الرسالة الختامية للجمعية المسكونية الأوروبية الثالثة

سيبيو، 17 سبتمبر 2007  ZENIT.org

ننشر في ما يلي الرسالة الختامية للجمعية المسكونية الأوروبية التي عقدت في سيبيو (رومانيا) من 4 إلى 9 سبتمبر.

* * *

نور المسيح ينير الجميع!

نحن، الحجاج المسيحيون من كل أوروبا وأبعد منها، نشهد لقدرة هذا النور المحوِّلة، لهذا النور الذي هو أقوى من الظلمات، ونشهد له كرجاء يحيط بكل الأبعاد لكنائسنا، لأوروبا، والعالم بأسره.

باسم الله الثالوث، الآب، والابن والروح القدس اجتمعنا في مدينة سيبيو، رومانيا (4 – 9 سبتمبر 2007). لقد تميزت هذه الجمعية المسكونية الأوروبية الثالثة بغنى الروحانية والتقليد الأرثوذكسي.

نشدد على الالتزامات الجدية التي التزمنا بها في بال وجراز ونجددها، ويؤسفنا أننا لم نتمكن بعد من أن نكون أمناء لبعضها. ولكن ثقتنا بقوة نور المسيح المحولة هي أقوى من ظلمات الاستسلام، والجبرية، والخوف واللامبالاة.

لقد بدأت جمعيتنا المسكونية في روما عام 2006، واستمرت في عام 2007 في فيتينبورغ. في إطار هذا الحج المسكوني، تم تنظيم لقاءات إقليمية كثيرة، إلى جانب لقاء الكنائس الأرثوذكسية في جزيرة رودوس ولقاء الشبيبة في سان موريس.

نتقبل بفرح التزام الشباب وإسهامهم في الجمعية. بعون وتشجيع "الورقة المسكونية"، تابعت جمعيتنا العمل الذي كانت قد بدأته في الجمعيات السالفة، وقدمت فرصة لتبادل المواهب وللغنى المتبادل.

لسنا وحدنا في هذا الحج. فالمسيح معنا وفي الجمّ الغفير من الشهود (عبر 12، 1)، الشهداء المعاصرين الذين يرافقوننا: إن شهادة حياتهم وموتهم هي حافز بالنسبة لنا كأفراد وكجسد. بالشركة معهم، نلتزم بأن نجعل نور المسيح المتجلي يتألق في وسط شهاداتنا، المتجذرة في الصلاة والحب. هذا هو جوابنا المتواضع على تضحية حياتهم.

 

نور المسيح في الكنيسة

يحملنا نور المسيح على العيش من أجل الآخرين وفي الشركة في ما بيننا. ستكون شهادتنا للرجاء وللوحدة في أوروبا قابلة للتصديق فقط إذا ما تابعنا مسيرتنا نحو الوحدة المرئية. الوحدة لا تعني التماثل. هناك قيمة كبيرة في العودة إلى اختبار تلك الشركة (koinonia) وفي تبادل تلك المواهب الروحية التي أعطت الزخم للحركة المسكونية منذ ظهورها.

لقد شعرنا من جديد في سيبيو بجرح الانقسام المؤلم بين كنائسنا. وهذا الانقسام يتناول أيضًا مفهومنا لوحدة الكنيسة. ساهمت التطورات التاريخية والثقافية البديهية في المسيحية الشرقية والغربية في قيام هذه الاختلافات، وفهم هذه الأخيرة يتطلب منا انتباهًا طارئًا وحوارًا مستمرًا.

نحن مقتنعون بأن على العائلة المسيحية الموسعة أن تواجه المسائل العقائدية وأن تسعى للتوصل إلى إجماع أوسع بشأن القيم الخلقية التي تنتج عن الإنجيل، وبشأن أسلوب عيش قابل للتصديق يشهد بالفرح لنور المسيح في عالمنا العلماني المعاصر المتطلب، وذلك في البعدين الفردي و الجماعي.

تشكل روحانيتنا المسيحية ثروة غالية: وهي تُظهِر، متى ما تم الكشف عنها، تنوع غناها وتفتح قلوبنا على جمال وجه المسيح وقوة الصلاة. فقط إذا ما كنا قريبين من ربنا يسوع المسيح، نستطيع أن نتقرب أكثر فأكثر في ما بيننا وأن نختبر الشركة الحقة.

لا يمكننا إلا أن نشارك هذا الغنى مع كل الرجال والنساء الذي يبحثون عن النور في هذه القارة.

الرجال والنساء الروحانيون يبدأون بارتدادهم الشخصي، وهذا يحمل على تغيير العالم. إن شهادتنا لنور المسيح تتجسد في التزام أمين بالإصغاء، وبعيش ومشاركة خبرات حياتنا ورجائنا التي صاغتنا كتلاميذ للمسيح.

 


التوصية الأولى:

 

نوصي بتجديد رسالتنا كمؤمنين أفراد، وككنيسة لكي نعلن المسيح كنور ومخلص العالم.


التوصية الثانية:

نوصي بمتابعة النقاش حول الاعتراف المتبادل بصحة المعمودية، مع اعتبار النتائج التي تم التوصل إليها حول هذا الموضوع في دول عدة، علمًا بأن المسألة تتعلق بشكل جوهري بمفهوم الافخارستيا، والخدمة [سر الدرجة. ملاحظة من المترجم]، والإكليزيولوجيا بوجه عام.


التوصية الثالثة:

نوصي بإيجاد أشكال لاختبار النشاطات التي توحد صفوفنا: الصلاة بعضنا من أجل بعض وللوحدة، زيارات الحج المسكونية، التنشئة اللاهوتية والدرس سوية، المبادرات الاجتماعية ومبادرات الخدمة، المشاريع الثقافية، تدعيم الحياة الاجتماعية على أسس القيم المسيحية.


التوصية الرابعة:

نوصي كل شعب الله بمشاركة والتزام كامل، وفي هذه الجمعية بوجه خاص، نوصي بتكريس انتباه مميز إلى نداء الشبيبة، والمسنين، والأقليات العرقية، والمعاقين.

 

نور المسيح لأوروبا

 
نؤمن بأن كل إنسان قد خلق على صورة الله ومثاله (تك 1، 27) ويستحق الاحترام والمحبة ذاتها بغض النظر عن كل الاختلافات في المعتقد، والثقافة والعمر، والجنس والانتماء العرقي، من بدء الحياة وحتى الموت الطبيعي.

وإذ نعي بأن جذورنا المشتركة هي أعمق بكثير من انقساماتنا، بينما نبحث عن التجديد والوحدة وعن فهم دور الكنائس في المجتمع الأوروبي اليوم، قمنا بالتركيز على اللقاء مع مؤمني الديانات الأخرى. وإذ نعي، بشكل خاص، العلاقة الفريدة التي تربطنا بالشعب اليهودي، كونه شعب العهد، نرفض كل أشكال اللاسامية المعاصرة، ونريد معه أن نعزز هوية أوروبا كقارة خالية من أي شكل من أشكال العنف.

لقد عرف تاريخنا الأوروبي أزمنة طغت فيها الصراعات المؤلمة، ولكن كانت هنالك أيضًا أزمنة تعايش سلمي بين أبناء الديانات المختلفة.

في أيامنا هذه لا يوجد خيار بديل عن الحوار: لا المراوغة، بل حوار الحياة التي فيها يمكننا أن نقول الحقيقة عبر المحبة.

جميعنا يحتاج إلى التعرف أكثر إلى كل الديانات، ويجب التعمق أكثر في التوصيات التي تعطيها "الورقة المسكونية".

نوجه نداءً إلى إخوتنا المسيحيين وإلى جميع الذين يؤمنون بالله لكي يحترموا حق الآخرين بالحرية الدينية، ونعبّر عن تضامننا مع الجماعات المسيحية التي تعيش في العراق وفي كل أنحاء العالم كأقليات دينية، وتشعر بأن وجودها مهدد.

من خلال لقائنا بالمسيح مع إخوتنا وأخواتنا المحتاجين (متى 25، 44- 45)، وإذ نستنير سوية بنور المسيح – امتثالاً بوصايا الكتاب المقدس لأجل وحدة البشر (تك 1، 26- 27) – نلتزم كمسيحيين: بالتوبة عن خطيئة العزل؛ بتعميق فهمنا للـ "آخرية"؛ بالدفاع عن كرامة وحقوق كل كائن بشري؛ بضمان حماية كل من هو بأمس الحاجة لذلك؛ بتقاسم نور المسيح مع الآخرين الذين يحملونه إلى أوروبا.

نوجه نداءً إلى الدول الأوروبية لكي تضع حدًا للحجز الإداري غير المشروع للمهجرين، ولكي تقوم بكل جهد ضروري لأجل تأمين الهجرة الشرعية، واندماج المهاجرين، واللاجئين وجميع من يطلب اللجوء، ولكي يساندوا قيمة وحدة العائلة ويحاربوا الاتّجار بالبشر واستغلالهم.

نوجه نداءً إلى الكنائس لكي تعزز عنايتها الرعوية بالمهاجرين الضعفاء.

 
التوصية الخامسة:

نوصي كنائسنا المسيحية بالاعتراف بأن المهجرين المسيحيين ليسوا مجرد متلقين سلبيين للعناية الدينية، بل أنه بامكانهم أن يلعبوا دورًا كاملاً وفاعلاً في حياة الكنيسة والمجتمع؛ فلتقدم الكنائس عناية رعوية أفضل للمهاجرين، ولمن يطلب اللجوء وللاجئين؛ فلتعزز حقوق الأقليات العرقية في أوروبا، وخصوصًا الشعوب الغجرية.

الكثيرون في ما بيننا يكنّون العرفان لأجل التغيرات التي عاشتها أوروبا في العقود الأخيرة. أوروبا هي أكثر من الاتحاد الأوروبي. كمسيحيين نتشارك في مسؤولية صياغة أوروبا كقارة السلام والتضامن والمشاركة والمؤازرة.

نقدر التزام المؤسسات الأوروبية: الاتحاد الأوروبي، مجلس أوروبا، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في حوار منفتح، شفاف ومنتظم مع الكنائس في أوروبا.

لقد شرفنا الممثلون الكبار بحضورهم وقد عبروا بذلك هم اهتمام كبير بنشاطنا. علينا أن نواجه تحدي إدخال الزخم الروحي في هذا الحوار.

لقد ولدت أوروبا كمشروع سياسي لضمان السلام والآن عليها أن تتحول إلى أوروبا الشعوب، أكثر من تحولها إلى ميدان اقتصادي.

 
التوصية السادسة:

 نوصي بتنمية  "الورقة المسكونية" كدليل هادٍ يستطيع أن يحفز مسيرتنا المسكونية في أوروبا.

 
نور المسيح للعالم أجمع

 تُحِلّ كلمة الله الاضطراب فينا وفي كل ثقافتنا الأوروبية: الذين يحيون، لا يجب أن يحيوا بعد لذواتهم بل لأجل من مات وقام لأجلهم! على المسيحيين أن يتحرروا من الخوف ومن الجشع الذي لا يرتوي والذي يدفعنا للعيش لأجل ذواتنا، عقيمين، محترسين ومنغلقين. تدعونا كلمة الله إلى عدم هدر التراث الثمين الذي تركه مَن عمل في السنوات الستين الأخيرة من أجل السلام والوحدة في أوروبا.

السلام عطية فائقة وثمينة. دول برُمتها تتوق إلى السلام. شعوب بأكملها تنتظر أن تتحرر من العنف والإرهاب. نلتزم بشكل طارئ في تجديد جهودنا لأجل هذه الأهداف. نرفض الحرب وسيلةً لحل النزاعات، ونشجع الأساليب السلمية، ونعبّر عن قلقنا البالغ بسبب إعادة التسلح. العنف والإرهاب باسم الدين هما إنكار للدين!

نور المسيح يشع على كلمة "عدل"، ويربطها بالرحمة الإلهية. وإذ تستنير بهذا الشكل، تنعتق من كل مفهوم ملتبس. في كل العالم، وفي أوروبا أيضًا، تؤدي عملية العولمة الجذرية إلى تعميق انقسام المجتمع البشري بين رابحين وخاسرين، ويخفف قيمة عدد لا يحصى من الأشخاص، كما ويؤدي إلى نتائج فاجعة في المجال البيئي، وبشكل خاص في ما يتعلق بالتحولات المناخية، وبالتالي يبدو غير متناسب مع مستقبل وطيد لكوكبنا.

 
التوصية السابعة:

نوصي جميع المسيحيين الأوروبيين بدعم برنامج "أهداف إنماء الألفية" الذي تقوم به الأمم المتحدة كمقياس عملي طارئ لتخفيف الفقر.

 
التوصية الثامنة:

نوصي اتحاد المجالس الأسقفية الأوروبية، ومجلس الكنائس الأوروبية، مع كنائس أوروبا وكنائس القارات الأخرى، بأن تطلق مشروعًا استشاريًا لمعالجة مسائل المسؤولية الأوروبية بشأن العدالة البيئية، أمام خطر التحولات المناخية؛ ومسؤولية أوروبا في مسألة توجيه العولمة بشكل عادل، إلى جانب المسؤولية تجاه الغجر وغيرهم من الأقليات العرقية.

اليوم أكثر من ذي قبل، نعترف بأن إفريقيا، وهي قارة مترابطة بتاريخنا وبمستقبلنا، تختبر درجات من الفقر لا يمكننا أن نقف لا مبالين ومكتوفي الأيدي تجاهها. لقد جاش قلب جمعيتنا لأجل جراح إفريقيا.

 التوصية التاسعة:

 نوصي بدعم المبادرات من أجل المصالحة وتعزيز التجارة العادلة والمتضامنة.

من خلال الحوار الصادق والموضوعي، نساهم ونشجع بناء أوروبا متجددة تتعالى فيها كشهادة المبادئُ والقيم الخلقية المسيحية المستقاة مباشرة من الإنجيل، وتدفعنا إلى التزام فاعل في المجتمع الأوروبي.

يتألف واجبنا من تعزيز هذه المبادئ والقيم، ليس فقط من خلال الحياة الخاصة، بل أيضًا في الإطار العام. نريد التعاون مع أبناء الديانات الأخرى الذين يتقاسمون اهتمامنا في بناء أوروبا القيم التي تزدهر أيضًا سياسيًا واقتصاديًا.

وإذ نقلق لأجل خلق الله، نصلي من أجل نوال حساسية أكبر واحترام أعمق لتنوعها الرائع. فلنعمل لمواجهة الاستغلال المشين الذي تتعرض له الخليقة، والذي لأجله تئن الخليقة في أوجاع المخاض منتظرة الفداء (راجع رو 8، 22- 23) ونلتزم بالعمل من أجل المصالحة بين البشر والطبيعة.

 
التوصية العاشرة:

 نوصي بأن يتم تكريس الفترة من 1 سبتمبر إلى 4 أكتوبر للصلاة من أجل حماية الخليقة ومن أجل تشجيع أساليب عيش مناسبة للإسهام في عكس اتجاه التحولات المناخية.

نعبر عن تقديرنا لكل من ساهم في هذه المسيرة، وخصوصًا لشبيبة " Young Oikumene " الذين حضوا المشاركين في هذه الجمعية على أن يكونوا شجعانًا في عيش الإنجيل، ونجتمع في الصلاة:

أيها المسيح، النور الحق الذي ينير ويقدس كل كائن بشري يأتي إلى هذا العالم، أشع بنور حضورك علينا، لكي نستطيع أن نتأمل فيه النور الذي لا يمكن الدنو منه، ووجّه سبلنا لكي نطبق وصاياك. أعطنا الخلاص واهدنا إلى ملكوتك الأبدي، لأنك أنت خالقنا وواهب كل عطية صالحة. إن رجاءنا يرتاح فيك وإليك نرفع المجد، الآن وإلى الأبد. آمين.