الصوم وحياتنا إعداد لجنة الكتاب المقدس بالإسماعيلية

مقدمة

تحت رعاية نيافة الأنبا/ مكاريوس توفيق تشكلت لجنة الكتاب المقدس بالإسماعيلية من : الأخت/ سامية صموئيل – الأب/ يوسف رمزي – والشماس الإنجيلي/ جورج لورانس. سوف تقوم اللجنة بعمل نبذات روحية بطريقة دورية خاصة بشرح نصوص الآحاد والأعياد بطريقة تناسب واقع حياتنا اليومية، كما ستقدم اللجنة شرحا مبسطا لكل المناسبات الطقسية التي تمارسها الكنيسة.

 

ما هو الصوم في حياتنا؟  

لا يمكننا الكلام عن الصوم بدون الكلام عن الصلاة ، فهما مرتبطان ارتباطا وثيقا ، ويكمل كل منهما الآخر ، فلو بدأنا كلامنا عن الصلاة ، نجد أنفسنا انه أحيانا كثيرة نكون في الكنيسة علي غير ما نحن عليه خارجها، ففي الكنيسة نصلي ونتضرع ونستمع إلي الكلمات السامية والتي يفترض فينا أن نعيشها كلمة كلمة ، ثم نجد أنفسنا خارج الكنيسة المقدسة مختلفون تمام الاختلاف عما كنا عليه .

 

         في الكنيسة نتضرع لنستمد الصلاح ، وخارجها ندعي الصلاح في كل شئ. في كل منا شخصان لا شخص واحد ، الشخص كما هو داخل الكنيسة ، والشخص كما هو خارج الكنيسة . فماذا نفعل في الصوم المقدس ، وخصوصا فيما يتعلق بهذه الازدواجية ؟

         ففي الصوم المقدس علينا أن لا نكتفي بالكلمات بل نتجاوزها إلي الأعمال ، الكثيرون يتأثرون بالعظات وبالبرامج الدينية ، أو بقراءة الكتاب المقدس ، ولكن كل هذا لديهم  يظل مجرد كلمات دون أن تتحول إلي برنامج حياتي ، تتناثر الكلمات هنا وهناك ونبقي نحن في أعمالنا حيث كنا .

         في الصوم المبارك الشئ الوحيد الذي نحتاجه هو أن نجعل من الكلام برنامج حياة ، وأن يدخل مضمون الصلاة في حياتنا . عادة ننتقل من البيت إلي الكنيسة ، وفي الصوم المقدس هذا يجب أن تنتقل الكنيسة إلي البيت ، بمعني أن الكلام الإلهي يحل محل كلامنا فيغدو كل شئ في حياتنا تسبيحا لله. الصوم ما أكبره من كذبة إذا ارتضيناه غير ذلك .

 

        لنسأل أنفسنا هل يا تري نصلي  كفاية في البيت ؟ هل نلفظ اسم الله علي الأقل قبل تناول الطعام وبعده؟ قبل النوم وفي الصباح ؟ هل نواجه بعضنا بعضا بالتحية والابتسام ؟ إذن فلننتقل من الكلام إلي برنامج العمل و برنامج العمل هو أن ننقل الكنيسة المحصورة في المكان إلي الكنيسة التي تذهب معنا إلي البيت ، وبهذا نحيا حياة صادقة .

 

الصوم برنامج عمل

         يقول لنا سفر الأمثال " قبل الخيبة الكبرياء ، وقبل السقوط تشامخ الروح ، تواضع الروح مع المساكين ، ولا اقتسام الغنيمة مع المتكبرين" ( أمثال 16 : 18 – 20 ) . فلو تأملنا هذه الكلمات ، نجد فيها دعوة إلي فضيلة التواضع ، ففي الواقع كلنا متكبر ومغرور ، والمتكبر إنسان اعمي لا يري ابعد من شخصه ومصلحته. والكتاب المقدس يطلب منا اتخاذ التواضع نظاما لحياتنا ، وهذا النظام يفرض نفسه فرضا مع الصوم الأربعيني . فالمتواضع شخص يمكنه أن يذهب إلي أخيه ويقول له : " لقد سبق لي أن ظلمتك يا أخي ، أسالك أن تعذرني "  .

 

          فإذا كنا نصوم حقا ، فالصوم برنامج عمل لا مهرجان لاستماع المواعظ ، فهو يجب أن يمتد إلي طريقة حياتنا فيغيرها ويبدلها . فليس صائما من لم يقوًم الصيام في نفسه اعوجاجا أو يحدث أثرا ملحوظا.

اليوم صوم ، لكن بين الصائمين من لا يجود بالتحية علي أخيه ، فهل الصوم بالمقاطعة؟

اليوم صوم لكن بين الصائمين من هو ممتلئ حقدا وكراهية لأخيه . فهل الصوم بالحقد والكراهية؟

اليوم صوم ، وفي البيت الواحد خصام وخلاف يزداد حدة يوم بعد يوم ، فأين الصوم من الخصام والخلاف ؟

 

         في فترة الصوم  يجب شن حرب لا هوادة فيها ضد الشرور التي بداخلنا ، حتي نمتلئ بروح الله ، ليحولنا شيئا فشيئا إلي التشبه بابنه يسوع المسيح. ولنضئ بأعمالنا تمجيدا لله. " فليضئ نوركم قدام الناس ، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" ( مت 5 : 14 – 16 ).

 

         أود الإشارة أيضا أن هناك من يقللون من قيمة الصوم المادي مبررين وجهة نظرهم بأن الأعمال أهم من الصوم ، نعم ولكن  أقف هنا لأذكر ما قاله لنا القديس يوحنا كاسيان عن ذلك :

         " من لا يستطيع ضبط شهوة بطنه، لن يمكنه إطفاء نار الشهوات الجسدية "

 

فعفة الإنسان الداخلي تقتني بكمال هذه الفضيلة ولا يمكن التأكد من التغلب علي الحروب القوية ، إذا انهزم الشخص في الحروب الصغيرة .

         بجانب الانقطاع عن بعض المأكولات ( التي هي وسيلة وليس غاية ) ، علينا أن نعمق حياتنا  بالله وبالآخر عن طريق الصلاة واكتساب الفضائل ومساعدة المحتاجين . ويحدثنا أشعيا النبي عن ذلك بوضوح فيقول " فان صومك أن لم تمسك فيه من اجل الفقير واليتيم والأرملة والغريب ، فهو غير مقبول عند الله " (أش 58 ) لان من أهداف الصوم " الآخر " الإنسان،  فالمسيحية هي " أحبب الرب إلهك من كل قلبك وقريبك مثل نفسك " .

 

والآن فليفكر كل منا بجدية وإخلاص : ماذا  أفعل في زمن الصوم المقدس لأجدد حياتي وأصبح أكثر اتحادا بالله وبالآخر ؟ ما هي الشرور الموجودة بداخلي والتي يجب عليً محاربتها  ، لأصبح أكثر  نقاوة ؟ وما هي الخطوات العملية التي سأتخذها لإصلاح ذاتي ؟

 

         وللإجابة علي هذه التساؤلات يجب أن نأخذ الوقت الكافي مع أنفسنا للتفكير في هذه الكلمات والدخول إلي أعماقنا ومواجهة أنفسنا بشجاعة ؟ ثم اخذ القرار الذي أراه ممكنا لإصلاح ذاتي . لنصلي من اجل بعضنا البعض .

 

مع تحيات لجنة الكتاب المقدس

                                                                                                                         مارس 2008