اللقاء الديني في نابولي وصراع الحضارات

مقابلة مع مؤسس جماعة سان إيجيديو

روما، 24 أكتوبر 2007 (ZENIT.org)

إن الحوار الديني البيني الذي أجري في نابولي بتاريخ 21-23 أكتوبر هو رد على صراع الحضارات، وفق ما أكده البروفسور أندريا ريكاردي، مؤسس جماعة سان إيجيديو.

يكمن هدف الاجتماع الذي افتتحه قداسة البابا السادس عشر يوم الأحد الماضي في تزكية "روح أسيزية"، أي أول يوم صلاة للممثلين الدينيين الرفيعي المستوى الذي نظم في مدينة القديس فرنسيس في27 أكتوبر 1986.

إن موضوع هذا اللقاء الدولي الذي يجمع أعلى السلطات الدينية هو: "من أجل عالم دون عنف، ديانات وثقافات في حوار".

في مقابلة أجرتها معه وكالة زينيت ، اعتبر أندريا ريكاردي أن كتاب سامويل ب. هانتغتون حول صراع الحضارات يجب أن "يؤخذ على محمل الجد".

"لقد تفاجأت بمدى انتشار هذا الكتاب في العالم العربي وبإعجاب بعض الأوساط المتطرفة به، ربما لأنه يروي ما يريد الكثيرون سماعه: هل أصبح هذا الصراع محور حياتنا؟ هل ما جرى في 11 سبتمبر دليل قاطع على صحة ما قاله هانتغنتون؟"

"أظن أننا نمر بمرحلة صعبة لكن في هذا السياق الصعب، من واجبنا تحمل مسؤولية اختراع نموذج أو إخراجه من الواقع الذي نعيشه. وأنا أعتبر أن هذا النموذج هو حضارة العيش معاً".

وهو موضوع خصص له البروفسور ريكاردي كتاباً بعنوان "العيش معاً" (التعايش) في دار نشر "لاتيرزا".

وأضاف: "هناك العديد من الحضارات والديانات المختلفة. ولا يوجد حضارة عالمية ولن تساعد العولمة في إيجاد مثل هذه الحضارة".

"إن كتابي يركز على عملية العولمة في وجه يقظة هويات الماضي. ففي وجه العولمة، جميعنا عراة، لذلك نريد ارتداء الملابس والتباهي بألواننا".

"الهويات موجودة والحضارات موجودة والثقافات موجودة والأمم موجودة والأديان لا تنجلي. لكن كيف لم تتمكن الدنيوية من الانتصار؟ العالم ليس فرنسا كبيرة حيث يوجد حداثة أكثر وديانة أقل".

واعتبر البروفسور: "إن الحاجة للتدين هي حاجة ملحة في كل مكان، حتى في أوروبا. إذاً، المشكلة لا تكمن في تدمير الهوية بل في العيش معاً".

"أنا أظن أن العلمنة نموذج تعايش يهم بعض البلدان فقط: فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال وبعض الدول الأخرى. إنه نموذج مثير للاهتمام لكني مقتنع أن الفصل بين العلمانيين والمؤمنين ليس بالحركة الذكية في البلدان الأوروبية لأني أعتبر أن بلداننا تحتاج إلى "العودة إلى المصدر" كما يقول الفرنسيون، أي العودة إلى الأصل، إلى مصادر حوارهم الديني الشخصي".

وفقاً لأندريا ريكاردي، "إن التقسيم على مستوى الحوار الديني هو الغباء بعينه". فهو يعتبر أنه من الضروري "أن ندرك أن الحياة الدينية هي أحد المكونات الرئيسية في هويتنا. ولكنها ليست المكون الوحيد طبعاً".

نجد الجواب الشافي في "حضارة العيش معاً"، أي "القدرة على عيش عدة عوالم مختلفة معاً والانصهار فيها".

وذكر البروفسور قائلاً: "أنا أتحدث منذ عدة سنوات عن مزج الثقافات الذي ولد في المكسيك في مرحلة العولمة الكبرى الأولى التي مثلها فتح أميركا".

وأضاف أن هذا التعايش يعتمد على الحوار، "الحوار الذي لا يريد التفوه بعبارة ’فقدان الهوية‘".

"لا يوجد حوار بلا هوية. بالتالي، الحوار يتطلب هوية قوية والتحاور ليس بحد ذاته هوية. إذا تحاورنا أنا وأنت معاً فلأنك تمثل شيئاً بالنسبة لي ولأني أمثل شيئاً بالنسبة لك."

وأضاف: "كل شخص منا يحمل في داخله عدة هويات. أنا كاثوليكي وأحدد نفسي على هذا الأساس لكني أحمل في داخلي الإرث العلماني؛ إن كياني المسيحي مطبوع ضمنياً بالتقليد اليهودي وتجربة التواصل مع ثقافة علمانية واشتراكية، وهكذا دواليك".

"يختار بعضنا ماذا يريدون أن يكونوا لكن النقاوة في هذه الهوية مجرد أسطورة وغالباً ما تكون أسطورة خطيرة. إن الأسطورة التي اخترعها المتطرفون خطيرة. التطرف تبسيط كبير".

هذا هو السبب الذي يدفع أندريا ريكاردي لمعارضة "النسبية" التي ترفض كل حقيقة.

"النسبية تعني عالماً بلا تاريخ، عالماً لم يتعلم دروس تقاليده وأصوله. هذا برأيي هو النقطة الجوهرية".

وختم البروفسور بقوله: "إن ضلال الحداثة الأوروبية يكمن في واقع رفضها تعلم دروس الماضي، بينما من واجبنا القيام بذلك. وغالباً ما تكون مسألة النسبية متعلقة بالحوار المبني بين الجدران الأربعة لمختبر ما".