الـمـزمور الــسـادس: صرخة ألم

امــام الــغناء

       ذوات الاوتــار

       الدرجه الثــامـنة

       مزمور لـــــــداود

تقديم

يعتبر المزمور السادس من مزامير التوبة والتوسّل وهو أحد مزامير التوبة السبع وأولهم في الترتيب. والستة الباقية هي: 32؛ 38؛ 51؛ 102؛ 130؛ 134. وكلها تتناول موضوعاً واحدا هو نفس موضوع بشارة الأنبياء ويوحنا المعمدان " توبوا فقد اقترب ملكوت الله" بل تبدأ بشارة الإنجيل نفسها بهذه العبارة على لسان الرب يسوع نفسه " توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات". والتوبة أمر اساسي في حياة المؤمن والكنيسة التي يصفها المجمع المسكوني" إنها جماعة المؤمنين التائبين" فهي تتكون من شعب خاطيء ينتظر مجيء المسيح وخلاصه، وهو يصلّي للمسيح القائم من بين الأموات: لينقذْه من عالم الموت جميع الذي رقدوا على رجائه، وليساعدْ الذين يبكون خطاياهم فيكون لهم رحيمًا غفورًا.

والمزمور السادس ينشده المرنم ليعبّر فيه عن ألمه وضيقه فكما يبدو من وصفه الدقيق لحالته المرضية هو يتألّم من جميع النواحي:

أولا: الحالة الجسدية: نراه يعاني من مرض جسدي رهيب يجعله يشعر أنه بات قريباً جداً من النهاية الحتمية لمثل حالته، لقد اقترب من الموت، كما في حالة حزقيا الملك.

ثانيا: الحالة النفسية: يتألّم المرنم أيضًا حين يفكّر في شماتة أعدائه وسخريتهم منه وهم يرونه أقرب إلى الموت منه إلى الحياة.نحن نعرف أن الموت هو هزيمة الحياة وحسب المفهوم اليهودي فهو النهاية ويعني الفناء والهبوط إلى الجحيم حيث لم تكن فكرة القيامة قد توطدت فالله قد كشفها تدريجياً عن طريق الوحي…وحيث سيقضي الموت على حياة المرنم، نبي الله ومسيحه، فإن ذلك يعتبر في حد ذاته انتصار لمعسكر الشر… سينقص المعسكر الآخر فرداً مهماً وسيغيب عن الصفوف القائد الملهم… وهذا مصدر سعادة وسرور للأشرار.

ثالثاً: الحالة الروحية: في انسحاق نفسي وجسدي يتوسّل المرنم إلى الرب إلهه ويدعوه طالباً الشفاء من المرض العضال، وحيث إن المرض والموت في الفكر اليهودي هما عقاب من الله، فإنه يطلب الرحمة ويعرف أن غضبُ الرب لا يدوم إلى الأبد، بل تحلّ محلّه الرحمة والرأفة "أنا مريض سقيم، وعظامي ترتجف، وأنت، فإلى متى يدوم غضبك، إلى متى تنسى رحمتك؟"

رابعاً: الحالة العقلية المنطقية:  المرنم لا يريد أن يفكّر إن كان يستحقّ هذا المرض أم لا، ولا يريد ان يدخل في محاكمة مع الرب " خطيئتي امامي في كل حين" فهو يعرف أيضاً ان الله عادل " تتبرر في اقوالك وتغلب إذا حاكمت" لذلك يكتفي بالايّكال على أمانة الرب فيجعل ثقته في رحمته وغفرانه وحنانه "الرب قد سمع صوت بكائي".صرخة إم يطلقها المرنم في الليل وهو مسمّر في فراشه المبلل بدموع توبته وحزنه.

 

يمكن تقسيم المزمور على النحو التالي:

1 – صرخة ألم واستغاثة وطلب الرحمة من الله. (1).

2- توسل ودعاء. (2 – 4).

3 – الأسباب الحقيقية لرحمة الله. (5- 6).

4- شكوى الصديق ووصف لحالته الأليمة. (7- 8).

5- صلاة  ختامية. (9-11).

2- يـا رب لا توبخني بـغـضـبك ، لا تؤدبني بـسـخـطـك   :

صرخة الألم يطلقها المرنم المريض في جوف الليل وهو مسمّر على فراشه تلفه ظلمة الليل وتشمله آلام المرض وتجتاح نفسه هواجس الموت ويسيطر عليه خوف من العقاب ويعذبه تأنيب الضمير على ما سلف وارتكبه من المعاصي والشرور، إنه يخشى في هذه اللحظات الحرجة أن يكون قد أغضب الرب الإله، فغـضـب الله علــى الانـسـان أصـعب وقعـا علــى الـنـفس مـن الـتوبيـخ واللــوم والـعــقـاب، بل والمرض والموت…

v   لا تؤدبني بـسـخـطـك:

حين نسمع كلامًا عن غضب الله وسخطه نرتعب، ويلعب الكثيرون على هذا الوتر ليحتفظوا بالبشر أطفالا مرعوبين ينتظرون في كل لحظة ضربة من السوط الممسك به الله الجلاد الذي بيده الأخرى يدون في سجلات حياتهم كل الخطايا والمعاصي ليعاقبهم اشد العقاب…هكذا فكر المرنم وهكذا يفكر الآخرون، بل والكثير من المسيحيين أيضا! لكن الرب يسوع  وهو الوحيد في حضن الآب ورأى واخبر كشف لنا عن وجه الله الحقيقي وهو مخالف تماما لكل تصورات قلبنا البشري الشرير الذي يريد ان يسقط حتى مشاعره المتضاربة وأهواءه المتصارعة على الله تسامى وترفع وتعالى. وإن كان الله قد سمح بهذه الصورة الرهيبة أن تنتشر وتتسرب لبرهة من الزمان في تاريخ الخلاص فهو يرفض أن يتم تصويره في صورة ال "بعبع" الذي قد يصل في غضبه إلى القضاء على أبناءه الذين خلقهم من العدم وأحبهم إلى المنتهى. فسخط الله يسـتدعـى اللــوم والتــوبيخ أحياناً بل الــتأديب والتهذيب الشديد في حالات خاصة. والــتأديب فــى الــعهد الــقـديـم تــأديب قــاس ولـــو كـان تــأديب اب لــبنيـه " ادب ابـنـك بقضـيـب مـــن حـــديــد "، لكنه هو الذي عرفه يونان وقال له: " ايها الرب إلهي قلت وأنا بعد في بلادي إنك تفعل مثل هذا (تصفح عن أهل نينوى) لذلك أسرعت إلى الهرب إلى ترشيش. كنت أعلم أنك إله حنون رحوم بطيء عن الغضب، كثير الرحمة ونادم على فعل الشر" (يو  4: 2-3)

3- ارحـمـنى يـا رب فإني سـقـيـم، اشفني يا رب فإن عظامي قد بليت: 

التــعامـل هـــنا كــما قــلـنا مـــع اب رحـيـم يـعرف ضـعف أولاده ويــشفق ويترفق فــى الـغضـب والــسخط فـــلا يـلـوم ولا يـعـاقــب. فالله متحرّر من هذه الأهواء والعواطف، وإن تكلّم بهذا الشكل على لسان رسله وأنبياءه، فلكي يقرب  الصورة إلى عقولنا المحدودة ويدفعنا عن طريق الخوف لعمل الصواب حتى نعتاده ونتخذه لنا منهجا وأسلوب حياةن تماماً كما نفعل الأم مع أطفالها عندما تهددهم " سأخبر بابا حين يعود إلى المنزل وهو سيعاقبكم اشد العقاب"، فهل يعنى ذلك إن هذا الأب حقاً منتقم جبار سيمزقهم إرباً أو حتى أنها  تشوه في ذهنهم صورة الأب ؟

والرد بالطبع بالنفي فالله استخدم هذه الصور ليجعل نفسه على مستوى عقولنا المحدودة… والكتاب يعلّمنا بوضوح أن الله ليس معرّضًا للغضب. قال الربّ: "هل يسخطوني أنا أم يسخطون أنفسهم" (إر 7: 19)؟ ولكن كيف نريد من الله أن يتعامل مع اليهود؟ هل كان باستطاعته أن يقول لهم إنه لا يحسّ بالغضب ولا بالبغض تجاه الأشرار؟ وما البغض؟ أليس البغض هوى يبلبل النفس فيفقدها الصواب والقدرة على الحكم السليم!

v   إني سـقـيـم :

أعتقد أن المرنم قد أدرك هذه الحقائق بنور الإيمان لا بنور المنطق البشري المجرد، لذلك نراه يدخل في مرحلة جديدة من الحوار وينقل إستراتيجيته إلى منعطف آخر: اسـتـعـطاف لـحـنان الله وعــطـفـه فـالـمرنــم يـشــعـر بـخـطـايـاه ويــندم عـلـيـها ويــخشـى الـتأديـب فـيـطـلـب الـرحـــمـة ويـسـتـعـطـف ربه بــــأنـه إنسان مـريــض، فحـتـى لــو كــان يـســـــــتحق الــعقـاب فــإن حالته تــستوجــب الــــرحمة والترفق لــظروفه الــصحية وليس العقاب بالمرض والموت.

 

 

v   اشفيني :

وهكذا بـــدلا مـــن الـعـقاب الـذي قد يكون مستحقاً، يـنـتـقل الــمرنم بـــدلال غـــريب، لكن لــيس غـريب لأبــن علــى أبــيه، إلى طلب النعم والرجاء في الشفاء… فـبـدلا مــن ان تــعاقــبـنى أو حـتى ترحمني وتعفيني من العقاب، أنا اطـلـب الــــشفاء.

v   عظامي قد بليت :

لأن عــظامي وهـــى الأكثر صلابة في الـــبـنـيـة البشرية، وأقوي الـعناصــر الجسدية صــلابة وتـكويناً، قـــد بدأت تـــرتـجف وتـــنـهار. فأنا محتاج أن تمد يدك وتشفيني وتقيمني من فراش الموت وتنقذني من الهلاك، أنت وحدك تملك أن تخرج العظام البالية اليابسة وتعيدها إلى الحياة. (حزقيال37).

4- نفسي قد ارتــاعــت،  وأنت يـا رب إلى مـتـى تنتظر:

لــم يـتـوقف الأمر علــى انهيار الــقوى الــجسديــة وتهتك الــبـنـيـان المادي بـــل إن النفس السامية التي خـلـقتها على صورتك ومثالك وأسكنتها في جسدي، هي أيضا قـــــــــد أصيبت بــالـروع والــهلع مــن كــثرة  الـهول والـخوف مـما سـيـصـيبها اذا أنــت غــضـبت عــليّ وعـــاقـبـتـني.

v   وأنت يـا رب إلى مـتـى تنتظر:

يواصل الــمرنم صلاته في قلب الليل،  فهو برغم مناجاته في الظلمة الحالكة من حوله داخلياً وخارجياً، برغم آلامه الجسدية والنفسية، يبصر جيداً ويعرف طريقه إلى قلب الله ويتلمسه بخفق قلبه، ها هو يـــطور هــجومه فــى اتـجاه الله وكــأنه هـــو الــذى يـــلوم الله عــلى تـــأخـره عــليه واهـــماله لــــصراخــه واستـغـاثــتـه. كفاك يا رب إلى متى تنتظر، تعبت من انتظارك نفسي وكلت من الترقب عيناي…هلم تعال.

5- عــد ونـج نفسي،  لأجـــل رحــمــتـك خلصني:

عــــــــــد، طـــلب ورجـــاء وأمــر. كــــأنه يعرف أن الله كـــان مـــعه ثــم هـــــــــجره، وهـــا هـــو يـــطلب عــــودة الله الــى مـــوقعه فـــى إدارة دفــــــه حــياتـه، لانه بــــدونـه لا شــيء، وحياته كلها مـــعرضــة للـــدمـار والـــهلاك والفناء…ليس أمامه سوى الصراخ، وها هو يصـرخ إلى الله طـــالبا مـــنه الـــنجاة والـــــخلاص لا عــن استــــحقـــاق، بـــل انــــطلاقاً مــــــــــن ثقته في جـــــود الله ورحـــــمـتـه… كأنها نفس صلاة يونان النبي من بطن الحوت" لكنك أيها الرب الإله سترفع  حياتي من الهاوية وعندما تعود نفسي أتذكرك أيها الرب الإله فتصل إليك صلاتي في هيكلك المقدس" (يو 2: 6-7).

v   لأجـــل رحــمــتـك خلصني:

أنا واثق يا رب أنك سوف تعود تترأف وتتذكر وترحم، لا عن استحقاق أو جدارة مني، فليست أسباب الرحمة والعفو والشفاء عندي، لكنها عندك لسبب جوهري بسيط، هو أنك حب ورحمة وحنان. ليست هذه هي المرة الأولى التي أسقط فيها ولا هي المرة الأولى التي اصرخ فيها إليك ولن تكون الأخيرة التي ستعود وتفتقدني وتنجيني.

6- لـيس فـي الـمـوت مـن يـذكـرك، ولا فـي الـجــحـيـم مـــن يـعترف لك:

لـيـس فـي الـمـوت مـن يـذكـرك: يـــحاول هـــذا الــطفل الــمدلل ان يـــــــسوق الـى أبـيه السماوي بــعض الأدلـــة والـــبراهـين والأسباب المنطقية التي تــساعده علــى الـــعفـو عـــنه والــترأف بــحاله ومــــد يــد الـــــمعونة لإنقاذه. وتلاحظ أن النبي ليست لديه دراية كاملة بأمـور الــحياة الأخــرى، حــيث يـــعتقـد كـــما كــان يــعـتـقـد مــعـظـم معاصروه آنذاك، أن حـــياة الإنسان وعــــلاقته بـــالله، قــاصرة علـــى الحياة على الأرض فــــــقـط، وبالتالي يحسن بالله أن يـــمد في حــــــياة عباده حـــتى يـــسبحونه ويـــمجدونه ويترنمون علــــى آلات الـــطرب ذوات الأوتار… إذا كان الله قد خلق الإنسان لتمجيده، فإن مات المرنم وذهب إلى الجحيم، عالم الموتى، فمن يذكر الله بعد ذلك ومن ينشد اسمه (أش 38: 18- 19؛ مز 29: 10- 11؛ 87: 11- 12).

كأن بالمرتّل يقول للرب: إن أنا متّ، فلن تجد من ينشد لك ويذيع اسمك، فتكون أنت الخاسر. ويجد له القديس يوحنا فم الذهب مخرجاً من هذا المأزق فيقول "حين يتكلّم هكذا، فهو لا يريد أن يحصر مصيرنا في الحدود الضيّقة التي تعرفها الحياة الحاضرة. لا سمح الله. فهو يعرف عقيدة القيامة، ولكنه يريد أن يقول، إننا حين نخرج من هذه الحياة، يكون زمن التوبة قد ولّى بالنسبة إلينا. فالغنيّ الرديء اعترف بخطاياه وندم عليها. ولكنها ندامة عقيمة. لم يعد الوقت وقت ندامة. ورغبت العذارى الجاهلات بالزيت، ولكن لم يعطهن أحد. لهذا يطلب النبيّ إلى الله أن ينقّيه من خطاياه وهو على الأرض، لكي يقف بثقة أمام منبره الرهيب. ثم يعلّمنا أنه يجب أن نضمّ إلى رحمة الله مجهودنا الخاص".

v   ولا فـي الـجــحـيـم مـــن يـعترف لك:

وهذه جملة أخرى تخالف عقائدياً ما وصلنا من الوحي عن طريق الرب يسوع، فالحقيقة التي يوردها المزمور تذكر أن النفس عندما تموت تذهب إلى الشيئول، مثوى الأموات أو الجحيم حسب اعتقاده، ولا حياة بعد الموت لكن الرب يسوع يكشف لنا الحقيقة الجديدة التي تبث فينا الأمل والرجاء في قوله للص اليمين "اليوم تكون معي في الفردوس"، هناك إذن مقر آخر ومثوى للأموات يجهله المرنم ويعرفه الله، لكنه يستغل جهله في إقناع الرب الذي لا يتواني عن العفو والتدخل والخلاص برغم الخطيئة والمرض والجهل.

7- قـــد تـعـبـت في زفيري، أعوم كــل لــيلة ســـريرى بدموعي:

وكأنه يشعر بضعف منطقه وضآلة حجته في مواجهة الله فيزفر في مرارة ويــعود لــلاستـعـطـاف مذكراً الرب من جديد بـــحالته المزرية وشقاءه المقيم وتـــعـبه الموجع وذلـــه المرير لـــــيلاً ونـــــــهاراً لـــدرجة لا تدمع لها العين فقط بل تبكي لدرجة تــبــلل لا الــوســــادة التي يسند إليها رأسه وحـــدها، بــل الـــفراش بـــأكمله!

8- ذبـلــــت من الكدر عيناي، وشاختا لكثرة خصومي :

يتذكّر المرنم آلامه ليقول للرب إن عدالته قد أخذت مجراها والمحنة قد فعلت فعلها. بكى المرتّل خطاياه وتاب عنها، وحزنه ودموعه أكبر دليل على ذلك فاسـتـكـمـالاً للـــجسم والــــعظام والـــنفس، يصل المرض والذبول إلى السراج الباقي في هذا الجسد العليل، فــحتى الـــعينان ذبـلتا وهـــــــــرمتا ولم تعودا تبصران من شدة الحزن والكدر وكثرة الدموع وغزارتها، لا بـــالآلام الــجسدية والنفسية فـــحسب، بـل لمـــوقفه أمام خـــصومه الــــذين يـــــشمتون بــما حـــل بــه مـن بــــلايـــا وبـالأخـــص بـانـفصالـــه عـــن الــهه الذي تخلى عنه وهجره وسلمه لأبواب الموت والفناء.

9- ابـتـعـــدوا عني أيها الآثمة، الرب سمع صوت بكائي:

إنه يطلب أن يلتفت الله إليه ويخلّص نفسه وهذا هو طلب الأبرار التائبين، أن يتصالح الله معهم، أن يكون راضيًا عنهم ولا يميل عنهم بنظره الرحيم، وبالتالي تنجو نفوسهم، حيث أنهم لا يقتدون بسلوك الأكثرية من "معسكر الأشرار" الذين لا يطلبون إلاّ شيئًا واحدًا في غرائزهم الخشنة وهو التمتّع بالحياة الحاضرة، أمّا الأبرار فليس لهم إلاّ رغبة واحدة، هي خلاص نفوسهم. وهذا كما نعرف من المزمور الأول بالابتعاد التام عن الأشرار والآثمة عن سلوكهم وطرقهم، فـــبعد أن كــان واحـــداً مـنـهم وشــــاركهم آثامهم هـــا هـــو ينتفض عـــلى الــــخطيئة ويـــبتعد عـــن رفــقه الـــسوء الــــتى أوقـــعتـه في الـمعصية.

v   الرب سمع صوت بكائي:

سمع الرب في الماضي وتعني ليس فقط السماع بل الاستجابة وتلبية الصلاة المصحوبة بدموع التوبة وصوت البكاء والنحيب. هكذا تتم المصالحة وبهذا يتحقق الرجاء.

 

 

10- الرب يسـمـع لتضرعي. الرب يتقبل صلاتي:

الرب يسمع ، تأكيد لتلك الثقة الغالية إنه حاضر ولو لم أره، قريب ولو لم أشعر بوجوده سمع في الماضي ويسمع في الحاضر والمستقبل أيضاً، أخـيراً تمت الاســـــــــتجابة للصلاة والتضرع والدموع.

v   الرب يتقبل صلاتي:

الـرب يتقــبــل إذن الصلاة ويلبي دعوة من يدعوه. ولـــيست الاســتــجابة فـي الـــسماع فـــقـط، بـــــل لــقد قــــبلت الـــــدعوى وســـيتم اتــــخاذ الإجراءات اللازمــــة، فغضبُ الرب لا يدوم إلى الأبد، بل تحلّ محلّه الرحمة والرأفة. أنا مريض سقيم، وعظامي ترتجف وأنت، فإلى متى يدوم غضبك، إلى متى تنسى رحمتك؟ لقد استمعت واستجبت أخيراً.

11- العار واللعنة لأعدائي، والهزيمة في خزيهم:

هــــــــا قــد اســـتعــدت علاقتي بــمصدر قوتي وصــــفا الــــجو بـيـنـنا وعدت متــحداً بـــــأصل الــــكرمة  منه أتغذى وفيه أحيا وأتحرك وأوجد وقد شفاني وأقامني ولم يكتف بذلك بل كللني بالمجد والكرامة وأخزى أعدائي والشامتين فيّ، لقد أخزاهم ودحرهم فانهزموا مرة ثانية وثالثة ورابعة… لا مــجال إذن للــــــــشر والأشـــــــرار ولا دوام لنصرهم وشماتتهم فغضب الرب على أحباءه سرعان ما يزول وهو سيعود فيعطف ويتحنن ويقيمهم ويخرجهم من أبواب الموت ويحررهم من قوى الجحيم فهو إله الرحمة لا إله الغضب.

كيف عاش الرب يسوع  المسيح هذا المزمور؟

نستطيع القول أن الرب يسوع  قد صلى هذا المزمور في حياته ، وقد فسّره آباء الكنيسة بطريقة مسيحانية، فكلماته تطابق حياة المسيح وكلامه وها نحن نرى شخص الرب يسوع يصلي:

       عد وخلص نفسي: لا شكّ في أن المسيح صلّى هذا المزمور مرارًا ليعبّر به عن ثقته بالآب في كل ما لاقاه خلال حياته على الأرض من آلم ومتاعب وبالذات في ساعة الألم والموت.ومثل النبي نرى الرب يسوع واثق من استجابة الآب الفورية لذا كانت صلاته وكلماته من عمق القلب خاطب بها الآب وهو واثق من سماعه واستجابته له.لذلك رقد المسيح بسلام ونام في القبر منتظراً جواب الآب الذي لن يتأخر.واثق وهو راقد برجاء القيامة والخلاص والعبور من الموت إلى الحياة…

كيف نعيش هذا المزمور في حياتنا كمسيحيين:

لا جدال على أن هذا المزمور هو أيضا تجسيد للطوبى التي يحياها المسيحي الحقيقي:

       يا رب لا تغضب في معاتبتي ولا تحتد إذا أدبتني: كثيراً ما نتجاوز الوصايا ونخرج عن طاعة الله ونشعر اننا نلنا ما نستحق من عقاب عادل، لكن بدلا من الصمت والخضوع لإرادته في حياتنا تجدنا نصرخ ونتضرع طالبين بكل ثقة في الصلاة الحقيقية رحمة وغفراناً، وهذا محبوب في عيني الله فقد رحم بطرس لتوبته ولم يرحم يهوذا ليأسه من الرحمة والغفران. 

       أنافي ضيق وقلق شديد فإلى متى يا رب تنتظر : تردّد الكنيسة هذا المزمور صلاة واثقة منتظرة من الله أن يصنع فيها معجزاته. وقد انشده الملايين من الشهداء عبر التاريخ وهم يقدمون حياتهم على هذا الرجاء عالمين أن إلههم لن يتركهم وربهم لن ينتظر طويلاً.

       ابتعدوا عني أيها الأثمة: إنه تحقيق للطوبى التي نالها المؤمن في المزمور الأول فطريقه غير طرق الخطاة وسلوكه مخالف تماماً لسلوكهم.

       اعلموا أن الر ب قد سمع صوت بكائي: يثق المسيحي في حضور الرب في حياته ورعايته المستمرة له فهو يسمع صلاته ولا يهمل احتياجاته وينفذ له كل طلبته لاسيما إذا كانت مصحوبة بدموع التوبة والندم كما حفرت الدموع مجاري على وجنتي بطرس فأقامه صخرة بنيت عليها كنيسته واعطاه سلطاناً به يحل إخوته من خطاياهم.

   نتعلم من هذا المزمور ما اشار إليه الرب يسوع شخصياً في مثل "قاضي الظلم" الذي وإن حكم يتراج  ويعيد النظر لأجل إلحاح تلك المرأة التي تطلبه بلا ملل.لنستعدّ إذن للصلاة  بإلحاح إلى الله، ولنتعلّم كيف يجب أن نوجّه إليه طلبتنا.. يقول القديس يوحنا فم الذهب " تستطيع أن تدافع عن قضيّتك كما تدافع عن قضيّة الآخرين".

 

فلنتب عن خطايانا ولنصرخ إلى الرب نادمين عن كل شرور اقترفتاه،  وإذا شعرنا أننا تحت العقوبة ومستحقين للدينونة والقصاص فما علينا سوى ان نصرخ نحوه فيشرق بنوره  ويبدد ظلام غربتنا ويجدد لنا عطية الحياة ويحيي فينا الرجاء. آمــــــــــين

 

الأب بولس جرس