منطوق الدين في مفهوم المعاملات: القمص جبرايئل جرجس الأحمر

مقدمة

 بادر الله في التواصل مع الإنسان بكلمته الحية. ( لو 20 : 28 ) " وكان الشعب كله يأتي إليه بكرا في الهيكل ليستمع إليه " ويوجه كلمته إلى الإنسان صنعة يديه. (أي 10 : 3 ) والذي خلقه لكي يكون قادرا على التجارب معه والدخول في علاقة مع خالقه وتصاحب كلمة الله الإنسان حتى نهاية غربته على الأرض.

 ومهمة الكنيسة هي توصل الإنجيل إلى الناس أجمعين ( مر 16 : 15 ) لذالك تلتقي بأتباع الديانات الأخرى ومع كتبهم التي يعتبرونها مقدسة ومفهومهم عن كلمة الله. ولأننا نؤمن بأن جميع البشر مخلقين على صورة الله، نؤمن ايضا أن علاقة الإنسان بالله الآب لا يمكن أن تنفصل عن علاقته بأخوته البشر، فالعلاقتان مرتبطان ارتباطا وثيقا عبر عنه الكتاب المقدس بقوله: "من لا يحب فأنه لا يعرف الله" (1يو 4: 8 ). وهذا يهدم أسس كل نظرية أو سلوك يفرق بين الناس وبين امة وأمة فيما يخص الكرامة الإنسانية والحقوق المنبثقة عنها.

 

الكنيسة الكاثوليكية :

 تستنكر الكنيسة كل تفرقة وكل عنف يقع على الناس بسبب الجنس أو اللون أو الطبقة أو الدين فذلك يخالف روح المسيح.

 

وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني :

 في علاقة الكنيسة بالديانات جاء في المقدمة هذا التصريح : "الكنيسة تمعن النظر في رسالتها الرامية إلى تعزيز أواصر الوحدة والمحبة بين البشر والشعوب. وتدفعهم أن يحيوا معا نصيبهم المشترك. فا لشعوب كلها جماعة واحدة، أصلها واحد، اسكنها الله وجه الأرض كلها. ( أع 17 : 26 ) "فقد صنع جميع الأمم البشرية من أصل واحد، ليسكنوا على وجه الأرض كلها، وجعل لسكناهم أزمنة موقوتة وأمكنة محدودة، ليبحثوا عن الله لعلهم يتحسسون ويهتدون إليه، مع أنه غير بعيد عن كل منا" البشرية كلها تتجه نحو غاية واحدة هو الله، الذي يشمل الكل بعنايته وبأنات لطفه تدابير الخلاص، ( حكمه 8 : 1 ): "الحكمة بقوة تحكم الكل، من طرق إلى طرق، وبعذوبة تدبر كل شيء ". حتى يجتمع المختارون في المدينة المقدسة التي يضيئها مجد الله، وفى نوره تسلك الشعوب جميعا.

 

موقف الكنيسة الكاثوليكية إزاء المبادئ الإسلامية :

 نلاحظ أن الوثيقة التي تتناول الحديث عن الديانات غير المسحية. تبدأ بالأديان التي ليس لها صلة قريبة بالمسحية مثل الهندوسية والبوذية، وتنتهي بالحديث عن اليهودية ثم الإسلام كأديان ذوى صلة بالمسحية.

 وجدير بنا أن نمعن النظر فيما تعلنه الكنيسة الكاثوليكية عن موقفها إزاء المبادئ الإسلامية الأساسية في وضوح ودقه، فهي تبدأ احترامها للمسلمين، إذ يعترفون بالإله الأحد القيوم الرحمن القدير فاطر السماء والأرض _ إله إبراهيم وإله الوحي الذي كلم البشر. ويشير النص إلى تسليم المسلمين لأحكام الله الحقيقية وقضائه، وإن كان المسلمون لا يقرون بإلوهية المسيح، غير أنهم يجلونه نبيا ويكرمون أمه مريم العذراء، ويعترفون بالبعث ويوم الحساب .ولآخرة، وفى سلوكهم العملي يجهدون لاكتساب مكارم الأخلاق. وتنتهي هذه الفقرة بنداء يناشد المسلمين والمسحيين: بأن يطووا صفحات الماضي التي حوت حقدا وضغينة، وأن يتضافروا لتدعيم العدالة والقيم الأخلاقية والحرية لجميع الناس.

 

التعاون المسيحي الإسلامي :

مفهوم أكيد ودعوى نابعة من الاقتناع المشترك بين المسحيين والمسلمين. أكدها الأب د. كريستيان فان نسبين في محاضرة ألقاها عام 1999 في الملتقى الدولي حول الإسلام والدراسات المستقبلية المنعقد بمدينة وهران بالجزائر.

قال فيها :إننا جميعا مسلمين ومسيحيين نرى في الله – الذي هو خالق الكون بكل ما فيه ورب البشر (رب الناس، إله الناس، ملك الناس). كما يقول القرآن الكريم – الأساس لعالم يليق بالإنسان والغاية لكل تجديد يخدم حقيقة بناء الإنسان ويحترم كرامته. فالله هو أساس إيماننا جميعا، مسيحيين ومسلمين – مهما كانت الاختلافات في فهم كلانا للطبيعة الإلهية.

إن هذا الإيمان الذي نلتقي فيه رغم الاختلاف هو إيمان بالإله الحي القيوم. الأحد الواحد، الخالق، الرحيم، والذي يهتم بالبشر. ويريد من كل منا، كل بحسب اعتقاده وضميره، أن يتجاوب باسم هذا الإيمان، تجاوبا حياتيا مع دعوة الله تعالى للإنسان. ولإيماننا بالله هذا- وصفاته تعالى المذكورة في رؤيتنا جميعا – نتائج في الحياة الاجتماعية ومجهودنا البشري.

 

المشاركة :

 ينتمي البشر لمختلف الأديان والأجناس والبلاد، وكل واحد منا هو جزء من كل البشرية. كل فرد وكل جماعة لها مواهبها. مهم جدا أن نعى أننا جميعا من جنس بشرى واحد وأن لدى كل واحد شيء يأخذه من الآخرين وشيء بقدمه للآخرين. أن الانتماء الأساسي لكل واحد منا هو الأساس المشتركة. قبل انتمائنا لبلد ما، لدين أو لجنس، نحن ننتمي بعضنا لبعض كبشر، نحن جميعا رجال ونساء لدينا نفس الاحتياجات الأساسية وهى أن يُعترف بنا، أن نُحترم ونكون محبوبين. نحن في حاجة أن نشعر بأننا مهمين في نظرالآخرين. إن قلوبنا جميعا قابلة للجرح. لدينا جميعا صعوبات في إقامة علاقات. نحن جميعا مدعوون للنمو في حب وقبول الآخرين.

 كل واحد فينا جزء من البشر، كل واحد منا مهم وثمين بالنسبة لله بالنسبة للعالم. لقد خلقنا الله لمحبته ولنحب الآخرين. ولكن كثيرا ما ننسى انتمائنا الأساسي وبالعكس نعتقد أن بلدنا، ديننا، وجنسنا هي الشيء الوحيد الحقيقي، نعتقد أننا أفضل من الآخرين. نحتمي من الآخرين خلف أسوار الذاتية والكبرياء، ننظر للآخرين من فوق كما لو كانوا أقل منا.

 

في الختام : رجاء ومناشدة –

 كيف يمكنا أن نتحرر من مخاوفنا، من تعصبنا وعدم فهمنا لأحكام الدين الذي ننتمي إليه ؟  كيف يمكننا أن نكون صانعي سلام ووحدة ؟

 الرجاء : الإجابة على هذه الأسئلة تصفح كتبك المقدسة وأحكامها ومنطوقها للمعاملة مع ألآخر

 وعلى هذه المناشدة يشير المجمع الفاتيكاني الثاني ويترسم خطى الرسولين القدسيين بطرس وبولس اللذان يناشدان أبناء المسيح …."ليكن تصرفكم بين الأمم حميدا "( 1بط 5: 2 ) ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا وسالموا جميع الناس …. فتكونوا حقا أبناء الآب الذي في السموات.

 

 القمص جبرايئل جرجس الأحمر