مريولوجي: شرح السلام الملائكي للاخ فادي مسعود راهب انطوني

"السلام عليك يا مريم، يا ممتلئة نعمة، الرب معك،

مباركة أنتِ في النساء ومباركة ثمرة بطنكِ سيدنا يسوع المسيح،

يا قديسة مريم، يا والدة الله،

صلي لأجلنا نحن الخطأة الآن وفي ساعة موتنا، آمين".

 

المقدمة

هذه الترتيلة التي نقدمها مع دقات قلوبنا كل يوم لمريم العذراء، باقة ورد مزينة في كل بيت من مسبحة الوردية، هذه الصلاة التي نرددها كما رددها آباؤنا بالإيمان ويرددها اليوم ملايين من البشر، وكما يردد الاطفال أولى الكلمات دون ان يعلموا عمق معانيها، وكما يقف الطالب رحمة على باب أسياده ملتمساً من سيدته المعونات. هي صلاة وتشفع، تكفير وتواصل، انها تعليم إيماني وممارسة روحية، ومدخل صالح لعالم التصوف والاتحاد بالله، انها مدرسة فضائل كفيلة أن تخرّج أهم القديسين، وهي صرح يلتجئ اليه كل مشرد وتعب وسور يحتمي فيه كل محارب. هذه الصلاة ترفع البشر إلى الله بمريم وتحني النعمة الالهية الفائضة من مريم إلى كل محتاج. انها تحمل الكثير من المعاني في طياتها، وتعلن حقائق ايمانية، وتضيء أبعاداً مريمية ولاهوتية. ويكثر الحديث عنها، ولكن يكفي انها تفرح الله وتفرح مريم.

سنتكلم بهذا البحث المتواضع عن الناحية الكتابية والناحية اللاهوتية في هذه الصلاة كما يمكن ان نتطرق قليلا إلى النواحي الاخرى، حتى نظهر كم هذه الصلاة مفيدة في حياة المؤمن.

الاقسام:

1.                    كيف تألفت هذه الصلاة؟ أقسامها

2.                    السلام عليك يا مريم

3.                     يا ممتلئة نعمة

4.                    الرب معك

5.                    مباركة أنت في النساء

6.                    مبارك ثمرة بطنك سيدنا يسوع المسيح

7.                    يا قديسة مريم يا والدة الله

8.                    صلي لأجلنا

9.                    نحن الخطأة

10.               الآن

11.               في ساعة موتنا

12.               آمين

 

كيف تألفت هذه الصلاة؟ أقسامها

تتألف من عدة أقسام:

الملاك المرسل من الله إلى مريم يعلن لها:

"السلام عليك يا مريم، يا ممتلئة نعمة الرب معك"  لوقا 1 : 26 – 28

ثم تتابع اليصابات:

"مباركة أنت بين النساء ومبارك ثمرة بطنك" لوقا 1 : 42

كان المسيحيون وبعدهم الرهبان الاولون غير المتعلمين يرددون هاتين الآيتين بدلاً من صلوات المزامير وأُضيف لاحقا عليهما "سيدنا يسوع المسيح" لتوضيح من هو ثمرة بطنها.

وبعد ذلك أضيفت عليها  "يا قديسة مريم، يا والدة الله صلي لأجلنا نحن الخطأة، الآن وفي ساعة موتنا آمين". وذلك بعد مجمع أفسس الذي حارب نسطور القائل ان مريم هي أم المسيح ولا يحق لنا تسميتها والدة الله.

وكما نرى انها بالعموم من وحي الهي، اعلن أول قسم الملاك جبرائيل المرسل من الله مباشرة، وهو يتكلم باسم الله، وكما هو معروف في العهد القديم كان ظهور الملائكة يعد ظهور الهي نوعا ما، ومن يرى الملائكة يكون بخطر الموت لأن من يرى الله لا يحيا كما يقول الكتاب. القسم الثاني امتلأت اليصابات بالروح القدس بعد سلام مريم لها، وأردفت قائلة بالروح عينه هذه الجملة، لانه كشف لها أمر الصبي الذي تحمله مريم. والمقطع الأخير هو من وحي المجمع المقدس وكما هو معروف وكما نؤمن ان المجمع هو من يوضح الوحي الالهي، ويتمتع بعصمة بخصوص العقائد.

بهذا نرى ان هذه الصلاة هي عمل السماء وعمل المؤمنين والكنيسة هي بالمجمل من وحي الله، فلا يمكن ان تكون الا مفيدة ومغذية لكل نفس ترددها عدا علاقتها بمريم العذراء وشفاعتها.

 

 

السلام عليك يا مريم

ان السلام هو عادة يضاد الحرب، ويتم بين فريقين، بين أشخاص، وهو ما يساعد الإنسان على النمو، والبقاء على قيد الحياة، وبناء المجتمع… هذا السلام هو في قلب كل إنسان يحنو اليه، ويعمل لأجله. انه يبدأ منذ الخلق الأول، يشير الكتاب إلى حالة السلام الأصلي اذا صحّ التعبير ان الحيوانات كلها كانت تأكل من عشب الأرض.

ان السلام يعطى من شخص إلى آخر ليعلن عن حالة مصالحة بينهما، كذلك يذكر سفر اللاويين  ذبيحة السلامة بين عدة تسميات أخرى ليدل على وظيفتها فيقول "وَمَتَى ذَبَحْتُمْ ذَبِيحَةَ سَلاَمٍ لِلرَّبِّ فَلْتَكُنْ ذَبِيحَةَ رِضًى." اللاَّوِيِّينَ: الفصل19: آية5، وكأنها تعويض عن خطيئة لتحقق المصالحة، هنا يشير النص إلى حالة السلام الداخلي والروحي التي كانت تتمتع بها سيدتنا مريم العذراء، والى حالة الصفاء والبراءة ايضا، إنما أيضا يتوجه الله بالسلام إلى الإنسان مباشرة أو بواسطة الملاك نرى الملاك يكلم دانيال ويقول له «لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَحْبُوبُ؛ سَلاَمٌ لَكَ. تَقَوَّ وَتَشَجَّعْ». دَانِيآلَ: الفصل10:آية19، هذا تأكيد على أن السلام هو من الله  لمن يتقيه، وهو للتشجيع والتقوية قبل ان يكون هناك اعلان ما أو رسالة محددة، وهنا أيضا يظهر أن مريم سيعطى لها رسالة عظيمة، والملاك يطمئنها كي تبقى بدون خوف ولا اضطراب، لكن لماذا الخوف؟ لانه كما قلنا سابقا ان من يرى الله لا يحيا، وأيضا من يحيا يكون عنده رسالة تفوق قدرته كما يظهر لأول وهلة مما يجعل النبي عادة يرفضها أو يتملص منها كما فعل موسى. على عكس نرى ان الخطأة لا يتمتعون بالسلام كما يقول النبي: "الأَشْرَارُ فلاَ سَلاَمَ لَهُمْ يَقُولُ الرَّبُّ ". إِشَعْيَاءَ:الفصل48:آية22، ويعطي يسوع تلاميذه هذه التعليمات "وَأَيَّ بَيْتٍ دَخَلْتُمْ، فَقُولُوا أَوَّلاً: سَلاَمٌ لِهَذَا الْبَيْتِ!" لُوقَا:الفصل10:آية5، قبل ان يرسلهم في مهمة للبشارة، حتى اذا استقبلهم الناس وردوا لهم السلام يكونون أهلا للبشارة ومستحقي استماع كلمة الله، هكذا يكلمها الملاك بالسلام وترد عليه وتستقبله لتظهر كم هي مهيئة لاستقبال كلمة الله بحب وتواضع كبيرين، أخيرا يسوع بعد القيامة يتوجه إلى تلاميذه ويقول لهم: «سَلاَمٌ لَكُمْ! " لوقَا:الفصل24:آية36، ويوضح لهم مضمون سلامه قبل الآلام انهم لا يضطرب قلبهم ولا يرهب، وهو عطية خاصة منه ليست كما يعطي العالم، وهنا تلميح على العطية الكبيرة التي ستأخذها مريم ألا وهي كلمة الله بالذات، بتجسدها في حشاها. أخيراً يقول ميخا "وَيُصْبِحُ الرَّبُّ سَلاَمَهُمْ" مِيخَا:الفصل5:آية5، ليعلن ان الرب نفسه هو السلام، نعم هنا نفسر السلام عليك، أي الله يكون فيكي.

هذا السلام لم يكن مجرد تحيّة، بل دعوة للفرح المسيحاني كما جاء في اليونانية Kairé، وهذا الفرح ورد عند الأنبياء كصفنيا، زكريا ويوئيل الذين كانوا يدعون الشعب ليفرح ويهلل في حضور الرب في وسطه. إذاً هذا الفرح ينتج عن حضور الله. لماذا؟ لانه بحضور الرب سيمنع الحرب والخوف والسبي والموت، ويحمي ويدافع، يشفي ويخلص شعبه.

هذا الفرح الذي يدعو الملاك مريم إليه هو فرح إعلان حلول زمن الخلاص. عندما نقول السلام عليك يا مريم يا ممتلئة نعمة: نعني هللي، إفرحي، إبتهجي بحلول زمن الخلاص مباشرةً.

 

يا ممتلئة نعمة

والنعمة هي أساس علاقة الله بالإنسان. وبكلمات أخرى نقول عندما يخرج الله من ذاته ويأتي إلى الإنسان، هذا الخروج من الذات والوصول إلى الإنسان هو النعمة. الكتاب المقدس عندما يتكلم عن الله يقول إن الله غني بالنعمة، وعندما يتكلم عن يسوع يقول إنه يفيض بالنعمة، وعندما يقول إن مريم هي الممتلئة نعمة، إذاً بما إن غنى النعمة بالله وفيض النعمة بيسوع هو الذي ملأ مريم بالنعمة.

من هذا المنطلق نقول إن مريم ممتلئة بغنى نعمة الله وفيض نعمة المسيح.

بكلمات أخرى الله كان حاضراً في مريم بالصورة الأقوى والأعظم جسدياً وروحياً وهذا لم يحظَ به أي مخلوق على الإطلاق. لأن الله حلّ فيها جسدياً وحلّ فيها روحياً.

إذاً النعمة كانت بملئها في مريم ولا ينقصها أي عطية من عطايا النعمة لأنها تعيش في نعمة العهد الجديد (1 كورنتس 1: 1-6).

ماذا نقول، انها كانت ممتلئة بالنعمة بالكلمة الالهية التي نزلت فيها كبذرة في أرض خصبة مهيئة نقية، لكن هذه البذرة هي أكبر من الحقل وهي ستحيي الحقل والعالم كله، كما يقول الشاعر الايطالي: "هي ابنة ابنها، أو بتعبير آخر، ان يسوع هو أبوها وابنها، خالقها ووليدها، نعم ان في مريم تجتمع المتناقضات حتى تنسجم بخيوط التدبير الالهي، كما انسجمت خيوط الطبيعة الالهية والانسانية في هيكل واحد في أحشائها. إنها الممتلئة نعمة أي أن الله يكاد أن يتجلى بها كما في طابور وكما قال يسوع للراهبة بنينيا، انه يحيا فيها بشكل يكاد ان يتكلم ويتحرك فيها كأنه بناسوته الخاص، هكذا نقول ان ملء النعمة هو ملء الكلمة أي ملء حضور اللاهوت بالناسوت اذن مع فارق انه لا يمس حريتها وارادتها. بينما التجسد يجعله حاضرا في ناسوت آخر أي في جنين يتكوّن في الاحشاء ويكون طريقا ومجالا ليتجلى للبشر، أي التجسد، ويمكننا ان نتصور ان الكلمة الالهية كان يحيا بمريم وبجسده بطريقة متشابهة إلى حد انه ان كان يريد شيئا فانه يحققه بمريم كما يحققه بجسده لان استسلامها واتحاد ارادتها بالله كانا مطلقين اذا جاز التعبير.

 

الرب معك 

"الرب معك" هذا التعبير بيبلي، نجده في العهد القديم مع موسى مثلاً (خروج 3: 12)، و (هوشع 1: 5-9)، و (إرميا 1: 8) إلخ …

سأكون معك في رسالتك، وهذا بالدرجة الأولى. إذاً المهمة المدعو لها الشخص كان الرب يؤكد إنه سيكون معه فيها، يعني انه لن يصيبه أي مكروه، ولن يتغلب عليه عدو، وان هذه الرسالة ستكلل بالنجاح ويحقق الرب بواسطته ما يريد.

ولكن هناك أكثر من العهد القديم، الله كان مع مريم ليس فقط من أجل مهمة بل في هدف الأمومة. فإذاً ليس فقط هدف رسالة إنما الهدف الأساسي هي الأمومة، سيولد منها كلمة الله. وهنا عظمة سرّ مريم.

أيضا الرب معك، هي جواب من الله لسؤال كان يطرحه الإنسان منذ القديم، هل الله معنا ام لا؟  خاصة عند المصاعب نرى يعقوب عندما كان ذاهبا إلى لابان رفع صلاته "إِنْ كَانَ اللهُ مَعِي، وَرَعَانِي فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ …" والشعب الاسرائيلي عند مسة ومريبة صرخوا «هَلِ الرَّبُّ فِي وَسْطِنَا أَمْ لاَ؟» هنا الرب يؤكد انه معها، لا بل من خلالها سيكون الرب مع شعبه الجديد كله، وهذا الحضور لن يبقى حضورا روحياً. لقد كان الرب دائما مع شعبه خاصة من خلال أنبيائه وقديسيه، وسيكون معنا اليوم من خلال مريم ام الكنيسة. 

لقد اختصر أحد مفسري الكتاب المقدس بكلمة " AVEC " أي " مع" هذه المعية هي بين الله والانسان يحاول الله منذ خروج آدم من الجنة ان يقيم العهود من نوح إلى موسى إلى يسوع، ليحقق الاطار المناسب لبقائه من الإنسان، في الجنة نراه يتمشى مع الإنسان وفي آخر الازمنة نراه في سفر الرؤيا أنه سيكون هو نور المدينة المقدسة تعبيرا عن حضور القريب والدائم، هذه ال "مع" هي من صلب طبيعة الله، فالله هو ثالوث، لم يكن ولن يكون يوما ما إلا المَع، فالآب مع الابن والابن مع الآب والروح..

هذه المَع هي حضور محب للآخر، واعي وقريب، يبنيه، لا بل يشترك معه في كل شيء، فاذا كان الله بطبيعته يحيا المَع، فانه باقترابه من الإنسان لن يكتفي بصداقة غير متكافئة أي هو اللامحسوس واللامحدود بالمقابل مع المحسوس والمحدود والمتألم … أيضا ان الله لا يصنع امرا إلاّ كاملاً وعلاقته ستكون دائما كاملة فلن يتوقف عند حدود تجعله بمنأى عن أن يُطال، يُلمس أو أن يعرف، هذه المَع سيسير فيها حتى النهاية أي سيصير انساناً، مشاركا كل إنسان لا بل آخر رتبة من الناس سيشاكها الصليب.

 

مباركة انت في النساء

لوقا عندما يتكلّم على البركة يستذكر تاريخ البركة كله في العهد القديم، الله يبارك 5 بركات اولى عند الخلق: يبارك الحيوانات، والانسان، والسبت، وآدم، ونوح، ثم من إبراهيم الذي وعده الله أن تتبارك به جميع عشائر الأرض (تكوين 12: 2-3) إلى بركة الله لاسحاق (التَّكْوِينِ:الفصل25:آية11) وبركة اسحاق لابنه يعقوب (تك 27: 27) وبركة الملاك ليعقوب (تك:32: 28)، موسى يبارك شعبه (خر33 : 1)، واللاويين يباركون الشعب (أَخْبَارِ الأَيَّامِ الثَّانِي:الفصل30: آية27) وبلعام النبي يبارك الشعب، وداوود يبارك أبيجال امرأة نابال (صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ:الفصل25:آية27) وصولاً إلى البركة النهائية في المسيح، والقول بأن مريم هي مباركة يعني إنها تستجمع في كيانها كل بركات الله بفعل حضور الإبن في حشاها، والإبن هو نفسه أيضاً مبارك.

في الشعانين الجموع ستستخدم العبارة نفسها "مبارك الآتي باسم الرب".

يسوع أيضاً استخدم هذا التعبير عندما يصف مجيئه الثاني يقول "لن ترونني من الآن حتى تقولوا مبارك الآتي باسم الرب" (متى 23: 39).

إذاً كلام أليصابات مرتبط بحقيقة المسيح وملكوته الآتي. ولقب "مبارك هو تعبير مرادف لله نفسه (هذه ذهنية اليهود) مثلاً رئيس الكهنة سأل يسوع في (مرقس 14: 61): "أنت هو المسيح إبن المبارك؟". وهذا يعود إلى أن العهد القديم نفسه كان يطلق هذا البُعد على الله مثلاً (تكوين 14: 19-20): "مبارك الله العلي الذي أسلم أعدائك إلى يدك". نجد أيضاً في (يهوديت 13: 18): تنال البركة من العلي فوق جميع النساء اللواتي على الأرض. مريم تُبارك على مثال يهوديت لأنها ستحمل المسيح لأنه سيخلّص أيضاً شعبه، وتبارك على مثال أبيجال امرأة نيبال التي نالتها لأجل حكمتها ولانها منعت داوود من سفك الدم، يمكن ان نقول ان مريم هنا تمثل أبيجال المملؤة من الحكمة، وهي تجنب بشفاعتها المؤمنين من الخطيئة، وهي المباركة نسبة إلى المبارك أي انها تخص الله وحده، وليس آخر وهذا تلميح على نذرها حياتها له ولابنه ولرسالته. إنها الأرض التي تفيض لبن النعمة وعسل الروح القدس الذي وعدنا به الرب أحبائه وهي نالته وأصبح تفيض منه. إنها الدرب إلى الحياة التي أشار اليها موسى فلا أحد يتبعها فيضل، لا أحد يسمع كلامها الا وتمتلئ أجاجينه من الخمر الالهي. هي الطريق إلى ابنها الطريق الحياة.

 

مبارك ثمرة بطنك سيدنا يسوع المسيح

"مَنْ أنا حتى تجيء إليَّ أم ربي؟" : هل هنا كلمة "ربي" تعني الرب Le Seigneur.

ماذا قصدت أليصابات عندما قالتها؟؟؟ هل قصدت الرب أو السيد؟ من هنا اعتبر اللآهوت الكاثوليكي أن هذا التعبير "أم ربي" هو مقدمة لإعلان "تيوتوكوس Théotokos وسنتكلم عليه لاحقا، أما كلمة "سيدنا"، تعني الرب، كما ذكرت اليصابات، والمزمور110 "قال الرب لسيدي" فالرب هو ثمرة أحشاءها، أي انه الحياة كما تعطي المرأة الحياة بولادتها الطفل كذلك مريم تعطينا الحياة الالهية بولادتها الكلمة، إنها تحمل الحياة الإلهية التي لا تتوقف عند شخص أو إنسان بل تنتشر وتتفجر حياة للحياة الابدية. وكلمة يسوع المسيح كما كشف هو عن ذاته وكما دونت الأناجيل انه هو المشيح المنتظر هو رجاء اسرائيل وكل مؤمن في العهد الجديد، ويقول الكتاب على اسمه تتوكل الشعوب، وبطرس يقول "وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ، إِذْ لَيْسَ تَحْتَ السَّمَاءِ اسْمٌ آخَرُ قَدَّمَهُ اللهُ لِلْبَشَرِ بِهِ يَجِبُ أَنْ نَخْلُصَ!" أَعْمَالُ الرُّسُلِ:الفصل4: آية12، هكذا بقوة اسم يسوع كان الرسل يشفون المرضى، قَالَ بُطْرُسُ للكسيح: «لاَ فِضَّةَ عِنْدِي وَلاَ ذَهَبَ، وَلَكِنِّي أُعْطِيكَ مَا عِنْدِي: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ!» أَعْمَالُ الرُّسُلِ: الفصل3  وهذا الاسم سيتمجد بسبب ما يتحقق بواستطه "وَتَمَجَّدَ اسْمُ الرَّبِّ يَسُوعَ" أَعْمَالُ الرُّسُلِ:الفصل19:آية17، بعد حادث طرد الشيطان، ان الاسم يدل على صاحبه، على هويته، على ميزته، كما ان الاسم في الكتاب المقدس، يعني الشخص، فمن يطلق اسم على آخر فهو يتمتع بسلطة عليه كالابوين مثلاً، وآدم عندما سمى الحيوانات، ويعقوب عندما صارع الله (الملاك) طلب منه ان يعرف اسمه قال له "لماذا تريد ان تعرفه" أي لا يعنيك ذلك أو لا تستيطع ان تستوعب ما هو الله، لن تستطيع ان تتحكم بقرراته ومواقفه اذ تطلبه عندما تشاء كي يتدخل، وموسى طلب من الله ان يقول له اسمه، فرد عليه ان اسمه "انا هو الذي هو"، يعني من لا تعرفه الا بما يحققه، لن تستطيع ان تعرفه… هنا نستطيع ان نقول انه "هو الذي هو صار جسدا" وأخذ اسماً فصرنا نعرفه بانسانيته، وصار قريبا منا نستطيع ان نطلبه ونفهم عليه بما اننا نلنا روحه، ان اسم يسوع المسيح ابن الله، هذا الاسم هو اسم الهي، أعطي لنا للخلاص، فهو الذي يعني "الله يخلص". بالعبرية مشتق من يشوع أي يهوه يخلص. هنا نرى كم عظيمة هذه الهبة حتى ان المسيحيين قد نالوا هم نفس الاسم أي تسموا باسمه، باسم الله أي صار خاصته، وهم يحققون  حضوره على الارض. ان الرهبان والآباء قد علموا واكتشفوا قوة اسم يسوع المخلصة والمقدسة لا بل قوة هذا الاسم الذي يحقق الاتحاد بالله بشكل كامل اذ انه الله نفسه، كانوا يواظبون على ترداد اسمه ليلاً ونهاراً، ونستطيع ان نقول اننا بصلاتنا السلام الملائكي نذكر ونردد اسم يسوع ونحقق حضوره فينا. ونجعله يدخل إلى عالمنا وتاريخنا من جديد.

 

يا قديسة مريم يا والدة الله

ان كانت هي من نالت السلام من الله بواسطة الملاك، وهي من نالت أول طوبى في العهد الجديد، وهي الممتلئة من النعمة، فاذن هي قديسة وقداستها ليست قداسة طبيعية، اذ ان القداسة تتحقق بالتشبه بالله والاتحاد به، هذا التشبه اين نجده؟ ان المسيح الكلمة المتجسد هو من يتشبه بها اذ يأخذ جسدها ويتعلم على يديها ويربى في جوها، وهنا الكلام على مستوى انسانيته، حتى انه انسانيا يتشبه بها، طبعا كل ذلك بمرافقة وحضور الروح القدس، انها بالفعل هي صورة ابنها وهو صورة أمه، وهي المتحدة بالله بحلول الكلمة بالروح القدس هذا الاتحاد لم ولن يكون مثله في تاريخ البشر، من هنا ندرك مدى قداستها.

بالنسبة للقلب والدة الله، قال نسطور يجب ان تدعى أم المسيح؟؟؟ لأن مريم ولدت شخص المسيح البشري وليس شخص المسيح الإلهي. فهي أم المسيح لأنها لم تلد الطبيعة الإلهية.

لأن الكتاب المقدس ينسب ولادة وآلآم المسيح لطبيعته البشرية وليس لطبيعته الإلهية فبالتالي مريم ولدت فقط الشخص البشري للمسيح، لذا هي أم يسوع فقط وليست أم الشخص الإلهي. من هنا يجب تسميتها أم يسوع وليس أم الله. أجابه كيرِلّس: بالمسيح شخص واحد وليس شخصان Une Seule Personne ولكن هذا الشخص الواحد عنده طبيعتين: طبيعة إلهية وطبيعة بشريّة.

والذي ولِدَ من مريم هو شخص واحد وله طبيعتان، هذا الشخص هو إبن الله، هو الله، إذن مريم هي أم الله. وهكذا قرر مجمع أفسس 431، اذن ان مجمع أفسس هو مجمعاً كريستولوجياً مرتبط بشخص يسوع المسيح وله نتائج ماريولوجيك. من هنا تحديد هوية المولود من مريم سيحدد حتماً صفة مريم ودورها وعلاقتها مع المسيح. وهنا نعرف انه لا يمكن فصل الماريولوجي عن الكريستولوجي. ما هي نتيجة هذه التسمية؟ ان أهم شيء هو وحدتها بابنها ودورها الفعال في الخلاص، هي ستكون شريكة في عمل الفداء بنوع مميز، لكنها لن تأخذ وساطة ابنها الوحيد بل هي تعمل تحت امرة ابنها ما يساعد على خلاص البشر، وتتشفع لهم منذ الآن وحتى انقضاء الدهر، تحملهم في قلبها كما طلب منها هو ان تكون أم شعبه الجديد المتمثل بيوحنا. وهنا نستطيع ان نتكلم عن شفاعتها عندما نطلب منها ان "صلي لأجلنا"

 

صليّ لأجلنا

عندما نطلب منها الصلاة لأجلنا نعلم ونؤمن بفاعلية شفاعتها، لكن ماذا يقول الكتاب بخصوص الشفاعة وخاصة شفاعتها؟

من أمومتها تصدر شفاعتها، أمومتها لنا وأموتها ليسوع، أمومتها لنا تجعلها تلاحقنا وتهتم بخلاصنا وما نحن بحاجة اليه هذا ما ظهر جليّاً في قانا الجليل، وأمومتها ليسوع تجعلها تطلب منه بثقة وبمونة الام والابنة القديسة. قال قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته "فادي البشر" رقم 22: "حب الله يدنو منّا بواسطة هذه الأم ويتخذ بذلك علامات أكثر فهماً للبشر، وهذا الحب، وهذه الشفاعة هي شفاعة ثابتة لكل مَنْ إفتداهم يسوع" (نور الأمم LG 66).

 

        الكتاب المقدس يقدّم سلسلة شواهد عن الشفاعة:

إبراهيم تشفّع لسادوم وعمورة (تكوين 18: 20-32) ولو وجد في سادوم وعمورة أشخاص أتقياء وصدّيقين كان الله مستعدٌ لأن يستجيب لشفاعة إبراهيم.

إرميا تشفّع في شعبه في حياته وفي مماته (إرميا 42) يقول راح الناس يتضرعون له إن يصلي إلى الله من أجلهم، وهو وعدهم أنه سيصلّي وسعطيهم الجواب (إرميا 42: 4).

فإرميا كان عنده علاقة مع الرب إلى حدٍّ إنه كان يصلّي ويأخذ جواب من الله ويقوله للناس. هذه هي ذروة العلاقة والثقة بينه وبين الله، فقد كان يصلي ويطلب إلى الله. والأجمل إن الرب إستجاب لإرميا (إرميا 42: 7).

بعد موته أيضاً كان يشفع لشعبه (2مكّابيين 15: 14): "هو إرميا نبي الله الذي يكثر الصلوات لأجل الشعب والمدينة المقدسة".

نجد أيضاً في (أشعيا 59: 16) أن الله كان يتشكى على عدم وجود شفعاء على الأرض يساعدونه على عدم ضرب شعبه: "تعجّب الرب أنه لا وجود لشفيع".

كذلك في (حزقيال 22: 30) "بحثت عن رجلٍ يقف أمامي مدافعاً عن الأرض فما وجدت، لذلك أصبّ عليهم سخطي.

(المزامير) تقدم شاهداً على الشفاعة (مزمور 132: 1): الشعب يطلب من الله أن يذكر إبراهيم وداود ليترأف بهم لأجلهم (إبراهيم وداود).

أيضاً شواهد في سفر (دانيال)

موسى عندما صنع الشعب تمثال الذهب وعبده.

ايليا الذي صلى لينزل المطر، وأقام ابن الارملة.

إذاً الشفاعة هي مُعطى بيبلي موجود في الكتاب المقدس، من هنا لا نستغرب اذا تشفعت بنا من اختارها أماً لتحمي وتساعد وتسهر على أبناء كنيسة ابنها.

 

نحن الخطأة

ان أهم موقف يأخذه الإنسان هو التواضع، فالعشار الذي صلى في الهيكل وتواضع وخجل ان يرفع نظره عن الارض لأنه أدرك كم هو خاطئ وكم هي عظيمة قداسة الله رجع إلى بيته مبرر كما قال الرب نفسه، أكثر من الفريسي الذي يمارس الشريعة. اذن ان التواضع يضعنا مباشرة أمام حقيقتين، الحقيقة الأولى هي صغرنا، خطايانا، حقارتنا، وما إلى ذلك، بمقابل الحقيقة الثانية، حقيقة الله اللامتناهي، القدوس، الحكيم، والرحيم، هذه الأخيرة هي الكفيلة ان تجمع الإنسان، ان تجعله يقف امام الله متوسلا المغفرة، منتظرا العون، والرحمة. ان الكتاب المقدس يقول كلهم أخطأوا وأعوزهم مجد الله، حتى لا يتزكى إنسان أمامه. كما يقول أيضا ان الله لا يريد موت الخاطئ بل ان يعود عن خطيئة  ويحيا. نعم ان الله يرفض الخطيئة لانه قدّوس، ولكنه يريد توبة الخاطئ، هنا بالاقرار نعلن قداسته على قدر ما نعي خطيئتنا، أيضا اننا بهذا الوعي نستعد ان نصلح معطوبيتنا لان المعرفة طريق للشفاء. كما نعرف ان الخطيئة هي التي أدخلت الموت والألم إلى العالم، ومريم هي التي أدخلت الحياة اليه، باقترابنا منها نفرغ ما نحمل من خطيئة، نتصفىّ، لنملء ما تحمل في قلبها أي الله. ان الاقرار يسلتزم الصدق وهو بداية الشفاء، فلا نلبس قناعا على قناع، ولا نخفي حقيقة على كذبة، الاقرار بالخطيئة هو الاستعداد لقبول النعمة التي تفيض من مريم وتتحول إلينا لتسقي نبات الفضائل فينا.

اننا عندما نذكر "نحن" في صلاتنا، نؤكد على نوع من التوبة أي الرجوع لبعضنا البعض، الإهتمام ببعضنا، هذه النحن تعيد لحمة الاخوة التي تنقطع بالخطيئة، انها تذكرنا اننا لبعض، واننا نتقدم وننمو بنفس الارض، تعلمنا ان الكنيسة هي نحن لاجل أنا وأنا لاجل نحن، انها محاولة تحقيق وصية "أحبوا بعضكم بعضا". هذه النحن تجعلنا بحق شعب الله الجديد والذي له رأس واحد يسير في طريق واحدة إلى الملكوت الواحد .

 

الآن

تعني اليوم ايضاً، وهذا يعني يوم الرب، انه حضور الرب الذي يخلص، الآن هي دعوة للغرق في اللاهوت، للخروج من دائرة الكسموس إلى الكيروس، انها هذا اللقاء بينهما. الآن يعني ان يتحقق ما تحقق بالمسيح، وما تحقق بالرسل والقديسين، حضور وقداسة الله. الآن صرخت استنجاد، انها حالة طارئة لا تحتمل التأخير والتأجيل، اذ ان نفوسنا على أهبة الهلاك تحت ضربات المجرب وتحت نير الخطيئة، وفي سكة مظلمة. انها صرخة ابناء يؤمنون بالأم.

في الكتاب المقدس يذكرها كثيراً مثلاً: عندما حضر بطرس لقيصرية قال له القائد نحن الآن على استعداد لنسمع كلام الله، عندما خلص الملاك بطرس بعد قليل قال الآن ادركت ان الله ارسل ملاكه ليخلصني، انها لحظة اكتشاف ووعي، بعد ظهور الرب لتلاميذه صاورا يشهدون له الآن أي كل يوم حتى يومنا، وبولس في خطابه لأهل أثينا، الآن يدعو الله البشر ليتوبوا، انها دعوة آنية للتوبة، عند خروج يهوذا من العلية قال يسوع الآن قد تمجد ابن الإنسان مشيراً ان المجد يتحقق ابتداء من الصليب حتى القيامة، ويقول الآن تعرفون الآب وقد رأيتموه، لان من يراني يرى الآب، انها دخول في عالم الله، انها أي مكان وكل مكان حيث نستطيع ان نتعرف على الله ونحبه بيسوع ابنه. وبما ان الآن هي تدل على يوم الرب الذي هو يوم الفصل والتمييز يوم الدينونة، فهنا نعرف انه يمكن ان تكون كل لحظة هي ساعة موتنا، فهي اذن للاستعداد من الآن لساعة موتنا ووقوفنا أمام الله.

 

وفي ساعة موتنا

هي كما قال يسوع، انها حاضرة كل آن، كل لحظة، لا أحد يعرف ساعة موته، وساعته بالعموم، أي ساعة تجربته الكبرى حيث يتأسس خلاصه أو يتم سقوطه وهلاكه، انها ساعة مجده وساعة هوانه على حسب الحالة التي يكون فيها، ان الرب يشدد علينا بعدة أمثلة حتى نكون مستعدين لاننا لا نعرف بأي ساعة يأتي السارق، المجرب، الموت، ولانكم لا تعلمون في أي ساعة يأتي العريس، أو صاحب البيت، فاذا وجدكم ساهرين أعد نفسه لخدمتكم.

اننا نطلب من مريم حتى لا تغفلنا ساعة الموت، حتى لا تكون هذه "الآن" غافلة عنا، أو بعيدين عن مفهومها، نطلب منها بما أنها حاضرة لتدرك متى ينفذ منا خمر الحياة حتى تتدخل وتنشلنا من اليأس الأخير، وحتى نكمل حياتنا في بفرح العرس السماوي، كل القديسين كانوا على استعداد لساعة الموت وكانوا يتحضرون لها كل يوم، يقول القديس انطونيوس بما معناه، اعتبر نفسك انك لن تكمل يومك هذا، وعند المساء قل لنفسك انك لن يأتي عليك الصباح، فانك ستعرف عندها كيف تتحضر للموت وكيف تعيش. حتى ان الكثير من القديسين لشدة حرارتهم بالصلوات والتوبة وذكر الموت، اضحوا ينتظرونه كما ينتظر السجين اطلاق سبيله، انهم اضحوا على موعد مع من هو الحياة بحرارة حتى تصوروا ان الموت هو العائق أمامهم لبلوغ الاتحاد بالله نذكر على سبيل المثال القديس اغناطيوس الانطاكي.

ان مريم هي حاضرة دائمة لمن يدعوها خاصة في ساعة الموت ولنا كثير من القصص التي تذكر حوادث من هذا النوع، انها حاضرة مع ابنها تنتظر وتهيئ لأبنائها يوم خروجهم ونطلب منها ان تجعلنا مستعدين "صلي لأجلنا لنستحق مواعيد المسيح".  آمين

بها نختم كل صلواتنا، وهي تعني الامانة، أمانة الله للمؤمنين به فلا يخذلهم ولا يتركهم وهو قادر بأمانته ان يوصلهم إلى ميناء الخلاص الأخير، وهي اسم الله الذي يقول "أنا الآمين" في سفر الرؤيا، فهو الامين وحده على كل ما خلق، لا أحد يستطيع ان يكون أمين على كل شيء، اذ ليس له كل شيء ولا يدركه ولا يحيط به. ان الله هو الثبات، ثبات المواعيد والخيرات، ثبات الصلاح بذاته.

انها تعني، نعم، ليكن ما قلته، كما انت تريد، ليكن كذلك، انها يقين باستجابته تعالى للفقير والمحتاج، هي جواب المؤمن لله على مشروع خلاصه، من هنا مريم عندما قال لها الملاك ستحبلين وتلدين ابنا… جاوبت فليكن لي حسب قولك، أي آمين، نعم، وهي استمرت ثابتة على هذه النعم، حتى تحت أٌقدام الصليب، انها تشبه نذرا نذرته مدى حياتها، نعم مريم تشبه إلى حد بعيد قول يسوع في البستان: "يا ابت فليكن لي حسب قولك". وفي الأبانا نقول لتكن مشيئتك، ضمنيا لا مشيتنا، في الفرح والحزن، في الألم والمجد. لقد استعدت مريم لكل ذلك بنعمها، وهي كعبد يهوه في أشعيا (42 : 52) مستعدة ان تتحمل الآمها، وبالتالي تدخل مجدها، ونحن بصلاتنا لها نقول آمين، أي علمينا كيف نسير على خطاك، قوينا لنقول نعم الآن وفي ساعة موتنا، ان نثبت في الآم حتى نبلغ المجد. معك ومع ابنك. له المجد إلى الأبد.

 

الخاتمة

تبدأ صلاتنا بالسلام التي تعني الرب، وتنتهي بآمين التي تعني الرب، فالرب هو من يحيط بصلاتنا من كل جهة، ونحن مع مريم نكون في قلب الله، وعلى جناح الروح القدس.

السلام يعني ان الآب معها هو سلامك وانتصارك هو أبوكِ، ممتلئة نعمة أي الإبن معها، مملؤة منه ومن حضوره وهي امه، الرب معك أي بروحه يظللك، يحميكي فهي عروسه المميزة، ان مريم حقا ابنة الآب وأم الإبن وعروسة الروح. وكما اننا أشرنا من خلال هذه الصلاة إلى علاقة العذراء بالثالوث نستشف ايضا حضوره من خلال هذه الصلاة مع كل مؤمن ومؤمنة.

ان هذه الصلاة هي كتاب مقدس صغير قُطع بغير يد من جبل الكتاب المقدس، وهو يحوي على غراره مختصر ايمان صغير. يبدأ الكتاب بحالة السلام في الجنة كما تبدأ الصلاة بالسلام، يحمل الوعد بالمسيح المخلص يتوسطه التجسد والفداء، ويتوسط الصلاة، ثمرة بطنها الإنسان يسوع، وهو المسيح الذي انتظره الشعب كمخلص، وهي والدة الله، أي هذا المسيح هو الله وهو إنسان وهذا هو التجسد، وهناك ذكر الموت في النهاية لكل إنسان والذي مر به المسيح على الصليب، وأخيرا يختم الكتاب بالآمين كما تختم الصلاة بآمين. وبأورشليم النازلة بالسلام من السماء هذه هي أمانة الله لوعوده، وهي الأمان الأخير نذكره بالصلاة ب "آمين" . أخيراً، كما ان الكتاب المقدس يتضمن مشروع الخلاص وصلاة مريم هي صورة عن الكتاب فهي اذن صورة عن مشروع الخلاص، وهكذا فكل مرة يردد المؤمن هذه الصلاة يتقدم خطوة في تحقيق مشروع خلاصه.

 عن موقع عيلة مار شربل