشديد بالتعليم الخاص بالوحي وبكلمة الله, وابتعاد عدد كبير من المسيحيين عن الكتاب المقدس, واستعمال البعض الكتاب المقدس استعمالاً خاطئاً. فتصبح نسبية الفكر والحياة خطيرة جداً إذا كان المرء بمعزل عن حقيقة الكلمة. أصبح التعرف التام علي إيمان الكنيسة وتعليمها عن الكلمة أمراً ملحا للغاية, وكذلك إيجاد طرق متنوعة ومناسبة لكي يلتقي كل المسيحيين بالكتاب المقدس ويستقبلوا توجيهات الروح القدس الجديدة التي يوحي بها ، لكي يتعرفوا علي كلمة الله في طرق إعلاناتها المتنوعة, ويستمعوا إليها ويحبوها, ويتعلموا منها ويعيشوا في الكنيسة بموجبها, وبذلك تصبح لكل البشر كلمة حق وكلمة حب.

 

5. هدف هذا السينودس هو أساسا هدف رعوي: إن الهدف من التعمق في المسائل العقائدية والإستفادة منها هو توطيد طرق اللقاء مع الكلمة, منبع الحياة في شتي المجالات، وبذلك تقترح على المسيحيين وعلى كل ذوي الإرادة الحسنة طرقاً صحيحة ومريحة للاستماع لصوت الله والحديث معه.

ما يهدف إليه السينودس، عملياً، هو المساهمة في توضيح جوانب الوحي مثل : كلمة الله، التقليد، الكتاب المقدس، تعليم الكنيسة مما يدفع, وفي ذات الوقت يعمق, مسيرة إيمان قوية وفعالة، كما أنه يشعل حب الكتاب المقدس وتقديره وبذلك يصل المؤمنون إليه بسهولة، ويجدد طريقة الإصغاء لكلمة الله في الليتورجيا والتعليم المسيحي, بالأخص عن طريق القراءة الربية التي تتم ملاءمتها على الظروف المختلفة، ويقدم لفقراء العالم كلمة عزاء ورجاء.

     يريد هذا السينودس أن يعطي الشعب كلمة تكون خبزاً ولذلك يسعي إلى تشجيع التفسير الصحيح للكتاب المقدس, وتوجيه البشارة بالإنجيل وانثقافها توجيهاً صحيحاً. كما يسعي إلى تشجيع الحوار المسيحي اليهودي, والحوار يين الديانات والثقافات المختلفة. هذه هي أهم الأهداف التي يسعي هذا السينودس أن يحققها عن طريق:

 

·       الوحي، كلمة الله، الكنيسة (الفصل الأول)

·       كلمة الله وحياة الكنيسة (الفصل الثاني)

·       كلمة الله ورسالة الكنيسة (الفصل الثالث)

يسمح هذا بالجمع بين الجانبين النطري والعملي لكلمة الله في الكنيسة. بالتالي لا تهدف هذه الخطوط العريضة إلى التعبير عن كل دوافع اللقاء مع كلمة الله وتطبيقها, إنما على ضوء المجمع الفاتيكاني الثاني، الإشارة إلى أهمها مع التركيز على العنصر التعليمي والجانب التطبيقي, والحث على ابتكار طرق أخرى جديدة.

 

 

الأسئلة :

1-     ما هي علامات الأزمة في كنيستك وفي بلدك, التي تجعل تكريس سينودس ل "كلمة الله" أمرا ملحا؟ ماذا تنتظر من هذا السينودس؟

2-               ما هي العلاقة التي تراها بين السينودس الماضي عن "الافخارستيا" وهذا السينودس عن "كلمة الله" ؟

3-               هل هناك تقاليد مترسخة في كنيستك تتعلق بالكتاب المقدس؟ ما هي؟

4-               هل توجد لديكم مجموعات لقراءة ودراسة الكتاب المقدس ؟ ما هي خصائصها ؟

 

 



الفصل الأول

الوحي، كلمة الله، الكنيسة

 

"كلم الله آباءنا من قديم الزمان بلسان الأنبياء مرات كثيرة وبمختلف الوسائل، ولكنه هذه الأيام الأخيرة كلمنا بابنه الذي جعله وارثاً لكل شئ و به خلق العالم" (عب 1: 2)

 

مبادرة الله, الوحي الإلهي هو كلمة الله.

6.   "شاء الله، بجودته وحكمته، أن يكشف عن ذاته ويعلن سر إرادته". أراد المجمع الفاتيكاني الثاني أن يتحاشى خطر حبس سر الله في اطر محض بشرية وعلاقة باردة ميتة, عقيمة وعشوائية. لذلك فهو يتناول في وثيقته دستور عقائدي في الوحي بالتحليل إيمان الكنيسة الراسخ منذ قرون طويلة, ويعرض خطوطا أساسية لدراسة سليمة. يكشف الله عن ذاته بطريقة مجانية ومباشرة, بهدف إقامة علاقة حق وحب شخصية مع الإنسان والكون الذين خلقهما. أنه يعلن عن ذاته في واقع الكون والتاريخ الملموسين عن طريق أحداث وكلمات يرتبط كل منهما بالآخر ارتباطاً وثيقاً، وبذلك يظهر تدبير الإعلان, أي مشروعه, الذي يهدف لخلاص الإنسان ومعه كل الخليقة بأجمعها . لذلك نكتشف أمامنا حقيقة الله الواحد والثالوث, وكذلك حقيقة الإنسان الذي يحبه الله ويريد أن يسعده. تستمد هذه الحقيقة بهاءها التام من يسوع المسيح الذي هو في ذات الوقت "وسيط الوحي وملؤه".

يصف الله ذاته علاقة الاتصال المجانية هذه، التي تفترض شركة عميقة، انطلاقاً من تشابهها بالاتصال البشري، بكلمته أي "الكلمة الإلهية". ويجب بالتالي اعتبارها أساسا عمل الله, الواحد الثالوث, الذي يحب ولذلك يتكلم. يكلم الإنسان لكي يتعرف على حبه ويتجاوب معه. إن قراءة متأنية للكتاب المقدس تفصح عن هذا الأمر في كل صفحة من صفحاته, من التكوين حتى الرؤيا. عندما نقرأ الكتاب المقدس وبالأخص عندما نبشر به كما يحدث في الإفخارستيا, "سر الأسرار", وفي باقي الأسرار، فإن الله يدعونا إلى تحقيق هذا الحدث الشخصي الفريد والعميق الذي هو شركته معنا وشركتنا معه. إن كلمة الله هي فعالة وتتم ما أرسلت من أجله ( ر1 عب 4: 12) .

 

احتياج الإنسان إلى الوحي

7.   يستطيع الإنسان أن يتعرف على الله عن طريق الوسائل التي منحه الله إياها ( ر1 رومية 1 :20) في المخلوقات (كتاب الطبيعة). إلا أنه في ظروفه الحالية الناتجة عن الخطيئة أصبحت هذه المعرفة غامضة ومشوشة، كما أن الكثيرين يتنكرون لها. ولكن الله لا يتخلي عن خليقته بل يزرع في أعماقها، حتى وإن لم تع ذلك تماماً، رغبة زمنية وفطرية في النور والخلاص والسلام. ساهمت البشارة بالإنجيل في العالم بأسره في الإبقاء على هذه الرغبة وأثمرت قيماً دينية وثقافية. وتساعد هذه القيم اليوم الكثيرين في البحث عن إله يسوع المسيح.

إن شعب الله، في حياته اليوم، يشعر بالرغبة وليس فقط بالحاجة إلى تذوق إيمان خالص وجميل, وإلى إزالة حاجز الجهل والتشويش والشك الذي يلف سر الله و الإنسان ، وبذلك يميز ويقوي مكتسبات التطور على ضوء حقيقة الله. ولذلك يمكن الكلام عن حاجة عميقة ومترسخة، وكأنه صرخة تقود أساسا إلى واقع الوحي الذي أفاضه الله ذاته لصالح البشر، وإلى الإصغاء إلى كلمته. إن الاهتمام بهذا الأمر يرسخ الأشياء الصحيحة ويشجع في عمل التبشير الجديد, ويسمح في ذات الوقت باكتشاف طرق جديدة للحوار المسكوني والحوار بين الأديان والثقافات.

 

تشابك كلمة الله مع حياة الإنسان وقيادتها لمسيرته

8.   يعتبر الإنسان ذاته، في بعض الثقافات المعاصرة، صانع تاريخه وبالتالي سيده, لذلك لا يقبل أن يتدخل أحد في عالمه دون أن يحاوره ويقنعه بأسباب وجوده فيه (عالمه). ويمكن لهذا الإنسان أن يتخذ الموقف المذكور من الله، أحياناً بطرق خاطئة ومثير للشك. ولكن الله الذي لا يستطيع أن يخفي حقيقة كلمته، يطمئن الإنسان أن كلامه إليه هو كلام صديق يبحث عن مصلحة صديقه, محترماً حريته طالباً منه أن يصغي لكلمته ويتأملها. وبالفعل يجب أن تكون كلمة الله بالنسبة لكل إنسان انفتاحاً على مشاكله, ورداً على تساؤلاته, وإثراء لقيمه, وتحقيقاً لرغباته. إننا نعرف، على ضوء وثيقة دستور عقائدي في الوحي الإلهي، أن الكلمة التي ينطقها الله، تسبق كل مبادرة وكل كلمة بشرية. لكي تفتح أمام الإنسان آفاق حقائق ومعاني ما كان يأملها، كما يتضح من تك 1 , يو 1: 1.. , عب 1: 1 , رو 1: 19-20 , غل 4: 4 , كو 1: 15-17. ويؤكد القديس غريغوريوس الكبير : "يتنازل الكتاب المقدس ويستخدم كلماتنا الضعيفة لكي يرفعنا رويداً رويداً من الأشياء التي نراها حولنا إلى سموه" .

أراد الله منذ البدء أن "يفتح طريقاً فائق الطبيعة للخلاص". نستطيع على ضوء الكتاب المقدس أن نعرف كيف بدأت كلمته القوية حواراً حياً مع البشر. قد يتغير الحوار أحياناً ولكن كلمة الله تنتصر أخيراً. بدأ الحوار أولاً مع البشرية منذ ظهورها ثم في تاريخ شعبه. وأخيراً في ظهور يسوع المسيح، كلمته المطلقة التي صارت بشراً (را يو 1: 14). أنشد القديس أفرام السرياني: "إني أتأمل الكلمة الخالق وأقارنه بالصخرة التي رافقت الشعب في مسيرته في البرية. إنها دون أن تجمع المياه أو تخزنها كانت تفيض على الشعب شلالات مياه عجيبة. ما كانت به أية مياه ولكن منها فاضت محيطات، كذلك من لا شيء خلق الكلمة كل شيء. طوبي لمن يستحق أن يرث ملكوتك. وصف موسى في كتابه خلق الطبيعة لكي تشهد للخالق الطبيعة والكتاب معا، الطبيعة للاستعمال والكتاب للقراءة. هذان هما الشاهدان اللذان يصلان إلى كل مكان. أنهما حاضران في كل زمان وفي كل ساعة ويثبتان لغير المؤمن أنه ينكر جميل خالقه".

هذه النظرة الرعوية لكلمة الله تلفت الانتباه. تتشابك الكلمة الإلهية مع تاريخ البشرية وتصبح جزءاً من تاريخ البشر الذي لا يتكون فقط من أفكار وكلمات ومبادرات بشرية. إن الكلمة الإلهية تطبع آثارها في الكون والثقافة, وتنير معارف الإنسان وتعطيها قيمتها الحقيقية, وتستعين بها لتبرز هويتها وتنشر بشريتها. اختارت الكلمة الإلهية شعباً لتقوده في مسيرته نحو الحرية والخلاص، مظهرة جدية الله الصبورة في أن يكون عمانوئيل الله معنا (را أش 7: 14، أش 8: 10 , رو 8: 31 , رؤ  21: 3). هذا يبين كيف تركت كلمة الله، بفضل شهادة الكتاب المقدس، صداها في أفكار الناس وطرق تعبيرهم عبر الأجيال, أحياناً بطرق صعبة مثل صرخات التوسل والشكوى في خضم أحداث التاريخ المأسوية, وينتج عن طرق التعبير هذه نتائج باهرة تعبر عنها أحداث حياة أبطال الكتاب القديسين. عندما يعيش الإنسان المواهب العديدة مع أنها هبات الروح القدس فهو يفصح عن الإمكانات الهائلة والأساسية الكامنة في كلمة الله.

تبرز اليوم بنوع خاص أهمية فهم العلاقة الصحيحة بين الوحي العام الذي تكون على أساسه الإيمان المسيحي وكمال الإلهام الخاص ودوره في الإيمان.

 

يسوع المسيح هوكلمة الله الذي صار بشرا وهو كمال الوحي

9.   "كلم الله آباءنا من قديم الزمان بلسان الأنبياء مرات كثيرة بمختلف الوسائل، ولكنه في هذه الأيام الأخيرة كلمنا بابنه"(عب 1: 1-2). شعر المسيحيون أن شخص يسوع المسيح هو مركز الوحي الإلهي. ولكنهم لا يتوصلون دائماً إلى إدراك أسباب أهمية هذا الأمر, ولا إلى معني "يسوع مركز كلمة الله", وبالتالي يتعثرون في قراءة الكتاب المقدس قراءة مسيحية.

يذكر الدستور العقائدي عن الوحي الإلهي أن الله قام بمبادرة غير متوقعة ولكنها تمت "أرسل ابنه، أي الكلمة الأزلي، الذي يضئ لكل الناس لكي يقيم معهم ويشرح لهم أسرار الله" (را يو 1: 1-18). يسوع المسيح هو إذاً الكلمة الذي صار بشراً, والذي أرسله الآب بشراً للبشر، يتكلم بكلام الله “ (يو 3 : 34 ) ويتمم عمل الخلاص الذي عهد به الآب له. (را يو 5: 36 , 17: 4). فيسوع إذاً، في حياته على الأرض، والآن في مجده السماوي يقود التاريخ ويعطيه معناه التام. وهو المشروع الكامل في كلمة الله، لأن "المسيح – كما يقول القديس ايريناؤس – أتانا كل جديد عندما جاءنا بنفسه".

إنه لمن المهم جداً رعوياً، على ضوء تعاليم يسوع المسيح، الوعي بأهمية كلمة الله القصوى في إيمان الكنيسة، كما يتضح هذا من شهادة الكتاب المقدس نفسه. إن كلمة الله تعلن عن ذاتها ككلمة الله الأزلية، وتنعكس في الخلق, وتنال ملامح تاريخية في الأنبياء, وتظهر في شخص يسوع, ويتردد صوتها على لسان الرسل، وتعلن اليوم في الكنيسة. إن مفتاح فهم كل ذلك وشرحه، بوحي الروح القدس، هو المسيح – الكلمة. "إن كلمة الله، الذي كان في البدء عند الله، ليس في ملئه كلمات عديدة، إنه ليس كلاما كثيرا, بل كلمة واحدة, تشمل عدداً كبيراً من الأفكار, وكل فكرة هي جزء من الكلمة في شمولها (…). وإذا أرجعنا المسيح إلى الكتب التي تشهد له فإنه يعتبر أن أسفار الكتاب المقدس درجاً وحيداً، لأن كل ما كتب عنه هو واحد". نلاحظ هنا التواصل في التنوع.

تولي الكنيسة غني الكلمة هذا عنايتها التبشيرية. تشعر الجماعة المسيحية أنها تولد من كلمة الله وتتجدد بها، حتى استطاعت أن تفهمها في يسوع المسيح. ولكنه صحيح أيضاً أن كلمة يسوع (وهي يسوع نفسه) يجب أن تفهم، كما قال هو ذاته، حسب الكتب (را لو 24 :44-49)، أي في تاريخ شعب الله في العهد القديم الذي انتظره كمسيا، والآن في تاريخ الجماعة المسيحية التي تعلنه في بشارتها, وتتأمل فيه بالكتاب المقدس, وتختبر صداقته لها. يعلن القديس برناردس أن المسيح هو مركز كل الكتب على مستوي سر تجسد الكلمة. إن كلمة الله المسموعة في العهد القديم أصبحت منظورة في شخص المسيح .

 

كلمة الله سمفونية :

10.         تسمح التوجيهات السابقة بتحديد المعني الذي تعطيه الكنيسة لكلمة الله على ضوء الوحي. إنها مثل سمفونية صادرة عن آلات متعددة، إذ أن الله يعطي كلمته بأشكال عديدة وطرق متنوعة (را عب 1: 1) على مدار تاريخ طويل على لسان مبشرين عديدين، حيث تظهر مجموعة من المعاني والأدوار . وبالتالي الحديث عن معاني الكلمة أمر مشروع.

أ   – إن كلمة الله كما يتضح على ضوء الوحي، هي كلمة الله الأزلي، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، ابن الآب أصل شركة الثالوث الباطنية والخارجية "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هو في البدء كان عند الله. به كان كل شيء وبغيره ما كان شيء مما كان" ( يو 1 :1-3  ,  را  كو1: 16).

ب – إن الخليقة " تحدث بمجد الله " (مز 19 :1) كل شئ هو صوتها (را سي 46: 17 ؛ مز 68 :34). خلق الله في البدء الكون بكلمته ووسم الخليقة بخاتم حكمته والذي يشيد به الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله (را تك 1: 26-27) ؛ رو1: 19-20 ). من الله الكلمة ينال الإنسان الكلمة, لكي يدخل في حوار مع الله ومع المخلوقات. لقد جعل الله الخليقة كلها وعلى رأسها الإنسان شاهداً دائماً له.

ج  – "الكلمة صار بشراً (يو 1 :14). كلمة الله المطلقة والأخيرة هو يسوع المسيح. شخصه ورسالته وحياته كلها مجتمعة معاً حسب خطة الآب، والتي تصل إلى كمالها في الفصح, وملء اكتمالها عندما يسلم يسوع الملك للآب (را 1 كو 15: 24). إنه بشارة الله للإنسان (را مر 1: 1).

د   – انتظاراً للكلمة الذي هو الابن المتجسد، كلم الله الآباء بواسطة الأنبياء (را عب 1:1). ويواصل الرسل، بقوة الروح القدس إعلان سر يسوع وإنجيله. بذلك تتحول كلمة البشر، في خدمة كلمة الله الوحيد، إلى كلمات الله التي يتردد صداها في بشارة الأنبياء والرسل.

هـ  – إن الكتاب المقدس، إذ يضع بوحي إلهي كلمة يسوع مع كلام الأنبياء والرسل, يثبت هذا الأمر بطريقة صحيحة، لأن الكتاب المقدس يشمل كلمة الله الموحاه التي تهدف تماماً إلى الكلمة أي يسوع، لأن الكتب "تشهد لي" (يو 5: 39). تتمتع الأسفار المقدسة، بفضل نعمة الوحي، بقوة نداء مباشر وملموس تفتقر إليه كل النصوص الأخرى حتى الكنسية منها.

و  – ولكن كلمة الله لا تحبس في الحرف, فإذا كان الوحي بالفعل ختم بموت آخر رسول، فإن الكلمة الموحاه ما زالت تعلن وتسمع في الكنيسة, التي تلتزم بإعلانها للعالم كله لتلبي احتياجاته. وهكذا تواصل الكلمة مسيرتها في العظات وشتي الخدمات والإعلانات، إذ أن الخطة التي هي كلمة الله، التي سلمها الله الحي بواسطة الكنيسة إلى أشخاص أحياء في المسيح يسوع  ومن هذا يتضح أنه عندما يتم إعلان الوحي الإلهي يتحقق في الكنيسة حدث يمكن أن نسميه كلمة الله.

تتمتع كلمة الله بكل مواصفات الاتصال الحقيقي بين الأشخاص على سبيل المثال: صفة الإعلان، إذ أن الله يعلن حقيقة ما، وصفة التعبير لأن الله يظهر طرق تفكيره وحبه وعمله، وصفة الدعوة إذ أن الله يدعو إلى الإصغاء والتجاوب بالإيمان.

 يقع على عاتق الرعاة أمر مساعدة المؤمنين للوصول إلى هذه الفكرة المتجانسة عن الكلمة، ويجنبوهم الوقوع في أفكار خاطئة قد تختزل دور الكلمة في أفكار غامضة. يجب إبراز ارتباط الكلمة بسر الله الواحد الثالوث, والوحي وإعلان الله ذاته للكون, وحضورها الخصب والفعال في حياة الإنسان وتاريخه, واكتمال الإعلان في يسوع المسيح، وشهادتها المعصومة من الخطأ في الكتب المقدسة، واستمرارها في التقليد الحي. ويجب أن يولي الاهتمام بالعلوم التي تتناول طرق التعبير والاتصال، إذ أن كلمة الله وصلتنا في تعبيرات وصيغ بشرية.

 

إيمان الإنسان هو رده على كلمة الله: والإيمان يعبر عن نفسه بالإصغاء

11.         "على الإنسان أن يرد بطاعة الإيمان على الإله الذي يعلن عن ذاته". لله الذي يعطي ذاته متكلما, يتحتم عن الإنسان أن يصغي ويسلم له ذاته بكامل حريته. الجواب على عرض الله لشركته التامة مع الإنسان هو القبول التام والسعي الحقيقي لتتميم إرادته من قبل الجماعة وجميع الأفراد. موقف الإيمان هذا يظهر في كل لقاء مع الكلمة, وفي الوعظ الحي أو قراءة الكتاب المقدس. إنه ليس من قبيل الصدفة أن يطلب الدستور العقائدي عن الوحي الإلهي للاقتراب من الكتاب المقدس, نفس ما يطلبه بالنسبة لكلمة الله "الله (…) يكلم البشر كأصدقاء (…) لكي يدعوهم وبدخلهم في شركة معه". في الكتب المقدسة يتوجه الآب السماوي بحب فائق إلى أبناءه ويتكلم معهم. الوحي هو شركة حب، وصفتها الكتب المقدسة بتعبير " عهد" (را  تك 9: 9 ، 15 : 18 ، خر 24 :1-18 ، مر 14: 24).

إننا هنا أمام أحد النقاط الرعوية الهامة: الإيمان بكلمة الله في جميع علاماتها وطرق التعبير عنها. إنه إيمان ينال من الكلمة، بقوة عمل الروح القدس، نقل الحقيقة عن طريق الرواية أو الصيغة التعليمية. إيمان يقر للكلمة بدورها الأساسي في التوبة الحقيقة, فهي النور الذي يساعد في الرد على أسئلة حياة المؤمن العديدة, ودليل التمييز الحقيقي، والحث علي العمل "بالكلمة" (را لو 8 :21), وليس مجرد قراءتها أو نطقها. والكلمة أخيراً منبع عزاء ورجاء دائمين. وينتج عن هذا، منطقياً، ضرورة الاعتراف بأولوية كلمة الله في حياة المؤمنين, وقبولها كما تعلنا الكنيسة وتفسرها وتعيشها.

 

مريم نموذج المؤمن في الإصغاء للكلمة وقبولها

12.         تظل مريم منذ حدث البشارة معلمة الكنيسة وأمها في فهم سر الكلمة الإلهية, والنموذج الحي لكل لقاء شخصي أو جماعي مع الكلمة, التي تستقبلها بإيمان وتتأملها وتحفظها في قلبها وتحياها (را لو 1 : 38 ؛  2: 19 و 51 ؛ أع 17 :11). كانت مريم تصغي للكتب المقدسة وتتأملها رابطة إياها بكلمات يسوع والأحداث التي تكتشفها في حياتها. يقول اسحق النجمي: "إن ما تقوله الكتب المقدسة الموحاه من الله عن العذراء أم الكنيسة يجب تطبيقه شخصياً علي مريم العذراء الأم… إن وريث الرب بشكل شامل هو الكنيسة, وبشكل خاص هو مريم, وبشكل فردي هو كل مؤمن. لقد سكن المسيح في أحشاء مريم تسعة أشهر وفي بيت القربان في الكنيسة إلى منتهي الدهر, وفي معرفة نفس المؤمن وحبه إلى الأزل".

تعرف مريم العذراء أن تنظر حولها وأن تعيش مقتضيات الساعة, مدركة أمر ما تناله من عطايا ابنها على أنه هبة للجميع. إنها تعلمنا ألا نظل متفرجين عن بعد على كلمة الحياة, بل أن نصبح مشاركين تاركين قيادنا للروح القدس الذي يقيم في كل مؤمن. إنها تسبح الرب وتتعرف على رحمة الله في حياتها التي تجعلها سعيدة لأنها "آمنت بأن ما جاءها من عند الرب سيتم " (لو 1: 45). إنها تدعو المؤمنين جميعاً أن يحققوا كلمات يسوع "هنيئاً لمن آمن وما رأي" (يو 20: 29). إن مريم هي أيقونة مصلي الحكمة الحقيقي الذي يستطيع أن يحفظ كلمة الله بحب ويحولها إلى خدمة محبة, وذكري دائمة ليحافظ على شعلة الإيمان متقدة في كل ظروف حياته. يقول القديس امبروزيوس إن كل شخص مسيحي مؤمن هو قادر على أن "يحبل" بكلمة الله ويلدها. هناك بالجسد أم واحدة للمسيح, أما بالإيمان فهو ثمرة الجميع.

 

كلمة الله المعهود بها للكنيسة تصل إلى جميع الأجيال

13.         "دبر الله، بجودته الفائقة، أن كل ما أوحاه لخلاص كل البشر يظل كاملاً, وأن ينقل إلى كل الأجيال ". مازال الله صديق البشر وأبوهم يتكلم. إن الوحي الديني الذي اكتمل يظل يتواصل بطريقة ما, وبذلك تظل كلمة الله معاصرة ومناسبة للزمن. لا بل إنها تستطيع أن تكشف المزيد من نورها ليزيد فهمها, ويحدث هذا لأن الآب، إذا أعطي الكنيسة روح يسوع، عهد إليها بوديعة الوحي وجعلها شاهدة أساسية ومفضلة لحكمة الله المحبة والمخلصة. لذلك لا تظل الكلمة في الكنيسة وديعة خاملة ولكنها "قاعدة إيمانها العظمي وقوة حياتها", تتقدم بمساعدة الروح القدس "وتنمو بتأمل المؤمنين درسهم لها", وبخبرة الأساقفة الشخصية ووعظهم وحياتهم الروحية. يشهد بهذا من "سكنوا" الكلمة . واضح أن رسالة الكنيسة المؤكدة والأساسية هي نقل الكلمة الإلهية لكل البشر في كل زمان ومكان حسبما أمر يسوع (را مت 28: 18-20). يشهد التاريخ بأن هذا حدث بحيوية وخصوبة وما زال يحدث الآن بعد قرون عديدة بالرغم من العراقيل الكثيرة.

 

التقليد و الكتب المقدسة في الكنيسة : مستودع كلمة الله الواحد

14.         إنه أمر أساسي أن نذكر, هنا, أن كلمة الله التي صارت في المسيح إنجيلا أو خبراً ساراً, وبصفتها هذه أسلمت إلى الوعظ الرسولي، وهي تواصل سيرها عن طريق نقطتي ارتكاز مرتبطتين الواحدة منهما بالأخرى, وسهل التعرف عليهما: زخم التقليد الحي المحيي الذي يظهر في "كل ما بكون الكنيسة وما هي عليه, وكل ما تؤمن الكنيسة به", وبالتالي في العبادة وتعليم الكنيسة والكتاب المقدس. هذا ما يؤمن التقليد، بوحي الروح القدس، ثبات العناصر الأصيلة والأساسية المكونة للتقليد. "هذا التقليد المقدس مع الكتب المقدسة للعهدين القديم والجديد هما بمثابة مرآه تتأمل فيها الكنيسة, على الأرض, الله الذي منه تنال كل شيء، إلى أن تصل لرؤيته وجهاً لوجه، كما هو (را يو 3: 2). يرجع لسلطة الكنيسة، التي ليست أعلي من كلمة الله، "تفسير كلمة الله المكتوبة أو المنقولة تفسيراً صحيحاً".

يؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني على وحدة أصل التقليد والكتاب المقدس وعلى الترابط بينهما: تقبلهما الكنيسة بنفس مشاعر التقوى والاحترام". واجب الخدمة المعهود به لتعليم الكنيسة لا يمكن استبداله بشيء آخر. إذ عليها أن تضمن تفسير كلمة الله تفسيراًَ صحيحاً، مما يقتضي أن "تصغي إليها بتقوى, وتحفظه بقداسة, وتعرضه بأمانة".

أما من وجهة النظر الرعوية يجب، في أمانة تامة لتعليم الكنيسة، توضيح معاني العلاقة بين التقليد والكتاب المقدس ويجب ترجمة هذا في الحياة العملية على سبيل المثال : وجد التقليد قبل الكتاب المقدس وهو عصارته الحية التي تساعد على فهمه فهماً عميقا, ويضفي على الكلمات المكتوبة قوة عمل لا تنقطع. ومن جهة أخرى يجب أن ينسب إلى الكتاب المقدس القول: "كلمة الله حية وفاعلة" (عب 4: 12) ، "القادرة علي أن تقويكم وتمنحكم الميراث مع جميع القديسين" (أع 20 :32 ؛ را 1 تس 2: 13).إنهما قناتا توصيل كلمة الله التي تجد فيهما معناها الكامل "الواحدة في الأخرى، بالتالي يمكن أن نسميهما كلمة الله وهما بالفعل كذلك".

نتائج هذا على المستوى الرعوي عديدة. لا يجب أن نفصل كلمة الله عن التقليد, بمعنى أنه لا يمكن أن يوجد "كتاب واحد مستقل بذاته", الكتاب المقدس مرتبط بالكنيسة, أي بمن يقبل ويفهم سواء التقليد أو الكتاب المقدس. ويلعب الكتاب المقدس دوراً هاماً ليقود إلى "الكلمة" في أصلها، ويصبح بالتالي معيار فهم التقليد فهماً صحيحاً.

كما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار التمييز بين التقليد الرسولي المؤسس, أي التقليد القديم الذي يفسر ويئون كلمة الله (يجعلها آنية ومعاصرة) وباقي التقاليد الكنسية. كما يجب الاعتراف بعمل الكنيسة في تحديد قانون الكتاب المقدس وضمانه (73 كتاباً : 46 العهد القديم و 27 العهد الجديد), وتمييز هذه الأسفار عن الأسفار الدخيلة العديدة التي ظهرت أمس, وما زالت تظهر هذه الأيام وستستمر في الظهور دوماً. وتظل دوماً في الخلفية، اللقاء الحساس والضروري والحيوي ما بين الكتاب المقدس والتقليد من ناحية, وآيات كلمة الله في الكون وخاصة في الإنسان وحياته وصلب التقليد الحي من ناحية أخرى, وكخدمة خالصة لكلمة الله يجب اعتبار صيغة " التعليم المسيحي" كأول رموز الإيمان. كنواة كل تعليم، في مختلف أشكاله على مر العصور، يبرز تعليم الكنيسة المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ومختلف أشكال وصيغ التعليم المسيحي في الكنائس المحلية.

 

الكتاب المقدس كلمة الله الموحاه

15.         الكتاب المقدس الذي كتب بوحي الروح هو كلمة الله. ويطلق على كلمة الله اسمان: "الكتاب المقدس" و"بيبليا". تشير التسميتان إلى المكانة الخاصة لكلمة الله باعتبارها الكلمة المطلقة التي تنتشر في كل أرجاء الكنيسة والعالم.

لكي تكون قراءة الكتاب المقدس مجدية، يجب أن تراعى النقاط التالية:

كما سبق وأشرنا آنفاً ينقل كل من التقليد والكتاب المقدس, بدون تغيير, كلمة الله ويسمعان "صوت الروح القدس". ويجب قبول معنى عطية الوحي التي بها يلهم الروح القدس الأسفار المقدسة ككلمة الله بروح طاعة الإيمان، ووحدة قانون الكنيسة المقدسة كقاعدة تفسيرها ويجب اعتبار حقيقة الكتاب المقدس "الحقيقة التي أراد الله أن ينقلها بكلمات بشرية من أجل خلاصنا". فهم معنى طبيعة الكتاب المقدس ككلمة الله بلغة البشر، بالتالي يتم تفسير الكتاب المقدس في سياقه الكامل, وتحت قيادة الإيمان بمقاييس فلسفية ولاهوتية على ضوء وثيقة اللجنة الحبرية الكتابية "شرح الكتاب المقدس في الكنيسة".

يحتاج شعب الله هذه الأيام، كما لاحظ عاموس النبي، إلى جوع وعطش لكلمة الله ( را عا 8: 11-12). إنه احتياج حيوي لا يجب إهماله, لأن الله ذاته هو الذي أوجده. ومن جهة نلاحظ بأسى غياب هذا الشعور في بعض الأماكن, لأن كلمة الله لا تقبل بالكفاية, ولم تتهيأ بعد الظروف المناسبة للقاء مع الكتاب المقدس. إن مساعدة المؤمنين على فهم طبيعة الكتاب المقدس وسبب وجوده, ودوره في الإيمان وكيفية استعماله هو إحدى الضرورات الأساسية التي لبتها الكنيسة دوماً, وعرضتها في أربعة فصول في الدستور العقائدي في الوحي الإلهي. إن واجب جماعتنا الأساسي هو الإلمام بهذا، والاستعانة بما يقدمه تعليم الكنيسة الرسمي من عوامل مساعدة.

 

واجب ضروري ومهم: تفسير كلمة الله في الكنيسة.

16.         إن نظرة عدد كبير من المسيحيين الذين, سواء كأفراد أو كجماعات, يفحصون كلمة الله في الكتاب المقدس بتعمق، لهي فرصة ثمينة تساعد الكنيسة على تأهيل المؤمنين لفهم الكتاب فهماً دقيقاً ومعاصراً. ويكتسب هذا الأمر قيمة خاصة في أيامنا إذ تتم المقابلة بين كلمة الله والعلوم الإنسانية وخاصة في مجال الأبحاث الفلسفية والعلمية والتاريخية. يستطيع المرء أن يتعرف على غنى الحقائق والقيم الناتجة من الاحتكاك بين كلمة الله والثقافة, بخصوص الله والإنسان والأشياء كما أنه يضع المرء أمام مسائل جديدة. ويستدعي العقل الإيمان فيتعاونان في سبيل الواقع والحياة, و يعملان على اتفاق الوحي الإلهي مع تطلعات البشر.

ولكن هناك أيضاً عقبات مثل التفسيرات الهوائية ومثل الأصولية: من ناحية هناك رغبة في التمسك بالأمانة للنص, من ناحية أخرى تجاهل طبيعة النصوص ذاتها مما يؤدي إلى أخطاء فادحة وصراعات لا طائل منها. وهناك مخاطر أخري ناتجة عن التفسير الإيديولوجي أو الإنساني بدون الاستناد على الإيمان ( را 2 بط 1:19-20 ؛ 3: 16). تصل إلى أشكال صراع وفصل بين الصيغة المكتوبة الراسخة في الكتاب المقدس, والصيغة الحية أي الناتجة عن بشارة المؤمنين وخبرة حياتهم. كما يمكن وجود صعوبة في التعرف على مهام تعليم الكنيسة الرسمي في خدمة كلمة الله, في إطار الكتاب المقدس أو في إطار التقليد. من الملاحظ عموماً قلة الإلمام بقواعد التفسير الكتابي الخاص بطبيعة الكلمة الإلهية, وهي قواعد تقوم على مقاييس بشرية وإلهية في سياق التقليد الكنسي المطابق للتعليم الرسمي. يبدو على ضوء المجمع الفاتيكاني الثاني وتعليم الكنيسة الرسمي اللاحق، أن بعض الجوانب تقتضي اهتماماً ودراسة خاصة, لكي يتم نفلها إلى الإطار الرعوي بطريقة مناسبة: الكتاب المقدس هو كتاب الله وكتاب الإنسان, وفي قراءته يجب الجمع بين المعني الحرفي التاريخي والمعني اللاهوتي الروحي بطريقة صحيحة. يعني هذا أن الشق التاريخي النقدي ضروري لتفسير الكتاب المقدس تفسيراً صحيحاً على أن يثري هذا الشق بطرق أخري: فيجب التعامل مع مشكلة تفسير الكتب المقدسة, ولكن للوصول إلى معناها الشامل يجب اللجوء إلى مقاييس لاهوتية عرضها الدستور العقائدي في الوحي الإلهي: مضمون ووحدة الكتاب المقدس الشاملين وتقليد الكنيسة الجامعة الحي، الاتفاق مع الإيمان. يلاحظ اليوم الاحتياج لدراسة لاهوتية ورعوية عميقة لتكوين الجماعات المسيحية, ومساعدتها على فهم الكتاب المقدس"كلمة الله" فهماً صحيحاً وذلك بعلاقته مع سر الصليب وقيامة يسوع المسيح ووجوده في الكنيسة. "بعبارة أخرى، يؤكد البابا بنديكتوس، على أهمية أن يتعلم اللاهوتيون قراءة الكتاب المقدس وأن يحبوه كما أراد المجمع الفاتيكاني الثاني وعبر عن ذلك في الدستور العقائدي في الوحي الإلهي: عليهم أن يعتبروا وحدة الكتاب المقدس الباطنية – وهو أمر يؤكد عليه التفسير القانوني (حتى وإن كان هذا في بداية مسيرته )- أن يقرءوه قراءة روحية، وهذا لا يعني قراءة سطحية تبحث عن النصائح والمواعظ، بل الغوص في داخل الكلمة. ويقول: يبدو لي أن هذا الواجب هام جداً وهو المساهمة في أن يكون هناك إلى جوار التفسير التاريخي النقدي ومعه مقدمات لدراسة الكتاب المقدس على أنه كلمة الله الحية المعاصرة. يساعد على هذا الأمر إسهامات التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية, وكذلك ما تتركه من صدى في حياة المسيحيين, والتقاليد الراسخة في حياة شعب الله ومساهمة العلوم اللاهوتية والإنسانية.

إلى جانب هذا كله لا يجب أن ننسى تفسير كلمة الله الذي يتم في الكنيسة عند الاحتفال بالأسرار المقدسة. ونذكر خصوصا مقدمة القطمارس المتبع في القداس (كتب القراءات في الطقس اللاتيني): " أراد المسيح نفسه أن يكون لشعبه الجديد أعضاء عديدون ومتنوعون, وكذلك واجبات عديدة متنوعة لكل واحد بخصوص كلمة الله: على المؤمنين الإصغاء إليها والتأمل فيها، أما عرضها فهو من اختصاص الذين عليهم "بموجب سيامتهم المقدسة" واجب تعليمها، أو الذين عهد إليهم هذا الواجب. هكذا تنقل الكنيسة لكل الأجيال التعليم والحياة والليتورجيا، كل ما تحياه وتؤمن به، على مدى الأجيال تعرض كمال الحقيقة الإلهية، إلى أن تتحقق فيها الكلمة الإلهية.

 

العهدان القديم والجديد تدبير واحد للخلاص

17.         لا يمكن الاكتفاء بما يعرفه البعض من الكتب المقدسة ويعيش به نلاحظ، ربما بسبب صعوبات لم تجد حلاً، رفضاً لبعض صفحات العهد القديم التي تبدو صعبه. لذلك يتم تهميشها أو تجاهلها أو رفضها. تؤمن الكنيسة أن العهد القديم هو جزء من كتاب المسيحيين المقدس الواحد، وتعترف بالقيم الثابتة فيه وبالعلاقة التي تربط بين العهدين القديم والجديد. ينتج عن هذا ضرورة تكوين المسيحيين على قراءة العهد القديم, يساعد على هذا الأمر الاستعمال الليتورجي الذي يعلن العهد القديم كجزء لا غنى عنه لفهم العهد الجديد كما يشهد بذلك لقاء يسوع القائم مع تلميذي عمواس، حيث شرح لهما ما جاء عنه في جميع الكتب المقدسة، من موسى إلى سائر الأنبياء (لو 24: 27). تقدم قراءات العهد القديم مسيرة ثمينة للقاء حقيقي ومنظم مع النص المقدس مثل المزمور الذي يدعونا للصلاة والتأمل في كلمة الله التي يتم إعلانها، والتطابق ما بين قراءة العهد القديم والعهد الجديد فيما يخص تحليل سر المسيح. هناك عبارة قديمة تقول العهد الجديد يختفي في العهد القديم، والعهد القديم يشرح العهد الجديد. يؤكد القديس غريغوريوس الكبير: "إن ما وعد به العهد القديم كشفه العهد الجديد, وان ما أعلنه العهد القديم بطريقة خفية، يعلنه العهد الجديد بطريقة ظاهرة. لذلك فالعهد القديم صورة من العهد الجديد وأفضل شرح للعهد القديم هو العهد الجديد".

إن العهد الجديد أكثر انتشاراً ومعرفة بفضل غنى القطمارسات والاستعمال في صلاة الساعات, ولأهمية الأناجيل الكبرى تتم قراءتها كلها (في الطقس اللاتيني على مدار ثلاث سنوات في الأعياد وعلى مدار سنة واحدة في القداس اليومي، بالإضافة إلى كتابات القديس بولس وباقي الرسل .

 

الأسئلة :

    1 0 دور كلمة الله في تاريخ الخلاص

ما هو المفهوم السائد عن: الوحي والإلهام, كلمة الله, الكتاب المقدس, التقليد الكنسي, تعليم الكنيسة, بين المؤمنين (رعايا, حركات وأنشطة رسولية, جماعات رهبانية … الخ)؟

هل هناك وعي بالمعاني العديدة لكلمة الله؟

هل ينظر إلى يسوع المسيح على انه مركز كلمة الله؟

ما هي العلاقة بين كلمة الله و الكتاب المقدس؟

ما هي الجوانب الأكثر غموضا أو صعوبة من غيرها؟

ما هي أسباب ذلك؟

 

    2 . كلمة الله والكنيسة

كيف ينمي الاقتراب من كلمة الله الوعي الحقيقي والفعال بالانتماء إلى الكنيسة, جسد المسيح, وكيف يدفع إلى رسالة كنسية حقيقية؟

كيف تفهم العلاقة بين كلمة الله والكنيسة؟

هل تتم المحافظة على وجود علاقة سليمة بين الكتاب المقدس والتقليد في الدراسة التفسيرية واللاهوتية وفي اللقاء مع الكتاب المقدس؟

هل تقود كلمة الله التعليم المسيحي؟

هل يتم تقدير الكتب المقدسة تقديرا كافيا؟

ما مدى الإحساس بأهمية دور تعليم الكنيسة في إعلان كلمة الله ؟

هل يتم الإصغاء بإيمان حقيقي لكلمة الله؟

ما هي الجوانب التي يجب توضيحها وتقويتها؟

 

    3 . كلمة الله توجه إيمان الكنيسة

ما مدى قبول وثيقة "الوحي الإلهي" ؟ والتعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية؟

ما هو دور الأساقفة التعليمي الخاص في رسالة كلمة الله؟ وما هي واجبات الخدام المكرسين , كهنة , شمامسة, في إعلان الكلمة؟ (راجع "نور الأمم" 25 , 28)

ما هي العلاقة بين كلمة الله وحياة التكريس؟

ما هو مكان كلمة الله في إعداد كهنة الغد؟

ما هي التوجيهات التي يحتاجها اليوم شعب الله (الكهنة, والشمامسة, والمكرسون, والعلمانيون) بخصوص كلمة الله؟

 

    4 . الكتاب المقدس كلمة الله

ما هي أسباب اشتياق المسيحيين اليوم لكلمة الله؟ وما فائدتها لحياة الإيمان؟

كيف يتم استقبال كلمة الله لدى غير المسيحيين؟ ولدى المثقفين؟

هل هناك تعامل سليم مع الكتاب المقدس ؟ ما هي أكثر الأخطاء في التعامل معه؟

ما هو مفهوم وحي الكتاب المقدس وصحته؟

هل نعتبر أن المعنى الروحي للكتاب المقدس هو المعنى الحقيقي الذي أراد الله أن يكشف عنه؟

كيف ننظر إلى العهد القديم؟

إذا اعتبرنا إن الفتنا بالأناجيل أكثر من الفتنا بغيرها , فهل نعتبر أن الفتنا هذه وقراءتنا لها أمر كاف؟

ما هي النصوص صعبة الفهم اليوم وكيف نواجهها؟

 

    5 . الإيمان بكلمة الله

ما هي مواقف المؤمنين تجاه كلمة الله؟

هل يتم الإصغاء إليها بإيمان عميق؟ وهل يقوي الإصغاء إليها الإيمان؟

ما هي دوافع قراءة الكتاب المقدس؟

ما هي معايير تمييز قبول المؤمن لكلمة الله؟

 

    6 . مريم العذراء وكلمة الله

لماذا مريم هي معلمة الإصغاء للكلمة وأمها؟

كيف قبلت مريم الكلمة وكيف عاشتها؟

كيف تصبح مريم نموذج المؤمن في الإصغاء لكلمة الله وتأملها والحياة بموجبها؟

 

 



     الفصل الثاني

كلمة الله في الكنيسة

 

"كذلك تكون كلمتي، تلك الني تخرج من فمي، لا ترجع فارغة إلي بل تعمل ما شئت أن تعمله و تنجح فيما أرسلتها له" (أش 55: 11).

 

الكنيسة تولد من كلمة الله و تحيا بها

18.  تعترف الكنيسة أن كلمة الله تدعوها و تلدها دائما. لذلك، لكي تستطيع أن تعلنها بقوة وحب فأنها تضع ذاتها أولاً ودائماً في وضع "إصغاء خاشع" وتندهش وتتأثر بها، تصغي إليها بتواضع وإيمان، مقتدية بمريم التي كانت تسمع الكلمة وتعمل بها (را لو 1: 38) والتي جعلها الرب نموذج الكنيسة. من هذا المنظور وتتميماً للكلمة، تلتقي الجماعة المسيحية مع الكتاب المقدس "ففي الكتب المقدسة يأتي الآب السماوي بحب ليلتقي بأبنائه ويقيم معهم". لذلك فمكان الكتاب المقدس هو قلب الكنيسة وبين يديها "فهو الرسالة التي بعث بها الله إلى البشر"، فهو كتاب الحياة، موضع الإكرام العميق، تماماً مثل جسد المسيح ذاته, ففيه تكتشف الكنيسة مخطط الله الذي أعده لها و للكون والبشر والأشياء. لذلك فهو، مع التقليد المقدس، قانون إيمانها الأعلى، فتعلنه بقوة وتقبله كغذاء النفس وأصل الحياة الروحية.

    يقبل المسيحي الكتاب المقدس من الكنيسة ومعها يقرأه ويشترك في الروح والأهداف، متطلعاً إلى الغاية السامية لكل لقاء بالكلمة، كما علم يسوع: تتميم إرادة الله في حياة الإيمان والرجاء والمحبة في معية وإتباع المعلم (را لو 8: 19-21).

 

كلمة الله تعضد الكنيسة على مدار تاريخها

19.  هناك ظاهرة دائمة في حياة شعب الله, وهي أنه ينال قوة من الكلمة, عندما كان النبي يخاطب الشعب، وعندما كان يسوع يكلم التلاميذ والجموع، وعندما كان التلاميذ يخاطبون الجماعة المسيحية الأولى, وحتى أيامنا هذه. لذلك من الواجب دراسة كيف أن حضور الكلمة يطبع طابعه وخاصته في شهادات الكتاب المقدس على مختلف الحقبات, في الكتاب المقدس وفي تاريخ الكنيسة.

        كما كان الكتاب المقدس في عصر آباء الكنيسة المركز الذي منه تنبع كل التعاليم اللاهوتية, والحياة الروحية والنشاط الرعوي. يظل آباء الكنيسة معلمي الكتاب المقدس, ولا يتفوق عليهم في ذلك أحد. هذه القراءة ليست لوياً للحرف، بل القدرة على قراءته (الحرف) بالروح. كان الكتاب المقدس في القرون الوسطي أساس التعامل اللاهوتي, حتى يستطيع المؤمن أن يلتقي بالكلمة ظهرت نظرية المعاني (الحرفي, المجازي, الرمزي … الخ). وهذا بحسب التراث القديم "للقراءة الربية"، التي تمثل طريق صلاة الرهبان, وتلجأ إلى استلهام الفن, وتنتقل إلى المؤمنين في العظات والممارسات التقوية.

        بدأت الاتجاهات النقدية في الظهور في العصور الحديثة، كما تقدمت العلوم, وانقسم المسيحيون وبدأت الحوارات المسكونية لرأب الصدع. كل هذا شجع على منهج صحيح لدراسة الكتاب, وفهم أفضل لسره داخل التقليد. لم يسر هذا طبعاً بدون صعوبات. يسود في العصر الحالي مشروع تجديد بدأه المجمع الفاتيكاني الثاني قائم على مركزية كلمة الله. كما نتحدث عن تنوع طرق قراءة الكتاب وفهمه في إطار التاريخ, علينا أيضاً أن نذكر التنوع الجغرافي. إن كلمة الله بفضل التصاقها الدائم بالكتاب المقدس تنتشر ويبشر بها في الكنائس الخاصة في قارات العالم الخمسة وتنثقف فيها, وتصبح روح الإيمان الذي يحيي شعوب كثيرة وعامل الشركة الأساسي في الكنيسة, وشاهد على غنى سرها ومصدر إلهامها وتغلغلها في الثقافات والمجتمعات.

 

كلمة الله تحيي بقوة الروح القدس كل أوجه حياة الكنيسة

20.  إن الروح القدس الذي يقود الكنيسة إلى ملء الحقيقة ( را يو 16: 13 ) يفهمها معني كلمة الله الحقيقي, فتلتقي وجهاً لوجه بالكلمة ذاته، ابن الله، يسوع الناصري الذي كشف لنا عن الآب. الروح القدس هو مفسر الكتاب المقدس، الذي هو كلمة الله المكتوبة بوحيه. لذلك يجب قراءة الكتاب المقدس وفهمه بمساعدة الروح الذي به كتبت. إن الكنيسة تحت قيادة الروح تحاول أن تصل إلى فهم أعمق للكتب المقدسة لكي تغذي أبناءها مستفيدة من دراسة آباء الكنيسة الغربيين والشرقيين, والدراسات التفسيرية واللاهوتية, ومن خبرة حياة شهود الكلمة والقديسين.

    إن المقدمة التي تتصدر القطمارس لهي هامة جداً يرد فيها: "يقتضي فاعلية كلمة الله في القلوب ما يدخل الآذان، بفضل الروح القدس، بإلهامه وتحت قيادته تصبح كلمة الله أساس العمل الطقسي, وأساس الحياة كلها وعضدها. إن عمل الروح القدس لا يتقدم ويصاحب ويتبع العمل الطقسي فحسب، بل يضع في قلب كل واحد (را  يو 14: 15-17 و25 -26 ؛ 15: 26 و 16: 15) جميع ما يقال للجماعة عند قراءة الكلمة ويقوي الوحدة, ويساند تعدد المواهب ويقدر قيمة تعدد الأعمال".

    تتبني الجماعة المسيحية ذاتها يومياً عندما تسلم ذاتها لقيادة كلمة الله بالروح القدس وتقبل هبة الإنارة والهداية والعزاء التي يمنحها الروح القدس بالكلمة. لأن "كل ما جاء قبلاً بالكتب المقدسة إنما جاء ليعلمنا كيف نحصل على الرجاء بما في هذه الكتب من الصبر والعزاء" (رو 15: 4).

    بالتالي فإن واجب الكنيسة الأول والأساسي هو مساعدة المؤمنين على تفهم معنى لقاء كلمة الله تحت قيادة الروح القدس. وكيف تتم قراءة الكتاب المقدس الروحية الشخصية, ومعني وحدة وترابط الكتاب المقدس والتقليد وتعليم الكنيسة الرسمي, وما هي واجبات المسيحي نفسه في خضوعه لقيادة الروح القدس الذي ناله في العماد وباقي الأسرار. يؤكد بطرس الدمشقي: "يعرف من اختبر معنى الكتب المقدسة الروحي أن معنى أبسط كلمة ومعنى أكثر الكلمات حكمةً وعمقاًَ هو واحد – وهدف كليهما هو خلاص الإنسان".

 

 

 

تغذي كلمة الله الكنيسة بطرق متعددة

21.  "من الضروري أن يغذي الكتاب المقدس العظات والتعليم الكنسي". تتحقق رغبة القديس بولس المدعمة بالصلاة "حتى ينتشر كلام الرب بسرعة ويتمجد" (2 تس 3 :1) بطرق متعددة في مختلف المجالات الكنسية. فيقتضي ذلك يقظة الإيمان والتضحية الرسولية والعناية الرعوية الواعية الخلاقة والمثابرة, والاستفادة من تبادل الخبرات. أصبحت الخدمة الرعوية الكتابية أي التي يغذيها دوماً الكتاب المقدس، مطلباً ملحاً لكل جماعة من جماعات الكنيسة.

    من منظور الوحدة والشركة هذا يجب البحث عن دينامية وتحقيق لقاء الكلمة . هذه الدينامية هي أساس خدمة الكنيسة الرعوية. و تقتضي الكلمة المعلنة والمسموعة أن تصبح حية في الليتورجية وأسرار الكنيسة لكي تكون واقع حياة بموجب الكلمة، بواسطة خبرة الشركة والمحبة والرسالة".

 

أ   – الكلمة في الليتورجية والصلاة

22.  "العلاقة وثيقة بين الكلمة والطقس في الليتورجية". تعلمت الكنيسة اكتشاف الله الذي يتكلم ومقابلته في الصلاة الليتورجية. وبالإضافة إلى الصلاتين الشخصية (الفردية) والجماعية. فالكتاب المقدس هو في الواقع حقيقة ليتورجية ونبوية: إعلان الروح القدس وشهادته عن المسيح كحدث أكثر منه ككتاب. لقد سمح هذا بانتشار معرفة الكتب المقدسة وحبها. ولكن المسيرة التي يجب عملها تكون لتحقيق رغبة, نص روح, المجمع الفاتيكاني الثاني بخصوص مكانة كلمة الله في اللبتورجية, وهذا يقتضي مجهودات في التجديد النوعي والكمي، وتذكير المؤمنين ببعض الإرشادات التي اقترحها المجمع وتأملها معهم .

    ونذكر هنا أن العامل الأساسي هو "المسيح الحاضر في كلمته، لأنه هو الذي يتكلم عندما تقرأ الكنيسة الكتاب المقدس". ومن هنا "تأتي أهمية الكتب المقدسة القصوى في الاحتفال الليتورجي". ويدعو هذا إلى الاهتمام الخارجي بكل أشكال اللقاء بالكلمة في العمل الليتورجي: في الإفخارستيا (يوم الأحد) وفي الأسرار, وفي العظات, وفي الدورة الطقسية, وصلاة الساعات, وفي أشباه الأسرار, وفي الممارسات التقوية الشعبية المختلفة, وفي التعليم المسيحي.

  تحتل الإفخارستيا المكانة الأولى لأنها سر مائدة الكلمة ومائدة جسد المسيح. "وكلاهما واضح في يوم الرب: إنها الموضع الملائم الذي فيه دائماً تعلن الشركة ويعتنى بها". ليكن معلوما أن قداس الأحد بالنسبة لعدد كبير من المسيحيين هو لحظة اللقاء الأساسية مع كلمة الرب، ويظل حتى الآن نقطة الاحتكاك الوحيدة مع الكلمة. ومن هنا أهمية الاحتفال بلقاء كلمة الله في الإفخارستيا يوم الأحد إذ فيه السعادة الحقيقية وفرح الحياة.

وعملياً يجب الاهتمام بليتورجية الكلمة في الإفخارستيا وباقي الأسرار اهتماما بالغاً, بقراءة النصوص بطريقة واضحة ومفهومة, والعظات القوية المشجعة, مما يساعد المؤمنين على قراءة أحداث حياتهم اليومية على ضوء الإيمان، وتكون صلاة المؤمنين هي جوابهم الشاكر، الممجد و السائل, الموجه لله الذي كلمهم. ويوصي بهذا كتاب القطمارس وصلاة الساعات. لهذا لا غنى اليوم عن التفكير والتدبير أن تكون قنوات توصيل كلمة الله هذه ملائمة للمؤمنين وبالتالي في متناولهم.

 

ب        – في البشارة والتعليم

23.  "إن خدمة الكلمة ،أي الوعظ وكل أنواع التعليم المسيحي يجب أن تحتل فيه العظة مكانة بارزة، تتغذى وتنتعش بكلمة الكتاب المقدس". لقد أكد البابا يوحنا بولس الثاني أن "خدمة البشارة والتعليم المسيحي تستعيد اكتساب حيويتها من الاهتمام بكلمة الله، وهو أحد أبرز ثمار المجمع الفاتيكاني الثاني. ويجب الاستمرار في هذه المسيرة وتوسيعها وتقييمها, وذلك بتجديد الثوابت وبالمبادرة بالخدمة. تعلم الكنيسة جيداً إنه، إذ تنال هبة كلمة الله، أغلى وأثمن هباته، تضطلع بأسمى واجباتها: توصيل هذه الكلمة للجميع. ويجدر بنا هنا أن نذكر بطريقة مبسطة، بعض مظاهر خدمة الكلمة، وأولها الإعلان والتعليم المسيحي سواء على مدار السنة الطقسية أو في مسيرة تكوين المسيحيين الأساسي أو في التكوين الدائم.

    وهنا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، في ذات الوقت طرق توصيل الكلمة ومتطلبات المؤمنين الجديدة حسب الشرائح السنية المختلفة, والظروف الروحية والثقافية والاجتماعية, كما يشير إلى ذلك نظام التعليم المسيحي العام, وتوجيهات التعليم المسيحي الخاصة في الكنائس المحلية. وهنا يجب أن تولى عناية خاصة بإنارة وتطهير وتقييم التقويات الشعبية وربطها بمصدرها أي كلمة الله. وعليه يجب الاهتمام بكل طرق إعلان الكلمة بالكنيسة التي ذكرنا بعضها مثل: القطمارس, وصلاة الساعات ، التعليم المسيحي، خدمات الكلمة… الخ.

    يلعب اللقاء المباشر بالكتاب المقدس دورا هاما في البشارة.اللقاء بالكتاب المقدس هو الهدف الأول: "إن التعليم المسيحي، في الواقع، يجب أن يكون مدخلاً للقراءة الربية, "أي قراءة الكتاب المقدس حسب الروح الذي يسكن في الكنيسة". وفي نفس الوقت يخدم ومضمونه المركزي: يجب أن يتشرب ويصطبغ بفكر وروح مواقف العهد القديم والأناجيل وذلك عن طريق اتصال جاد ومتصل بها ".

    نظراً لأهمية القيمة الحضارية للكتاب المقدس, يجب أن تكون له مكانته في التعليم في المدرسة, وفي تعليم الدين المسيحي. ويلعب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية دورا هاما كوسيلة ناجحة ومفيدة لخدمة الشركة الكنسية وقاعدة أكيدة لتعليم الإيمان. إنه لا يغني عن دراسة الكتاب المقدس ولكنه يكمله, معطيا إياه نظرة كنسية شاملة. يجب أن تصل كلمة الله للجميع، حتى للأميين, وعلى الكنيسة أن تستفيد بوسائل الإيضاح والاتصال العديدة. لذلك تقتضى خدمة فعالة للكلمة, تقييماً مؤهلاً ومعاصراً وخلاقا لوسائل الاتصال الاجتماعية.

    تتلاحق التغيرات الثقافية والاجتماعية, من هنا ضرورة تعليم مسيحي يساعد على شرح الصفحات الصعبة في الكتاب المقدس سواء من منظور تاريخي أو علمي أو أخلاقي, ويجد حلا لشتى المسائل المتعلقة بالله وبالرجل وبالمرأة والعمل الأخلاقي، خاصة في العهد القديم .

 

ج –  في الدراسات التفسيرية واللاهوتية

24.  لتكن دراسة الصفحات المقدسة روح الدراسة اللاهوتية. تدعو الثمار التي حصدتها الكنيسة بهذا الصدد، نتيجة المجمع الفاتيكاني الثاني, إلى تمجيد الله وحمد روحه الحق القدوس من أجل نعمه. وبما أن كلمة الله سكن بيننا (را يو 1: 14) فان الروح عينه يدفعنا إلى التأمل في خططه الجديدة التي ينوي تنفيذها بين البشر في أيامنا, و يدعونا إلى قبول التحديات المتوقعة التي تواجه بها البشرية الكلمة.

    ما تم التعبير عنه كنماذج, على سبيل المثال, أصبحت اليوم نقاطاً هامة :التزام مفسري الكتاب و اللاهوتيين بدراسة الكتاب المقدس و تفسيره حسب روح تعليم الكنيسة، و ذلك لتفسير كلام الكتاب المقدس و عرضه في سياق التقليد الحي, و من ناحية أخرى تقدير تراث الآباء و اللجوء إلى توجيهات تعليم الكنيسة الرسمي و خدمته بأمانة.

    و يجدر هنا التذكير بما جاء Optatam totius بخصوص تعليم اللاهوت وانعكاس منهجيته ودراسته على تكوين الرعاة. إن معظم الأهداف المذكورة في هذه الوثيقة لم تتحقق بعد. علماً بأن الخطة الموضوعة انطلاقا من موضوعات كتابية، تضع خطة مسيرة للبحث والتعليم بهدف الوصول إلى نتائج ملائمة سواء للكهنة أو للمؤمنين. إن العودة إلى توجيهات وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني هذه تساهم في إثراء كلمة الله, التي توضع في خدمة المجالات التعليمية لمختلف المواد اللاهوتية, وفي إطار جدلية بناءة مع إرهاصات الثقافة.

    يجب أن يكون هناك اهتمام خاص بالعلاقة بين الوحي الإلهي وطريقة تفكير وحياة الإنسان المعاصر. ومن هذا المنظور ينتج واجب التأمل على ضوء كلمة الله في الاتجاهات الأنثروبولوجية المعاصرة وعلاقة العقل والإيمان "كجناحين يحلق بهما الإنسان ويرتقي نحو التأمل في الحقيقة", وهما طريقتان للحقيقة الواحدة التي تأتي من الله، والحوار مع الأديان الكبرى بهدف تحقيق عالم ينعم بالمزيد من العدل والسلام.

    تنتظر الجماعة المسيحية من الدارسين عوامل مساعدة تعين خدام الكلمة على إمداد شعب الله. بغذاء الكتب المقدسة الذي ينير العقول ويقوي الإرادة ويشعل حب الله في قلوب الناس.

 

د – في حياة المؤمنين

25.  "الجهل بالكتاب المقدس هو الجهل بيسوع المسيح". من الضروري أن يحتفظ الجميع بعلاقة دائمة بالكتب المقدسة قراءة ودراسة متأنية.

    يعتبر تقدم التعليم المسيحي والتعليم الروحي من أجمل المظاهر المبشرة في مسيرة كلمة الله في شعبه. أسمى دعوة للمسيحي هي الارتقاء بالكلمة, والصلاة بواسطتها والحياة بموجبها. "يلجأ إليها الأفراد والجماعات بكثرة" يؤكد البابا يوحنا بولس الثاني. لكن يجب أن يزداد عدد هؤلاء كما أن طريقة الاقتراب من الكلمة يجب أن تكون مطابقة لأهداف الكلمة حسب خدمة الكنيسة. للوصول إلى روحانية خالصة للكلمة، يجب أن تصاحب الصلاة قراءة الكتب المقدسة، لكي يتم الحوار بين الله والإنسان. لأننا عندما نصلي نتكلم معه ونستمع إليه عندما نقرأ كلامه الإلهي. يؤكد القديس أوغسطينوس "صلاتك هي كلمتك التي توجهها إلى الله. عندما تقرأ الكتاب المقدس فأنه هو الذي يكلمك. وعندما تصلي فإنك أنت الذي تكلمه" ويقود هذا إلى اعتبار بعض الأمور وإعطائها الأولوية والتفضيل.

    يجب قبل كل شئ لقاء كلمة الله بروح الفقر الباطني والخارجي، تماما كما كان, كلمة الله, ربنا وإلهنا يسوع المسيح الذي "افتقر لأجلكم، وهو الغني، لتغتنوا انتم بفقره" (2كو 8: 9), إنه "وجوده قائم على طريقة يسوع في سماع كلمة الآب وإعلانها للبشر، بتجرد عن الأشياء واستعداد دائم لإعلان الخبر السار للفقراء (را  لو4: 18).

    "إنه لمن دواعي الفرح رؤية أناس متواضعين فقراء يمسكون كلمة الله في الكتاب المقدس. إنهم قد يضفون على تفسيرها وتأوينها نوراً أكثر قدرة على التأثير, على المستوي الروحي والوجودي، من القدرة الناتجة من المعلم الواثق بنفسه".

    ويجب تشجيع إحدى الممارسات الكتابية التي ترجع إلى بداية المسيحية والتي رافقت الكنيسة طوال تاريخها. إننا نسميها تقليدياً "القراءة الربية" بمراحلها المختلفة ( القراءة، التأمل، الصلاة، المشاهدة). لقد نشأت هذه الممارسة في إطار الحياة الرهبانية. ولكن الروح القدس يعرضها اليوم عن طريق تعليم الكنيسة الرسمي على الإكليروس, والجماعات الرعوية, والحركات الكنسية, والأسر والشباب. كتب البابا يوحنا بولس الثاني: "من الضروري أن يتحول الإصغاء إلى الكلمة لقاء حيوياً، في إطار التعليق القديم الذي يظل حالياً وهو "القراءة الربية" التي تساعد على التقاط الكلمة الحية من النص، التي تدعو وتشكل الوجود، بالاستفادة من طرق حديثة أثبتت أهليتها وملاءمتها للزمن".

    ويدعو البابا بنديكتوس السادس عشر بنوع خاص "إلى اكتساب الألفة مع الكتاب المقدس الذي يجب أنه يكون في متناول اليد, لكي يشير كالبوصلة إلى الطريق الذي يجب إتباعه". ويذكر الجميع "قراءة الكتاب المثابرة والتي تصحبها الصلاة وتحقق الحوار الحميم الذي فيه نستمع إلى الله بالقراءة، ونرد عليه بانفتاح وقلب دافق بالصلاة".

    تقتضي جدة "القراءة الربية" في شعب الله تكويناً مستنيراً وصبوراً و متواصلاً بين الكهنة والمكرسين والعلمانيين حتى يصل الجميع إلى تبادل الخبرات بدافع الكلمة المسموعة. يجب أن تكون كلمة الله المصدر الأول الذي يلهم حياة الجماعة الروحية في مختلف الممارسات, مثل الرياضات الروحية، التقويات والخبرات الروحية. الهدف الهام (وفي نفس الوقت مقياس معيار الصحة) هو أن يكون كل واحد ناضجاً لقراءة شخصية للكلمة, لكي يستطيع المؤمن أن يكتشف الواقع ويؤدي حساباً عن رجائه الخاص (را  بط 3: 15), وشهادة القداسة. بذكر القديس كبريانوس بما اتفق عليه الآباء: "ثابر على الصلاة والقراءة الربية لأنك عندما تصلي تتكلم مع الله وعندما تقرأ الكتاب يكلمك الله", "كلامك سراج لخطواتي، ونوراً لطريقي" (مز 119 :105 ). الله يحب الحياة لذلك فهو يريد لكلمته أن تنير وتقود وتعزي حياة المؤمنين كلها، في كل الظروف, في العمل والراحة, في الألم والالتزامات الأسرية والاجتماعية, في القرح والحزن لكي يستطيع كل واحد أن يميز كل شيء ويختار الصالح (را 1 تس 5: 21), وليتعرف على إرادة الله ويحققها (را مت 7: 21).

 

الأسئلة :

    1 . كلمة الله في حياة الكنيسة

ما مدى الأهمية التي نوليها في حياتنا, كجماعات أو أفراد, لكلمة الله؟

كيف تصبح كلمة الله غذاء للمسيحيين؟

هل هناك خطر قصر المسيحية على ديانة كتابية؟

ما مدى الاحترام الذي نوليه لكلمة الله والألفة التي نتعامل بها معها في حياتنا كأفراد وجماعات, أيام الآحاد والأعياد؟ وباقي أيام الأسبوع ؟ وفي مختلف أزمنة السنة الطقسية؟

 

    2 . كلمة الله هي وسيلة تكوين شعب الله

ما هي المبادرات التي نقوم بها , كأفراد وجماعات, ليكون تعليم الكنيسة الشامل والتام قائما على كلمة الله؟

هل يتم تكوين كهنة الغد والمكرسين وخدام الجماعة (التعليم المسيحي, الأنشطة المختلفة …) بطريقة ملائمة ودائمة لتأهيلهم لتنشيط رسالة الكتاب المقدس والخدمة الرعوية؟

هل هناك مشروعات تكوين دائم للعلمانيين؟

 

    3 . كلمة الله والليتورجية والحياة

كيف يتقرب المؤمن من كلمة الله في الصلوات الليتورجية والصلوات الشخصية؟

ما هو الرابط بين مائدة كلمة الله ومائدة الإفخارستيا, بين الكلمة التي نحتفل بها في الإفخارستيا وبين حياتنا اليومية؟

هل العظة هي صدى لكلمة الله ؟ وما هي الاحتياجات التي تكشف عنها؟

هل يصاحب سر المصالحة الاصغاء لكلمة الله؟

هل يتم الاحتفال بالفرض الإلهي (صلاة الساعات) كإصغاء وحوار مع كلمة الله؟ هل يمارس المؤمنون هذه الصلوات ؟

هل يمكن القول إن فرص احتكاك الشعب بكلمة الله كافية؟

 

    4 . كلمة الله والكرازة والتعليم المسيحي

ما هي النقاط الايجابية أو الصعبة التي يمكن اكتشافها بين كلمة الله والتربية الدينية, على ضوء المجمع الفاتيكاني الثاني وتعليم الكنيسة؟

كيف تقدم كلمة الله في التربية المسيحية بأشكالها المختلفة؟

هل تولي الكنائس والجماعات اهتماما كافيا لدراسة كلمة الله المكتوبة؟ كيف يتم ذلك؟

كيف يتم تكوين مختلف الشرائح السنية (الأطفال, الفتيان, الشباب, البالغون) كتابيا؟ هل هناك برامج تمهيدية لدراسة الكتاب المقدس؟

 

    5 . كلمة الله و الدراسات التفسيرية واللاهوتية

هل تمثل كلمة الله روح الالتزام التفسيري واللاهوتي؟

هل يتم احترام طبيعة كلمة الله الموحاة بطريقة ملائمة؟

هل يعضد البحث العلمي ويقود مفهوم إيماني؟

ما هو منهج الدراسة المألوف للنص الكتابي؟

ما الدور الذي يقوم به العنصر الكتابي في المنظومة اللاهوتية؟

هل هناك إحساس بأهمية رسالة الكتاب المقدس  في كنيستك أو في جماعتك؟

 

    6 . كلمة الله في حياة المؤمن

ما هو الطابع الذي تضفيه كلمة الله على حياة شعب الله؟ على الاكليروس؟ على المكرسين؟ وعلى العلمانيين؟

هل يمكن التعرف في حياة هؤلاء على تواضع مريم العذراء وإيمانها الذين عبرت عنهما في نشيدها: "تعظم نفسي الرب".

لماذا تعوق الخيرات المادية الإصغاء لكلمة الله؟

هل لحظات اللقاء مع كلمة الله في الإفخارستيا والاحتفالات الليتورجية الأخرى هي لحظات انتعاش أم ضعف في تواصل الإيمان؟

لماذا يشعر عدد كبير من المسيحيين باللامبالاة والبرود تجاه كلمة الله؟

هل تمارس "القراءة الربية" ؟ ما هي اشكال ذلك ؟ وما هي الأسباب التي تسهل أو تصعب هذا الأمر؟ 



الفصل الثالث

كلمة الله ورسالة الكنيسة

 

" وجاء يسوع إلى الناصرة حيث نشأ، ودخل المجمع يوم السبت على عادته، وقام ليقرأ فناولوه كتاب النبي اشعيا، فلما فتح الكتاب وجد المكان الذي ورد فيه "روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأنادي للأسرى بالحرية وللعميان بعودة البصر إليهم، لأحرر المظلومين وأعلن الوقت الذي فيه يقبل الرب شعبه". وأغلق يسوع الكتاب وأعاده إلى الخادم وجلس وكانت عيون الحاضرين كلهم شاخصة إليه. فأخذ يقول لهم: "اليوم تمت هذه الكلمات التي تلوتها على مسامعكم" (لو :16-21).

 

رسالة الكنيسة هي التبشير بالمسيح الكلمة الذي صار بشراً

26.  "غذنا، يارب، بالكلمة لكي نكون" عبيد الكلمة" في رسالة التبشير". هذه إحدى أولويات الكنيسة في بداية الألفية الجديدة المطلوب هو الذهاب إلى مدرسة المعلم عارفين أن كلمته تحتل مركز البشارة بالملكوت" (را مر 1: 14-15) التي تتم بالكلام والعمل وبشهادة الحياة والتعليم. ملكوت الله الذي تنتجه الكلمة هو ملكوت حق وعدالة وحب وسلام, يعرض على جميع البشر. عندما تبشر الكنيسة بالكلمة فإنها تشارك في بناء ملكوت الله وتضئ له الطريق وتقدمه للناس لخلاصهم. البشارة بالملكوت هي الإنجيل الذي يجب أن يبشر به إلى أقاصي الأرض (را مت 28:19، مر 16:15) هذه البشارة والإصغاء إليها هما التطبيق الصحيح للإيمان. "الويل لي إن كنت لا أبشر" (كو 9: 16), تدوي عبارة القديس بولس هذه بشدة وهي ليست مجرد معلومة تقدم للمسيحيين بل هي دعوة لخدمة الإنجيل وتقديمه للعالم كله. يقول يسوع "الحصاد كثير" (مت 9: 37). هناك عديدون لم يسمعوا إطلاقا بالإنجيل وخاصة في أفريقيا وآسيا، وهناك آخرون سمعوا الإنجيل ولكنهم نسوه, وهناك آخرون في انتظار سماعه.

    كانت هناك وما زالت صعوبات تعوق شعب الله من الإصغاء للكلمة. تعوق الأسباب المادية في بعض المناطق توصيل نص الكتاب المقدس وترجمته ونشره. وهناك صعوبات ناتجة من احتكار بعض الشيع للكتاب وتفسيره بطريقة غير صحيحة. توصيل الكلمة هو رسالة قوية تقتضي الإحساس العميق والمقنع بالإتحاد مع الكنيسة. أول المقتضيات هي الثقة في قدرة الكلمة على إحداث التغيير في قلب من يسمعها، لأن كلمة الله حية فاعلة (…) تحكم على خواطر القلب وأفكاره " (عب 4: 12). وثاني المتطلبات هو إعلان كلمة الله والشهادة بأنها منبع التوبة والبر والرجاء والإخوة. وثالث شرط هو الصفات التي يتحلي بها خادم الكلمة وهي الصراحة والشجاعة وروح الفقر والشفافية والود.

    ما زال الإرشاد الرسولي "البشارة بالإنجيل" لبولس السادس مناسباً بسبب ما يتضمنه من أساس تربوي للبشارة. أما رسالة البابا بنديكتوس السادس عشر "الله محبة" فإنها تظهر بوضوح ارتباط المحبة الوثيق بالبشارة بكلمة الله والاحتفال بالأسرار. ينبع عن استقبال كلمة الله، الذي هو محبة، أن تكون البشارة بها مقترنة بممارسة المحبة والعدالة والحب من منظور رسالة التبشير بكلمة الله. ذكرنا هنا بإيجاز شديد بعض الأهداف والواجبات الأساسية التي يجب الاضطلاع بها. كتب القديس أوغسطينوس: "من الضرورة بمكان الإقرار بأن ملء الشريعة وكذلك ملء الكتب الإلهية المقدسة هو الحب. حب الكائن الاسمي الذي يجب أن نسعد به، وحب الكائن المدعو للسعادة به معنا، لقد أوجدت العناية الإلهية كل الكائنات الأرضية لكي تكشف لنا عن هذا الحب وتجعله ممكناً (…). من يعتقد بالتالي انه فهم الكتب المقدسة كلها، أو أي جزء منها، ولا يلتزم، بفهمها، بإقامة هذا الحب المزدوج : حب الله وحب القريب، يثبت أنه لم بفهمها بعد.

 

كلمة الله في متناول الجميع في كل وقت.

27.  تؤكد الكنيسة على حرصها في إعلان كلمة الله بصراحة كما فعل الرسل (را أع 4:3 ؛ 28 :31) وفي نفس الوقت تعتبر انه من الضروري أن يصل الكتاب المقدس إلى جميع المؤمنين. إنه أحد مقتضيات الرسالة وفي نفس الوقت مضمونها الأساسي, ويجب أن نقر أنه بالرغم من الإلحاح الشديد فإن غالبية المسيحيين يفتقرون للاحتكاك الشخصي والفعال بالكتاب المقدس, وإن المحتكين به يتعرضون لتشويشات لاهوتيه ومنهجية خطيرة بسبب وسائل الاتصال والإعلام. يتعرض الاحتكاك بالكتاب المقدس لخطر النظرة الشخصية والتقريبية. أو أن يتحول إلى ممارسة تقوية فردية مثل الممارسات الكنسية العديدة، وذلك بدلاً من أن يكون واقعاً كنسياً. ومن هنا أهمية التنشيط الرعوي القوي والمقنع بالكلمة.

    يدعو هذا إلى اتخاذ مبادرات محددة مثل إعطاء الكتاب المقدس المكانة الأولي في الخطط الرعوية، ووضع خطط كتابية في الإبرشيات تحت قيادة الأساقفة, ومحاولة اخال الكتاب المقدس في الأنشطة الكنسية, وإتاحة فرض احتكاك مباشر به مثل مسيرة القراءة الربية للشباب والبالغين. بهذه الطريقة ترتكز الشركة بين الكهنة والعلمانيين وبالتالي بين الرعايا والجماعات المكرسة والحركات الكنسية على الكتاب المقدس. يساعد على تحقيق هذا الهدف مبادرات و خدمة محددة لرسالة الكتاب المقدس على مستوي الإبرشيات والمناطق والبلاد، تسهم في نشر الكتاب المقدس باستخدام الوسائل المناسبة بين العلمانيين، ويهتم بإعداد منشطي مجموعات الإصغاء للكتاب المقدس، مع منح الشباب اهتماماً خاصاً بوضع برامج مسيرات إيمان بكلمة الله, حتى للمهجرين والباحثين عن الكلمة.

    ومن الواجب أن نذكر انه في عام 1968 أسس البابا يولس السادس رابطة الكتاب المقدس الكاثوليكية العالمية, لتحقيق توصيات المجمع الفاتيكاني الثاني بخصوص كلمة الله. يشترك في عضوية هذه الرابطة الغالبية العظمي من هيئات الأساقفة الوطنية، وللرابطة روافد عديدة في كل القارات. الهدف الأساسي هو نشر نص الكتاب المقدس بكل اللغات واللهجات ومساعدة المؤمنين، حتى البسطاء منهم، على التعرف على تعليم الكتاب المقدس والحياة بموجبها, وذلك عن طريق ترجمات سليمة وبسيطة تكون، حسب تقدير الأساقفة صالحة للاستخدام في الطقوس الكنسية. كما أنه من واجب الجماعة الكنسية إتاحة نص الكتاب المقدس بأسعار مناسبة ويجب إتاحة المجال، بحكمة واتزان، أمام المناهج وطرق التعبير الجديدة لنشر الكلمة ، مثل الراديو والتليفزيون والمسرح والسينما والموسيقي والأغاني والاسطوانات المدمجة والإنترنت. ويلعب المكرسات والمكرسون في مسيرة نقل كلمة الله للشعب دوراً هاماً. يؤكد المجمع الفاتيكاني بخصوص المكرسين "ليكن الكتاب المقدس بين أيديهم، لكي يتعلموا، من خلال القراءة والتأمل، معرفة يسوع المسيح السامية (را فيل 3: 8)، ويجددوا حماسهم لممارسة واجب التعليم، التبشير وخاصة للفقراء والصغار والآخرين. يوصي آباء الكنيسة أن "تجتر الكنيسة يومياً نص الكتاب المقدس". يعتبر القديس امبروزيوس إنه عندما يبدأ المرء في قراءة الكتاب المقدس، يعود الله ليتمشي معه في الفردوس. يقول البابا يوحنا بولس الثاني إن كلمة الله هي نبع كل الروحانية المسيحية الأولى وهي تقوي العلاقة الشخصية مع الله الحي ومع إرادته الخلاصية والمقدسة. لهذا حازت القراءة الربية على تقدير كبير منذ نشأة الرهبانيات، وخاصة التعبدية ، فبفضلها تنتقل كلمة الله إلى الحياة اليومية وتلقي عليها نور الحكمة الذي هو هبة الروح القدس".

 

كلمة الله هي نعمة شركة المسيحيين

28.  يجب اعتبار شركة المسيحيين كأحد أهم أهداف رسالة الكنيسة. إن العاملين الأساسيين الذين يوحدان المؤمنين بالمسيح هما كلمة الله والمعمودية. انطلاقاً من هذا الواقع يجب أن تستمر مسيرة المسكونية في مواجهة التحديات التي تعترض طريق الوحدة التامة. إن ما يضمن لقاءً حقيقياً مع المسيح ومع الإخوة الآخرين هو العودة إلى منابع الكلمة التي تفسر على ضوء التقليد الكنسي. يظهر خطاب وداع يسوع في العشاء الأخير بشدة ووضوح أن هذه الوحدة تقوم في إعطاء شهادة عامة عن كلمة الآب التي يمنحها الرب (را يو 17: 8).

    في الإصغاء لكلمة الله بعد مسكوني يجب الاهتمام به. نلاحظ بارتياح شديد أن الكتاب المقدس هو أكبر موضع للقاء صلاة وحوار الكنائس والجماعات الكنسية. تدأب الكنيسة عملاً بتوصية المجمع الفاتيكاني الثاني، على نشر نصوص ترجمات الكتاب المقدس المسكونية. لقد ساهم تعليم الكنيسة الرسمي، بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، مساهمة كبيرة في هذا الشأن. إن القراءة المتأنية لنصوصه وتطبيقها على الظروف الخاصة يسمحان باكتشاف توجيهات ودوافع نحو الوحدة. يؤكد البابا بنديكتوس السادس عشر: "إن الإصغاء لكلمة الله لهو أمر أساسي في التزامنا المسكوني. لسنا نحن الذين نعمل أو ننظم وحدة الكنيسة. الكنيسة لا تقوم بذاتها ولا تعيش لذاتها ولكنها تقوم وتعيش بواسطة الكلمة الخلاقة الخارجة من فم الله. إن ما يكون الطريق الذي علينا أن نسلكه للوصول إلى وحدة الإيمان هو الإصغاء لكلمة الله معاً والقراءة الربية, أي القراءة المقرونة بالصلاة والانصياع لخبرة كلمة الله التي لا تشيخ ولا تنضب, والتغلب على صممنا تجاه الكلمات التي لا توافق آراءنا المسبقة وأهواءنا ودراسة الكلمة والاستماع إليها داخل جماعة المؤمنين. كل ذلك يشكل مسيرة يجب أن نتبعها لنصل إلى الوحدة في الإيمان, كرد على الإصغاء لكلمة الله.

 

كلمة الله تنير الحوار بين الديانات

29.  كان الحوار بين الديانات محسوساً على الدوام طوال مسيرة الكنيسة، إلا انه يقتضي الآن متطلبات جديدة وواجبات غير مألوفة. وعلى الأبحاث اللاهوتية أن تعمق هذه العلاقة الحساسة وتستنبط النتائج الرعوية. استناداً على ما ورد حتى الآن في تعليم الكنيسة الرسمي. نضع النقاط التالية موضع التأمل والتقويم:

 

أ   – مع الديانة اليهودية .

30.  يجب أن نولي عناية خاصة للديانة اليهودية: فالمسيحيون واليهود هم أبناء إبراهيم مترسخون في عهد واحد، لأن الله أمين على وعوده ولم يسحب عهده الأول (را رو 9: 11) يؤكد البابا يوحنا بولس الثاني: "دعا الله خالق السماء والأرض هذا الشعب وقاده. لذلك فإنه ليس مجرد واقع طبيعي أو ثقافي. والمقصود بالثقافي أن الإنسان يستخدم إمكاناته الطبيعية. إنه واقع فائق الطبيعة. هذا الشعب يستمر، بالرغم من كل شيء، لأنه شعب العهد ولأن الله، بالرغم من خيانات البشر، يظل أميناً على عهده" . وتشترك الديانة اليهودية في معظم أجزاء العهد القديم مع الديانة المسيحية. وتوجد بهذا الصدد وثيقة هامة بعنوان: "الشعب اليهودي وكتبه المقدسة في كتاب المسيحيين المقدس" صادرة عن اللجنة الكتابية الحبرية. تقود هذه الوثيقة إلى التأمل في علاقة الإيمان الوثيقة التي تربط الديانتين والتي سبق وأشار إليها الدستور العقائدي في الوحي الإلهي. هناك عاملان يؤخذان بعين الاعتبار والاهتمام وهما تفسير العهد القديم عند اليهود وإسهاماته, والعامل الآخر هو تفادي كل أنواع معاداة السامية.

 

ب – مع باقي الديانات

31.  والكنيسة مكلفة أن توصل الخبر السار (الإنجيل) إلى الناس أجمعين (را مر 16 : 15), لذلك تلتقي بأتباع الديانات الأخرى العديدين ومع كتبهم المقدسة ومفهومهم عن كلمة الله, وتصادف في كل مكان أناسا يبحثون عن الخبر السار, وآخرين ينتظرونه دون أن يعوا بذلك. تشعر الكنيسة بأنها مدينة بأن توصل كلمة الله لكل هؤلاء (را رو 1: 14). ومن الواجب أن نذكر قبل كل شيء أن المسيحية ليست ديانة كتاب، بل ديانة كلمة الله المتجسدة في يسوع المسيح. وعندما تتم مقارنة الكتاب المقدس بكتب من الديانات الأخرى المقدسة يجب الحذر الشديد من وعدم الوقوع في شراك التوفيقية، المقاربات السطحية وتحريف الحقيقة. ويجب الاهتمام بنوع خاص بنقاء كلمة الله كما يفسرها تعليم الكنيسة الرسمي, في مواجهة الشيع العديدة التي تستخدم الكتاب المقدس لأعراض وأهداف غريبة ومريبة.

    ويجب، من منظور ايجابي, الاهتمام بالتعرف على الديانات غير المسيحية وثقافتها وتمييز أثار الكلمة الإلهية التي قد توجد فيها. إنه من الأهمية بمكان أن نذكر بأن الإصغاء لكلمة الله يقود إلى الترفع عن كل أنواع العنف، لكي تثمر الكلمة في القلوب وفي التصرفات لنشر العدالة والسلام.

 

  

كلمة الله خمير الثقافات المعاصرة

32.  يتم لقاء كلمة الله مع مختلف الثقافات (نظم التفكير، النظم الأخلاقية، فلسفة الحياة.. الخ ) المتأثرة بالتيارات الاقتصادية والتكنولوجية المعلنة, والتي تتمتع بخدمات وسائل الإعلام المتعددة، لدرجة أنه يمكن أن نطلق عليها اسم "كتاب مقدس علماني ". لقد أصبح الحوار أكثر إلحاحا وأحياناً حدة، وفي نفس الوقت يتمتع بكثرة فرص إعلان الكلمة، إذ انه يحمل التساؤلات حول المعني، تجد هذه التساؤلات في الرب إجابتها الشافية.

    يعني هذا أن كلمة الله تريد أن تكون خميراً في عالم التعددية المستعلنة في الأريوباغوس المعاصر (را أع 17: 22), وفي الأمن والعلم والسياسة والاتصالات, لتصل "قوة الإنجيل إلى قلب الثقافة والثقافات" وتطهرها وترفعها وتجعلها أدوات ملكوت الله.

    يقتضي هذا تقديم يسوع المسيح "الطريق والحق والحياة " (يو 14: 6) على ألا يكون هذا التقديم سطحياً, بل مع إعداد جيد لمواجهة آراء الآخرين ومواقفهم, بحيث تبرز هوية السر المسيحي وفاعليته الإيجابية والمفيدة للجميع. وفي هذا الإطار يجب دراسة تاريخ ثمار الكتاب المقدس في الثقافة والعادات العامة مما أدي إلى نعت (الكتاب المقدس) بالدستور الأعظم للغرب.

 

كلمة الله وتاريخ البشرية

33.  تعرف الكنيسة، في مسيرتها نحو الرب، انه يجب قراءة كلمة الله في أحداث الزمن والعلامات التي تجلي الله فيها. يرد في المجمع الفانيكاني الثاني: "واجب الكنيسة الدائم هو البحث عن علامات الزمن وتفسيرها على ضوء الإنجيل بطريقة تلائم كل عصر, فتكون جواباً على تساؤلات البشر الدائمة حول معنى الحياة الحاضرة والآتية وعلاقتهم معاً. والكنيسة بتداخلها في الأحداث البشرية يجب أن تعرف أن تميز في الأحداث والمتطلبات والتطلعات (…) علامات حضور الله الحقيقية وبذلك تساعد البشرية على لقاء الرب في الأحداث والحياة.

    بهذه الطريقة تواصل كلمة الله التي زرعها يسوع كبذرة الملكوت، مسيرتها في حياة البشر (را 2 تس 3: 1) وتجلجل عند مجيء يسوع المسيح الثاني داعية إلى الشركة الكاملة في فرح الملكوت ( را مت 25 :24). ترد الكنيسة على هذا الوعد الثابت بصلاة حارة: "مارنا آتا " (1 كو 16: 22) "تعال أيها الرب يسوع" (رؤ 22: 2) .

 

الأسئلة

 

    1 . إعلان الكلمة في الزمن المعاصر

استنادا إلى الخبرة الرعوية, ما هي الأشياء التي تسهل الإصغاء لكلمة الله؟ وما هي الأشياء التي تعوق ذلك؟

هل تساعد رغبة الإنسان الداخلية, وتشجيع المسيحيين الآخرين على تجديد الإيمان؟

هل تعوق العلمنة وسيل المعلومات وتدفقها وأنماط الحياة البديلة الاهتمام بكلمة الله؟

ما هي التحديات التي يتعرض لها إعلان كلمة الله في وقتنا الحاضر؟

 

    2 . سهولة البلوغ إلى الكتاب المقدس

هل يطابق واقع الأحداث ما أعلنته وثيقة "الوحي الإلهي" في البند 22: "ينبغي أن يتوفر للمؤمنين البلوغ إلى كلمة الله بسهولة"؟  

هل هناك إحصائيات ولو تقريبية عن هذا الأمر ؟

هل هنا تزايد في الإصغاء للكلمة على مستوى فردي أو جماعي؟

 

    3 . انتشار كلمة الله

ما هو منهج رسالة الكتاب المقدس على مستوى الإيبارشية؟ هل هناك منهج؟

هل هناك منشطون مؤهلون؟

هل هناك اعتراف برابطة الكتاب المقدس الكاثوليكية؟

ما هي الصيغ المتاحة للالتقاء بكلمة الله (مجموعات كتابية, برامج تعليمية, يوم الكتاب المقدس, القراءة الربية … الخ)؟ ما هي الصيغ الأكثر انتشارا؟

هل هناك ترجمات للكتاب المقدس كاملة أو جزئية؟

ما هو مكان الكتاب المقدس في الأسرة؟

هل هناك برامج كتابية لمختلف الشرائح السنية ( الأطفال, الفتيان, الشباب, البالغون)؟

ما هو دور وسائل الإيضاح في عرض الكتاب المقدس؟

ما هي العناصر التي يجب الاهتمام بها؟

 

    4 . كلمة الله والحوار المسكوني

يقتضي إعلان كلمة الله شهادة حياة حقيقية. هل يمكن ملاحظة شهادة الحياة هذه لدى مسيحيي اليوم؟ كيف يمكن تنميتها؟

كيف فبلت الكنائس الأخرى , في إطار الحوار المسكوني, وثيقة "الوحي الإلهي"؟

هل هناك تبادل خبرات حول الكتاب المقدس مع الكنائس الأخرى؟

ما هي مكانة كلمة الله لدى الكنائس الأخرى؟ أين يمكن التعرف عليها؟

هل هناك إمكانية تعاون مع اتحاد الكتاب المقدس العالمي؟

هل يؤدي استعمال الكتاب المقدس إلى صراعات؟

 

    5 . كلمة الله في الحوار مع اليهود

هل هناك أولوية للحوار مع أتباع الديانة اليهودية؟

ما هي صيغ اللقاء حول الكتاب المقدس التي تتمناها؟

هل يتم استخدام الكتاب المقدس لتذكية مواقف عدائية ضد الساميين؟

 

    6 . كلمة الله والحوار مع الديانات والثقافات

هل هناك خبرات (ترتكز على الكتاب المقدس) مع آخرين لديهم كتبهم المقدسة الخاصة؟

كيف يقابل كلمة الله من لا يؤمنون بوحي الكتاب المقدس؟

هل تتاح كلمة الله أيضا لمن لا يؤمن بالله ؟

هل يقرأ الكتاب المقدس على انه قانون يحمل بركات شاملة وكثيرة؟

هل هناك خبرات حوار حول الثقافات قائمة على الكتاب المقدس؟

ما هي إجراءات مساعدة الجماعة المسيحية تجاه الشيع؟

 

 

 





الخاتمة

 

"لتحل في قلوبكم كلمة المسيح بكل غناها لتعلموا وتنبهوا بعضكم بعضاً بكل حكمة. رتلوا المزامير والتسابيح والأناشيد الروحية شاكرين الله من أعماق قلوبكم. مهما يكن لكم من قول أو فعل، فليكن باسم الرب يسوع، حامدين به الله الآب" (كو 3: 16-17).

 

في الإصغاء لكلمة الله حياة المؤمن

34.  أحد العوامل الأساسية للقاء كلمة الله هو الإصغاء الورع لها. بقدر ما يفسح المرء مكاناً لكلمة الله, وبقدر ما تولد كلمة الله في قلب الإنسان، بقدر ذلك, يعيش بموجب الروح. ذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يتغلغل داخل كلمة الله، بل هي التي تستحوزه وتهديه. وتجعله يكتشف غنى الله وأسراره وتفتح له آفاق المعاني والحرية والنضج الإنساني (را أفس 4: 13). إن معرفة الكتب المقدسة هي نتيجة هبة كنسية تتاح للمؤمنين المنفتحين علي الروح.

    يقول ماكسيموس المعترف :"إذا نطقت كلمات الله فحسب فإنها لا تسمع, لأنها كذبدبات صوت لا تؤثر في سلوك من ينطقها. ولكن إذا نطقت مقرونة بتتميم الوصايا. فإنها قادرة بالصوت أن تطرد الشياطين, وأن تدفع البشر لبناء هيكل الله داخل القلب, عن طريق أعمال البر". يجب على المرء أن يترك ذاته للتمجيد الصادق في القلب، في مناخ البساطة والصلاة المتعبدة, على مثال مريم العذراء المصغية، لكي يجمع المؤمن كلمات الله ويعيشها بالحب( را مت 6: 5 ، يو 13: 34-35). عندئذ يستطيع المؤمن، الذي أصبح تلميذاً, أن يترك كلمة الله الصالحة تتغلغل فيه (را عب 6: 5), ويعيشها في الجماعة الكنسية ويعلنها للقريبين والبعيدين، محيياً دعوة يسوع، الكلمة المتجسد: "اقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر 1: 15).