عظة البابا إبان زيارته لمستشفى القديس يوحنا المعمدان في روما

الفاتيكان، 3 ديسمبر 2007 (ZENIT.org).

 ننشر في ما يلي العظة التي تلاها البابا بندكتس السادس عشر أثناء احتفاله بالقداس الإلهي أثناء زيارته لمستشفى "القديس يوحنا المعمدان" في روما، التابع لفرسان مالطا، نهار الأحد 2 ديسمبر 2007.   * * *   أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!   "لنذهب بفرح إلى لقاء الرب". تعبر جيدًا هذه الكلمات التي رددناها في لازمة مزمور القراءات عن المشاعر التي تملأ قلبنا في هذا اليوم، الأحد الأول من زمن المجيء. الدافع الذي يحثنا على المضي قدمًا بفرح، تجاوبًا مع دعوة الرسول بولس، يكمن في أن خلاصنا بات وشيكًا الآن.   الرب آتٍ! بهذا الوعي نبدأ مسيرة زمن المجيء، ونستعد للاحتفال بإيمان بحدث ميلاد الرب الفائق الطبيعة. خلال الأسابيع المقبلة، ستقدم لنا الليتورجية يومًا بعد يوم، نصوصًا للتأمل مستقاة من العهد القديم. تردد هذه النصوص صدى الشوق الحي والمستمر الذي واكب انتظار الشعب العبراني لمجيء المسيح. ونحن أيضًَا، إذ نعيش اليقظة في الصلاة، نسعى لكي نعد قلبنا إلى قبول المخلص الذي سيأتي ليظهر لنا رحمته وليمنحنا خلاصه.   وبما أنه وقت انتظار، زمن المجيء هو أيضًا زمن الرجاء، وقد أردت أن أكرس للرجاء المسيحي رسالتي العامة الثانية التي تم تقديمها أول أمس بشكل رسمي: تبدأ الرسالة بالكلمات التي يوجهها القديس بولس إلى مسيحيي روما: " Spe salvi facti sumus – بالرجاء خُلّصنا" (8، 24). وقد كتبت في الرسالة أننا "نحتاج إلى مختلف أنواع الرجاء – الرجاء الصغير والرجاء الكبير -، التي تمكننا من متابعة المسيرة يومًا فيوم. ولكن من دون الرجاء الكبير، الذي يجب أن يتخطى سائر أنواع الرجاء الأخرى، هذه الأخيرة لا تكفي. وهذا الرجاء الكبير يمكننا أن نضعه في الله وحده، الذي يغمر الكون والذي يستطيع أن يعرض علينا وأن يمنحنا ما لا نستطيع أن ندركه بمفردنا" (عدد 31).

  فلتحركنا الثقة بأن الله وحده يستطيع أن يكون رجاءنا الوطيد، نحن المجتمعين هذا الصباح في هذه الدار التي تجابهون فيها الأمراض، مدعومين بالتعاضد. وأود أن أغتنم فرصة زيارتي لمستشفاكم، الذي تديره منظمة الفرسان الإيطاليين من فرسان مالطا، لكي أعطي بشكل رمزي الرسالة العامة إلى الجماعة المسيحية في روما، وخصوصًا، إلى الذين على مثالكم يعيشون لقاءً مباشرًا مع المرض والألم. هذا هو النص الذي أدعوكم إلى التعمق به، لكي تجدوا فيه  ذلك "الرجاء الأمين، الذي بفضله نستطيع أن نواجه حاضرنا:… حتى ولو كان متعبًا" (عدد 1).

  أيها الإخوة والأخوات، "إله الرجاء، الذي يملأنا بكل فرح وسلام في الإيمان بقوة الروح القدس، فليكن معكم جميعًا!". بهذا التمني الذي يوجه الكاهن إلى الجماعة في مطلع القداس الإلهي، أحييكم تحية قلبية. 

 أحيي، في المقام الأول، الكاردينال كاميلو رويني النائب الرسولي، والكاردينال بيو لاغي، مدبر فرسان مالطا، أحيي الأساقفة والكهنة الحاضرين، وأحيي الراهبات اللواتي يقمن بالخدمة هنا. أحيي بوقار سمو الأخ أندرو برتي، الأمير والمعلم الأعلى لفرسان مالطا، وأشكره لأجل تعابير العطف التي وجهها إلي باسم الهيئة الإدراية، والصحية، وباسم من يقوم في الخدمة في هذا المستشفى.  أشمل بتحيتي السلطات الكريمة، وبشكل خاص أوجه فكري إلى المدير الصحي، كما إلى ممثل المرضى، الذين أشكرهم لأجل الكلمات التي وجهوا لي في بدء الاحتفال.

  ولكن التحية المملوءة عطفًا، أوجهها إليكم، أيها المرضى الأعزاء وإلى أهلكم، الذين يشاركونكم الضيقات والرجاء. إن البابا قريب منكم روحيًا، ويؤكد لكم صلاته اليومية؛ ويدعوكم إلى أن تجدوا في يسوع الدعم والتعزية، وألاّ تفقدوا الثقة أبدًا.   ستردد علينا ليتورجية زمن المجيء طوال الأسابيع المقبلة ألا نكلّ في دعائه؛ ستدعونا لكي نذهب إلى لقائه، عارفين بأنه يأتي باستمرار إلى زيارتنا. في التجربة وفي المرض، يزورنا الله بشكل سري، وإذا استسلمنا لإرادته، يمكننا أن نختبر قوة حبه. 

 إن المستشفيات ومراكز العناية، بما أنها أماكن يسكن فيها أشخاص مجربون من الألم، يمكنها أن تصبح أماكن مميزة للشهادة للمحبة المسيحية التي تغذي الرجاء وتولد مقاصد تعاضد أخوي.   في الصلاة التي سبقت القراءات صلينا هكذا: "اللهم، حرك فينا الإرادة لكي نذهب للقاء المسيح الآتي بالأعمال الصالحة". أجل! فلنفتح قلوبنا لكل شخص، وخصوصًا لمن يعاني الصعوبات، لأننا بعمل الخير نحو الأشخاص الذين يعانون الحاجة نستعد لقبول يسوع الذي يأتي فيهم لزيارتنا. 

 هذا ما تحاولون، أيها الإخوة والأخوات، أن تقوموا به في هذا المستشفى، حيث يحتل محورَ اهتماماتكم قبولُ المرضى المحب والمؤهَّل، والمحافظة على كرامتهم، والالتزام من أجل تحسين نوعية الحياة.   لقد وقفت الكنيسة عبر العصور بالقرب من المتألمين. وتشارك بهذا الروح منظمة فرسان مالطا، التي انكبت منذ تأسيسها على مساعدة الحجاج في الأراضي المقدسة من خلال الاستضافة والعناية الصحية. وبينما كانت تقوم بمهمة الدفاع عن المسيحية، كانت المنظمة تعتني أيضًَا بالمرضى، وخصوصًا بالفقراء والمهمشين.   إن هذا المستشفى الذي نشأ في السبعينيات من القرن الماضي، هو شهادة لهذا الحب الأخوي، وقد صار اليوم مستشفى عالي التقنية، ومنزل تعاضد، حيث يعمل إلى جانب الطاقم الطبي، عدد كبير من المتطوعين، بروح التزام سخي.

  أيها الفرسان الأعزاء، أيها الأطباء الأحباء، أيها الممرضون والممرضات وكل من يعمل هنا: جميعكم مدعوون إلى القيام بخدمة كبيرة نحو المرضى والمجتمع، خدمة تتطلب تضحية وروح بذل الذات. في كل مريض، أيما كان، تعلموا أن تتعرفوا على يسوع المسيح  وأن تخدموه؛ دعوا المريض يعي، من خلال تصرفاتكم وأقوالكم، علامات الحب الرحيم. لكي تقوموا بهذه المهمة بشكل جيد اسعوا، كما يذكرنا القديس بولس في القراءة الثانية، إلى "أن تلبسوا أسلحة النور" (رو 13، 12)، التي هي كلمة الله، مواهب الروح، نعمة الأسرار، والفضائل اللاهوتية والرئيسية؛ قاوموا الشر وتخلوا عن الخطيئة التي تجعل وجودنا مظلمًا.  

في مطلع سنة ليتورجية جديدة، فلنجدد مقاصدنا الصالحة في عيش حياة إنجيلية. يحضنا الرسول بالقول: "ساعة استيقاظنا من النوم قد حانت" (رو 13، 11)؛ إن هذا هو زمن التوبة، والنهوض من سبات الخطيئة لكي نستعد بثقة لاستقبال "الرب الآتي". لهذا السبب، زمن المجيء هو زمن صلاة وانتظار يقظ.   وكذلك، تدعونا صفحة الإنجيل التي تليت على مسامعنا قبل قليل، إلى "السهر": "اسهروا إذًا، لأنكم لا تعرفون اليوم الذي يأتي فيه سيدكم" (مت 24، 42).

  إن يسوع الذي جاء في الميلاد فيما بيننا، وسيعود ممجدًا في نهاية الأزمنة، لا يتعب من زيارتنا باستمرار، في أحداث كل يوم. يطلب منا ويحذرنا لكي ننتظره ساهرين، لأنه لا يمكن برمجة أو التبصر بمجيئه، بل سيكون مفاجئًا وغير متوقع. فقط من سيكون مستعدًا لن يؤخذ على غفلة. 

 لا يحدُثَنّ لكم، يحذرنا يسوع، ما حدث في زمن نوح، عندما كان الناس يأكلون ويشربون بخفة، ففاجأهم الفيضان (راجع مت 24، 37 – 38). ماذا يريد الرب أن يفهمنا من خلال هذا التحذير، ما لم يكن هذا: ألا نسمح للاهتمامات المادية أن تأخذنا لدرجة تتمكن فيها من خداعنا؟   "اسهروا إذًا…".

فلنصغ إلى دعوة يسوع في الإنجيل، فلنستعد إلى أن نعيش بالإيمان سر ميلاد المخلص الذي ملأ الكون بالفرح؛ فلنستعد لقبول الرب في مجيئه المستمر إلينا في أحداث حياتنا، في الفرح والألم، في الصحة والمرض؛ فلنستعد للقائه في مجيئه الأخير والنهائي.

 إن عبوره هو دومًا مصدر سلام، وإذا أصبح الألم، الذي هو من مخلفات الطبيعة البشرية، أمرًا لا يحتمل، فبمجيء المخلص "يصبح الألم – دون أن يتوقف بذلك أن يكون ألمًا – يصبح رغم كل شيء، نشيد تسبيح" (الرسالة العامة "مخلصون بالرجاء"، 37).   وإذ تعزينا هذه الكلمة، فلنتابع الاحتفال بالافخارستيا، ونطلب للمرضى ولأقاربهم وللعاملين في هذا المستشفى، ولكل فرسان مالطا، حماية مريم الأمومية، حماية عذراء الانتظار والرجاء.