كلمة الكرسي الرسولي أمام مؤتمر الصليب الأحمر والهلال الأحمر

(جنيف، 26- 30 نوفمبر 2007)

جينيف، 7 ديسمبر 2007 (ZENIT.org).

 اختتمت منذ أسبوع أعمال المؤتمر الدولي الثلاثين لحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر بعنوان: "معاً من أجل الإنسانية".
وننشر في ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها المونسنيور سيلفانو م. توماسي، الممثل الدائم للكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة وهيئاتها المختصة في جنيف، خلال هذا اللقاء الهام:

السيدة الرئيسة،
1. إزاء المآسي والمصائب الناجمة عن النزاعات والتوترات والكوارث الطبيعية التي هي من صنع الإنسان والتي تشوّه كرامة الأشخاص، يكمن حل واقعي وبعيد الأمد من أجل تعزيز الحماية الإنسانية في إدراك أن العائلة البشرية هي واحدة بحق. والتضامن ضمن العائلة البشرية يجد ترجمته الملموسة في العمل التشاركي والإنفتاح على الحوار والشراكات، وهي رؤيا تجد أفضل تلخيص لها في عنوان مؤتمركم "معاً من أجل الإنسانية". من بين المشاكل التي تشغل قارتنا اليوم، اختار هذا المؤتمر الدولي الثلاثون لحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر أن يخصّص أعماله لأربعة تطورات مقلقة بشكل خاص وهي: الأوبئة والهجرة العالمية، والعنف في المدن والتدهور البيئي. وترى بعثة الكرسي الرسولي في هذه التحديات تذكيراً بأن تحقيق التعايش بين الجماعات الإجتماعية والسياسية وبناء نظام عالمي سلمي ممكن فقط على أساس تعزيز القيمة الأساسية لكرامة كل إنسان.

2. إن للمجالات الأربعة التي تستدعي منا اهتماماً فورياً تبعات إنسانية خطيرة على مجتمعنا اليوم وعلى الأجيال القادمة على حدّ سواء. ولم يعد يجوز التهرب من العزم على العمل معاً لإيجاد الحلول المناسبة للجميع، فبقاء الإنسانية المادي والأخلاقي رهنٌ بذلك. أما الحلول المجتزأة التي تأتي على حساب مجموعة من الدول أو قسم من المجتمع الدولي فنعتبرها قصيرة النظر، إضافةً إلى كونها غير عادلة وغير مقبولة. والعولمة السليمة هي التي تراعي المقتضيات الإنسانية وتبتعد بالتالي عن الواقع غير السويّ الذي يقوم على إقامة مناطق تنعم بالإزدهار والسلام وأخرى ترزح تحت وطأة الفقر والنزاعات. وما تحقيق ذلك إلا تكريس للإخفاق السياسي والأخلاقي.

السيدة الرئيسة،

3. فقط على أساس هذه القيم يمكن لحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر بكل مكوّناتها أن تحشد الطاقات الضرورية لإقامة شراكات فعالة ودائمة تحترم الإختلافات وتقدّر المواهب على تنوعها. في هذا السياق، يعرب الكرسي الرسولي ووكالات الإغاثة والمنظمات الكاثوليكية المختلفة عن استعدادهم لتوحيد الجهود مع دول وأطراف أخرى من أجل مدّ المجتمع الدولي بالخبرة الواسعة التي اكتسبوها إلى جانب الأكثر ضعفاً في كافة أصقاع العالم.

ومن الأهمية بمكان أيضاً أن ندرك أن الحل للمشاكل المعقدة ولحالات الطوارئ التي تعني البشرية برمتها لا يكون عبر الوسائل التقنية وحسب ولا يمكن حصره بالمساعدة وحدها. ذلك أن الضحايا المباشرين وغير المباشرين يستحقون، في الظرف الراهن، أن نعيرهم اهتماماً خاصاً وعناية مميزة. في الواقع، إن الأكثر ضعفاً هم أكثر من يتأثر من جرّاء الكوارث الطبيعية والنزاعات والعنف، ومن تبعات التخلف والفقر والأوبئة. لهؤلاء الأشخاص وعائلاتهم ومجتمعاتهم حقوق علينا أن نبذل كل ما أوتينا لضمان احترامها. كما أنهم يستحقون منا تعاطفنا البشري ودعمنا النفسي والمعنوي والروحي، ليس من باب الشفقة المتعالية، بل تعبيراً عن تضامننا معهم. فمعاً نشكل عائلة بشرية واحدة. وعلينا أن نساعدهم على إيجاد سبل مساعدة أنفسهم كيما يتمكن السكان المحليون من تعزيز قدراتهم وبهذه الطريقة من ممارسة حرياتهم ومسؤولياتهم بشكل كامل.

4. لقد أخذ وفدي علماً بالقرارات المطروحة أمامنا وهو يأمل خصوصاً بأن تدخل مذكرة التفاهم والإتفاق بشأن التدابير التشغيلية المبرمة بين جمعية الصليب الأحمر الفلسطيني وجمعية ماجن دافيد أدوم في العام 2005 حيّز التنفيذ بشكل كامل عمّا قريب. كما أننا ندعم أي مجهود جديد يرمي إلى لمّ شمل العائلات وإعادة التواصل المفقود وجمع المعلومات حول أبناء العائلة الواحدة الذين فقدوا الإتصال في ما بينهم بسبب الحروب والكوارث. وإننا نشجع اعتماد نص ملزم لمنع الذخائر العنقودية والقضاء عليها.

كذلك، إننا نرى بعين الرضى عودة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للعمل على حماية الأشخاص الذين يعانون من موجات النزوح والذين يتعرّضون بدرجات متفاوتة إلى التمييز والتهميش والإنسلاخ العائلي. لقد جرى وضع العديد من الصكوك المتعلقة بالمسائل الإنسانية وبحقوق الإنسان، غير أن الإرادة السياسية والتعقيدات التي تشوب حركة النزوح السكاني تقف عثرة في وجه تنفيذها بشكل مناسب، خصوصاً في ظل مؤتمرات وفعاليات حكومية بينية لا تنفك تغلّب الأبعاد الإقتصادية والإنتاجية لحركات الهجرة والنزوح، متناسيةً أنها تطال أشخاصاً لهم كرامة وحقوق لا يجوز التصرف بها، حتى ولو وُضعوا في معسكرات أو مراكز الإعتقال.
5. على الديانات والمنظمات الأخرى وبإمكانها أن تلعب دوراً بناءً. ومن جهته، قام الكرسي الرسولي بتشجيع مبادرات الحوار بين الأديان الذي يعتبره من المقومات الأساسية لبناء السلام وتحقيق الخير العام. وكما تعهد في العام 2003، نظم الكرسي الرسولي نشاطاً ضمّ ممثلين عن مختلف الديانات لتعزيز الدفاع عن كرامة الإنسان واحترام القانون الإنساني في النزاعات المسلحة. وهو يتطلع اليوم إلى المزيد من المبادرات الآيلة إلى ترسيخ الأسس الأخلاقية للقانون الإنساني والدفاع عن الكرامة الإنسانية أيضاً في النزاعات المسلحة مع أطراف غير حكوميين.
السيدة الرئيسة،
إن المقاربة المثالية للصليب الأحمر والهلال الأحمر تكمن في قدرتهما على كسر الحواجز ومدّ الجسور بين الأفرقاء المتناحرين، إدراكاً منهما للإنسانية المشتركة التي تجمعنا والتي تفترض منا أن نمضي قدماً يداً واحدة باتجاه المستقبل. على المجتمع الدولية مسؤولية منع النزاعات وتأمين الحماية وبناء السلام وعالم يكون فيه العيش اللائق ممكناً للأجيال حاضراً ومستقبلاً.

(ترجمة ميرنا تابت)