الحوار المسكوني: العلاقات بين الكاثوليك وكنائس الإصلاح البروتستانتي

"يكفي أن ننظر إلى علامات الأزمنة، لنفهم أنه ما من بديل واقعي بدل الحوار المسكوني، وخصوصًا ما من بديل على الإيمان".

الكاردينال كاسبر يتحدث عن واقع العلاقات بين الكاثوليك وكنائس الإصلاح البروتستانتي

(روبير شعيب) 

 الفاتيكان، 29 نوفمبر 2007 (ZENIT.org).

 تحدث  رئيس المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين، الكاردينال فالتر كاسبر، عن العلاقات مع مختلف الكنائس والجماعات الكنسية، وبعد الحديث عن حالة العلاقات مع الكنائس الأرثوذكسية والشرقية، توقف على وضع العلاقات الراهنة مع الجماعات الكنسية التي نشأت بشكل مباشر أو غير مباشر عن إصلاح القرن السادس عشر.

  جاءت كلمات الكاردينال خلال لقاء الصلاة الذي ضم الأب الأقدس والكرادلة، قبيل الكونسيستوار العادي، نهار الجمعة الماضي.   وأشار الكاردينال على وجود "علامات مشجعة" في مجال الحوار مع هذه الجماعات التي "عبرت جميعها عن اهتمامها بالحوار".

  "وقد تم التوصل إلى نوع من التفاهم بشأن حقيقة الإيمان، وخصوصًا في ما يتعلق بالتعليم بشأن التبرير".

  كما وأشار كاسبر إلى التعاون المشترك في مختلف "الأطر الاجتماعية والإنسانية"، الأمر الذي أدى إلى انتشار "مناخ من الثقة المتبادلة والصداقة، يتميز بتوق عميق إلى الوحدة"، التي تستمر بالرغم من بعض النقاشات الحادة والخذلان الذي يبدر من الحين إلى الآخر. 

 وفي المرحلة الحالية يتم النقاش في مسائل كلاسيكية، ومن بينها بشكل خاص "الإلكيزيولوجيا والخدم الكنسية". وقد أشار كاسبر إلى أن "الخمسة أجوبة" التي أصدرها مجمع عقيدة الإيمان في يوليو الماضي قد ولد مشاعر سلبية لدى الإخوة المصلحين. وقال في هذا الصدد: "إن التوتر الذي تولد بعد الوثيقة لم يكن مبررًا، لأن النص لم يقل أي جديد، بل اقتصر على التشديد بشكل موجز على العقيدة الكاثوليكية. إلا أنه من المستحب أن يعاد النظر بالأسلوب، واللغة، وتقديم هذه الوثائق إلى العلن". 

 هذا وأوضح كاسبر أن الرؤى الإكليزيولوجية المختلفة تحمل إلى نظرات مختلفة بشأن الهدف من العمل المسكوني، ولذا فإن عدم تقاسم مفهوم مشترك للوحدة الكنسية يشكل مشكلة في الحوار، وخصوصًا أن "هذه الوحدة الكنسية هي بالنسبة لنا ككاثوليك ركيزة الشركة الافخارستية"، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبات رعوية جمة في حالة العائلات التي ينتمي فيها الأزواج إلى طوائف مختلفة.   وعلى صعيد آخر لفت الكاردينال الانتباه إلى بروز نقاط اختلاف جديدة في المجال الخلقي، في مسائل تتعلق بالدفاع عن الحياة، الزواج، العائلة، والحياة الجنسية، وتؤدي هذه الاختلافات في النظرة إلى إضعاف الشهادة العامة المشتركة، لا بل حتى إلى جعلها مستحيلة. 

 وعلى الصعيد اللاهوتي، أشار كاسبر إلى أن الكثير من اللاهوتيين البروتستانتيين قد رجعوا إلى اللاهوت الليبرالي،  – مبتعدين عن "لاهوت كلمة الله" الذي أطلقه اللاهوتي كارل بارت، في ما عرف "بالنهضة اللوثرية"، – الأمر الذي يؤدي إلى تباين كبير معهم في شأن العقائد الثالوثية والكريستولوجية.  إلا أن هناك الكثير من المصلحين والأنجليكان الذين يتمنون أن يوطدوا في جماعاتهم عناصر من التقليد الكاثوليكي، في ما يتعلق بالليتورجية والخدمة الكنسية، "وهم ينظرون بامتنان إلى مواقف البابا الواضحة، والتي امتدحوها مؤخرًا بكلمات إيجابية".

  وأخيرًا تطرق الكاردينال إلى الجماعات الكاثوليكية الحديثة العهد نسبيًا، والتي شكلت مؤخرًا "شباكًا روحية"، اجتمعت في أديار مثل شيفيتوني، بوزي، وتيزيه، إلى جانب حركتي الفوكولاري والدرب الجديد (Chemin neuf). وعلق بأنه بفضل هذه الجماعات "ينشأ إلى جانب الحوار الرسمي، الذي بات غالبًَا صعبًا، أشكال جديدة من الحوار الواعد".   واستخلص الكاردينال النتائج من هذه النظرة الإجمالية، مشيرًا إلى أنه ليس هنالك تقارب وحسب، بل هناك أيضًا قوى تشتت المسيرة نحو الوحدة، وأعطى مثل الجماعات التي تعرف "بالكنائس المستقلة"، والتي تولد بشكل كثيف في إفريقيا "وتحمل غالبًًا طابعًا عدائيًا".

  وعبر كاسبر عن رأيه بشأن هذه التعددية بالقول: "هذه التعددية، ما هي إلا مرآة لحالة التعددية التي يعيشها المجتمع ما بعد الحديث، الذي غالبًا ما يقود إلى نسبية دينية". 

 وفي الختام قال رئيس المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين: "إذا ما جعلنا خاصتنا صلاة يسوع عشية موته، لن نفقد شجاعتنا ولن يزل إيماننا.  كما يقول الإنجيل، علينا أن نكون واثقين بأن ما نطلبه باسم المسيح سنناله (يو 14، 13). أما متى وأين، فلسنا نحن من يقرر ذلك. فهذا الأمر نتركه لذلك الذي هو رب الكنيسة، والذي سيجمع كنيسته من الرياح الأربعة".   "يكفي أن ننظر إلى علامات الأزمنة، لنفهم أنه ما من بديل واقعي بدل الحوار المسكوني، وخصوصًا ما من بديل على الإيمان".

"الحوار المسكوني هو حوار الحقيقة والمحبة؛ والاثنتان مرتبطتان رباطًا وثيقًا ولا يمكن الاستعاضة بإحداهما عن الأخرى"

الكاردينال كاسبر يعرض على الكرادلة حالة الحوار المسكوني

(روبير شعيب)

 الفاتيكان، 29 نوفمبر 2007 (ZENIT.org).

 "الحوار المسكوني هو حوار الحقيقة والمحبة؛ والاثنتان مرتبطتان رباطًا وثيقًا ولا يمكن الاستعاضة بإحداهما عن الأخرى"، هذا ما قاله رئيس المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين، الكاردينال فالتر كاسبر.

جاءت كلمات الكاردينال خلال لقاء الصلاة الذي ضم الأب الأقدس والكرادلة، قبيل الكونسيستوار العادي، الأسبوع الماضي.

وقد أراد الكاردينال، في مطلع حديثه أن يبين أن ركيزة الحوار المسكوني، "والذي يجب تمييزه عن الحوار بين الأديان"، هي "الوصية التي تركها يسوع عشية موته: " Ut unum sint " (ليكونوا واحدًا) (يو 17، 21). كما وذكر أن المجمع الفاتيكاني الثاني قد اعتبر تعزيز وحدة المسيحيين "كإحدى مهماته الأساسية" (وحدة المسيحيين 1)، و "كدفع من الروح القدس" (المرجع نفسه 1؛ 4).

كما وأشار الكاردينال أن البابا يوحنا بولس الثاني قد صرح أن "الحوار المسكوني هو مسيرة لا رجوع فيها إلى الوراء"، وأن بندكتس السادس عشر، من ناحيته، قد "أخذ على عاتقه كمهمة أولوية، العمل بجد مستمر على إعادة بناء الوحدة الكاملة والظاهرة بين كل أتباع المسيح"، وهو يقين بأن إظهار النيات الحسنة لا يكفي، بل "ينبغي القيام بأعمال حسية تدخل في النفوس، وتحرك الضمائر، وتحث كل الأشخاص إلى ارتداد داخلي، هو مبدأ كل تقدم في سبيل الحوار المسكوني".

وحذر الكاردينال من اعتبار الحوار المسكوني نوعًا من "النسبية الكنسية"، مذكرًا أن "الحوار المسكوني هو حوار الحقيقة والمحبة؛ والاثنتان مرتبطتان رباطًا وثيقًا ولا يمكن الاستعاضة بإحداهما عن الأخرى"، مذكرًا أن هذه المبادئ يجب احترامها كونها متضمنة في "الدليل المسكوني" الذي صدر عام 1993.

نتائج الحوار المسكوني وبالكلام عن نتائج الحوار المسكوني في العقود الأخيرة، عبر الكاردينال عن رضاه لأن ثمار الحوار لم تقتصر على الوثائق المشتركة التي أصدرتها الكنائس والجماعات الكنسية، بل "الأخوّة التي تم إيجادها من جديد، وأننا اكتشفنا، من جديد، أننا إخوة وأخوات في المسيح، وتعلمنا أن نقدر بعضنا البعض، وبدأنا المسير سوية في درب الوحدة". وتابع بالقول أننا إذ نلحظ أن موقف الحماسة الأولية قد تداخل فيه موقف اعتدال ويقظة فإنما هذا دليل لنضج الحوار المسكوني.

ثلاثة أبعاد وأشار كاسبر أننا نستطيع أن نميز بين 3 أبعاد للحوار المسكوني.

البعد الأول يتعلق بكنائس الشرق العريقة واكنائس الألفية الأولى الأرثوذكسية، "التي نعترف بأنها كنائس بحد ذاتها، من الناحية الإكليزيولوجية، لأنها حافظت مثلنا على الإيمان والخلافة الرسولية" البعد الثاني يتعلق بالجماعات الكنسية التي ولدت بشكل مباشر أو غير مباشر عن إصلاح القرن السادس عشر. "لقد أنمت هذه الكنائس إكليزيولوجيتها الخاصة مرتكزة على الكتاب المقدس".

وأخيرًا، هناك موجة ثالثة، وهي الحركات المواهبية والبنتكوستالية، التي نشأت في مطلع القرن العشرين، وقد انتشرت في مختلف أنحاء العالم، وهي بنمو متصاعد". ولذا، أشار الكاردينال، على الحركة المسكونية أن تأخذ بعين الاعتبار واقعًا متنوعًا، وبيئات ثقافية مختلفة.

بالحديث عن الكنائس الأرثوذكسية، ذكّر الكاردينال بالاتفاقات التي توصلت إليها الكنيسة الكاثوليكية مع الكنائس الأرثوذكسية في عهد البابا بولس السادس والبابا يوحنا بولس الثاني، متخطية النزاعات الكريستولوجية القديمة العائدة إلى مجمع أفسس (381).

في المرحلة الثانية، تركز الحوار في السنوات الأخيرة على الإكليزيولوجيا، أي حول "مفهوم الشركة الكنسية وركائزها"، وأشار رئيس المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين أن اللقاء المقبل سيعقد في دمشق من 27 يناير إلى 2 فبراير 2008.

هذا وذكر الكاردينال أن الخطوات الأولى في الحوار بدأت بين البابا بولس السادس وبطريرك القسطنطينية أثناغوراس، مشيرًا إلى "سفر المحبة" وإلى إلغاء الأحرام المتبادلة التي فرقت بين الكنيستين طوال الألفية الثانية، انطلاقًا من عام 1054.

وذكر الكاردينال بتدهور العلاقات الذي نتج عن ظهور الكنائس الشرقية الكاثوليكية العلني، والذي أدى إلى عودة مسألة "الدمج" الأمر الذي أدى إلى تردي وضع الحوار المسكوني مع الكنائس الأرثوذكسية، وتطلب التوضيحات التي أعطيت في البلمند (1993)، وفي بالتيمور (2000). وقد باشر الحوار المسكوني التقدم من جديد انطلاقًا من عام 2006، في لقاء بلغراد، ومن ثم في لقاء رافينا الذي عقد مؤخرًا.

وقد شكلت وثيقة رافينا، الذي عنوانه "النتائج الإكليزيولوجية والقانونية لطبيعة الكنيسة الأسراري"، نقطة تحول بارزة. فقد كان المرة الأولى التي يعترف به المحاورون الأرثوذكس بتقدم أسقف روما بحسب تقليد الكنيسة القديمة. كما وعبر كاسبر عن تفاؤله بشأن العلاقات مع بطريركة روسيا الأرثوذسية، مشيرًا إلى أن العلاقات تسير نحو "ذوبان جليد" بين الكنيستين".