مخطوطات قمران (12)

زودتنا الإحدى عشرة مغارة ببقايا حوالي 800 مخطوطاً. ويبدو أن غالبية هذه المخطوطات قد نسخت أو دونت في قمران، وإن كان هذا لا ينطبق على كل المخطوطات. وتعود بعضها إلى القرن الثالث أو إلى بداية القرن الثاني قبل الميلاد، وبالتالي إلى ما قبل المرحلة 1أ، التي سبق وتعرضنا له في مقال سابق. وقد حمل أفراد الجماعة هذه المخطوطات إلى قمران من أماكن أخرى، ولكن يصعب- للأسف- تحديد أصل هذه المخطوطات.

ونتناول في هذا العدد المخطوطات الكتابية، سواء كانت نصوص أو تفاسير.

أ. نصوص كتابية

إن استعمال كلمة "كتابي" لهو استعمال غير دقيق بالنسبة للفترة التاريخية التي نتناولها، وذلك لأن التحديد النهائي للنصوص، التي اعتبرت مقدسة، لم يكن قد تم في القرون الأخيرة قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي. لقد اختلفت الجماعات اليهودية فيما بينها حول الكتب الموحاة، ولم يتم الاتفاق على ذلك إلا في فترة لاحقة للحقبة التي نتناولها. ولكنا نقول إن عدداً كبيراً منهم كان يتفق في الرأي أن جزءاً لا بأس به من الكتب المقدسة كانت تتمتع بسلطة خاصة، وهو الجزء الذي دخل فيما بعد في الكتاب المقدس: كتب التوراة الخمسة والكتب التاريخية والنبوية والمزامير. ظل الجدال حول بعض الكتب مثل استير ونشيد الأناشيد ويشوع بن سيراخ. نوهنا إلى ذلك لأننا نستعمل كلمة "كتابي" لأنها سهلة وخاصة أنها تنطبق على الكتب التي يتضمنها النص المسوّر. ولا يعني هذا أن كل الكتب في تلك الفترة كانت تتمتع بذات السلطة.

1. المخطوطات الكتابية

ونعرض في الجدول التالي المخطوطات التي تم نشرها حتى الآن:

 

الكتاب

عدد المخطوطات

الكتاب

عدد المخطوطات

كتاب التكوين

كتاب الخروج

كتاب الأخبار

كتاب العدد

كتاب التثنية

كتاب يشوع بن نون

21-2صموئيل

1-2 ملوك

أشعيا

أرميا

حزقيال

الأنبياء الإثنا عشر

القضاة

المزامير

15

17

13

8

29

2

4

3

21

6

6

8

3

36

الأمثال

أيوب

أناشيد

رعوث

المراثي

الجامعة

استير

دانيال

عزرا

نحميا

1-2 أخبار الأيام

2

4

4

4

4

3

 

8

1

 

1

 

 

 

وإليكم أيضاً توزيع المخطوطات على المغاور المختلفة

المغارة   1       17مخطوطاً       المغارة   7       مخطوط واحد

                   2       18مخطوط                8       مخطوطان

                   3       3 مخطوطات              9       مخطوطان

                   4       137 مخطوط             10     مخطوطان

                   5       7 مخطوطات              11     10 مخطوطات

                   6       7 مخطوطات

وجدير بالملاحظة أن بعض هذه الأرقام يشمل أكثر من كتاب (مثل الخروج والأحبار) كما يتضمن أيضاً المخطوطات الكتابية اليونانية السبعة التي وجدت في المغاور (ربما يكون عددها أكبر وحتى الآن لم يتمكن العلماء من تحديدها). وكذلك يدور الجدال بعض القطع الصغيرة جداً والتي لم يستطع العلماء حتى الآن تحديد إذا ما كانت نصوصها كتابية أم أنها نصوص أدبية تستشهد بنصوص كتابية. بعملية حسابية بسيطة يتضح أن المخطوطات التي تضم نصوصاً كتابية يصل عددها إلى 202 مخطوطاً أي 25% من عدد مخطوطات قمران الإجمالي الذي يصل إلى 800 مخطوطاً. كما أن 19 مخطوطاً أخر اكتشفت في أماكن أخرى في صحراء يهوذا. ويتضح من عدد المخطوطات الكتابية الأهمية الخاصة التي أولاها سكان المنطقة للكتاب المقدس. كما تخبرنا مخطوطات قمران أن أهم أنشطة الجماعة اليومية كانت دراسة الكتب المقدسة في مجموعات.

وبتحليل الجداول يتضح أن كتاب المزامير يحظى بنصيب الأسد حيث يصل عدد مخطوطاته 36 مخطوطاً ويليه كتاب التثنية (29) ثم أشعيا (21). وبين باقي الكتب يفوق عدد المخطوطات العشرة كل من كتاب الخروج (17) والتكوين (15) والأحبار (13). ومن ناحية أخرى لا يوجد أي مخطوط لكتاب استير ونحميا.

يرى الدارسون أن سكان المنطقة كانوا يعتبرون عزرا ونحميا كتاباً واحداً، وهو مطابق لمفهوم النص المسور.

وتعطينا هذه الأرقام صورة واضحة عن أهمية الكتب المقدسة بالنسبة لجماعة قمران. كان للمزامير استعمالات مختلفة: العبادة، التأمل، تدريبات كتابية..إلخ وكانت حياة الجماعة تستلهم الكتب التي تزود بالشرائع أي الخروج، الأحبار، العدد والتثنية. وكان كتاب التكوين، مع الكتب التاريخية نموذجاً للتاريخ الكتابي. وهناك نقطة يجدر بنا التوقف أمامها وهي أن كتب الشريعة وأحياناً كتاب أيوب، كانت مكتوبة بالحروف العبرية القديمة. وهي طريقة كتابة اعتبرها أهل ذلك الجيل مقدسة. ويدل هذا على الأهمية الخاصة التي أولتها جماعة قمران هذه الكتب. كما اعتبرت الجماعة نبوات أشعيا وصفاً مسبقاً عن الجماعة والقيادات المسيانية التي كانوا يتوقعون ظهورها في القريب العاجل. وقد لا يرجع إلى الصدفة وحدها أن الكتب الثلاثة التي وجدت منها مخطوطات في كل المغاور هي أكثر الكتب التي يستشهد بها العهد الجديد.

كما أن عدد مخطوطات الكتب التاريخية (يشوع-قضاة- 1و2 صموئيل- 1و2 ملوك- عزرا- نحميا- 1و2 أحبار) قليل جداً. ويدل هذا على أن الجماعة لم تول هذه الكتب أهمية كبرى. وقد يرجع غياب كتاب استير إلى أنه يقرأ في عيد يوريم وهو العيد الذي لم تقبله جماعة قمران، ولا يرد له أي ذكر مع الأعياد التي تذكرها النصوص بالكامل. وقد يكون غيابه مجرد صدفة.

2. الترجوم

فقد بنو إسرائيل معرفتهم باللغة العبرية بعد العودة من السبي (538 ق.م) وأصبحوا غير قادرين على فهم الكتب المقدسة التي كانت تقرأ أثناء مراسيم العبادة. وكما فعلت الكنائس المختلفة، التي تخلت عن اللغات القديمة (اللاتينية، القبطية..إلخ)، كان اليهود يقرءون في اجتماعاتهم الدينية نصوص الكتاب المقدس باللغة العبرية، ثم يترجمها أحدهم للجمهور باللغة الأرامية، وهي اللغة التي حلت محل اللغة العبرية في استعمالات الشعب اليومية في فلسطين. ثم كتبت هذه الترجمات ووصلتنا بعضها. وهي شاهد جيد على حالة النص العبري وعلى طريقة فهم الشعب له في القرون الأولى بعد الميلاد. ويدور الجدال حول تاريخ هذه الترجمات. يرى بعض الدارسين أنها قديمة جداً بينما يستند البعض الآخر على تاريخ المخطوطات الحديث نسبياً ليؤكدوا خطورة تأريخ الترجمات تأريخاً قديماً. وقد كان لاكتشافات قمران دور كبير في تحديد تاريخ تقريبي، إذ وجد، بين ما وجد من مخطوطات، ترجومي اللاويين وأيوب.

وجدت قطع ترجوم كتاب اللاويين في المغارة الرابعة، وفيها ترد ترجمة لا 12:16-15 و 18:16-21 ويرى الدارسون أن هذه القطع ترجع للقرن 2 ق.م. كما وجدت في المغارة الرابعة أجزاء من ترجوم كتاب أيوب (أي 5:3-9؛ 16:4-4:5). أما أهم الأجزاء فإنها وجدت في المغارة الحادية عشرة. لقد وجد ترجوم كامل لكتاب أيوب وبحالة جيدة جداً، ويرى الدارسون أنه يرجع لبداية القرن الأول الميلادي.

حتى وإن كان عدد الترجوميمات المكتشفة في قمران قليلاً إلا أن هذا دليل على وجودها قبل الميلاد.

3. العصائب والتمائم (الرقى)

إنها ليست كتباً بحصر المعنى. إنها قطع رق صغيرة بها نصوص من كتابي الخروج والتثنية (خر 43:12-13 :16، تث 1:5-9:6؛ 12:10- 21:11 وأحياناً بعض الأعداد من تث 32.

وكانت هذه العصائب توضع في علب صغيرة وتعصب على الجبين أو الذراع، في حين أن التمائم (الرقى) كانت تثبت في عضادات أبواب المنازل.

وكان يعد هذا تتميماً لكلام الشريعة الخاص بوصايا الله: "ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك. ورددها على بنيك وكلمهم بها، وإذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وقمت. واعقدها علامة على يدك. لتكن عصائب بين عينيك واكتبها على دعائم أبواب بيتك (تث 6:6-9).

لقد وجد عدد كبير من العصائب في قمران وفي أماكن أخرى في صحراء يهوذا:

ففي المغارة الرابعة وجدت 21 عصيبة، وواحدة في المغارة الأولى، وثلاثة في المغارة الخامسة وواحدة في المغارة الثامنة. وهناك 4 عصائب من إحدى المغاور (لم تحدد). أما التمائم (الرقى) فعددها أقل: 7 في المغارة الرابعة، وواحدة في الثامنة.

نكتفي بهذا القدر، لنتناول في العدد القادم مخطوطات الكتب ذات القانونية الثانية.

عن مجلة صديق الكاهن