الروح القدس في تعاليم آباء الكنيسة للأخت: سامية صموئيل

من راهبات القلب الأقدس

 

       أن فاعلية الروح القدس تعتبر الصفة الأولى والعظمي السائدة علي كل نشاط الآباء القديسون الأوائل وحياتهم ، فأكملوا قول الرسول " منقادين بروح الله "(رو8 : 14 ). لذلك فقد استطاع الروح القدس أن يحقق في حياتهم بل وفي أنفسهم وأجسادهم كل مواهب المسيح وعطاياه الخلاصية الفائقة. فحياتهم ترجمة واقعية لمعني الفداء وعمل الخلاص وحياة التجديد، والإيمان العامل بالمحبة، والرجاء الحار الذي يعيش ملء المستقبل في صميم الحاضر ، والحب الذي يحول أعظم الآلام إلي نشيد للنصرة، حتى في اشد واعنف الاضطهادات كانت تسمع من أفواههم تسبحة الغلبة والخلاص، والنطق بالشهادة للمسيح من تحت حد السيف.

         فقد كان للآباء القديسون سيرة عليها بصمة الروح القدس بلا نزاع، إنها سيرة روحانية بكل معني الكلمة ورائحة الروح العطرة تفوح من أعمالهم وأقوالهم التي تركوها لنا ميراثا ثمينا. وسنعرض هنا بعض تعاليم الأنبا  انطونيوس والأنبا مقار عن عمل الروح داخل النفس:

أ‌. الروح سباق إلى الدعوة للتوبة وسباق إلي المعونة:

يقول أنبا انطونيوس ( قبل كل شئ أنا أطلب خلاصكم بالرب، وأقول أن النفوس التي بلغت إليها بشارة روح الله من رجال ونساء … يكون قلبهم مستعدا أن يتبع روح الله، فيقبلون مواعيد الله براحة  ). ( فقبل كل شئ فأن الروح القدس يدعوهم ويسهل عليهم كل الأمور، حتى يحلو لهم الدخول في التوبة، ويظهر لهم طرقهم الحقيقية، ليتوبوا بأرواحهم بالقوة ويقمعوا الجسد والروح، حتى يطهرا كلاهما ويصيرا وارثين للحياة الأبدية).

         ويقول أنبا مقار :

( ينبغي للإنسان أن يذوق نعمة الله لأنه قال " ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب " (مز34 : 8 ). فهذه المذاقة هي فضيلة الروح القدس الذي تناله النفس بفعل الإيمان وبإيقان القلب،لأن كل بني النور خدام العهد الجديد بالروح القدس لا يتعلمون فقط من البشر، بل تعليمهم من الله يكون، لان النعمة ذاتها تكتب في قلوبهم ناموس الروح).

 ب.الروح يقف حارسا علي باب التوبة، يقنع النفس بطرق عديدة بعدم الرجوع عنها.

بعد أن يدعو الروح القدس ويسهل الدخول للتوبة، يقف حارسا للنفس، حتى لا تتجاذبها شهواتها الأولي وهو يستخدم في ذلك كل الطرق لتحذير النفس، فإذا سمعت النفس، وصبرت، وانقادت للروح، يفتح أمامها طريق التوبة بمواهبه وتعزياته التي تفوق العقل. يقول أنبا أنطونيوس :

( روح التوبة يعزي الإنسان ويعرفه أن لا يرجع إلي ورائه، ولا يتعلق بشئ من أمور العالم، ويفتح عيني النفس أيضا إلي التوبة الحقيقية، لكي تتطهر النفس مع الجسد، ويكونا كلاهما في الطهارة واحدا، لان هذا هو تعليم الروح القدس، إذ يسعي أمامهما، ويطهرهما وينقلهما إلي الخلقة الأولي التي كانت قبل المخالفة، ولا يبقي في الإنسان شئ من أمور العدو، وعند ذلك يصير الجسد تابعا لإرادة العقل، يطهره من كل شئ، ويتعلم من الروح القدس، كما قال بولس الرسول" إني أخضع جسدي واستعبده "

( 1كو9 : 27 ).

ج. الروح لا يلزم النفس بالتوبة ولكنه يزكيها للنفس فقط:  

الروح يزكي التوبة، ويذيق النفس شيئا من سلام الله وفرح الروح وبهجة الخلاص، فأن هي قبلت الدعوة وانقادت للحق، وتصادقت مع صوت الحكمة، أحاطها الروح القدس بمعونات وتعزيات أكثر فأكثر، حتى تقوي علي كل شهواتها وعاداتها القديمة. ولكن إن انجذبت لعاداتها القديمة، انحصر الروح وتراجع، وظهرت علي المسرح قوات العدو تسوق النفس إلي مصير مظلم. وهكذا يستمر الصراع داخل النفس إلي أن تقرر النفس موقفها النهائي التي تتحمل وحدها مسئوليته.يقول الأنبا مقار ( ولكن إن تجاسرت نفسه وقاومت ترتيب الروح القدس، فان القوة التي وضعت فيه تنسحب، وبذلك تتولد فيه محاربات واضطرابات، ثم تضايقه الآم الجسد في كل لحظة بمهاجمة العدو، فأن تاب وتمسك بوصايا الروح، فان معونة الله تكون معه). وأنا:

 هل اترك الروح يعمل في حياتي ؟ أم هناك أرواحا آخري تسيطر علئَ؟