الحرية الدينية ليست واحدة من بين الحقوق الإنسانية، بل هي أبرزها

بحسب الكاردينال ترشيسيو برتوني

فاريزي، 5 نوفمبر 2007 (ZENIT.org).

 

ألقى الكاردينال ترشيسيو برتوني، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، محاضرة حول موضوع الحرية الدينية في إطار مؤتمر "الحرية الدينية هي ركيزة أوروبا الجديدة"، الذي عقد في أواسط أكتوبر المنصرم في المركز العالي للدراسات الدينية التابع للمؤسسة الأمبروسية "بولس السادس"، في منطقة فاريزي (إيطاليا).

  انطلق الكاردينال من الإعلان المجمعي "الكرامة الإنسانية"، الصادر عن المجمع الفاتيكاني الثاني، مشيرًا إلى أن الوثيقة لم تنقض تعليم الكنيسة السابق بشأن الحرية الدينية بل قامت بتعميقه.

  وانطلاقُا من الوثيقة أشار إلى أن الحرية الدينية "ليست فقط واحدة من بين الحقوق الإنسانية، بل هي أبرزها". وهي الأبرز، لأن "الدفاع عنها، كما بيّن يوحنا بولس الثاني في 11 أكتوبر 2003، هو الوسيلة الأكيدة لضمان الحقوق الأخرى".

   وتابع أمين سر دولة الفاتيكان: "حيث توجد الحرية الدينية، هناك تنمو الحقوق الأخرى؛ وعندما تكون الحرية الدينية في خطر، تسقط الحقوق الأخرى.  لهذا السبب على الحرية الدينية أن تكون ركيزة أوروبا الجديدة من دون منازع".

 هذا وأشار الكاردينال إلى أن أوروبا تعترف شرعيًا بالحرية الدينية، من خلال شرعة حقوق الإنسان، ومن خلال الميثاق الأوروبي، ولكن ذلك لا يعني أن ممارسة هذه الحرية في أوروبا لا تعترضه مشاكل وصعوبات. ففي أوروبا، "هنالك جراح يجب تضميدها، وتقرحات يجب إزالتها وضمانات يجب منحها".

 وفي هذا الإطار استعرض الكاردينال بعض النقاط التي يجب على أوروبا أن تأخذها بعين الاعتبار بغية توطيد مناخ سليم لعيش حرية دينية فعلية. انطلق برتوني من مسألة انفتاح الشخص البشري على التسامي، معتبرًا إياها "التحدي الأكثر جذرية".

 وانتقد الكاردينال في هذا الإطار المبدأ الكانطي  القائل بتأمين الحرية للجميع، بشرط ألا يتم الإيذاء بالآخرين، واعتبر برتوني هذا المبدأ غير كافٍ، لأن تحديد الآخر يصبح أكثر فأكثر أمرًا عسيرًا.
"فالحرية تحتاج إلى ركيزة تسمح لها بأن تنمو، دون أن تعرض للخطر الكرامة الإنسانية والتعايش الاجتماعي. وهذه الركيزة لا يمكن إلا أن تكون متسامية، لأن هذه الركيزة وحدها هي "عالية" كفاية للسماح للحرية بأن تزدهر حتى أقصى إمكانياتها الإيجابية".

 لهذا "عندما يتم اعتبار الله "عظمة ثانوية"، فيجري تهميشه باسم قيم أخرى باعتبارها أكثر أهمية، تفشل كل القيم التي تعتبر سامية. ويبدو هذا الأمر جليًا من خلال الفشل الذريع الذي باءت به الإيديولوجات السياسية في القرن الماضي "التي تعدت على حقيقة الإنسان وقيدت حريته".

 على صعيد آخر، تحدث برتوني عن مبدأ التسامح بين الأديان، الذي يجب أن يرتكز على "قدسية الضمير".
فالتسامح يجب أن يتوق دومًًا إلى الخير والحقيقة، ويعتبر بالنسبة إليهما قيمة ثانوية. فإذا أصبح التسامح القيمة السميا، صار كل اقتناع بالحق يعتبر عدم تسامح.

 "كرامة الإنسان تقوم على قدرته على معرفة الحقيقة. رفع التسامح إلى قيمة مطلقة يعني التراجع عن هذه الكرامة". "وعليه، على الحوار بين الأديان أن يشجع الاحترام العميق لإيمان الآخر، والجهوزية للبحث، في ما قد يبدو غريبًا لدى هذا الآخر، عن الحقيقة التي تساعد كل إنسان على التقدم. ولكن هذا الحوار لا يجب أن يتألف من مساعدة أحدنا الآخر على أن نصبح مسيحيين أو يهود، أو مسلمين أو هندوسيين، أو بوذيين أفضل. فهذا يعني انتفاء كلي للقناعة"، ويعني "عدم اعتبار أنفسنا أو الآخرين بشكل جدي، وبالتخلي الكلي عن الحقيقة". 

 كما وتطرق الكاردينال إلى نقاط أخرى، فاستعرض موضوع "الحوار مع العقل"، و "البعد العام للحرية الدينية"، مشيرًا إلى أن "العلمانية السليمة تتطلب التمييز بين الدين والسياسة، بين الكنيسة والدولة، دون أن تجعل بذلك من الله أطروحة خاصة، أو أن تعزل الدين والجماعة الكنسية عن الحياة العامة".