مقابلة صحفية مع، رئيس المجلس الحبري للحوار مع الأديان
Zenit.org).
"الحوار بين الأديان هو مثل رحلة حج ومجازفة"، هذا ما صرح به الكاردينال جان-لوي توران، رئيس المجلس الحبري للحوار مع الأديان، في مقابلة صحفية مع زينيت. ذكر الكاردينال بشكل خاص بزيارة متوقعة لـ 138 (باتوا الآن 241) شخصية إسلامية وجهت رسالة مفتوحة إلى الأب الأقدس بندكتس السادس عشر، فرد البابا عليهم داعيًا إياهم إلى لقاء في الفاتيكان.
* * *
زينيت: تتميز سنة 2008، في إطار الحوار بين الأديان، بالسنة الأوروبية للحوار بين الثقافات. هلاّ أخبرتمونا أكثر عن هذه البادرة والتزام الكنيسة فيها.
الكاردينال توران: ما زلنا في مطلع العام، ولكني أود أن ألفت إلى ما أشار إليه المسؤولون الأوروبيون وهو أن أكثر من ثلثي الفرنسيين يعيشون يوميًا لقاءً مع أناس من أعراق مختلفة، وأديان مختلفة، وثقافات مختلفة، وعليه فهو محكوم عليهم – يمكنني القول – بأن يتحاوروا وأن يتعارفوا ويتعايشوا.
ولذا أعتقد أنه يجب القيام بالكثير من أجل التقدم في دروب هذا الحوار، وشخصيًا سأقترح القيام بمبادرة مشتركة بين المجلس الحبري للثقافة والمجلس الحبري للحوار مع الأديان، لكي نرى كيف يمكننا مساعدة معاصرينا في التقدم بهذه المعرفة المتبادلة المبنية على احترام الآخر ولكن أيضًا على احترام الهوية.
زينيت: في موضوع الحوار مع الأديان، ما هي توقعاتكم لهذه السنة، كرئيس المجلس الحبري؟
الكاردينال توران: في ما يخصني، أنا في هذه المسؤولية منذ شهر سبتمبر، وأعتبر نفسي في فترة الابتداء! وعليه، ستكون هذه السنة بالنسبة لي بمثابة سنة استطلاعية.
الأمر الذي يبدو مهمًا بالنسبة لي هو أن الحوار بين الأديان ليس أمرًا مستجدًا. تم تحقيق الكثير منذ المجمع الفاتيكاني الثاني، لقد تم القيام بمسيرة طويلة. على سبيل المثال، هناك أمر اكتشفته، ويبدر رائعًا بالنسبة لي، وهو حوار الأديان بين الأديار والتأمليين. يلتقي رهبان وراهبات كاثوليك بنظرائهم البوذيين، وحتى مع ممثلين عن الصوفية. وهذا أمر هام، وهو ما نسميه "حوار الروحانيات".
نتحدث عن حوار الحياة، الحوار اللاهوتي، ولكن حوار الروحانيات هو حوار الأشخاص الذين تشكل الصلاة بالنسبة لهم معنى العيش، والذين يعتنقون النذور الرهبانية لعيش جذري، في العالم المسيحي كما في التقاليد الآسيوية وفي الإسلام. وأعتقد أننا بحاجة إلى التعمق بهذا الحوار بين الروحانيات. لأنه، في نهاية المطاف، يبلغ الإنسان عظمته السميا عندما يصلي. لذا فلنلتق به بينما هو في قمة كرامته.
زينيت: يبدو وكأن الحوار مع المسلمين يرتبط بالزيارة المرتقبة للشخصيات الإسلامية إلى الفاتيكان لإعداد لقاء أوسع. ولكن هناك اختلافات بهذا الشأن. ما هي بنظركم النقاط الأساسية وأولويات النقاش؟
الكاردينال توران: من الواضح أنه لا يمكنني أن أعرف مسبقًا ما في فكر أصدقائنا المسلمين عندما سيأتون للحوار معنا، ولكني أعتقد أنه بإمكاننا أن نتقاسم قناعاتنا المشتركة: عبادة الله الواحد على سبيل المثال، وقدسية الحياة البشرية، كرامة العائلة، تربية الشبيبة. ومن ثم يجب التطرق بالطبع إلى قضايا أخرى، مثل تفسير حقوق الإنسان بحسب ما تعرّف بها المعاهدات الدولية، ومبدأ التبادل الذي هو أمر هام جدًا في إطار الحوار بين الأديان. أعتقد أن هذه هي بعض المسائل التي يمكننا الحوار بشأنها.
زينيت: قضيتم قسمًا كبيرًا من خدمتكم في خدمة الدبلوماسية الفاتيكانية. كيف تفيدون من هذه الخبرة اليوم؟
الكاردينال توارن: تفيدني من حيث أن الدبلوماسية تبنى على الحوار، على حسن الإصغاء، والفهم، وعرض الأفكار على حقيقتها. خلافًا لما نعتقده عادة، الدبلوماسية لا تبنى على الرياء والغموض. ولكن أعتقد أنه يجب التمييز بين الحوار بين الأديان والحوار الدبلوماسي، لأن الحوار بين الأديان ليس فقط مجرد حوار بين أصدقاء، ورغبة نوال حظوة لدى الآخر. وليس تداولًا، لأن التداول يعني السعي لحل مشكلة، وعندما يوجد الحل ينتهي التداول.
أما الحوار بين الأديان فهو مثل رحلة حج ووضع علامة استفهام حول الذات. هو حج بمعنى أننا مدعوون للخروج من ذواتنا للذهاب للقاء الآخر، والقيام بمسيرة للتعرف إليه بشكل أفضل، وهو أيضًا مجازفة لأنه عندما أسأل الآخر "من هو إلهك وكيف تعيش إيمانك؟"، فأنا أضع نفسي في متناوله لكي يطرح علي السؤال عينه. وعليه فأنا مجبر على الإجابة. وعليه فهو في الوقت عينه حج ومجازفة.
زينيت: هذا الحوار بين الأديان هو قريب جدًا من السياسة ومن خيارات بعض الدول. هل من الممكن أن يبقى فقط على الصعيد الديني دون أن يتم استغلاله من قبل سياسيات الدول؟
الكاردينال توران: الاستغلال هو أمر وارد دومًا. ولكن أعتقد أيضًا أنه يجب أن نتجنب في الوقت عينه فصل الديني والسياسي بشكل قاطع ودمجهما. أعتقد أنه يجب أن نشدد على مفهوم التمايز. يمكننا أن نفصل الكنيسة عن الدولة، دون شك، ولكن لا يمكننا أن نفصل الكنيسة عن المجتمع، هذا أمر مستحيل ونحن نخبره. لهذا فالأمر المهم هو أن يكون هناك تمييز وتعاون، لأن رجل السياسة ورجل الدين يهتمان بالإنسان عينه، الذي هو في نفس الوقت مواطن ومؤمن. ولذا هناك تعاون ضروري، وتمايز في الإمكانيات، إلا أن التعاون هو من أجل الخير العام ومن أجل خير الشخص البشري.
زينيت: لقد قضيتم القسم الأكبر من خدمتكم الكنسية خارج فرنسا. كيف ترون الكنيسة الفرنسية اليوم؟
الكاردينال توران: من الواضح أن الكنيسة الفرنسية قد مرت بأزمة، ومن السخافة بمكان نفي ذلك. ولكن أعتقد أن هناك علامات تشير إلى نهضة الآن. وبشكل خاص، أتأثر في كل مرة أزور فيها الإكليريكيات حيث أرى الكهنة الشباب؛ هناك جيل جديد يهتم بنقل خبرة روحية جديدة.
أعتقد أن المهم في فرنسا اليوم هو أننا نرى مسيحيين يصلون، مسيحيون يحتفلون، مسيحيون يحتلون المقدمة في أعمال المحبة والخير، مسيحيون يمارسون ما أسميه بقدرة القلب. في صلب مجتمع قاسٍ، وعديم الرحمة أحيانًا، نحن نملك قوة المحبة، أي بذر الرحمة، والشهادة لمحبة الله نحونا التي تمر عبر المحبة الأخوية. ففي العمق، إن أفضل وسيلة للشهادة لأبوة الله هي أن نعيش كإخوة.
زينيت: أود أن أطرح سؤالاً أخيرًا إذا سمحتم. أرجع إلى الحوار مع المسلمين: أليس هناك خطر أن نقوم بحوار ظريف يخلّف جانبًا المشاكل والانقسامات؟
الكاردينال توران: إنه خطر لا محالة، ولكن أعتقد أن جل رغبة اللقاء الذي سنعقده مع الشخصيات الإسلامية، والتي صارت الآن 241، هي أن نضع أسس الحوار، كقناة ستكون دومًا مفتوحة ويمكننا الركون إليها. أود أن أعرض أن يكون هذا الحوار مستمرًا، وأن تكون له بنيته المتينة تجنبًا للسطحية.
وفي كل ذلك، يجب أن يكون واضحًا أننا لا نصرح بأن "كل الأديان سواء". هذا هو الحوار بين الأديان الذي ليس خلطًا في المعتقدات البتة. حوار الأديان يعني أن نقول: "كل الأشخاص الذين يبحثون عن الله يتمتعون بالكرامة عينها، وبموجب ذلك، يحق لهم أن يتمتعوا بالحرية ذاتها، وبالاحترام عينه".
* * *
نقلها من الفرنسية إلى العربية روبير شعيب
روما، الجمعة 22 فبراير 2008 (