من يُصغي إلى البابا بنديكت؟

 

    سبق وان ناقشت الكنيسة الكاثوليكية عشرات القضايا من خلال المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني، وأوضحت رأيها بشكل واضح اتجاه العديد من القضايا المعاصرة. فغالبا تكون لها المبادرة الأولى للتوجيه أو لفت الأنظار إلى مشكلة ما وتوجيه الإرشاد اللازم أو تقديم الحلول إن أمكن. فالبابا يوحنا الثالث والعشرين، الذي دعا المجمع للانعقاد في عام 1962م، كرر مراراً على أعضاء المجمع المقدس أن يحقق "تجديداً" في الكنيسة، وفق العصر Aggiornamento وان يواجهوا من خلال الوثائق التي ستخرج من هذا المجمع ما يواجه مطالب الساعة. فجاءت الوثائق وعددها ست عشرة وثيقة، موزعة في فئات ثلاثة: الدساتير، المراسيم، والتصريحات. تضم جميعها ما يخص حياة أبناءها سواء كان أسقفا،راهباً، كاهنا، راهبة، علماني. رجلاً كان أو امرأة. طفلا أو شاباً أو مسناً. لم يترك المجمع شيئاً إلا وذكره بنصوص واضحة وصريحة، فذكر ما يخص الكنيسة في العصر المعاصر، وكيف يعيش المسيحي الكاثوليكي مع غيره، سواء كان مثله أو يختلف عنه في الجنس أو اللون أو الدين. كما ناقش وأوضح موقفه من عدة قضايا مُلحة ظهرت بشدة هذه السنوات منها ازدهار الثقافة، الحياة الاقتصادية والاجتماعية، الجماعة وحياتنا السياسية، الحرية الدينية، وسائل الإعلام ودورها الفعال. كما ذكر رأي الكنيسة الكاثوليكية بشكل واضح فيما يخص قضايا كرامة الإنسان من الحرب و السلام، الإجهاض، الموت الرحيم، وكرامة المعاقين والمسنين. وكلها أصبحت الآن قضايا تعتبر في جهات كثيرة غير واضحة على عكس الكنيسة الكاثوليكية التي أجزمت رأيها في مثلك تلك الأمور والقضايا التي تخص حياة وكرامة الإنسان الذي خلق على صورة الله كمثاله.

    وحتى يومنا هذا تواصل الكنيسة الكاثوليكية تحدياتها أمام الحرب النفسية والتقدمية التي تواجه عصرنا بما فيه من حروب تعددت أسبابها، الخفي منها أكثر من الظاهر. لكن الكنيسة تحاول دائماً الصمود أمام جميع التيارات الهادمة للنفس البشرية. وتسعى إلى تحقيق العدل والمطالبة باحترام النفس البشرية لكل إنسان على أرضنا التي خلقنا الله عليها ومَلّكنــا عليها دون حدود. كما أنها تسعى باستمرار لتشجيع أبناءها وخاصة الشباب حتى لا ينجرفوا مع التيار، ولكي يمضوا نحو الإيمان والتمسك بمبادئ الإنجيل الواضحة نحو خير الأرض وسلامها.

    ومنذ أيام كانت زيارة البابا بندكيت السادس عشر لبلدة لوريتو بايطاليا، في أول مهرجان شباب "صديق للبيئة" برعاية الكنيسة الكاثوليكية وأبلغ البابا ما يصل إلى نصف مليون شخص جاءوا من كل إنحاء ايطاليا بان على زعماء العالم اتخاذ قرارات جريئة لإنقاذ الكوكب "قبل فوات الأوان". هذه مبادرة جديدة وبشكل كبير تقوم بها الكنيسة الكاثوليكية بتوجيه نداء سريع إلى كل من يتحكمون في مصير هذا الكوكب. عليكم أن تسرعوا إلى إنقاذ كوكبنا من الدمار والانهيار. هذا الكوكب الذي كاد ينفجر من الحروب، الاحتباس الحراري، وانهيار القيم والأخلاق، الكوكب الذي كاد أن يصرخ وتخرج من أعماقه آهات الفقراء التي ذابت من النواح والعوز "ارحمونا أيها الأغنياء، ارحمونا يا من تأكلون كل شيء ولا يزيد حتى فتاتكم لنا".

    ربما تكون هناك جهات وأصوات أخرى بجانب الكنيسة الكاثوليكية بدأت بمثل هذا حتى توجه أنظار العالم إلى كارثة على أعتاب هذا القرن. ولكن مثلما يقولون إذا تكلم أهل الدين صمت الجميع. فالشعوب تطيع رؤسائها لكنها تخاف رجال الدين ولكلمتهم حساب خاص في حياة الناس ويظهر هذا بوجه خاص في الشرق. فرجال الدين المسيحي أو الإسلامي يستطيعون أن يفعلوا بشعوبهم كل شيء. إن أرادوا أن ينام الشعب ويصمت فليكن، وان أرادوا أن يكونوا في يقظة فسيكن . إذا كان اهتمام رجال الدين هذه الأيام فقط بإصدار المنشورات والأحاديث الصحفية والتلفزيونية والفتاوى فسيكون الهلاك لهذا الكوكب. أما إذا استيقظوا أولاً وقرروا أن يوقظوا الجميع فليقوموا الآن لان بعد قليل سيكون فات أوان التغيير ولن يبقى إلا الندم الذي من المحتمل أيضاً أن يكون أوانه قد فات.

 

    كلمة البابا بنديكت الذي وجهها للرؤساء والزعماء من خلال لقاءه بالشبيبة تحمل أمل و تفاؤل إذا تحرك البعض لمواجهة الخطر الذي يتعرض له كوكبنا. فالأب يقود أبنائه، إذا أراد شيئاً منهم فليبدأه هو أولاً. فليكن الرؤساء آباء لمرة واحدة حتى يقول الجميع لهم نعم، نعم للخير، نعم لإنقاذ حياتنا وأولادنا وكوكبنا ومستقبلنا القادم. أكمل البابا بنديكت نداءه للشعوب والرؤساء "من الضروري إعلان كلمة (نعم) بشكل حاسم في القرارات المتعلقة بالحفاظ على الخليقة بالإضافة إلى التزام قوي بتغيير مسار الاتجاهات التي تقود بشكل خطير إلى ظروف معيشية سيئة لا يمكن تغييرها." نعم إذا وصلنا لمرحلة ما سيكون من الصعب جداً تغييرها. البناء يحتاج لوقت وجهد ودعم كبير جداً، أما الهدم فيأتي في وقت قصير ومحدود. ما بُني على الأرض اخذ قرونا وأجيال والآلاف السنين. فلا يعقل أن ندعه يهدم أمامنا هكذا لأننا مشغولون بما هو في نظرنا أهم. ليس هناك أهم من حياة الخليقة كلها على كوكب لا يوجد بديل له.

    لن تستطيع مجموعة أو مجموعات إنقاذ كوكب الأرض بمن عليه. إنما علينا جميعاً أن نتكاتف من الأكبر فالأصغر حتى نساهم جميعاً في إنقاذه.

 

    والسؤال الآن عن أول مَن سيُصغي بالعمل لنداء البابا بندكيت من الرؤساء والزعماء ورجال الدين لإنقاذ الخليقة على هذا الكوكب؟