اليوم الثاني لزيارة قداسة البابا لأمريكا

عن موقع إذاعة الفاتيكان

البابا يترأس صلاة المساء في بازيليك السيدة العذراء سلطانة الحبل بلا دنس في واشنطن

 
ترأس البابا بندكتس السادس عشر عند الساعة السادسة إلا ربعاً من مساء الأربعاء (بتوقيت واشنطن) صلاة المساء في بازيليك السيدة العذراء سلطانة الحبل بلا دنس، بحضور أساقفة الولايات المتحدة. وقد وجه لهم كلمة حدثتنا الزميلة جمال ورد من واشنطن عن أبرز ما جاء فيها:\"\"  

 

 البابا يحتفل بالذبيحة الإلهية في ناشونالز ستاديوم بواشنطن بحضور زهاء 45 ألف مؤمن

 

 

احتفل البابا بندكتس السادس عشر بالذبيحة الإلهية في ناشونالز ستاديوم بواشنطن وقد حضره زهاء 45 ألف مؤمن أتوا من مختلف أنحاء الولايات المتحدة. المزيد من التفاصيل في تقرير زميلتنا من العاصمة الأمريكية : \"\"

 

 

 

 

عن موقع الجزيرة 

البابا: التحرش ليس بالكنيسة فقط بل بكل القطاعات الأميركية

   

\"\"
البابا يقود "صلاة الغروب" في إحدى كنائس واشنطن (رويترز)

قال البابا بنديكت السادس عشر إن قضية التحرش الجنسي بالأطفال في الكنائس الكاثوليكية الأميركية يجب أن ينظر إليها كجزء من "انحلال أخلاقي" متنام في الولايات المتحدة.

ووصف -مخاطبا رجال دين كاثوليك في كنيسة في العاصمة الأميركيةالتحرش الجنسي بالأطفال "شيء مغرق في انعدام الأخلاق", لكنه قال إنه "موجود ليس فقط في الأبرشيات لكن في كل قطاع من المجتمع".

وقال "ماذا يعني أن نتحدث عن حماية الطفل, بينما نرى عبر وسائل الإعلام الإباحية والعنف في بيوت كثيرة؟".

وشهدت الكنيسة الكاثوليكية الأميركية في 2002 أكبر فضائحها منذ قرنين عندما أقر أحد كبار الأساقفة بحماية كاهن تحرش بأطفال, ما فتح الباب لشكاوى بالآلاف كلفت الكنيسة ملياري دولار هي نفقات المحاكم والتعويضات.

علمانية أميركية متزايدة
وتحدث البابا بنديكت السادس عشر (81 عاما) عن علمانية أميركية متزايدة ومبالغ فيها في حضور الجنس في مجتمع قد ينتهي به الأمر إلى "تحجيم الإيمان الديني ليصبح مجرد لفظ".

 

ويوجد نحو سبعين مليون كاثوليكي في الولايات المتحدة قالت دراسات إن كثيرين منهم يعزفون عن الكنيسة, وأظهر أحدها أن 39% منهم مثلا يعتقدون أن التعميد أهم طقوس ديانتهم, في حين أن التعاليم المسيحية تنص على أن القربان المقدس أهمها.

وأحيا البابا اليوم قداسا حضره 46 ألف شخص في ملعب بواشنطن, على أن يجتمع لاحقا بممثلي الجالية اليهودية, ثم ينتقل إلى معبد يهودي في نيويورك في خطوة اعتبرت محاولة لتبديد مخاوف اليهود من محاولات إحياء قداس يعود إلى القرن السادس عشر يعرف بـ"صلاة من أجل اليهود", هو بمثابة دعوة إلى الله ليدخل اليهود "الضالين" إلى الدين المسيحي.

الرابط المسيحي
وبدأ البابا أمس زيارة ستة أيام إلى الولايات المتحدة هي الأولى لحبر أعظم إلى هذا البلد في ثلاثة عقود, وتقدم مستقبليه الرئيس جورج بوش الذي حشد له 12 ألف مدعو في البيت الأبيض, وشدد على الرابط الثقافي المسيحي بين أميركا والفاتيكان.

ودعا البابا أميركا لـ"دعم جهود الدبلوماسية الدولية لتسوية النزاعات"، لكنه لم يتحدث عن السلام إلا بشكل عام, ولم يتطرق مثلا إلى العراق إلا من باب الحديث عن "محنة" المسيحيين.

وقالت ناطقة باسم البيت الأبيض إنه رغم خلافات أميركا والفاتيكان على غزو العراق, فإنهما "يتفقان على أن وجود قواتنا هناك مفيد".

واتفق بوش والبابا حسب بيان مشترك على الحاجة إلى إنشاء دولة فلسطينية, وإلى أن "يتحرر لبنان من التأثير الأجنبي غير الملائم".

 

 

لقاء البابا مع ممثلين عن مختلف الديانات في مركز يوحنا بولس الثاني الثقافي بواشنطن

وفي ختام هذا اللقاء توجه الحبر الأعظم إلى مركز البابا يوحنا بولس الثاني الثقافي في واشنطن حيث التقى ممثلين عن باقي الديانات. التفاصيل في تقريرٍ وافتنا به زميلتنا جمال ورد من العاصمة الأمريكية:\"\"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خطاب البابا إلى أساقفة الولايات المتحدة لدى ترؤسه الاحتفال بصلاة الغروب

في المزار الوطني لسيدة الحبل بلاد دنس في واشنطن مساء الأربعاء 16 أبريل 2008

واشنطن، الخميس 17 أبريل 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي خطاب البابا إلى أساقفة الولايات المتحدة لدى ترؤسه الاحتفال بصلاة الغروب في المزار الوطني لسيدة الحبل بلاد دنس في واشنطن مساء الأربعاء 16 أبريل 2008.

* * *

أيها الإخوة الأساقفة،

إنه لَمدعاة فرح كبير لي أن أحيّيكم اليوم، في مطلع زيارتي لهذه الامة، وأشكر الكاردينال جورج لأجل الكلمات اللطيفة التي وجهها لي نيابةً عنكم. أود أن أشكركم جميعًا، وخصوصًا مسؤولي مجلس الأساقفة لأجل العمل الدؤوب الذي قاموا به تحضيرًا لهذه الزيارة. يذهب تقديري الممنون أيضًا إلى موظفي ومتطوعي المزار الوطني، الذين استقبلونا هذا المساء. يشتهر الكاثوليك الأميركيون بأمانتهم وإخلاصهم لكرسي بطرس. وزيارتي الرسولية هذه هي مناسبة مؤاتية لتدعيم أواصر الشركة التي تربطنا.

لقد بدأنا بالاحتفال بصلاة الغروب في هذه البازيليك المكرسة للحبل بلا دنس بالعذراء مريم، وهو مزار فريد الأهمية بالنسبة للأميركيين الكاثوليك، في قلب عاصمتكم بالضبط. وإذ نتألب للصلاة مع مريم، أم يسوع، نوكل بمحبة لأبينا السماوي شعب الله في كل أنحاء الولايات المتحدة الأميركية.

بالنسبة للجماعة الكاثوليكية في بوسطن، نيويورك، فيلادلفيا، ولويسفيل، هذه السنة هي سنة خاصة للاحتفال، لأنها تصادف المئوية الثانية لتثبيت هذه الكنائس المحلية كأبرشيات. أشترك معكم في الحمد من أجل النعم الكثيرة التي نالتها الكنيسة هناك في هذه القرنين.

وبما أن هذه السنة تصادف أيضًا رفع كرسي بالتيمور التأسيسية إلى كرسي رئاسة أسقفية، فهي تفسح لي المجال لكي أذكر بإعجاب وعرفان حياة وخدمة جون كارول، أول أسقف في بالتيمور – ورئيس جدير للجماعة الكاثوليكية في أمتكم المستقلة حديثًا. إن جهده الذي لا يعرف الكلل في نشر الإنجيل في المساحات الشاسعة الموكلة إلى عنايته وضع الأسس للحياة الكنسية في أمتكم وأهل كنيسة أميركا أن تنمو نحو النضج.

حاليًا، تشكل الجماعة التي تخدمونها إحدى أكبر الجماعات في العالم، وهي من بين أكثرها تأثيرًا. كم هو مهم إذًا أن تجعلوا نوركم يشع هكذا أمام مواطنيكم والعالم، "لكي يروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت 5، 16).

كثير من الشعوب التي خدمها جون كارول وإخوته الأساقفة منذ قرنين كانوا شعوبًا سافرت من أراضٍ رحيقة. تعدد الأصول ينعكس في غنى تنوع الحياة الكنسية في أميركا اليوم.

أيها الإخوة الأساقفة،

أود أن أشجعكم وجماعتكم على المضي قدمًا في استقبال المهاجرين الذين ينضموا إلى صفوفكم اليوم، لكي تتقاسموا أفراحهم وآمالهم، لكي تعضدوهم في آلامهم وتجاربهم، ولكي تساعدوهم على الازدهار في بيتهم الجديد. هذا هو حقًا ما قام به إخوتكم في الوطن لأجيال. منذ البدء، فتحوا أبوابهم للمتعبين وللفقراء، ولـ "حشود البشر التواقة إلى تنفس الحرية" (راجع بيت الشعر المحفور على تمثال الحرية). هذه هي الشعوب التي جعلتها أميركا خاصتها.

تمكن الكثير من بين أولئك الذين أتوا ليبنوا حياةً جديدة هنا، أن يستفيدوا من الموارد والفرص التي لاقوها، وأن يحرزوا درجة عالية من البحبوحة. بالواقع، يعرف شعب هذه الأمة بحيوته الكبيرة وروحه الخلاّقة. كما ويعرف بسخائه. فبعد الاعتداء على البرجين التوأمين في 11 سبتمبر 2001، وأيضًا بعد إعصار كاترينا في عام 2005، أظهر الأميركيون استعدادهم للهبوب في مساعدة إخوتهم وأخواتهم المحتاجين إلى معونة.

على صعيد دولي، إن إسهام شعب أميركا في أعمال الإغاثة والإنقاذ بعد فيضان ديسمبر 2004 هو دليل آخر لهذه الرحمة. اسمحوا لي أن أعبّر عن تقديري الخاص لمختلف أشكال المعونة الإنسانية التي تقدمها الأميركيون الكاثوليك عبر مؤسسات المحبة الكاثوليكية وغيرها من المؤسسات. لقد حمل هذا السخاء ثمارًا في العناية بالفقراء والمحتاجين، وفي الطاقة التي وُظّفت في بناء شبكة وطنية من الرعايا الكاثوليكية، والمستشفيات، والمدارس والجامعات. كل هذا هو مدعاة شكر عميم.

أميركا هي أيضًا أرض إيمان عظيم. يتميز شعبكم بحرارة تدينه وهم يفاخرون بانتمائهم لجماعة عبادة. يتحلون بالثقة بالله، ولا يترددون في تقديم آراء خلقية متجذرة في الكتاب المقدس في الخطابات العامة. احترام الحرية الدينية عميق الرسوخ في الوعي الأميركي – وهو أمر ساهم في تعزيز جاذبية هذه الأمة لأجيال من المهاجرين، الباحثين عن وطن يستطيعون أن يعبدوا فيه بحرية طبقًا لمعتقداتهم.

في هذا الإطار، أشير بفرح إلى وجود أساقفة من كل الكنائس الشرقية الجليلة في شركة مع خليفة بطرس في ما بينكم، وأحيّيهم بفرح خاص.

أيها الإخوة الأعزاء، أطلب إليكم أن تؤكدوا لجماعاتكم عميق محبتي وصلاتي المتواصلة، لأجلهم ولأجل الكثير من الإخوة والأخوات الذين بقوا في أرضهم الأم. حضوركم هنا يذكرنا بالشهادة الشجاعة للمسيح التي يقدمها عدد كبير من أبناء جماعاتكم، غالبًا في خضمّ الآلام، في أوطانهم الأم. إنه لغنىً كبير للحياة الكنسية في أميركا، وهو يقدم تعبيرًا حيًا عن كاثوليكية الكنيسة وتنوع تقاليدها الليتورجية والروحية.

أيها الإخوة الأساقفة،

في هذه التربة الخصبة، التي تنال التغذية من مصادر جدّ مختلفة، أنتم مدعوون إلى إلقاء بذار الإنجيل اليوم. وهذا الأمر يحضني على أن أتساءل كيف يمكن لأسقف في القرن الحادي والعشرين أن يتجاوب على أفضل وجه مع الدعوة لكي "يجعل كل شيء جديدًا في المسيح رجائنا"؟ كيف يمكنه أن يقود شعبه إلى "لقاء الإله الحي"، مصدر الرجاء الذي يحول الحياة والذي يتحدث عنه الإنجيل (راجع "مخلصون بالرجاء"، 4)؟

ربما يحتاج أن يبدأ بإزالة بعض العوائق التي تحول دون هذا اللقاء. ورغم أن هذه الأمة مطبوعة بروح ديني أصيل، إلا أن تأثير العلمنة يمكنه أن يلوّن الطريقة التي يسمح بها الناس للإيمان أن يؤثر على تصرفاتهم. هل هناك توافق بين إعلان إيماننا في الكنيسة نهار الأحد، وتشجيع ممارسات مهنية وإجراءات طبيّة مناهضة لهذا اللإيمان خلال الأسبوع؟ هل هناك تماسك داخلي في كاثوليكي متدين يتجاهل الفقراء والمهمشين أو يستغلهم، ويشجع عوائد جنسية مخالفة للتعليم الخلقي الكاثوليكي، أو يأخذ مواقف تناقض حق كل كائن بشري بالحياة من الحبل وحتى الموت الطبيعي؟ يجب مقاومة أية نزعة إلى التعامل مع الدين كمسألة خصوصية. فقط عندما ينفذ الإيمان إلى جميع أبعاد حياة المسيحيين، يستطيعون أن يكونوا منفتحين على قوة الإنجيل المحولة.

يكمن عائق آخر أمام مجتمع ثري في وجه اللقاء بالله الحي في تأثير الماديةّ، التي تستطيع بكل سهولة أن تركز الانتباه على المائة ضعف، التي يعد بها الله في هذا الزمان، على حساب الحياة الأبدية التي يعد بها في الجيل الآتي (راجع متى 10، 30).

يحتاج الناس اليوم إلى من يذكرهم بأهداف حياتهم النهائية. يحتاجون إلى أن يكتشفوا أن في داخلهم عطش عميق إلى الله. يحتاجون أن يحظوا بإمكانيات لينهلوا من ينابيع حبه اللامتناهي. من السهل أن يتلهى الإنسان بالامكانيات اللامحدودة التي يضعها العلم والتكنولوجيا في متناولنا؛ من السهل الوقوع في خطأ التفكير بأننا نستطيع أن ننال بجهودنا تحقيق حاجاتنا الأعمق. لكن هذا وهم. دون الله، الذي وحده يستطيع أن ينعم علينا بما لا نستطيع الوصول إليه بذاتنا (راجع "مخلصون بالرجاء"، 31)، تضحي حياتنا فارغة. يحتاج الناس إلى من يذكّرهم باستمرار بأن يرعوا علاقتهم مع من أتى لتكون لهم الحياة بوفرة (راجع يو 10، 10). الهدف من عملنا الرعوي والتعليمي، الغاية من وعظنا، وتركيز خدمتنا الأسرارية يجب أن يكون مساعدة الناس على إقامة هذه العلاقة الحية مع "المسيح يسوع، رجائنا" (1 تيم 1، 1) وتنميتها.

في مجتمع يقدّر الحرية والاستقلالية الشخصية، من السهل التغاضي عن حاجتنا إلى الآخرين كما وعن المسؤوليات التي نحملها تجاههم. هذا التركيز على الفردانية قد أثّر حتى في الكنيسة (راجع "مخلصون بالرجاء"، 13 – 15)، فأدى إلى زيادة نوع من التقوى التي تشدد على علاقتنا الفردية مع الله على حساب دعوتنا إلى أن نكون أعضاءً في جماعة مخلَّصة.

منذ البدء، رأى الله أنه "ليس حسنًا أن يكون الإنسان وحده" (تك 2، 18). لقد خُلقنا ككائنات اجتماعية تجد اكتمالها فقط في الحب – حب الله وحب القريب. وإذا ما ثبتنا نظرنا في الله الذي هو مصدر فرحنا، يجب أن نقوم بذلك كأعضاء في شعب الله (راجع "مخلصون بالرجاء"، 14). إذا ما بدا هذا الأمر مخالفًا للثقافة، فإنما هذا دليل آخر على الضرورة الماسة لتبشير متجدد للثقافة.

هنا في أميركا، أنتم مباركون بفضل علمانيين كاثوليك يتمتعون بتنوع ثقافي معتبر، يضعون تنوع مواهبهم الواسع في خدمة الكنيسة والمجتمع الواسع. هم يرنون إليكم لينالوا التشجيع، والقيادة والهداية. في عصر مشبع بالمعلومات، لا يمكن المبالغة في التشديد على أهمية تأمين تنشئة إيمانية سليمة.

لقد أناط الكاثوليك الأميركيون أهمية كبرى بالتنشئة الدينية، في المدرسة وفي إطار برامج تنشئة الراشدين. يجب المحافظة على هذه البرامج وتوسيعها. يجب مساعدة جمع الرجال والنساء الأسخياء الذين يكرسون أنفسهم لأعمال المحبة لكي يجددوا تكريسهم عبر "تنشئة القلب": أي عبر "لقاء الله في المسيح الذي يوقظ حبهم ويفتح روحهم على الآخرين" ("الله محبة"، 31).

في زمن يحمل فيه تقدم العلم الطبي أملاً جديدًا لكثيرين، يحمل معه أيضًا تحديات خلقية لم يكن ممكنًا تخيلها من قبل. الأمر الذي يتطلب أكثر من أي وقت مضى تنشئة متكاملة في تعليم الكنيسة الخلقي للكاثوليك العاملين في حقل العناية الصحية. هناك حاجة للهداية الحكيمة في كل هذه الخدمات الرعوية حتى تستطيع أن تحمل ثمارًا جمة؛ إذا ما أردنا أن تعزز حقًا خير الشخص البشري المتكامل، عليها إذًا أن تتجدّد في المسيح رجائنا.

كمبشرين بالإنجيل، وكقادة الجماعة الكاثوليكية، أنتم مدعوون أيضًا إلى المشاركة في تبادل الآراء في الحقل العام، فتساعدوا بالتالي في صياغة المواقف الثقافية. في سياق تقدَّر فيه حرية الكلام، ويُشجَّع فيه الجدل المتماسك والصادق، صوتكم هو صوت محترم يستطيع أن يقدم الكثير للنقاش في شأن مسائل اليوم الاجتماعية والخلقية. تأكدوا أن تُسمِعوا صوت الإنجيل واضحًا، فبهذا، لا تنشّئوا أبناء جماعتكم وحسب، بل عبر امتداد وسائل الاتصال العام، تساعدون أيضًا في نشر رسالة الرجاء المسيحي في العالم طرًا.

من الواضح أن تأثير الكنيسة في النقاش العام يحدث في أبعاد مختلفة. في الولايات المتحدة، كما في أي مكان، هناك الكثير من مشاريع القانون السائدة والمعروضة التي تولد القلق من وجهة النظر الأخلاقية، وعلى الجماعة الكاثوليكية برعايتكم أن تقدم شهادة واضحة وموحدة في هذه المسائل. وأهم من ذلك أيضًا، هو الانفتاح التدريجي لفكر ولقلب الجماعة الأوسع على الحقيقة الخلقية. يجب القيام بالكثير في هذا المجال. إن دور المؤمنين العلمانيين هو حاسم في هذا الإطار، من خلال صيرورتهم "خميرة" في المجتمع. ولكن لا يمكن افتراض أن يفكر كل المواطنين الكاثوليك بشكل يتناغم مع تعليم الكنيسة حول المسائل الخلقية الآنية. مرة أخرى، يقع على عاتقكم واجب أن تتأكدوا من أن التنشئة الخلقية في كل مجال من مجالات الحياة الكنسية تعكس تعليم إنجيل الحياة الأصيل.

في هذا المجال، إن أحد دواعي الاهتمام العميق بالنسبة لنا جميعًا هو وضع العائلة في المجتمع. بالواقع، لقد ذكر الكاردينال جورج آنفًا أنكم ضمّنتم تقوية الزواج والحياة العائلية بين أوليات اهتمامكم في السنوات القليلة المقبلة.

في رسالة اليوم العالمي للسلام لهذه السنة، تحدثت عن الإسهام الجوهري الذي تقدمه الحياة العائلية السليمة للسلام في الدول وبينها. نختبر في البيت العائلي "بعض عناصر السلام الأساسية: العدالة والحب بين الإخوة والأخوات، دور السلطة التي يعبر عنها الوالدان، الاهتمام المحبّ بأعضاء العائلة الأضعف بسبب الصغر أو المرض أو كبر السنّ، والتعاون المتبادل في ضروريات الحياة، والجهوزية لقبول الآخرين، وإذا دعت الحاجة، إلى المغفرة لهم" (عدد 3). العائلة هي الموضع الأولي للتبشير، لنقل الإيمان، لمساعدة الشبيبة على تقدير أهمية الممارسة الدينية وحفظ يوم الأحد. كيف يمكننا ألاّ نقلق عندما نلحظ الانحطاط الحاد في العائلة كعنصر أساسي في الكنيسة والمجتمع؟ الطلاق والخيانة تزايدا، والكثير من الشباب والشابات يختارون إرجاء الزواج أو أن يتجاوزه بالكلية.

بالنسبة لبعض الكاثوليك، يكاد لا يختلف رباط الزواج الأسراري عن الرباط المدني، أو حتى عن قرار غير رسمي ومنفتح لمساكنة شخص آخر. ولذا، نشهد انخفاضًا مقلقًا في عدد الزيجات الكاثوليكية في الولايات المتحدة، مع تزايد في المساكنة التي تغيب فيها ببساطة هبة الذات بين الزوجين على مثال المسيح المختومة بوعد عام بالعيش بمقتضى التزام غير منفصم مدى الحياة.

في هذه الظروف، يُحرم الأبناء من بيئة آمنة يحتاجونها لكي ينمو حقًا ككائنات بشرية، ويُحرم المجتمع من حجارة البناء الثابتة التي يحتاجها إذا ما أراد أن يحافظ على اللاتحام والتركيز الخلقي في الجماعة.

كما سبق وعلّم سلفي البابا يوحنا بولس الثاني: "إن الشخص المسؤول بشكل رئيسي في الأبرشية عن الاهتمام الرعوي بالعائلة هو الأسقف… يحب أن يكرس لها الاهتمام الشخصي، العناية، الوقت، الموظفين والموارد، وفوق كل ذلك الدعم الشخصي للعائلات ولكل من… يساعده في الاهتمام الرعوي بالعائلة" ("ائتلاف العائلة"، 73). من واجبكم أن تعلنوا بشجاعة حجج الإيمان والعقل لصالح مؤسسة الزواج، كارتباط طوال العمر بين رجل وامرأة، منفتح على هبة الحياة. يجب أن يتردد صدى هذه الرسالة في شعب اليوم لأنها في جوهرها نَعَم غير مشروط ودون تحفظ للحياة، نعم للحب، نعم لتطلعات قلب بشريتنا المشتركة، إذ نكافح لأجل تحقيق توقنا الأعمق للحميمية مع الآخرين ومع الرب.

من بين العلامات المناهضة لإنجيل الحياة في أميركا وفي أماكن أخرى هناك واحدة هي مدعاة خجل عميق: الاعتداء الجنسي على القاصرين. أخبرني الكثير منكم عن الألم الكبير الذي تكبدته جماعاتكم عندما خان بعض الكهنة التزاماتهم الكهنوتية وواجباتهم بهذا التصرف غير الأخلاقي البالغ الخطورة. بينما تناضلون في سبيل القضاء على هذا الشهر أينما كان، كونوا أكيدين من دعم شعب الله المصلي في العالم بأسره.

بعدلٍ تكرسون الأولية لإبداء الرحمة والعناية بالضحايا. إنه مسؤولية موكلة إليكم من الله كرعاة بأن تضمدوا الجراح التي تسببت بها خيانة الثقة، لكي تعززوا الشفاء وتوطدوا المصالحة ولكي تمدوا يد العون باهتمام محب لمن تعرض لخطأ فادح.

الرد على هذه الحالة لم يكن سهلاً، كما أشار رئيس مجلسكم الأسقفي، وقد تم "التعامل معها بشكل سيئ جدًا أحيانًا". الآن وقد تم التوصل إلى وعي واضح لدرجة وخطورة المشكلة، تمكنتم من اعتماد مقاييس علاجية وتأديبية مركزة أكثر، ومن تعزيز بيئة آمنة تؤمّن حماية أكبر للصغار.

وبينما يجب أن نذكر بأن الأكثرية الساحقة من الإكليروس والرهبان في أميركا يقومون بعمل مدهش من خلال حمل رسالة الإنجيل المحررة للشعب الموكل إلى عنايتهم، من الأهمية بمكان أن تتم حماية الضعفاء من أولئك الذين قد يؤذونهم. في هذا المنظور، إن جهودكم للمعالجة والحماية تحمل ثمارها ليس فقط لمن هم موكلين مباشرة إلى اهتمامكم الرعوي، بل إلى المجتمع برمته.

ولكي تحقق المبادرات والبرامج التي اعتمدتموها أهدافها بالكلية، يجب أن توضع في إطار أوسع. يستحق الأطفال أن ينموا مع معرفة سليمة للجنس ولموقعها المناسب في العلاقات البشرية. يجب حمايتهم من المظاهر المنحطة والاستغلال البذيء للجنس المتفشي في أيامنا. يحق لهم أن يتربوا على القيم الأخلاقية الأصيلة المتجذرة في كرامة الشخص البشري.

يقودنا هذا الأمر من جديد إلى اعتبارنا لمحورية العائلة والحاجة إلى تشجيع إنجيل الحياة. ما معنى أن نتكلم عن حماية الأطفال عندما يمكن مشاهدة الأفلام الإباحية والعنف في الكثير من البيوت بواسطة وسائل إعلام منتشرة جدًا في أيامنا؟ نحن بحاجة ماسة لكي نعيد النظر بالقيم التي يقوم عليها المجتمع، لكي يتم تقديم تنشئة خلقية سليمة للصغار وللراشدين على حد سواء. للجميع دورهم في هذه المهمة – ليس فقط الأهل، والرؤساء الدينيين، والمربين ومعلمين الدين المسيحي، ولكن وسائل الإعلام وشركات الترفيه أيضًا.

بالواقع، إن كل عضو في المجتمع يستطيع أن يسهم في هذا التجدد الخلقي وأن يستفيد منه. الاهتمام الصادق بالصغار وبمستقبل حضارتنا يعني أن نعي مسؤوليتنا في تعزيز وعيش القيم الخلقية الأصيلة التي وحدها تمكن الشخص البشري من الازدهار. إنه واجبكم أنتم أيها الرعاة المصوغون على صورة المسيح، الراعي الصالح، أن تعلنوا الرسالة عاليًا وبوضوح، وأن تتحدثوا عن خطيئة الاعتداء الجنسي في إطار أوسع من أساليب عيش الأخلاقيات الجنسية. علاوة على ذلك، عبر الإقرار بالمشكلة ومواجهتها عندما تحدث في إطار كنسي، يمكنكم أن تعطوا أمثولة للآخرين، لأن هذه الآفة ليست موجودة في أبرشياتكم وحسب، بل في كل أبعاد المجتمع. وهي تتطلب جوابًا جماعيًا وحازمًا.

الكهنة أيضًا يحتاجون إلى هدايتكم وقربكم في هذه الأزمنة الصعبة. لقد خبروا العار لما جرى، وهناك البعض ممن خبروا أنهم فقدوا بعض الثقة والتقدير الذي كانوا يتمتعوا به سابقًا. عدد غير قليل منهم يختبر القرب من المسيح في آلامه إذ يجاهد للتوصل إلى تسوية نتائج الأزمة. الأسقف، مثل أب وأخ وصديق الكهنة، يستطيع أن يساعدهم لكي ينالوا ثمرًا روحيًا من الشركة مع المسيح عبر توعيتهم على حضور الرب المعزي وسط آلامهم، وعبر تشجيعهم على المسير مع الرب على درب الرجاء (راجع "مخلصون بالرجاء"، 39).

كما لاحظ البابا يوحنا بولس الثاني منذ ستة سنوات، "يجب أن نكون واثقين بأن أيام التجارب هذه ستؤدي إلى تطهير الجماعة الكاثوليكية بأسرها" وستؤدي إلى "كهنوت أكثر قداسة، وأساقفة أكثر قداسة، وكنيسة أكثر قداسة" (خطاب إلى كرادلة الولايات المتحدة الأميركية، 23 أبريل 2002، 4).

هناك الكثير من العلامات، التي تشير إلى أن هذا التطهير يجري حقًا في هذه الفترة. إن حضور المسيح في وسط آلامنا يحول تدريجيًا ظلماتنا إلى نور: كل شيء يصبح جديدًا حقًا في المسيح رجائنا.

في هذه المرحلة، إن عنصرًا حيويًا من مهمتكم هو أن تقووا العلاقات مع الإكليروس، وخصوصًا في تلك الحالات التي نشأ فيها توتر بين الكهنة وأساقفتكم مع نشأة المشكلة. من الأهمية بمكان أن تستمروا في إظهار الاهتمام لهم، وأن تدعموهم، وأن تقودوهم بمثالكم. بهذا الشكل ستكونون عونًا أكيدًا لهم للقاء الله، وتدلوهم إلى الرجاء الذي يحوّل الحياة الذي يتحدث عنه الإنجيل. إذا عشتم أنتم بالذات بشكل يطابق عن كثب المسيح، الراعي الصالح الذي وعب حياته لخرافه، فستلهمون إخوتكم الكهنة لكي يكرسوا أنفسهم لخدمة قطعانهم بسخاء كسخاء المسيح.

بالواقع، إن تركيزًا أوضح على الاقتداء بالمسيح في قداسة العيش هو بالضبط ما نحن بحاجة إليه لكي نسير قدمًا. نحن بحاجة إلى إعادة اكتشاف فرح عيش حياة متمحورة على المسيح، عبر إنماء الفضائل، والغوص في الصلاة. وعندما يعرف المؤمنون أن راعيهم هو رجل يصلي ويكرس حياته لخدمتهم، سيجيبون بحرارة وعطف يغذي ويسند حياة كل الجماعة.

الوقت الذي نقضيه في الصلاة ليس أبدًا وقتًا مهدورًا، مهما كانت كثيرة المهام التي تضغط علينا من كل صوب. السجود للمسيح ربنا في القربان المقدس يمدد ويعمق الاتحاد به الذي يتحقق عبر الاحتفال بالافخارستيا (راجع "سر المحبة"، 66).

التأمل في أسرار الوردية يطلق كل القوة الخلاصية التي تتضمنها ويطابق حياتنا، ويوحدنا ويكرسنا للمسيح يسوع (راجع "وردية العذراء مريم"، 11، 15). الأمانة ليتورجية الساعات تضمن بأن يكون النهار بأسره مقدسًا وتذكرنا بأننا بحاجة لكي نبقى مركزين على القيام بعمل الله، بغض النظر عن كل الضغوط والتشتت الذي قد ينشأ من الاهتمامات التي بين أيدينا. ولذا فالتقوى تساعدنا على الكلام والعمل "بشخص المسيح" (in persona Christi) وأن نعلّم، وندبّر، ونقدّس المؤمنين باسم يسوع، وأن نحمل مصالحته، وشفاءه وحبّه لكل إخوته وأخواته المحبوبين. هذه المطابقة الجذرية للمسيح، الراعي الصالح، هي في صلب خدمتنا الرعوية، وإذا ما فتحنا نفوسنا عبر الصلاة لقوة الروح القدس، فسيمنحنا كل الهبات التي نحتاجها لكي نحقق مهمتنا الرهيبة، ولذا لا يجب علينا أبدًا أن "نهتم كيف نتكلم وماذا نقول" (مت 10، 19).

وإذ أختم كلمتي هذا المساء، أوكل الكنيسة في وطنكم بشكل خاص إلى عناية وشفاعة مريم البريئة من الدنس، شفيعة الولايات المتحدة. هي التي حملت في حشاها الرجاء لكل الأمم، فلتشفع بشعب هذه الأمة لكي يتجدد في المسيح يسوع ابنها.

إخوتي الأعزاء في الأسقفية، أؤكد للحاضرين منكم هنا عميق صداقتي واشتراكي في اهتماماتكم الرعوية. ولجميعكم، ولكل الإكليروس، والمكرسين والمؤمنين العلمانيين الموكلين لعنايتكم، أمنح من كل قلبي، بركتي الرسولية عربون فرح وسلام في الرب القائم.

* * *

نقله من الإنكليزية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.

 

 

 

البابا يجيب على أسئلة الأساقفة

بعد خطابه الذي وجهه إليهم في معبد سيدة الحبل بلا دنس في واشنطن

واشنطن، دي سي، 17 أبريل 2008 (Zenit.org)

 ننشر في ما يلي الأجوبة التي أعطاها بندكتس السادس عشر يوم أمس على اسئلة ثلاثة من الاساقفة الأمريكيين في معبد سيدة الحبل بلا دنس في واشنطن.

 السؤال الأول:  سئل الأب الاقدس أن يتحدث عن تحدي العلمانية النامي في الحياة العامة وعن النسبية على المستوى العقلي. كيف يمكن مواجهة هذه التحديات على الصعيد الرعوي، والتبشير بفعالية أكبر:

 بندكتس السادس عشر: تحدثت عن هذا الموضوع باختصار في كلمتي. ما أثار انتباهي هو أنه في أمريكا، وعلى عكس أماكن كثيرة في أوروبا، العقلية العلمانية ليست منافية للدين. ففي نطاق التمييز بين الكنيسة والدولة، كان المجتمع الأمريكي دائماً يكن بالاحترام للدين ولدور الدين العام، والشعب المريكي هو في العمق شعب متدين. ولكن لا يكفي الاتكال على التدين التقليدي دون أن تتغير نظرتنا للأعمال. إن التزاماً جاداً بالتبشير لا يمكن أن يتحدر من تشخيص عميق للتحديات الحقيقية التي يواجهها الانجيل في الثقافة الأمريكية المعاصر ة.

 وبطبيعة الحال ، ما هو اساسي هو فهم صحيح للاستقلالية الحقة في النظام العلماني، استقلالية لا يمكن فصلها عن الله الخالق وعن مخططه الخلاصي.  ولعل العلمانية الأمريكية تطرح مشكلة خاصة: فهي تسمح بإعلان الايمان بالله، وتحترم دور الدين والكنائس على الصعيد العام، ولكن في الوقت عينه يمكنها أن تقود، بشكل حساس، المعتقد الديني الى قاسم مشترك أدنى، فيصبح الإيمان قبولاً سلبياً بأن بعض الأشياء صحيحة ولكن دون أية أهمية في الحياة اليومية."

 والنتيجة هي الفصل المتنامي بين الايمان والحياة : الحياة "كما لو ان الله لم يكن موجوداً". وهذا يفاقم من مفهوم فردي وانتقائي لنهج الايمان والدين،  بعيداً عن النهج الكاثوليكي "للتفكير مع الكنيسة" ، وهكذا يعتقد كل شخص أن لديه الحق في الانتقاء والاختيار، والحفاظ على الأواصر الاجتماعية الخارجية ولكن دون أي ارتداد داخلي الى شريعة المسيح.

 على مستوى أعمق ، العلمانية تشكل تحدياً للكنيسة لتؤكد من جديد على رسالتها في العالم. وكما أوضح المجمع يتحمل المؤمنون مسؤولية في هذا الصدد. وأنا مقتنع أن ما نحتاج إليه هو الشعور العميق بالعلاقة الجوهريه بين الانجيل والقانون الطبيعي من جهة، ومن جهة أخرى، السعي وراء الخير البشري الحقيقي، كما هو منصوص عليه في القانون المدني وفي المقررات الأخلاقية الشخصية.

 في مجتمع  يعطي بحق قيمة للحرية الشخصية، تحتاج الكنيسة – وعلى جميع الأصعدة – أن تعزز تعليمها، وعظها والتنشئة الإكليريكية والجامعية، في مجهود للتأكيد على حقيقة الوحي المسيحي، والانسجام بين الايمان والعقل، فهما أساس الحرية التي تعتبر تحريراً من قيود الخطيئة من أجل حياة حقيقية.

 بكلمة، لا بد من التبشير بالإنجيل وتعليمه كطريقة عيش تامة، معطين جواباً جذاباً وحقيقياً، على الصعيدين الفكري والعملي، أمام المشاكل الانسانيه الحقيقية. إن "ديكتاتوريه النسبيه" ليست سوى تهديداً للحرية البشرية، التي تنضج في السخاء والأمانة للحق.

بالطبع قد يقال الكثير عن هذا الموضوع: اسمحوا لي أن أنهي بالقول أنني أؤمن أن الكنيسة في أمريكا – وفي هذا الوقت بالذات من تاريخها – تواجه التحدي المتمثل في استرداد النظرة الكاثوليكيه للواقع، وعرضها بطريقة مبتكرة للمجتمع. أفكر بنوع خاص في الحاجة لأن نتكلم الى قلوب الشباب، الذين،  رغم التعرض المستمر لرسائل منافية للانجيل، يستمر عطشهم للأصالة ، والخير والحقيقة. لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به، وخصوصاً على مستوى التبشير والتعليم  في الابرشيات والمدارس، اذا أراد التبشير الجديد أن يؤتي ثماره لتجديد الحياة الكنسية في أمريكا.

 السؤال الثاني: سئل الأب الأقدس عن نوع من التآكل، حيث يتخلى بعض الكاثوليك عن ممارسة الايمان، أحياناً من خلال قرار صريح ، ولكن في كثير من الأحيان من خلال الابتعاد بهدوء وتدريجياً عن المشاركة بالقداس والانتماء الى الكنيسة.

 بندكتس السادس عشر: من المؤكد ان الكثير من هذا له علاقة باختفاء ثقافة دينية، واحيانا يشار اليها استخفافاً باعتبارها "الغيتو". وكما ذكرت للتو، إن أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الكنيسة في هذا البلد هو تنمية هوية كاثوليكية لا ترتكز الى الظواهر كطريقة للتفكير والتصرف على اساس الانجيل والتقليد الكنسي. ومن الواضح ان هذه المسالة تنطوي على عوامل مثل الفردية الدينية والفضيحة.

  دعونا نمضي الى لب الموضوع : لا يمكن للإيمان أن يحيا إلا إذا كان ممزوجاً بالمحبة (غلاطيا 5/ 6). هل يجد الناس اليوم صعوبة في لقاء الله في كنائسنا؟ هل فقد وعظنا ملحه؟ هل يمكن أن يكون العديد من الناس قد نسى، أو لم يتعلم ابداً، كيف يصلي في ومع الكنيسة؟

لا أتحدث هنا عن أناس يتركون الكنيسة بحثاً عن خبرات دينية ذاتية؛ إنها مسألة رعوية لا بد من معالجتها. اعتقد بأننا نتكلم عن أناس سقطوا على جانب الطريق دون وعي لرفضهم لإيمانهم بالمسيح، ولكن، لسبب ما، لم يستمدوا الحياة من الليتورجيا والاسرار والوعظ. ولكن الايمان المسيحي، كما نعلم، هو أساساً كنسي، والذين يعيشون دون علاقة وثيقة بالجماعة لا يصل إيمانهم الشخصي أبداً الى مرحلة النضج.

وفي العودة الى المسألة التي ناقشناها للتو، قد تكون النتيجة الابتعداد عن العقيدة.
إسمحوا لي أن أن أتحدث عن نقطتين في ما يتعلق بمشكلة "التآكل"، أتمنى ان تساعدان على بعض التفكير.

 اولا ، كما تعلمون ، لقد أصبح من الصعب أكثر فأكثر، في مجتمعاتنا الغربية، الكلام بطريقة مجديه عن "الخلاص". الخلاص – التحرر من واقع الشر، وهدية الحياة الجديدة والحرية في المسيح – هو فى صميم الانجيل. وكما سبق وذكرت، نحن بحاجة الى اكتشاف وسائل جديدة لإعلان هذه الرسالة وان نوقظ العطش للكمال الذي يأتي فقط مع المسيح. من خلال الليتورجيا في الكنيسة، وبخاصة سر الإفخارستيا، يمكن التعبير عن هذه الحقائق وعيشها في حياة المؤمنين. ربما لا يزال أمامنا الكثير مما يتعين القيام به فى تحقيق رؤية المجمع لليتورجية كممارسة الكهنوت العام من أجل رسالة مثمرة في العالم.

ثانيا ، نحن بحاجة الى الاعتراف بقلق بالغياب التام للمعنى الإسكاتولوجي في مجتمعاتنا الكاثوليكية تقليدياً. كما تعلمون، تحدثت عن هذه المشكلة في رسالتي العامة "بالرجاء مخلصون".

ويكفي القول ان الايمان والرجاء ليسا مقصورين على هذا العالم، كما الفضائل اللاهوتيه، فإنها توحدنا مع الرب وتجذبنا ليس فقط نحو تحقيق مصيرنا بل مصير الخليقة كلها.

 الايمان والرجاء هما أساس جهودنا للتحضير لمجيء ملكوت الله. في المسيحية، لا يمكن ان يكون هناك مجال فقط للدين الخاص: المسيح هو مخلص العالم، وكأعضاء في جسده وشركاء في خدمته النبوية والكهنوتية والملكية، لا يمككنا أن نفصل محبتنا له عن التزامنا في بناء الكنيسة وبسط ملكوته. عندما يصبح الدين عملاً خاصاً حصراً، يفقد روحه.

ما نحتاج اليه قبل كل شيء، في هذا الوقت من تاريخ الكنيسة في اميركا، هو تجديد الاندفاع الرسولي الذي يلهم رعاتها للبحث عن الضائعين، وتضميد الجراح وتشجيع الرازحين. وهذا، كما قلت، يدعو الى طرق جديدة من التفكير تقوم على التشخيص السليم لتحديات اليوم والتزام في الوحدة في خدمة رسالة الكنيسة في الجيل الحالي.

 السؤال الثالث: سئل الأب الأقدس أن يعلق على النقص في الدعوات مع أن عدد الكاثوليك ينمون وعلى الرجاء والعطش الذي يميز المرشحن للكهنوت.

بندكتس السادس عشر: فلنتكلم بصراحة: إن القدرة على تنمية الدعوات الكهنوتية علامة على صحة الكنيسة. لا مكان للتهاون في هذا الصدد. إن الله يستمر في دعوة الشباب، ويبقى لنا أن نشجعهم على الاستجابة بسخاء وحرية لهذا النداء. ومن ناحية أخرى لا يمكننا أن نعتبر هذه النعمة من المسلمات.

 في الإنجيل يطلب منا يسوع أن نصلي لكي يرسل رب الحصاد فعلة لحصاده. وهو يعترف بأن الفعلة قليلون مقارنة بوفرة الحصاد. من الغريب أن أقول أنني غالباً أفكر أن الصلاة – الضروري الأوحد – هي الناحية الوحيدة من الدعوة التي نهملها.

 لا أتكلم فقط عن الصلاة من أجل الدعوات. الصلاة بحد ذاتها، التي ولدت في العائلات الكاثوليكية، وتغذت من خلال برامج تنشئة مسيحية، وتقوّت بنعمة الاسرار، هي الوسيلة الأولى لنتعرف الى إرادة الرب في حياتنا. بقدر ما نعلّم الشباب الصلاة نسهم في تلبية نداء الرب. للبرامج والمشاريع أهميتها، ولكن تمييز الدعوة هو قبل كل شيء ثمرة الحوار الحميم بين الله ورسله. إذا عرف الشباب الصلاة، فسيميزون نداء الله.

 هناك عطش متنامي للقداسة لدى عدد كبير من الشباب، وعلى الرغم من عددهم القليل يظهر المتقدمون من الكهنوت عن مثل عليا ومستقبل واعد. من الأهمية الإصغاء إليهم، وفهم خبراتهم، وتشجيعهم على مساعدة أترابهم ليعوا الحاجة الى كهنة ورجال دين ملتزمين، وليبصروا جمال خدمة الرب وكنيسته.

مطلوب الكثير من المنشئين والمسؤولين عن الدعوات: فالمرشحون يحتاجون اليوم، وأكثر من اي وقت مضى، الى تنشئة فكرية وإنسانية تؤهلهم ليس فقط للإجابة على حاجات معاصريهم، بل أيضاً لنضوج التزامهم الخاص والمحافظة على هذا الالتزام بدعوتهم. وكأساقفة، أنتم تعون أهمية التضحية المطلوبة عندما تُسألون أن تتخلوا عن أفضل كهنتكم من أجل العمل الإكليريكي. أحثكم على الإجابة بسخاء لخير الكنيسة جمعاء.

 واخيرا ، اعتقد انكم تعلمون، وعن خبرة، أن معظم إخوتكم في الكهنوت سعداء في دعوتهم. ما قلته في خطابي عن أهمية الوحدة والتعاون في الخدمة ينطبق هنا أيضاً. هناك حاجة بالنسبة لنا جميعا لتجاوز الانقسامات العقيمة، والخلافات والتصورات السابقة، وأن نصغي معاً الى صوت الروح الذي يرشد الكنيسة الى مستقبل من الرجاء. كل واحد منا يعلم مدى أهمية الأخوّة الكهنوتية في حياتنا. إن الأخوة ليست مجرد حيازة ثمينة، بل إنها أيضاً مصدر تجدد دائم للكهنوت وللدعوات الجديدة.

أشجعكم أن تسعوا لخلق حوار ولقاءات أخوية بين كهنتكم، وبخاصة الشباب منهم. أنا مقتنع أن هذا سيأتي بالثمار لاغتنائهم الشخصي، ويزيد من حبهم للكهنوت والكنيسة، ولفعالية رسالتهم.

أيها الإخوة الاساقفة. بهذه الافكار، اشجعكم مرة أخرى في رسالتكم، وأوكلكم الى محبة مريم البريئة من الدنس، وأم الكنيسة.

نقله من الإنكليزية إلى العربية طوني عساف – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.

 

 

 

عظة بندكتس السادس عشر في الناشونال ستيديوم في واشنطن

واشنطن، دي سي، 17 أبريل 2008 (Zenit.org)

 ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر اليوم خلال القداس الذي احتفل به في الناشونال ستيديوم في واشنطن بحضور أكثر من 45 الف شخص.

 

أيّها الإخوة والأخوات في المسيح

 "سلامٌ لكم!" (يوحنّا19:20). بهذه الكلمات، الكلمات الأولى للربّ المرتفع إلى تلاميذه، أُحييكم جميعاً في فرح زمن الفصح. وقبل أيّ شيء، أشكر الله على النعمة التي منحني إيّاها بوجودي بينكم. وأشكر بخاصّة رئيس الأساقفة ويرل على كلمة استقباله الكريمة.

يردّ قداسنا اليوم الكنيسة في الولايات المتّحدة إلى جذورها بجوار ماريلاند ويُحيي الذكرى المئويّة الثانية للفصل الأوّل لنموّها الرائع – ارتفاع أبرشيّة بالتيمور الأساسيّة على يد سلفي البابا بيوس السابع وتأسيس أبرشيّات بوسطن، وباردستاون (حاليّاً لويسفيل)، ونيويورك، وفيلادلفيا. مئتا سنة خلت، بامكان الكنيسة في أميركا أن تُثني بحقّ على إنجازات الأجيال السابقة في جمع جماعات مُهاجرين مُختلفة ضمن وحدة المعتقد الكاثوليكيّ وفي التزام مُشترك لنشر تعاليم الإنجيل.

في الوقت عينه، وبإدراك تنوّعها الغنيّ، استطاعت الجماعة الكاثوليكيّة في هذه البلاد أن تُقدّر بالكامل أكثر من أيّ وقت مضى أهمّيّة كلّ فرد وجماعة في تقديم ما عندهما من مواهب للجميع. الكنيسة الكاثوليكيّة في الولايات المتّحدة مدعوّة الآن إلى التطلّع إلى المستقبل المتجذّر في الإيمان الموروث عن الأجيال السابقة وهي جاهزة لمواجهة تحدّيات جديدة – تحدّيات مماثلة لتلك التي واجهها أسلافكم – مع الرجاء الذي أفاضته محبّة الله في قلوبنا بالروح القدس (راجع روما 5:5).

وفي ممارسة سلطتي كخليفة بطرس، أتيت إلى أميركا لأُثبّتكم يا إخوتي وأخواتي في إيمان الرسل (راجع لوقا 32:22). أتيت لأعلن لكم من جديد كما فعل بطرس يوم العنصرة أنّ يسوع المسيح هو الربّ والمسيح المخلّص الذي قام من بين الأموات وجلس بالمجد عن يمين الآب ليدين الأحياء والأموات (راجع أعمال الرسل 14:2). أتيت لأكرّر نداء الرسول الملحّ للاهتداء وغفران الخطايا وللطلب إلى الرب أن يُحلّ الروح القدس على الكنيسة في هذه البلاد. وكما سمعنا خلال زمن الفصح، فإنّ الكنيسة قد ولدت من نعمة التوبة والإيمان بالرب القائم التي مُنحت بالروح. في كلّ زمان، تتقدّم الكنيسة بالروح نفسه لتأتي للأناس من كلّ قبيلة، ولغة، وشعب (راجع الرؤيا 9:5) بالأخبار السارّة عن المصالحة مع الله في المسيح.

وتدعونا رسائل اليوم في القدّاس إلى التفكير في نموّ الكنيسة في أميركا كفصل من القصّة العظيمة لامتداد الكنيسة بعد حلول الروح القدس يوم العنصرة. في تلك الرسائل، نرى الرابط القويّ بين الربّ الحيّ، وموهبة الروح لغفران الخطايا وسرّ الكنيسة. لقد أقام المسيح كنيسته على دعامات الرسل (راجع الرؤيا 14:21) كجماعة منظورة ومُنظّمة تُشكّل في الوقت عينه مُشاركة روحيّة، وجسداً بُعث إلى الحياة بعطايا الروح القدس المتعدّدة وبسرّ الخلاص للبشريّة جمعاء (راجع نور الأمم 8). في كلّ زمان ومكان، الكنيسة مدعوّة إلى الوحدة عبر الاهتداء الدائم الى المسيح الذي أعلن خلاصه الرسل من بعده وما زال يُحتفل به في الأسرار. هذه الوحدة بدورها تُساعد على امتداد تبشيري دائم كما يحثّ الروح المؤمنين على إعلان "أعمال الله العظيمة" وعلى دعوة الناس إلى الانضمام إلى جماعة المُخلَّصين بدم المسيح والموهوبين حياة جديدة في روحه.

أُصلّي إذاً أن تكون هذه الذكرى المهمّة في حياة الكنيسة في الولايات المتّحدة، ووجود خليفة بطرس بينكم فرصةً لجميع الكاثوليك لإعادة التأكيد على وحدتهم في الإيمان الرسوليّ ولتقديم جواب مقنع لمُعاصريكم عن سبب الرجاء الذي في داخلكم (راجع 1 بطرس 15:3) ولتتجدّدوا في الحماسة التبشيريّة من أجل امتداد مملكة الله.

العالم بحاجة إلى هذه الشهادة! من يستطيع إنكار أنّ الوقت الحاضر ليس مُفترق طرق ليس فقط للكنيسة في أميركا لا بل للمجتمع ككلّ؟ إنّه وقت وعد عظيم فكما نرى العائلة تتّحد أكثر فأكثر بطرق مختلفة لتصبح أكثر ترابطاً، نرى مع ذلك علامات واضحة تشير إلى انحطاط مُزعج في أسس المجتمع: علامات تنفير، وغضب، واستقطاب لدى الكثير من معاصرينا، وعنف متزايد، وإضعاف للحسّ الأخلاقيّ، وتراجع العلاقات الاجتماعيّة، وتناسي مُتزايد لله. كما ترى الكنيسة أيضاً علامات وعد كبير في رعاياها القويّة وحركاتها الأساسيّة العديدة، في حماسة الإيمان التي يظهرها الكثير من الشبّان، في أعداد أولئك الذين يهتدون سنويّاً إلى الإيمان الكاثوليكيّ، وفي اهتمام أعظم بالصلاة والتعليم الدينيّ. في الوقت عينه، كثيراً ما تشعر بالألم حيال وجود انقسام واستقطاب في وسطها وحيال الإدراك الموجع بأنّ كثيرين من المعمّدين يميلون إلى القيام بأعمال لا تتوافق مع حقيقة الإنجيل بدلاً من التصرّف كخميرة روحيّة في العالم.

"أرسل روحك أيّها المسيح فيتجدّد وجه الأرض!" (راجع المزمور 30:104). تُؤلّف كلمات مزمور اليوم صلاة تعلو من قلب الكنيسة في كلّ زمان ومكان. وتُذكّرنا أنّ الروح القدس قد أُرسل كثمار أولى لخلق جديد "سماوات جديدة وأرض جديدة" (راجع 2 بطرس 13:3/ الرؤيا 1:21) يسود فيها سلام الله وتصطلح فيها العائلة بعدل ومحبّة. لقد سمعنا القدّيس بولس يقول لنا أنّ الخليقة كلّها "تئنّ" مُترقّبةً هذه الحرّيّة الحقيقيّة التي هي هبة الله لأولاده (روما 22-8:21)، الحرّيّة التي تُخوّلنا العيش بحسب مشيئته. فلنُصلِّ اليوم بحرارة أن تتجدّد الكنيسة في أميركا بالروح عينه وأن تُكمل رسالتها في إعلان الإنجيل لعالم يتوق إلى الحرّيّة الحقيقيّة (راجع يوحنّا 32:8)، والسعادة الحقيقيّة، وتحقيق أعمق طموحاته!

وهنا أتمنّى أن أُوجّه كلمة شكر وتشجيع خاصّة إلى جميع أولئك الذين قبلوا الدعوة إلى المجمع الفاتيكاني الثاني التي كثيراً ما كرّرها البابا يوحنّا بولس الثاني والذين كرّسوا حياتهم للتبشير الجديد بالإنجيل.

أشكر إخوتي الأساقفة والكهنة والشمامسة، والرهبان والراهبات، والأهالي، والمدرّسين ومُعلّمي الدين. إنّ الإخلاص والإقدام اللذين ستُواجه بهما الكنيسة في هذه البلاد التحدّيّات الناشئة عن ثقافة دنيويّة مادّيّة متزايدة سيعتمدان كثيراً على إخلاصكم في إيصال كنز إيماننا الكاثوليكيّ. الشبيبة بحاجة إلى المساعدة على تمييز الطريق المؤدّية إلى الحرّيّة الحقيقيّة، طريق تشبّه حقيقيّ وسخيّ بالمسيح، طريق الالتزام بالعدل والسلام. لقد تمّ إحراز تقدّم كبير في تطوير برامج تعليم مسيحيّ متينة ولكن ما زال هناك الكثير لفعله من ناحية تنشئة قلوب وعقول الشبيبة على معرفة وحبّ الربّ. تتطلّب التحدّيات التي تواجهنا تربية سليمة وشاملة في حقائق الإيمان. كما تتطلّب تثقيف العقل ثقافة فكرية كاثوليكيّة أصيلة، مترسّخة في التناسق العميق بين الإيمان والعقل ومُعدّة لإضفاء غنى رؤية الإيمان لحلّ المشاكل الملحّة التي تفتك بمستقبل المجتمع الأميركيّ.

أصدقائي الأعزّاء، إنّ هدف زيارتي إلى الولايات المتّحدة هو شهادة "للمسيح رجائنا". لطالما كان الأميركيّون شعب رجاء: لقد أتى أجدادكم إلى هذه البلاد مُترقّبين الحصول على حرّيّة وفرصة جديدتين بينما أوحى لهم اتّساع القفار غير المكتشفة الرجاء في القدرة على البدء من جديد لبناء أمّة جديدة على أسس جديدة. ومن المؤكّد أنّ هذا الوعد لم يختبره كل سكان هذه الأرض لمجرّد التفكير بالإجحاف الذي عاناه شعوب أميركا الأصليّون والشعوب التي تمّ إحضارها عنوةً كعبيد من إفريقيا. على الرغم من ذلك، فإنّ الرجاء بالمستقبل يُشكّل جزءاً مُهمّاً من الطابع الأميركيّ. والتأثير المسيحيّ للرجاء – الرجاء الذي يملأ قلوبنا بالروح القدس، الرجاء الذي يُطهّر بطريقة خارقة للطبيعة ويُصحّح طموحاتنا عبر تركيزها نحو الربّ ومشروعه الخلاصيّ – هذا الرجاء طبع في السابق وما زال يطبع حياة الجماعة الكاثوليكيّة في هذه البلاد.

في هذا المعنى من الرجاء الذي ينبع من محبّة الله وإخلاصه، أقرّ بالألم الذي عانت منه الكنيسة في أميركا نتيجةً للإعتداء الجنسيّ الذي يتعرّض له القاصرون. لا تستطيع كلماتي أن تصف الألم والأذى اللذين يُسبّبهما اعتداء مماثل. من المهمّ أن يُمنح الأشخاص الذين عانوا منه العناية الرعويّة المحبّة. كما أنني لا أستطيع وصف الأذى الكبير الذي حصل ضمن جماعة الكنيسة. لقد بُذلت جهود كبيرة للتعامل مع هذا الوضع المأساويّ بصدق وعدل ولضمان أن يكبر الأولاد – الذين يُحبّهم الربّ كثيراً (راجع مرقس 14:10) والذين هم كنزنا الأعظم – في بيئة سليمة. يجب أن تُستكمل هذه الجهود من أجل حماية الأطفال. لقد تكلّمت أمس مع أساقفتكم. واليوم أُشجّع كلاً منكم على القيام بما في وسعه من أجل تعزيز الشفاء والمصالحة، ومساعدة أولئك الذين تأذّوا. كما أطلب منكم أن تُحبّوا كهنتكم وأن تُثبّتوهم في العمل الممتاز الذي يقومون به. وفوق كلّ شيء، صلّوا أن يُنعم الروح القدس عطاياه على الكنيسة، العطايا التي تُفضي إلى الاهتداء والمسامحة والنموّ في القداسة.

يتحدّث القدّيس بطرس، كما سمعنا في الرسالة الثانية، عن نوع من الصلاة ينبع من باطن قلوبنا بأنّات تفوق التعبير يُؤدّيها الروح نفسه عنّا (روما 26:8). إنّها صلاة تتوق في وسط العقاب إلى إتمام وعود الله. إنّها صلاة رجاء لا ينضب، وأناة ملؤها الصبر وكثيراً ما تكون مصحوبة بالمعاناة من أجل الحقيقة. نُشارك من خلال هذه الصلاة في سرّ ضعف المسيح وآلامه كما أننا نثق بحزم بانتصار الصليب. مع هذه الصلاة، آمل أن تتبع الكنيسة في أميركا أكثر من أيّ وقت مضى طريق الاهتداء والإخلاص لتعاليم الإنجيل، وأن يختبر جميع الكاثوليك تعزية الرجاء ومواهب الفرح والقوّة التي يمنحها الروح.

في إنجيل اليوم، يمنح الربّ الحيّ هبة الروح القدس للرسل ويُعطيهم القدرة على مغفرة الخطايا. من خلال السلطة الفائقة لنعمة المسيح الموكلة إلى الخدّام البشريين الضعفاء، تتجدّد الكنيسة دائماً ويُمنح كلّ فرد منّا رجاء بداية جديدة. فلنثق بقوّة الروح للإلهام على الاهتداء، وشفاء جميع الجروح، والتغلّب على أيّ انقسام، ولالهام حياة وحرّيّة جديدتين. كم نحن بحاجة إلى هذه المواهب! وكم هي سهلة المنال بخاصّة في سرّ التوبة! على كلّ كاثوليكيّ أن يعيد اكتشاف القوّة المحرّرة لهذا السرّ الذي به يتّحد اعترافنا الصادق بالخطيئة، بكلمة الله الرؤوفة للمغفرة والسلام. ويعتمد تجدّد الكنيسة في أميركا إلى حدّ بعيد على تجديد ممارسة سرّ التوبة والنموّ في القداسة اللذين يُقدّمهما هذا السرّ ويُتممهما.

"فإننا قد خلصنا، إنّما بالرجاء!" (روما 24:8) "فيما تشكر الكنيسة في الولايات المتّحدة الله على البركات التي منحها إيّاها في المئتي سنة الماضية، أدعوكم، وعائلاتكم، وكلّ رعيّة وجماعة دينيّة إلى الثقة بقدرة النعمة على خلق مستقبل واعد لشعب الله في هذه البلاد. أسألكم، باسم الرب يسوع، إلى وضع الانقسامات جانباً، وإلى العمل بفرح على إعداد الطريق له بإخلاص لكلمته، وبالإتمام الدائم لمشيئته. وفوق كلّ شيء، أحثّكم على أن تكونوا دوماً خميرة رجاء الإنجيل في المجتمع الأميركيّ وأن تناضلوا من أجل حمل نور الإنجيل وحقيقته لبناء عالم أكثر عدلاً وحريّة للأجيال القادمة.

"من لديه الرجاء، عليه أن يعيش حياةً مُختلفة!" (راجع  بالرجاء مخلصون 2). آمل أن تُركّزوا الطريق، بصلواتكم، بشهادة إيمانكم، وبإحسانكم الوفير، نحو آفاق رجاء واسعة يفتحها الله الآن لكنيسته وبالفعل للبشريّة جمعاء وتتمثّل برؤية عالم مُتصالح ومتجدّد في يسوع المسيح، مُخلّصنا. له المجد والوقار الآن وإلى الأبد آمين.

نقلته من الإنكليزية إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.

 

 

 

العقبات التي يواجهها الإيمان في دولة مثل الولايات المتحدة

بحسب بندكتس السادس عشر

بقلم روبير شعيب

واشنطن، الخميس 17 أبريل 2008 (Zenit.org).

 أقرّ البابا في خطابه البارحة الأربعاء إلى الأساقفة الأميرميين بأن "أميركا هي أيضًا أرض إيمان عظيم" وأن الشعب الأميركي يتميز "بحرارة تدينه وهم يفاخرون بانتمائهم لجماعة عبادة. يتحلون بالثقة بالله، ولا يترددون في تقديم آراء خلقية متجذرة في الكتاب المقدس في الخطابات العامة" وأن "احترام الحرية الدينية عميق الرسوخ في الوعي الأميركي – وهو أمر ساهم في تعزيز جاذبية هذه الأمة لأجيال من المهاجرين، الباحثين عن وطن يستطيعون أن يعبدوا فيه بحرية طبقًا لمعتقداتهم".

وأشار البابا أن الأساقفة مدعوون إلى إلقاء بذار الإنجيل اليوم في هذه التربة وتساءل: "كيف يمكن لأسقف في القرن الحادي والعشرين أن يتجاوب على أفضل وجه مع الدعوة لكي "يجعل كل شيء جديدًا في المسيح رجائنا"؟"، "كيف يمكنه أن يقود شعبه إلى "لقاء الإله الحي"، مصدر الرجاء الذي يحول الحياة والذي يتحدث عنه الإنجيل؟

وأجاب البابا معددًا الصعوبات والعقبات التي يجب على الأسقف أن يوعّي رعيته عليها:

العلمنة

 

وقال بندكتس السادس عشر: "ربما يحتاج أن يبدأ بإزالة بعض العوائق التي تحول دون هذا اللقاء. ورغم أن هذه الأمة مطبوعة بروح ديني أصيل، إلا أن تأثير العلمنة يمكنه أن يلوّن الطريقة التي يسمح بها الناس للإيمان أن يؤثر على تصرفاتهم".

وتساءل: "هل هناك توافق بين إعلان إيماننا في الكنيسة نهار الأحد، وتشجيع ممارسات مهنية وإجراءات طبيّة مناهضة لهذا اللإيمان خلال الأسبوع؟ هل هناك تماسك داخلي في كاثوليكي متدين يتجاهل الفقراء والمهمشين أو يستغلهم، ويشجع عوائد جنسية مخالفة للتعليم الخلقي الكاثوليكي، أو يأخذ مواقف تناقض حق كل كائن بشري بالحياة من الحبل وحتى الموت الطبيعي؟".

خصخصة الدين

وأشار البابا إلى أن المشاكل التي تطرحها الأسئلة المذكورة أعلاه هي تنبع من خصخصة الإيامن واعتباره مسألة فردية صرف.

وقال بهذا الصدد: "يجب مقاومة أية نزعة إلى التعامل مع الدين كمسألة خصوصية" لأنه  "فقط عندما ينفذ الإيمان إلى جميع أبعاد حياة المسيحيين، يستطيعون أن يكونوا منفتحين على قوة الإنجيل المحولة".

وانطلاقًا من سفر التكوين أظهر البابا أن الله خلق الإنسان لشركة المحبة فقال: "منذ البدء، رأى الله أنه "ليس حسنًا أن يكون الإنسان وحده" (تك 2، 18). لقد خُلقنا ككائنات اجتماعية تجد اكتمالها فقط في الحب – حب الله وحب القريب. وإذا ما ثبتنا نظرنا في الله الذي هو مصدر فرحنا، يجب أن نقوم بذلك كأعضاء في شعب الله (راجع "مخلصون بالرجاء"، 14). إذا ما بدا هذا الأمر مخالفًا للثقافة، فإنما هذا دليل آخر على الضرورة الماسة لتبشير متجدد للثقافة".

الماديّة

وتحدث البابا عن عائق ثالث يواجهه الإيمان في مجتمع ثري مثل المجتمع الأميركي فقال: "يكمن عائق آخر أمام مجتمع ثري في وجه اللقاء بالله الحي في تأثير الماديةّ، التي تستطيع بكل سهولة أن تركز الانتباه على المائة ضعف، التي يعد بها الله في هذا الزمان، على حساب الحياة الأبدية التي يعد بها في الجيل الآتي (راجع متى 10، 30)".

وتابع: "يحتاج الناس اليوم إلى من يذكرهم بأهداف حياتهم النهائية. يحتاجون إلى أن يكتشفوا أن في داخلهم عطش عميق إلى الله. يحتاجون أن يحظوا بإمكانيات لينهلوا من ينابيع حبه اللامتناهي".

ولفت أنه "من السهل أن يتلهى الإنسان بالامكانيات اللامحدودة التي يضعها العلم والتكنولوجيا في متناولنا؛ من السهل الوقوع في خطأ التفكير بأننا نستطيع أن ننال بجهودنا تحقيق حاجاتنا الأعمق. لكن هذا وهم. دون الله، الذي وحده يستطيع أن ينعم علينا بما لا نستطيع الوصول إليه بذاتنا تضحي حياتنا فارغة".

 

 


بندكتس السادس عشر يتطرق إلى مأساة الاعتداء الجنسي على القاصرين من قبل الإكليروس

ويصفها بأنها علامة مناهضة لإنجيل الحياة ومدعاة خجل كبير

بقلم روبير شعيب

واشنطن، الخميس 17 أبريل 2008 (Zenit.org).

 توقف البابا في خطابه البارحة إلى أساقفة الولايات المتحدة على إحدى أكبر "العلامات المناهضة لإنجيل الحياة في أميركا" وهي "الاعتداء الجنسي على القاصرين"، الذي هو "مدعاة خجل عميق" و "تصرف غير الأخلاقي بالغ الخطورة".

وأثنى البابا على اهتمام الأساقفة والكنيسة بضحايا هذه الآفة بالقول: "بعدلٍ تكرسون الأولية لإبداء الرحمة والعناية بالضحايا. إنه مسؤولية موكلة إليكم من الله كرعاة بأن تضمدوا الجراح التي تسببت بها خيانة الثقة، لكي تعززوا الشفاء وتوطدوا المصالحة ولكي تمدوا يد العون باهتمام محب لمن تعرض لخطأ فادح".

وذكر البابا، من ناحية أخرى، أن "الأكثرية الساحقة من الإكليروس والرهبان في أميركا تقوم بعمل مدهش من خلال حمل رسالة الإنجيل المحررة للشعب الموكل إلى عنايتهم"، ومع ذلك لأنه "من الأهمية بمكان أن تتم حماية الضعفاء من أولئك الذين قد يؤذونهم".

وسلط بندكتس السادس عشر الضوء على أنه في سبيل تفعيل المبادرات والبرامج وتحقيق أهدافها بالكلية، يجب أن توضع في "إطار أوسع". وشرح قائلاً: "يستحق الأطفال أن ينموا مع معرفة سليمة للجنس ولموقعها المناسب في العلاقات البشرية. يجب حمايتهم من المظاهر المنحطة والاستغلال البذيء للجنس المتفشي في أيامنا. يحق لهم أن يتربوا على القيم الأخلاقية الأصيلة المتجذرة في كرامة الشخص البشري".

ولفت أن هذه المسيرة وهذه البرامج تحتاج إلى "محورية العائلة والحاجة إلى تشجيع إنجيل الحياة". إذ تساءل مبينًا المفارقة: "ما معنى أن نتكلم عن حماية الأطفال عندما يمكن مشاهدة الأفلام الإباحية والعنف في الكثير من البيوت بواسطة وسائل إعلام منتشرة جدًا في أيامنا؟".

وأضاف: "نحن بحاجة ماسة لكي نعيد النظر بالقيم التي يقوم عليها المجتمع، لكي يتم تقديم تنشئة خلقية سليمة للصغار وللراشدين على حد سواء. للجميع دورهم في هذه المهمة – ليس فقط الأهل، والرؤساء الدينيين، والمربين ومعلمين الدين المسيحي، ولكن وسائل الإعلام وشركات الترفيه أيضًا".

من ناحية أخرى أشار البابا أن هذه التجربة الصعبة التي تمر فيها الكنيسة في أميركا لا ينبغي أن تجعل الصالحين يفقدون الثقة بل "يجب أن نكون واثقين بأن أيام التجارب هذه ستؤدي إلى تطهير الجماعة الكاثوليكية بأسرها" وستؤدي إلى "كهنوت أكثر قداسة، وأساقفة أكثر قداسة، وكنيسة أكثر قداسة"، مستشهدًا برسالة البابا يوحنا بولس الثاني إلى أساقفة الولايات المتحدة إثر الفضيحة الجنسية في عام 2002.

وأخيرًا دعا البابا الأساقفة إلى أن يكونوا مثالًا يحتذى أمام كهنتهم، لكي يعلموهم بالمثل كيف يضحوا بأنفسهم من أجل رعيتهم، مثل المسيح الراعي الصالح، وأضاف قائلاً: "في هذه المرحلة، إن عنصرًا حيويًا من مهمتكم هو أن تقووا العلاقات مع الإكليروس، وخصوصًا في تلك الحالات التي نشأ فيها توتر بين الكهنة وأساقفتكم مع نشأة المشكلة. من الأهمية بمكان أن تستمروا في إظهار الاهتمام لهم، وأن تدعموهم، وأن تقودوهم بمثالكم".

 

 

 

البابا يحض الشعب الأميركي على الاستمرار بالتحلي بشيم السخاء والضيافة

بقلم روبير شعيب

واشنطن، الخميس 17 أبريل 2008 (Zenit.org).

 شجع البابا بندكتس السادس عشر الشعب الأميركي على أن يحافظ على السخاء نحو الشعوب الفقيرة وعلى الانفتاح في قبول الشعوب المهاجرة كما فعل أسلافهم في الماضي.

جاءت كلماته في خطابه إلى أساقفة الولايات المتحدة لدى ترؤسه الاحتفال بصلاة الغروب في المزار الوطني لسيدة الحبل بلاد دنس في واشنطن مساء الأربعاء 16 أبريل 2008.

وقال البابا في مطلع كلمته: "يشتهر الكاثوليك الأميركيون بأمانتهم وإخلاصهم لكرسي بطرس. وزيارتي الرسولية هذه هي مناسبة مؤاتية لتدعيم أواصر الشركة التي تربطنا".

وبما أن الكاثوليك في أميركا هم "إحدى أكبر الجماعات في العالم، ومن بين أكثرها تأثيرًا"، أشار بندكتس السادس عشر أنه يترتب عليهم مسؤولية كبيرة في أن يجعلوا نورهم يشع هكذا أمام مواطنيهم والعالم، "لكي يروا أعمالهم الصالحة ويمجدوا أباهم الذي في السماوات".

وتابع أسقف روما: "أود أن أشجعكم وجماعتكم على المضي قدمًا في استقبال المهاجرين الذين ينضموا إلى صفوفكم اليوم، لكي تتقاسموا أفراحهم وآمالهم، لكي تعضدوهم في آلامهم وتجاربهم، ولكي تساعدوهم على الازدهار في بيتهم الجديد. هذا هو حقًا ما قام به إخوتكم في الوطن لأجيال. منذ البدء، فتحوا أبوابهم للمتعبين وللفقراء، ولـ "حشود البشر التواقة إلى تنفس الحرية" (راجع بيت الشعر المحفور على تمثال الحرية). هذه هي الشعوب التي جعلتها أميركا خاصتها".

 هذا ونوه البابا بسخاء الشعب الأميركي نحو الدول المنكوبة والمحتاجة فذكّر على سبيل المثال بإسهام شعب أميركا في أعمال الإغاثة والإنقاذ بعد فيضان ديسمبر 2004 في المحيط الهندي وقال: "اسمحوا لي أن أعبّر عن تقديري الخاص لمختلف أشكال المعونة الإنسانية التي تقدمها الأميركيون الكاثوليك عبر مؤسسات المحبة الكاثوليكية وغيرها من المؤسسات. لقد حمل هذا السخاء ثمارًا في العناية بالفقراء والمحتاجين، وفي الطاقة التي وُظّفت في بناء شبكة وطنية من الرعايا الكاثوليكية، والمستشفيات، والمدارس والجامعات. كل هذا هو مدعاة شكر عميم".

 

 

 

الحياة العائلية السليمة هي وسيلة سلام في الدول وفي ما بينها

بقلم روبير شعيب

واشنطن، الخميس 17 أبريل 2008 (Zenit.org).

 توقف البابا في خطابه إلى الأساقفة الأميركيين البارحة على حالة العائلة وانطلق في حديثه مما قاله في رسالة اليوم العالمي للسلام لهذه السنة، حيث تحدث عن "الإسهام الجوهري الذي تقدمه الحياة العائلية السليمة للسلام في الدول وبينها".

وشرح بالقول: "نختبر في البيت العائلي "بعض عناصر السلام الأساسية: العدالة والحب بين الإخوة والأخوات، دور السلطة التي يعبر عنها الوالدان، الاهتمام المحبّ بأعضاء العائلة الأضعف بسبب الصغر أو المرض أو كبر السنّ، والتعاون المتبادل في ضروريات الحياة، والجهوزية لقبول الآخرين، وإذا دعت الحاجة، إلى المغفرة لهم".

وأردف بالقول: "العائلة هي الموضع الأولي للتبشير، لنقل الإيمان، لمساعدة الشبيبة على تقدير أهمية الممارسة الدينية وحفظ يوم الأحد. كيف يمكننا ألاّ نقلق عندما نلحظ الانحطاط الحاد في العائلة كعنصر أساسي في الكنيسة والمجتمع؟ الطلاق والخيانة تزايدا، والكثير من الشباب والشابات يختارون إرجاء الزواج أو أن يتجاوزه بالكلية".

واستنكر لافتًا إلى أنه بالنسبة لبعض الكاثوليك، "يكاد لا يختلف رباط الزواج الأسراري عن الرباط المدني، أو حتى عن قرار غير رسمي ومنفتح لمساكنة شخص آخر" ولذا، "نشهد انخفاضًا مقلقًا في عدد الزيجات الكاثوليكية في الولايات المتحدة، مع تزايد في المساكنة التي تغيب فيها ببساطة هبة الذات بين الزوجين على مثال المسيح المختومة بوعد عام بالعيش بمقتضى التزام غير منفصم مدى الحياة".

وسلط البابا الضوء على عواقب هذه الظاهرة بالقول: "في هذه الظروف، يُحرم الأبناء من بيئة آمنة يحتاجونها لكي ينمو حقًا ككائنات بشرية، ويُحرم المجتمع من حجارة البناء الثابتة التي يحتاجها إذا ما أراد أن يحافظ على اللاتحام والتركيز الخلقي في الجماعة".

وشدد على أن الأسقف هو المسؤول الأول عن العائلات في الأبرشية وأنه من واجب الأساقفة أن يعلنوا بشجاعة ووضوح مرتكزين على البراهين العقلية والإيمانية أن العائلة تبنى على حب غير منفصم بين رجل وامرأة يتعاهدان على الحب والأمانة حتى الموت في علاقة منفتحة على الحياة والإنجاب.

 

 


بيان مُشترك للفاتيكان والولايات المتّحدة حول زيارة البابا لبوش

واشنطن، دي سي، 17 أبريل 2008 (Zenit.org)

 ننشر في ما يلي المشترك الصادر عن الفاتيكان والولايات المتّحدة بعد لقاء بندكتس السادس عشر وجورج بوش في البيت الأبيض.

 

"اجتمع قداسة البابا بندكتس السادس عشر والرئيس جورج بوش في البيت الأبيض.

رحّب الرئيس بوش، بالنيابة عن كلّ الشعب الأميركيّ، بالأب الأقدس مُتمنّياً له عيدَ ميلاد سعيد، وشكره على الإرشاد الروحيّ والمعنويّ الذي يُقدّمه للبشريّة جمعاء. تمنّى الرئيس للبابا كلّ النجاح في رحلته الرسوليّة وفي خطابه في الأمم المتّحدة، كما أعرب له عن تقديره للزيارة التي سيقوم بها قريباً إلى غراوند زيرو "المنطقة الصفر" في نيويورك.

وخلال اجتماعهما، بحث الأب الأقدس والرئيس في بعض المواضيع ذات الخير المُشترك للكرسي الرسولي والولايات المتّحدة الأميركيّة بما فيها الاعتبارات الأخلاقيّة والدينيّة التي يلتزم بها الطرفان ألا وهي احترام كرامة الإنسان، الدفاع عن الحياة والزواج والعائلة وتنميتها، تربية الأجيال الصاعدة، حقوق الإنسان والحرّيّة الدينيّة، التنمية المستدامة ومُكافحة الفقر والأوبئة بخاصّة في إفريقيا. وفي ما يتعلّق بهذه الأخيرة، شكر الأب الأقدس الولايات المتّحدة على المساعدات الماليّة السخيّة التي تمنحها لهذه المنطقة. وأعاد الاثنان التأكيد على رفضهما الكامل للإرهاب واستعمال الدّين من أجل تبرير الأعمال غير الأخلاقيّة والعنيفة التي تُرتكب بحقّ الأبرياء. كما تحدّثا عن الحاجة إلى مُكافحة الإرهاب بالطرق المناسبة ضمن احترام الإنسان وحقوقه.

وخصّص الأب الاقدس والرئيس وقتاً طويلاً من مُباحثاتهما للتحدّث عن الشرق الأوسط وبخاصّة عن حلّ الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ عن طريق رؤية دولتين مُجاورتَين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمان، وعن دعمهما المتبادل من أجل سيادة لبنان واستقلاله، وعن قلقهما المُشترك حيال الوضع في العراق وتحديداً حيال الوضع غير المستقرّ للجماعات المسيحيّة هناك وفي أماكن أخرى في المنطقة. وعبّر الأب الأقدس والرئيس عن أملهما بإنهاء العنف وبحلّ فوريّ وشامل للأزمات التي تعصف بالمنطقة.

كما تحدّثا عن الوضع في أميركا اللاتينيّة وبخاصّة عن مسألة المهاجرين من بين المسائل الأخرى وعن الحاجة إلى سياسة مُتناسقة بشأن المهاجرين، وخصوصاً بشأن تأمين مُعاملة إنسانيّة لهم ورفاهة عائلاتهم.

نقلته من الإنكليزية إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.

 

 

 

الدعوات الكهنوتية علامة على صحة الكنيسة

بقلم طوني عساف

 واشنطن، دي سي، 17 أبريل 2008 (Zenit.org)

 "إن القدرة على تنمية الدعوات الكهنوتية علامة على صحة الكنيسة". هذا ما قاله بندكتس السادس عشر ردأً على سؤال أحد الأساقفة عن النقص في الدعوات، مساء أمس في معبد سيدة الحبل بلا دنس في واشنطن خلال لقائه باساقفة الولايات المتحدة.  

 وقال البابا "إن الله يستمر في دعوة الشباب، ويبقى لنا أن نشجعهم على الاستجابة بسخاء وحرية لهذا النداء".

 وتحدث بندكتس السادس عشر عن أهمية الصلاة في حياة الكهنة وقال إن "الصلاة بحد ذاتها، التي ولدت في العائلات الكاثوليكية، وتغذت من خلال برامج تنشئة مسيحية، وتقوّت بنعمة الاسرار، هي الوسيلة الأولى لنتعرف الى إرادة الرب في حياتنا".

واشار البابا الى أن  تمييز الدعوة لا يكون من خلال المشاريع والبرامج وإنما هو قبل كل شيء "ثمرة الحوار الحميم بين الله ورسله".

 وشدد قداسته على أهمية الإصغاء للشباب، وفهم خبراتهم، وتشجيعهم على مساعدة أترابهم "ليعوا الحاجة الى كهنة ورجال دين ملتزمين، وليبصروا جمال خدمة الرب وكنيسته".

 وقال إن المرشحين للدعوة الكهنوتية يحتاجون اليوم، وأكثر من اي وقت مضى، "الى تنشئة فكرية وإنسانية تؤهلهم ليس فقط للإجابة على حاجات معاصريهم، بل أيضاً لنضوج التزامهم الخاص والمحافظة على هذا الالتزام بدعوتهم".

وختم البابا مشجعاً الاساقفة على "خلق حوار ولقاءات أخوية بين كهنتكم، وبخاصة الشباب منهم. أنا مقتنع أن هذا سيأتي بالثمار لاغتنائهم الشخصي، ويزيد من حبهم للكهنوت والكنيسة، ولفعالية رسالتهم."

 

 


البابا يتساءل: "هل يجد الناس اليوم صعوبة في لقاء الله في كنائسنا؟"

ردّاً على سؤال أحد الأساقفة

 بقلم طوني عساف

 واشنطن، دي سي، 17 أبريل 2008 (Zenit.org) – خلال لقاء الأساقفة الأمريكيين ببندكتس السادس عشر، علّق أحد الأساقفة على التآكل الذي يصيب الكنيسة الكاثوليكية، حيث يتخلى حيث يتخلى بعض الكاثوليك عن ممارسة الايمان، فأجاب البابا أن لهذا علاقة باختفاء الثقافة الدينية، مشيراً الى أن "أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الكنيسة في هذا البلد هو تنمية هوية كاثوليكية لا ترتكز الى الظواهر كطريقة للتفكير والتصرف على اساس الانجيل والتقليد الكنسي".

  وقال البابا انه لا يمكن للإيمان أن يحيا إلا إذا كان ممزوجاً بالمحبة متسائلاً: "هل يجد الناس اليوم صعوبة في لقاء الله في كنائسنا؟ هل فقد وعظنا ملحه؟ هل يمكن أن يكون العديد من الناس قد نسى، أو لم يتعلم ابداً، كيف يصلي في ومع الكنيسة؟"

 وفي هذا الصدد تحدث بندكتس السادس عشر عن نقطتين تتعلقان بمسألة التآكل التي تحدث عنها الأسقف، فقال إنه أصبح من الصعب في مجتمعاتنا الغربية، الكلام بطريقة مجديه عن "الخلاص"، مشيراً الى أن الكنيسة تحتاج الى وسائل جديدة لإعلان الرسالة.

أما النقطة الثانية فهي الحاجة الى الاعتراف بقلق بالغياب التام للمعنى الإسكاتولوجي في مجتمعاتنا الكاثوليكية تقليدياً، والتي تحدث عنها قداسته في رسالته العامة بالرجاء مخلصون."

"إن الايمان والرجاء – تابع البابا – ليسا مقصورين على هذا العالم، كما الفضائل اللاهوتيه، فإنها توحدنا مع الرب وتجذبنا ليس فقط نحو تحقيق مصيرنا بل مصير الخليقة كلها".

 وختم بندكتس السادس عشر قائلاً إن الكنيسة في هذه المرحلة من تاريخها الى "جديد الاندفاع الرسولي الذي يلهم رعاتها للبحث عن الضائعين، وتضميد الجراح وتشجيع الرازحين".

 

 


البابا: نحن بحاجة الى الشعور العميق بالعلاقة الجوهريه بين الانجيل والقانون الطبيعي

رداً على سؤال أحد الأساقفة

 بقلم طوني عساف

 واشنطن، دي سي، 17 أبريل 2008 (Zenit.org) – بعد ظهر يوم الأربعاء التقى البابا بندكتس السادس عشر بأساقفة الولايات المتحدة في معبد سيدة الحبل بلا دنس في واشنطن. وبعد خطابه إليهم طرح الأساقفة بعض ألأاسئلة، وكان السؤال الاول حول تحدي العلمانية النامي والنسبية على الصعيد العقلي.

 وفي إجابته ميز الأب الأقدس بين العقلية العلمانية في أمريكا والعقلية العلمانية في أوروبا مشيراً الى أن في امريكا "العقلية العلمانية ليست منافية للدين".

وقال البابا أن ما هو أساسي هو "فهم صحيح للاستقلالية الحقة في النظام العلماني، استقلالية لا يمكن فصلها عن الله الخالق وعن مخططه الخلاصي".

 
وأعقب قائلاً أنه على الرغم أن العلمانية الأمريكية تسمح بإعلان الايمان بالله، وتحترم دور الدين والكنائس على الصعيد العام، فإنها في الوقت عينه قد تؤدي الى تحوّل الإيمان الى "قبول سلبي بأن بعض الأشياء صحيحة ولكن دون أية أهمية في الحياة اليومية."، الأمر الذي يؤدي – تابع قداسته – الى "الفصل المتنامي بين الايمان والحياة : الحياة "كما لو ان الله لم يكن موجوداً".

 وقال البابا أن العالم يحتاج الى "الشعور العميق بالعلاقة الجوهريه بين الانجيل والقانون الطبيعي من جهة، ومن جهة أخرى، السعي وراء الخير البشري الحقيقي، كما هو منصوص عليه في القانون المدني وفي المقررات الأخلاقية الشخصية".

 هذا وشدد قداسته على أهمية التبشير التبشير بالإنجيل وتعليمه كطريقة عيش تامة، لأن " "ديكتاتوريه النسبيه" ليست سوى تهديداً للحرية البشرية، التي تنضج في السخاء والأمانة للحق".

ودعا البابا الاساقفة الى التكلم "الى قلوب الشباب، الذين،  رغم التعرض المستمر لرسائل منافية للانجيل، يستمر عطشهم للأصالة ، والخير والحقيقة".