اليوم الثالث: خطاب قداسة البابا أمام الأمم المتحدة

اليوم الثالث لزيارة قداسة البابا لأمريكا:

 

عن موقع إذاعة الفاتيكان

 البابا يزور مقر الأمم المتحدة في نيويورك ويلقي خطاباً في الجمعية العامة الـ62

 

زار البابا بندكتس السادس عشر هذا الجمعة مقر الأمم المتحدة في نيويورك حيث ألقى خطاباً في الجمعية العامة الـ62. التفاصيل في تقرير الزميلة جمال ورد:\"\"

كلمة بندكتس السادس عشر لممثلي مختلف الديانات في الولايات المتحدة

واشنطن، 18 أبريل 2008 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها البابا بندكتس السادس عشر لممثلي مختلف الديانات في الولايات المتحدة مساء أمس في مركز يوحنا بولس الثاني الثقافي في واشنطن.

 
أيها الأصدقاء الأعزاء،

يسعدني أن ألتقي بكم اليوم. أشكر الأسقف سيلكا على كلمات الترحيب، وأوجه تحية قلبية الى جميع الحاضرين، ممثلين مختلف الديانات في الولايات المتحدة الأمريكية. العديد منكم تفضل بقبول الدعوة للمساهمة في كتابة الأفكار الواردة في برنامج اليوم. أشكركم لكلماتكم العميقة التي تظهر كيف يشهد كلّ من تقاليدكم للسلام. أشكركم جميعاً.

إن لهذا البلد تاريخ طويل من التعاون بين مختلف الديانات في قطاعات مختلفة من الحياة العامة. الصلاة المشتركة بين الأديان خلال عيد الشكر الوطني، النشاطات الخيرية المشتركة، الصوت المشترك بشأن قضايا عامة مهمة: هي من المبادرات التي تجمع بين أعضاء من ديانات مختلفة للعمل معاً على تعزيز الخير العام. أشجع جميع الفرق الدينية في أمريكا على المثابرة في تعاونهم وفي إغناء الحياة العامة بالقيم الروحية التي تدفع عملكم في العالم.

لقد تأسس المكان الذي نجتمع فيه الآن خصيصاً لتعزيز هذا النوع من التعاون. في الواقع، إن مركز يوحنا بولس الثاني الثقافي يسعى لتقديم صوت مسيحي" للبحث البشري عن معنى وهدف للحياة" في عالم يتألف من جماعات دينية وعرقية وثقافية مختلفة". هذه المؤسسة تذكرنا بقناعة هذه الأمة بحرية الجميع في السعي وراء السعادة بطريقة تتوافق مع طبيعتهم كخلائق وهبوا العقل والإرادة الحرة.

لقد قدّر الأمريكيون دوماً القدرة على العبادة بحرية ووفقاً لضمائرهم. أليكسيس دو توكفيل، المؤرخ الفرنسي ومدقق في الشؤون الأمريكية، ذُهِل بهذا الجانب من حياة الأمة. وقال أن أمريكا هي بلد يرتبط فيه الدين والحرية "ارتباطاً وثيقاً" في المساهمة في إقامة ديمقراطية مستقرة تنمي الفضائل الاجتماعية والمشاركة في الحياة الاجتماعية لجميع مواطنيها. في المناطق المدنية، من الشائع للأفراد من مختلف الأديان والخلفيات الثقافيه المشاركة مع بعضهم البعض يومياً في الأمور التجارية والاجتماعية والتربوية.

اليوم، في الصفوف الدراسيه فى جميع انحاء البلد، شباب مسيحيون ويهود ومسلمون وهندوس وبوذيون، وأطفال من جميع الديانات يجلسون جنباً الى جنب يتعلمون مع بعضهم البعض ومن بعضهم البعض. هذا التنوع يثير تحديات جديدة تدفع للتفكير بعمق حول المبادئ الأساسية للمجتمع الديمقراطى. أتمنى أن يتعلم الآخرون من خبرتكم، ويعوا بأنه يمكن تكوين مجتمع موحد مؤلف من شعوب متعددة، حيث يعترف الجميع بالحرية الدينية كحق مدني أساسي.

مهمة الدفاع عن الحرية الدينية لم تكتمل حتى الآن. الأوضاع الجديدة والتحديات تدعو المواطنين والقادة الى التفكير في كيفية احترام هذا الحق الإنساني الأساسي في قراراتهم. حمايه الحرية الدينية في اطار سيادة القانون لا تضمن أن الشعوب – وخاصة الأقليات – سينجون من اشكال التمييز والتحيز. وهذا يتطلب بذل جهد مستمر من قبل جميع أفراد المجتمع لضمان إعطاء المواطنين إمكانية العبادة بطريقة سلميه وبنقل ما لديهم من التراث الديني لاولادهم.

إن نقل التقاليد الدينية للأجيال الجديدة لا يساعد على الحفاظ على هذه التقاليد وحسب، وإنما يغذي أيضاً ويدعم الثقافة في الوقت الحاضر. والأمر نفسه يحصل في الحوار بين الأديان حيث يغتني المشاركون في الحوار والمجتمع ككل. فبينما ننمو في فهم بعضنا البعض، نعي بأننا نتقاسم الاحترام للقيم الأخلاقية التي يعمل بها جميع أصحاب النوايا الحسنة. العالم يتوق الى شهادة مشتركة لهذه القيم.

وبالتالي فإني أدعو جميع رجال الدين الى النظر الى الحوار ليس فقط كوسيلة لتعزيز التفاهم المتبادل، وإنما ايضاً كأداة لخدمة المجتمع ككل. من خلال الشهادة لتلك الحقائق الاخلاقية المشتركة بين جميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الحسنة، سيكون للقادة الدينيين تأثير إيجابي على الثقافة عامة، وسيشجعون المواطنين على العمل على تعزيز أواصر التضامن. لقد قال الرئيس فرانكلين روزفلت: "ما من شيء جيد يأتي الى أرضنا أعظم من تجدد روح الإيمان".

إن مثلاً حسياً لمساهمة الجماعات الدينية في المجتمع المدني هو المدارس. فهذه المؤسسات تغني الأطفال على الصعيدين الفكري والروحي. فمن خلال تعليم أساتذتهم عن قدسية كرامة كل كائن بشري، يتعلم الشبان احترام معتقدات الآخرين، وبالتالي يسهمون في تعزيز الحياة المدنية.

إن مسؤولية القادة الدينيين عظيمة: تزويد المجتمع برهبة عميقة واحترام للحياة البشرية وللحرية؛ ضمان الكرامة البشرية المعترف والمعتز بها؛ تسهيل السلام والعدالة وتعليم الأطفال ما هو صحيح وجيد ومعقول.

وأود هنا أن أتحدث عن نطقة أخرى. لقد لاحظت اهتماماً نامياً بين الحكومات لرعاية برامج تهدف الى تعزيز الحوار بين الاديان والحوار بين الثقافات. إنها مبادرات جديرة بالتقدير. وفي الوقت عينه، الحرية الدينية والحوار بين الاديان يهدفان الى شيء أبعد من توافق في الآراء بشأن سبل تنفيذ استراتيجيات عملية من اجل دفع السلام. الغرض الأساسي من الحوار هو إكتشاف الحقيقة.

ما هو مصدر ومصير البشريه؟ ما هو الخير والشر؟ ماذا ينتظرنا في نهاية اعمالنا في وجودنا الدنيوي؟ فقط من خلال مواجهة هذه المسائل العميقة نستطيع ان نبني قاعدة صلبة للسلام والأمن للأسرة البشرية ، لأنه "اينما وحيثما استنار الرجال والنساء ببهاء الحقيقة، يرسمون تلقائياً طريق السلام" (رسالة اليوم العالمي للسلام 2006).

نعيش في زمن غالباً ما يهمّش هذه المسائل، ولكن لا يمكن محوها من القلب البشري. رجال ونساء عبر التاريخ جاهدوا ليعبروا عن أرقهم حيال هذا العالم العابر.

المزامير في التقليد اليهودي-المسيحي مليئة بهكذا عبارات: "خارت فيّ روحي" (مز 143/4)؛ "لماذا تكتئبين يا نفسي" (مز 42/5). والجواب هو دائماً الإيمان: "إرتجي الله فإني ٍاعترف له، فهو خلاص وجهي وإلهي" (مز42/ 5 – 11).

للقادة الروحيين واجب خاص، وقد نقول كفاءة، لوضع المسائل العميقة في الطليعة ولتوعية البشرية على سر الوجود الإنساني وخلق المجال للتأمل والصلاة.

وأمام هذه المسائل العميقة المتعلقة بمصدر ومصير البشريه، المسيحية تقترح يسوع الناصري. ونحن نؤمن انه الكلمة الأزلي الذي أصبح جسداً ليصالح الإنسان مع الله وليظهر مصدر كل الاشياء. به نأتي الى منتدى الحوار بين الأديان. إن الرغبة الصادقه في السير على خطاه تحث المسيحيين على فتح عقولهم وقلوبهم للحوار.

أيها الأصدقاء الأعزاء، في محاولتنا لاكتشاف النقاط المشتركة، قد نكون ربما ابتعدنا عن المسؤولية لمناقشة خلافاتنا بهدوء ووضوح. وفي حين نوحد قلوبنا وعقولنا في الدعوة الى السلام، علينا أن نصغي بانتباه الى صوت الحق.

وبهذه الطريقة ، فإن حوارنا لن يتوقف عند تحديد مجموعة مشتركة من القيم، بل إنه يذهب أبعد من ذلك لسبر غور ركيزة هذه القيم الأساسية. ما من سبب للخوف لأن الحقيقة تكشف لنا جوهر العلاقة بين العالم والله. إننا قادرون على إدراك أن السلام هو "هبة سماوية" تدعونا التوفيق بين تاريخ البشريه والنظام الالهي. وهنا تكمن "حقيقة السلام" (راجع رسالة اليوم العالمي للسلام 2006).

وكما رأينا، إن الهدف الأسمى للحوار بين الأديان يتطلب عرضاً واضحاً للمعتقدات الدينية. وفي هذا الصدد تلعب الجامعات والمعاهد ومراكز الدراسات دوراً هاماً في تبادل صريح للأفكار الدينية.

من جهته، يعمل الكرسي الرسولي على المضي قدماً في هذا العمل الهام عبر المجلس الحبري للحوار بين الأديان، المعهد الحبري للدراسات العربية والإسلامية، ومختلف الجامعات الحبرية.

أيها الأصدقاء، فليساعد حوارنا الصريح وتعاوننا الناس على التفكير بالعمق في مسألة أصلهم ومصيرهم. فليقف أتباع جميع الديانات معاً في الدفاع عن الحياة وعن الحرية الدينية في كل مكان.

من خلال إعطاء ذواتنا بسخاء لهذه المسؤولية المقدسة – عبر الحوار وأعمال المحبة والتفاهم – يمكننا أن نكون أدوات سلام للأسرة البشرية جمعاء.

السلام لكم جميعاً!

نقله من الإنكليزية إلى العربية طوني عساف – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.

خطاب قداسة البابا بندكتس السادس عشر أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة في مقر المنظمة في نيويورك

نيويورك، الجمعة 18 أبريل 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي خطاب قداسة البابا بندكتس السادس عشر أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة في مقر المنظمة في نيويورك.

* * *

السيد الرئيس،

سيداتي وسادتي،

بينا أتوجه إلى هذه الجمعية، أود أولاً أن أعبر لكم، سيدي الرئيس، عن شكري الجزيل لكلماتكم الودية. يذهب شكري أيضًا إلى أمين السر العام، السيد بان كي-مون، الذي تفضل بدعوتي لزيارة المقر الرئيسي للمنظمة، وللاستقبال الذي خصني به. أحيي سفراء ودبلوماسيي الدول الأعضاء وكل الحاضرين. من خلالكم، أحيي الشعوب التي تمثلون هنا. تتوقع شعوبكم من هذه المؤسسة أن تفعّل وحيها التأسيسي، الذي هو تشكيل "محور لتنظيم نشاطات الأمم المتحدة بغية التوصل إلى تحقيق الغايات المشتركة" أي السلام والنمو (راجع شرعة الأمم المتحدة، المادة 1.2 – 1.4). كما سبق وأعرب البابا يوحنا بولس الثاني في عام 1995، يجب على المنظمة أن تكون "محورًا خلقيًا، حيث تشعر كل أمم العالم أنها في بيتها، وحيث يتنامى الوعي المشترك بأننا، بشكل ما، عائلة أمم" (رسالة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة المجتمعة بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسها في نيويورك، 5 أكتوبر 1995).

 عبر الأمم المتحدة، حددت الدول أهدافًا شمولية هي، رغم أنها لا تتطابق بالتمام مع كامل خير العائلة البشرية المشترك، تشكل دون شك قسمًا أساسيًا منه. المبادئ التأسيسية للمنظمة – الرغبة بالسلام، حس العدالة، احترام كرامة الشخص البشرية، التعاون والمساعدة الإنسانية – هي تعبير عن التطلعات السليمة للروح الإنساني وتشكل المُثل التي يجب أن ترتكز عليها العلاقات الدولية.

كما وسبق أن صرح سلفاي بولس السادس ويوحنا بولس الثاني من على هذا المنبر: إن كل هذا يشكل جزءًا من الحقائق التي تعتبرها الكنيسة الكاثوليكية والكرسي الرسولي بانتباه واهتمام، وتريان في نشاطكم نموذجًا للأسلوب الذي من خلاله يمكن التوصل إلى حل مشترك للمشاكل والنزاعات التي تتعلق بالجماعة الدولية. تشكل الأمم المتحدة تجسيدًا للتوق إلى "درجة عالية من التنظيم على الصعيد الدولي" (يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة "الاهتمام بالشأن الاجتماعي"، 43)، والذي يجب أن يستلهم ويهتدي بدوره بمبدأ التعاون وبالتالي ينبغي أن يكون قادرًا على الإجابة على حاجات العائلة البشرية، بفضل قوانين دولية فعالة ووضع بنية مناسبة تضمن السريان المتناغم للحياة اليومية للشعوب. ولهذا الأمر أهمية بالغة في الإطار الحالي حيث نَختبر المفارقة الواضحة بين توافق متعدد الأطراف يبقى متأزمًا لأنه ما زال مرتبطًا بقرارات عدد صغير، بينما تتطلب المشاكل العالمية، من ناحية الجماعة الدولية، تدخلاً بشكل إجراءات مشتركة.

بالواقع، إن مسائل الأمن، وأهداف النمو، وتخفيف الفوارق على الصعيد المحلي والعالمي، وحماية البيئة والموارد والمناخ، تتطلب كلها من المسؤولين عن الحياة الدولية أن يعملوا سوية وأن يكونوا جاهزين للعمل بحسن نية، محترمين القوانين، لتعزيز التعاضد في المناطق الأضعف في كوكبنا. يتوجه فكري بشكل خاص إلى بعض الدول في إفريقيا وفي قارات أخرى التي ما زالت على هامش النمو الأصيل والمتكامل، والتي تتعرض بالتالي لخطر ألّا تختبر إلاّ النتائج السلبية للعولمة. في إطار العلاقات الدولية، يجب أن نعترف بالدور الأساسي للقوانين والبنى الرامية بطبيعتها إلى تعزيز الخير العام وبالتالي إلى حماية الحرية البشرية. هذه القوانين لا تحدّ الحرية. بل بالعكس، هي تعززها عندما تحظّر تصرفات وأعمال تعادي الخير العام، وتعرقل ممارسته الفعلية وتتعرض لكرامة كل شخص بشري . باسم الحرية، يجب أن يكون هناك ارتباط بين الحقوق والواجبات، التي لأجلها يتوجب على كل إنسان أن يحمل مسؤولية الخيارات التي يقوم بها، مع اعتبار العلاقات التي تربطه بالآخرين. نفكر هنا بالطريقة التي تم فيها أحيانًا استعمال نتائج الأبحاث العلمية والتطور التكنولوجي. مع الاعتراف بالمنافع الجمة التي تستطيع البشرية أن تحصّلها منها، فإن بعض تطبيقاتها تشكل تعديًا واضحًا على نظام الطبيعة، لدرجة أنها ليست فقط في تناقض مع الطابع المقدس للحياة، ولكنها تصل أيضًا إلى حرمان الشخص البشري والعائلات من هويتهم الطبيعية. بالشكل عينه، إن العمل الدولي الرامي إلى الحفاظ على البيئة وحماية مختلف أشكال الحياة على الأرض، يجب عليه لا أن يضمن استعمالًا عقلانيًا للتكنولوجيا والعلم وحسب، بل أيضًا عليه أن يعيد اكتشاف صورة الخلق الأصيلة. لا يتعلق الأمر أبدًا بوجوب الاختيار بين العلم والأخلاق، بل باعتناق الوسائل العلمية التي تحترم فعلاً القواعد الخلقية.

إكتشاف وحدة العائلة البشرية والاهتمام المسلّط على الكرامة الذاتية لكل امرأة ولكل رجل تحوز اليوم على زخمًا جديدًا من مبدأ "مسؤولية الحماية". لم يتم تحديد هذا المبدأ إلا مؤخرًا، ولكنه كان حاضرًا ضمنيًا منذ بدء الأمم المتحدة، والآن، هو يميّز أكثر فأكثر عملها. يترتب على كل دولة واجب أساسي هو أن تحمي مواطنيها ضد التعديات الخطيرة والمتكررة على حقوق الإنسان، إلى جانب المآسي البشرية الناتجة عن أسباب طبيعية أو الصادرة عن عمل الإنسان. إذا صادف أن كانت الدول قاصرة عن ضمان هذه الحماية، عندها يترتب على الجماعة الدولية أن تتدخل عبر الوسائل القانونية المتضمنة في شرعة الأمم المتحدة وسواها من الوسائل الدولية. لا ينبغي تفسير عمل الجماعة الدولية ومؤسساتها كإلزام غير مشروع أو كتضيق على السيادة الوطنية، طالما هي تحترم المبادئ التي تؤسس النظام العالمي. على العكس، الاستهتار وعدم التدخل هما اللذان يسببان الضرر الحقيقي. يجب القيام بدراسة معمقة للأساليب التي تؤدي إلى تحاشي ومعالجة النزاعات، عبر استعمال الوسائل المتوفرة للنشاط الدبلوماسي وعبر الانتباه حتى لأقل علامة للحوار ولإرادة المصالحة ودعمها.

كان مبدأ "مسؤولية الحماية" يعتبر في قانون الأمم القديم كركيزة لكل الأعمال التي تقوم بها السلطة نحو الذين تحكم عليهم: في زمن بدأ فيه مفهوم السيادة الوطنية بالتطور، كان الراهب الدومينيكاني فرنسيسكو دي فيتوريا – الذي يُعتبر بحق كأحد رواد فكرة الأمم المتحدة – يصف هذه المسؤولية كوجه من وجوه العقل الطبيعي الذي تتقاسمه كل الدول، وهو ثمرة حق دولي واجبه أن ينظم العلاقات بين الشعوب. اليوم، كما في ذلك الزمان، يجب على هذا المبدأ أن يبيّن فكرة الشخص البشري كصورة للخالق، إلى جانب التوق إلى المطلق وجوهر الحرية. تزامن تأسيس الأمم المتحدة، كما نعرف جيدًا، مع تغيرات عميقة عانت منها البشرية عندما تم التخلي عن مرجعية المطلق والعقل الطبيعي الأمر الذي أدى إلى انتهاك فادح للحرية والكرامة الإنسانية. في هذه الأجواء، تتعرض للخطر الركائز الموضوعية للقيم التي توحي بالنظام الدولي وتنظمه، الأمر الذي يهدد المبادئ الثابتة والملزمة التي سنتها الأمم المتحدة. في وجه تحديات تتكرر من جديد، من الخطأ الانكفاء إلى مقاربة عملانية، تكتفي بوضع "ركائز مشتركة"، شحيحة المضمون وضعيفة التأثير.

تُدخلنا مرجعية الكرامة البشرية، التي هي ركيزة وغاية "مسؤولية الحماية"، في الموضوع الخاص بهذه السنة التي تصادف الذكرى الستين لإعلان شرعة حقوق الإنسان العالمية. كانت هذه الوثيقة ثمرة لقاء مختلف التقاليد الثقافية والدينية، وقد حركها جميعَها توقٌ مشترك إلى وضع الشخص البشري في صلب المؤسسات، والقوانين وأعمال المجتمعات، واعتباره كجوهري في عالم الثقافة والدين والعلم. يتم تقديم حقوق الإنسان أكثر فأكثر كاللغة المشتركة والركيزة الخلقية للعلاقات الدولية. في الوقت عينه، تفيد شمولية وتماسك وترابط حقوق الإنسان كضمانة لحماية الكرامة البشرية. ولكن من الواضح أن الحقوق المعترف بها والمعروضة في الشرعة تنطبق على الإنسان بكليته، وهذا بفضل الأصل المشترك للبشر، الذي يبقى النقطة المحورية في مشروع خلق الله للعالم وللتاريخ. تجد هذه الحقوق ركيزتها في القانون الطبيعي المكتوب في قلب الإنسان والحاضر في مختلف الثقافات والحضارات. فصل هذه الحقوق عن هذا الإطار يعني أن نحجّم تأثيرها وأن نستسلم لمفهوم نسبي، يمكن بموجبه تغيير معنى الحقوق وتأويلها، ويمكن نفي شموليتها باسم اختلاف المفاهيم الثقافية، السياسية، الاجتماعية وحتى الدينية. إن التنوع الشاسع في وجهات النظر لا يجب أن يكون داعيًا لنسيان أن ليست الحقوق وحدها شاملة، بل بالمقدار عينه الشخص البشري أيضًا، الذي هو موضوع هذه الحقوق.

إن حياة الجماعة، محليًا ودوليًا على حد سواء، تُظهر بوضوح أن احترام الحقوق، والضمانات التي تنتج عنها، هي مقاييس للخير العام الضروري لتقييم العلاقة بين العدل والظلم، بين النمو والفقر، الأمن والصراع. تعزيز الحقوق الإنسانية يبقى الإستراتيجية الأكثر فعالية لإزالة اللامساواة بين الدول والفئات الاجتماعية، ولزيادة الأمن. بالواقع، إن ضحايا الصعوبات واليأس، الذين تتعرض كرامتهم البشرية إلى الانتهاك دون عقاب للمتعدي، يضحون فريسة سهلة للدعوة إلى العنف، ويمكنهم أن يضحوا معتدين على السلام. إلا أن الخير العام الذي تساعد الحقوق الإنسانية في إحقاقه، لا يمكن التوصل إليه عبر تطبيق مجرد للإجراءات الصحيحة، وأقل من ذلك عبر توازن بين الحقوق المتضاربة. إن فضل الشرعة العالمية هو أنها مكّنت الثقافات المختلفة والتعابير القانونية والنماذج المؤسساتية من التلاقي حول نواة أساسية من القيم، وبالتالي من الحقوق. إلا أنه من الضروري اليوم مضاعفة الجهود في وجه الضغوط الرامية إلى إعادة تأويل أسس الشرعة وإلى زعزعة وحدتها الداخلية بغية تسهيل الابتعاد عن حماية الكرامة البشرية من أجل إشباع بعض المصالح البسيطة، والتي غالبًا ما تكون مصالح خاصة. لقد تم اعتناق الشرعة كـ "معيار مشترك للتطبيق" (المقدمة) ولا يمكن تطبيقها بشكل مجزوء، انطلاقًا من نزعات أو خيارات اعتباطية قد تناقض وحدة الشخص البشري وبالتالي تماسك الحقوق الإنسانية.

تشير الخبرة إلى أن القانون غالبًا ما يطغى على العدالة عندما يؤدي التشديد على الحقوق إلى إظهاره هذه الأخيرة كالنتيجة الحصرية للتشريع القانوني أو للمقررات التي يأخذها من بيده السلطة. عندما يتم تقديم الحقوق فقط من منطلق الشرعية، يمكن للحقوق أن تضحي مجرد مقترحات ضعيفة منفصلة عن البعد الخلقي والعقلاني الذي هو ركيزتها وغايتها. لقد وطدت الشرعة العالمية القناعة بأن احترام الحقوق البشرية هو متجذر أولاً في العدالة التي لا تتغير، والتي ترتكز عليها أيضًا القوة الملزمة للمقررات الدولية. غالبًا ما يتم التغاضي عن هذا البعد عندما تجري محاولة تجريد الحقوق من دورها الحقيقي باسم وجهة نظر نفعية ضيقة. وبما أن الحقوق والواجبات التي تنتج عنها تصدر طبيعيًا عن التواصل البشري، من السهل تناسي أنها ثمرة حس العدالة المشترك والمبني أصلاً على التضامن بين أبناء المجتمع، والذي ينطبق بالتالي على كل الأزمنة وكل الشعوب. لقد عبّر عن هذا الحدس باكرًا، في القرن الخامس، أغسطينوس من هيبونا، وهو أحد كبار معلمي إرثنا الفكري. لقد علم أن القول: "لا تفعل للآخرين ما لا تريد أن يفعله الآخرون لك" لا يمكن بأي شكل أن يختلف تبعًا لمختلف المفاهيم التي تصدر في العالم" (في العقيدة المسيحية، 3، 14). يجب احترام الحقوق اللبشرية إذًا كتعبير عن العدالة، وليس فقط لأنها مفروضة بإرادة من واضعي القوانين.

سيداتي سادتي،

إذ يتابع التاريخ مسيرته، تنتج أوضاع جديدة، ويتم السعي إلى ربطها بحقوق جديدة. التمييز – أي القدرة على تفريق الخير عن الشر – تضحي أمرًا أكثر ضرورة في محيط يطرح مسائل تتعلق بحياة وتصرفات الأشخاص، والجماعات والشعوب. إن التمييز هو فضيلة مثمرة ولا غنى عنها في معالجة موضوع الحقوق، نظرًا للحالات الهامة والوقائع العميقة التي ترتبط بها.

يبين التمييز أن ائتمان الدول المفردة، مع قوانينها ومؤسساتها، المسؤولية الأخيرة للتجاوب مع تطلعات الأفراد والجماعات والشعب بأسره، قد يكون له أحيانًا نتائج تُبعِد إمكانية إنشاء نظام اجتماعي يحترم كرامة وحقوق الشخص. من ناحية أخرى، إن نظرة إلى الحياة مرتكزة بثبات على بعد ديني يمكنها أن تساعد على تحقيق هذا الأمر، لأن الاعتراف بالقيمة السامية لكل رجل وامرأة تشجع على ارتداد القلب، الذي يقود من ثمّ إلى التزام في مقاومة العنف، الإرهاب والحرب، وفي تعزيز العدالة والسلام. وهذا الأمر يؤمِّن الإطار المناسب للحوار بين الأديان الذي يجب على الأمم المتحدة أن تدعمه، تمامًا كما تدعم الحوار بين أبعاد النشاط الإنساني الأخرى. يجب اكتشاف الحوار كوسيلة تتمكن من خلالها مختلف عناصر المجتمع أن تبلور وجهة نظرها وأن تبني توافقًا حول الحقيقة المتعلقة ببعض القيم والأهداف. من طبيعة الأديان المعاشة بحرية أن تتمكن من القيام بحوار فكر وحياة مستقل ذاتيًا. إذا بقي الدين منفصلاً في هذا البعد عن النشاط السياسي، فسيكون ذلك لخير الأفراد والمجتمعات العميم. من ناحية أخرى، بامكان الأمم المتحدة أن تركن إلى نتائج الحوار بين الأديان، ويمكنها أن تستفيد من جهوزية المؤمنين لوضع خبراتهم في خدمة الخير العام. دورهم هو تقديم نظرة إيمانية ليس من باب عدم التسامح أو التفرقة أو الصراع، بل من باب الاحترام الكامل للحقيقة، للتعايش، للحقوق، وللمصالحة.

بالطبع، يجب أن تتضمن حقوق الإنسان حق الحرية الدينية، المفهومة كتعبير عن بعد هو في الوقت عينه فردي واجتماعي – نظرة تكشف عن وحدة الشخص بينما تميز بوضوح بين بعد المواطن وبعد المؤمن. لقد ضمن عمل الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة فسحة في الجدل العام لوجهات نظر مستوحاة من نظرة دينية في كل أبعادها، الطقسية، وأبعاد العبادة، والتربية، ونشر المعلومات وحرية الاعتقاد واختيار الدين. من غير المعقول إذًا أن يُرغَم المؤمنون على كبت جزء من ذواتهم – إيمانهم – لكي يكونوا مواطنين فاعلين. لا ينبغي أبدًا أن يكون ضروريًا إنكار الله للتمتع بالحقوق الذاتية. على الأكثر، إن الحقوق المرتبطة بالدين هي بالذات بحاجة إلى حماية إذا ما اعتبرتا اصطدامها بإيديولوجية علمانية طاغية أو بمواقف دينية ذات طابع حصري إذا ما كانت تشكل الأكثرية. لا يمكن حدّ الضمان الكامل للحرية الدينية إلى الممارسة الحرة للعبادة، بل يجب منح الاعتبار اللائق للبعد العمومي للدين، وبالتالي لإمكانية المؤمنين أن يلعبوا دورهم في بناء النظام الاجتماعي. بالواقع، إنهم يقومون بذلك، على سبيل المثال، من خلال تأثيرهم والتزامهم السخي في شبكة واسعة من المبادرات التي تمتد من الجامعات، والمؤسسات العلمية والمدارس، إلى مراكز العناية الصحية والمؤسسات الخيرية في خدمة الفقراء والمهمشين.  رفض الاعتراف بالمساهمة في بناء مجتمع تمتد جذوره في البعد الديني وفي البحث عن المطلق – والذي يعبّر بطبيعته عن الشركة بين الأشخاص – سيؤدي عمليًا إلى تفضيل مقاربة فردانية، وسيشرذم وحدة الشخص البشري.

إن حضوري في هذه الجمعية هو علامة تقدير للأمم المتحدة، وهو تعبير عن الأمل بأن تصير المنظمة أكثر فأكثر علامة وحدة بين الأمم ووسيلة خدمة للعائلة البشرية طرًا. كما ويبرهن حضوري عن جهوزية الكنيسة الكاثوليكية لتقديم إسهامها في بناء العلاقات الدولية بشكل يسمح لكل شخص بشري ولكل شعب أن يشعر بأنه يستطيع أن يقوم بتغيير. وبأسلوب يطابق إسهامها في البعد الأدبي والخلقي وحرية عمل مؤمنيها، ستعمل الكنيسة أيضًا على تحقيق هذه الأهداف عبر نشاط الكرسي الرسولي الدولي. بالواقع، لطالما كان للكرسي الرسولي مكانه في جمعيات الأمم المتحدة، الأمر الذي يعبر عن طبيعته كعضو في الحقل الدولي. وكما أشارت الأمم المتحدة مؤخرًا، يقدم الكرسي الرسولي إسهامه تبعًا لترتيبات القانون الدولي، ويساعد في تحديد القانون، ويحتكم به.

تبقى الأمم المتحدة قاعدة مميزة تلتزم فيها الكنيسة في تقديم مساهمة خبرتها "في الإنسانية" التي أنمتها على ممر العصور بين شعوب من كل عرق وثقافة، وفي وضعها بمتناول كل أعضاء الجماعة الدولية. هذه الخبرة وهذا النشاط، الراميَين إلى تأمين الحرية لكل مؤمن، يهدفان أيضًا زيادة الحماية لحقوق كل إنسان. هذه الحقوق ترتكز وتأخذ وجه الطبيعة المتسامية للشخص البشري، التي تسمح لكل رجل وامرأة أن يلتزما بمسيرة الإيمان والبحث عن الله في هذا العالم. يجب تقوية الاعتراف بهذا البعد إذا ما أردنا أن نساند رجاء البشرية في عالم أفضل وإذا ما شئنا أن نخلق الشروط للسلام، والنمو والتعاون، وأن نضمن حقوق الأجيال المستقبلة.

في رسالتي الأخيرة، "مخلصون بالرجاء"، أشرت إلى أن على "كل جيل يترتب واجب الانخراط في البحث الصعب عن الدرب الصحيح لتنظيم الشؤون البشرية" (عدد 25). بالنسبة للمسيحيين هذا الواجب يحركه الرجاءُ الذي ينبع من عمل يسوع المسيح الخلاصي. لهذا السبب الكنيسة سعيدة بأن تكون شريكة في عمل هذه المنظمة البارزة، المسؤولة عن تعزيز السلام والخير في كل الأرض. أيها الأصدقاء الأعزاء، أشكركم لفرصة أن أتوجه إليكم بالخطاب اليوم، وأعدكم بأني سأساندكم في صلاتي بينا تتابعون عملكم النبيل.

وقبل أن أفارق هذه الجمعية الكريمة، أود أن أقدم تحياتي، في اللغات الرسمية إلى كل الدول الممثلة هنا.

سلام وازدهار بعون الله! (بالانكليزية، الفرنسية، الاسبانية، العربية، الصينية والروسية).

* * *

نقله من الفرنسية والإنكليزية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org).  حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.

كلمة البابا الى الأساتذة والمعلمين والمربين في الولايات المتحدة

واشنطن، 18 أبريل 2008 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها البابا بندكتس السادس عشر للاساتذة والمعلمين والمربين الكبار في الجامعات والمدارس الكاثوليكية في أمريكا، مساء أمس في جامعة أمريكا الكاثوليكية في واشنطن.

 أصحاب السيادة

أيّها الإخوة الأساقفة

والأساتذة والمعلّمون والمربّون الكبار

 "ما أجمل أقدام المبشّرين بالخيرات" (روما 10: 15-17). بهذه الكلمات التي نقلها القدّيس بولس عن إسحق، أُحيّيكم جميعاً – أنتم الممتلئون حكمةً – وأُحيّي من خلالكم الهيئات، والطلاب، والأهالي في مؤسّسات التعليم العديدة والمتنوّعة التي تُمثّلونها. إنّه لمن دواعي سروري أن ألتقي بكم وأتشارك معكم بعض الأفكار عن طبيعة التربية الكاثوليكيّّة اليوم وهويّتها. أشكر بخاصّة الأب دايفيد أوكونيل، رئيس جامعة أميركا الكاثوليكيّة. وأقدّر كلمة ترحيبكم الطيّبة راجياً أن تنقلوا امتناني القلبيّ إلى الجماعة كلّها – من كليّة وهيئة وطلاب – في هذه الجامعة.

 إنّ التريبة مُكمّلة لرسالة الكنيسة التي تقضي التبشير بالخيرات. قبل كل شيء، تُشكّل كلّ مؤسّسة تربويّة كاثوليكيّة مكاناً لملاقاة الله الحيّ الذي يُظهر بيسوع المسيح محبّته وحقيقته المحوّلتين (راجع بالرجاء مخلصون 4) . تُظهر هذه العلاقة رغبةً في الامتلاء من معرفة المسيح وفهمه وتعاليمه. بهذه الطريقة، فإنّ أولئك الذين التقوا به يُجتذبون بقدرة الإنجيل إلى عيش حياة جديدة يطبعها كلّ ما هو جميل وصالح وحقيقيّ، حياة شهادة مسيحيّة مُعزّزة ضمن جماعة تلاميذ الرّبّ التي هي الكنيسة.

والفعاليّة الموجودة بين الملاقاة الشخصيّة والمعرفة والشهادة المسيحيّة تُكمّل خدمة الحقيقة التي تُقدّمها الكنيسة للبشريّة. ويُتيح ظهور الله الفرصة أمام كلّ جيل لاكتشاف الحقيقة المطلقة عن حياته الخاصّة وهدف التاريخ. هذه المهمّة ليست بالسهلة، إذ أنّها تشمل الجماعة المسيحيّة كلّها وتحثّ كلّ جيل من المربّين المسيحيّين على ضمان دخول قدرة حقيقة الله إلى كلّ أبعاد المؤسّسة التي يخدمونها. وبذلك، تبدأ خيرات المسيح عملها في إرشاد المعلّم والتلميذ نحو الحقيقة الموضوعيّة التي تُشير بسموّها فوق الخاصّية والذاتيّة إلى الكونيّة المطلقة التي تُخوّلنا التبشير بثقة الرجاء الذي لا يُخيّبنا (راجع روما 5:5). وبعيداً عن الصراعات الذاتيّة، والارتباك الأخلاقيّ، وتجزئة المعرفة، تُصبح الأهداف النبيلة للثقافة والتربية التي تقوم على وحدة الحقيقة والتي تخدم الفرد والجماعة، وسيلة رجاء قويّة.

 أصدقائي الأعزّاء، يشمل تاريخ هذه الأمّة نماذج عدّة من التزامات الكنيسة بهذا الموضوع. في الواقع، لقد جعلت الكنيسة الكاثوليكيّة هنا من التعليم أحد أسمى أولويّاتها. ولم يظهر هذا المشروع لولا التضحيات الكبيرة التي بُذلت. فالشخصيّات البارزة كالقدّيسة إليزابيث آن ستون وغيرها من المؤسسين والمؤسّسات وضعوا بتماسكهم وبصيرتهم العظيمين أسس شبكة مدارس الأبرشيّة الرائعة التي نشهدها اليوم والتي تُساهم في خير الكنيسة والأمّة. والبعض، كالقديسة كاترين دريكسل نذر حياته لتعليم أولئك الذين أهملهم الآخرون – وهي قد ساعدت الأميركيّين الأفارقة والأميركيّين الأصليّين. أعدادٌ لا تُحصى من الراهبات والرهبان والكهنة والأهالي المحبّين ساعدت أجيالاً من المهاجرين، من خلال المدارس الكاثوليكيّة، على التخلّص من الفقر وأخذ مكانها في المجتمع.

 هذه التضحيات ما تزال حتّى يومنا هذا. إنّها رسالة رجاء رائعة تسعى إلى تلبية الحاجات المادّيّة، والفكريّة، والروحيّة لأكثر من ثلاثة ملايين طفل وطالب. كما تُتيح فرصةً جديرة بالثناء أمام الجماعة الكاثوليكيّة للمساهمة بسخاء في سدّ الحاجات المادّيّة لمؤسّساتنا إذ أنّ تأمين الدعم لها ضروريّ على المدى الطويل. في الواقع، يجب القيام بكلّ شيء ممكن بالتعاون مع الجماعة الأكبر من أجل توفير هذه المؤسّسات للناس من جميع الطبقات الإجتماعيّة والاقتصاديّة. ويجب ألا يُحرم طفلٌ من حقّه في التربية على الإيمان التي تُغذّي بدورها روح الأمّة.

 ويسأل البعض اليوم عن انهماك الكنيسة في التربية مُتسائلين عمّا إذا كان من الأفضل أن تُستخدم مواردها في أمور أخرى. من المؤكّد أنّه في أمّة كهذه، تُؤمّن الدولة فرصاً وافرة للتربية وتجذب رجالاً ونساءً مُلتزمين وأسخياء إلى هذه المهنة الجديرة بالاحترام. لقد آن الأوان إذاً للتفكير بما هو خاصّ بمؤسّساتنا الكاثوليكيّة. وكيف تُساهم في خير المجتمع من خلال رسالة الكنيسة الأساسيّة القائمة على التبشير بالإنجيل؟

 تنشأ جميع نشاطات الكنيسة عن إدراكها بأنّها تحمل الرسالة النابعة من قلب الله نفسه، من صلاحه وحكمته إذ اختار الله أن يُظهر نفسه وأعلمنا سرّ مشيئته (راجع أفسس 9:1 ، الظهور الإلهيّ 2). إنّ مشيئة الله في جعل نفسه معلوماً، والرغبة الفطريّة للكائنات البشريّة في معرفة الحقيقة تُشكّلان المادّة للبحث البشريّ في معنى الحياة. هذه الملاقاة الفريدة مؤكّدة ضمن جماعتنا المسيحيّة: من يبحث عن الحقيقة، يعيش في الإيمان (راجع الإيمان والعقل31). إذاً يُمكن وصفها كانتقال من "أنا" إلى "نحن" يؤدّي إلى إحصاء الفرد مع شعوب الله.

 إنّ فعاليّة الهويّة الطائفية – لمن أنتمي؟ – تُحيي أخلاقيّات مؤسّساتنا الكاثوليكيّة. والهويّة الكاثوليكيّة لجامعة أو مدرسة ليست ببساطة مسألة عدد الطلاب الكاثوليك بل مسألة إيمان راسخ – هل نؤمن فعلاً بأنّه فقط في سرّ الكلمة المتجسّدة يُصبح سرّ الإنسان واضحاً بصدق؟ (راجع السعادة والرجاء 22)، هل نحن مُستعدّون لتقديم أفكارنا وإرادتنا، وعقولنا وقلوبنا إلى الله؟ هل نقبل الحقيقة التي يُظهرها المسيح؟ هل الإيمان ملموس في جامعاتنا ومدارسنا؟ هل يتمّ إعطاء تعبير متّقد بشكل طقوسيّ مقدّس من خلال الصلاة، وأعمال الصدقة، والاهتمام بالعدالة، واحترام خليقة الله؟ فقط بهذه الطريقة، نحمل فعلاً الشهادة لمعنى نفوسنا وأفكارنا.

 من هذا المنظور، يُدرك المرء أنّ "أزمة الحقيقة" الحاليّة مُتجذّرة في "أزمة الإيمان". بالإيمان فقط، نستطيع أن نمنح موافقتنا بحرّيّة على شهادة الله ونعترف به كالضامن الأسمى للحقيقة التي يُظهرها. مرّةً أخرى، نرى كم أنّ تعزيز الصداقة الذاتيّة مع يسوع المسيح والشهادة المشتركة لحقيقته المُحبّة أساسيٌّ في مؤسّسات التعليم الكاثوليكيّة. مع ذلك، نعلم جميعاً ونلاحظ بقلق الصعوبة أو النفور اللذين يمنعان الناس اليوم من تسليم أنفسهم إلى الله. إنّها ظاهرة معقّدة أُفكّر بها دوماً. فيما كنّا نسعى باجتهاد لاجتذاب فكر شبابنا، كنّا نُهمل ربّما الإرادة. وبالتالي، فإننا نلاحظ بأسى تشوّه فكرة الحرّيّة. لا يمكن البقاء خارج نطاق الحريّة إذ أننا معنيّون بها كمشاركة بحدّ ذاتها. لذلك فإنّ بلوغ الحريّة الحقيقيّة مُستحيل في ابتعادنا عن الله لأنّ خياراً كهذا يُهمل في الأساس الحقيقة الفعليّة التي نحن بحاجة إليها من أجل فهم أنفسنا. لذا، تقع على عاتقكم وعلى عاتق زملائكم مسؤوليّة حثّ الشباب على عمل الإيمان وتشجيعهم على نذر نفوسهم للحياة الكنسيّة التي تنتج عن هذا الإعتقاد. هنا، تبلغ الحرّيّة يقين الحقيقة. وبخيار العيش بتلك الحقيقة، نتّبع بالكامل حياة الإيمان التي وُهبت لنا في الكنيسة.

 نستنتج إذاً أنّ الهويّة الكاثوليكيّة لا تتوقّف على الاحصاءات، ولا يُمكن تسويتها ببساطة بمضمون الأرثوذكسيّة. فهي تتطلّب وتُحدث أكثر من ذلك بكثير أي أنّ كلّ جانب من جماعاتكم التربويّة ينعكس ضمن حياة الإيمان الكنسيّة. بالإيمان فقط ، يُمكن للحقيقة أن تتجسّد وللفكر أن يصبح بشريّاً قادراً على توجيه الإرادة في طريق الحرّيّة (راجع بالرجاء مخلصون 23). بذلك، تُساهم مؤسّساتنا مساهمةً أساسيّة في رسالة الكنيسة وتُساعد في خدمة المجتمع بصدق، لتصبح أماكن يُعرف فيها حضور الله الفعّال في الشؤون الإنسانيّة ويختبر فيها كلّ شابّ سعادة الدخول إلى وجود المسيح من أجل الآخرين (راجع المصدر عينه 28).

إنّ رسالة الكنيسة الأساسيّة المبشّرة بالإنجيل التي تلعب فيها المؤسّسات التربويّة دوراً مهمّاً، تنسجم مع طموح أمّة أوليّ في تنمية مجتمع يستحقّ كرامة الإنسان. أحياناً، يتمّ السؤال عن قيمة مساهمة الكنيسة على الساحة العامّة. لذلك من المهمّ التذكير بأنّ حقائق الإيمان والعقل لا تتعارض إحداها مع الأخرى أبداً. في الواقع، إنّ رسالة الكنيسة تُلزمها بصراع البشريّة للوصول إلى الحقيقة. وبتفسيرها للحقيقة الموحاة، تُساعد كلّ أعضاء المجتمع على تطهير عقولهم وضمان بقائها منفتحة على اعتبارات الحقائق السامية. كما أنّها بالاستعانة إلى الحكمة الإلهيّة تُظلّل النور على أسس الأخلاقيّات البشريّة وتُذكّر كلّ أعضاء المجتمع بأنّ التمرين التعليميّ لا يخلق الحقيقة بل أنّ على الحقيقة أن تخدم كأساس للتمرين التعليميّ. وبعيداً عن تقويض تسامح التعددية الشرعية، تُنير مساهمة كهذه الحقيقة الأصليّة مما يجعل بلوغ الإجماع ممكناً وتُساعد في المحافظة على نقاش عامّ عقلانيّ، صادق ومُعلّل. وبطريقة مُشابهة، لا تعرف الكنيسة أبداً الكلل من تأييد القيم الأخلاقيّة الأساسيّة للصواب والخطأ التي من دونها يزول الرجاء وتسود حسابات المنفعة الواقعيّة التي تُذيب الشخص ليصبح كبيدق ضعيف في شطرنج إيديولوجيّ.

 وفي ما يتعلّق بالساحة التربويّة، فإنّ خدمة الحقيقة تأخذ دلالةً كبيرة في المجتمعات حيث تُفرّق إيديولوجيّة العولمة بين الحقيقة والإيمان. وهذا الانقسام خلّف نزعةً لتسوية الحقيقة بالمعرفة ولاعتماد ذهنيّة وضعيّة تنفي أسس الإيمان برفضها للماورائيّات وترفض الحاجة إلى رؤية أخلاقيّة. الحقيقة تحمل معانٍ أكثر من المعرفة، فمعرفة الحقيقة تجعلنا نكتشف الخير. وتخاطب الحقيقة الفرد ككلّ داعيةً إيّانا إلى الاستجابة بشخصنا كلّه. ونجد هذه الرؤية المتفائلة في إيماننا المسيحيّ لأنّ إيماناً مماثلاً قد مُنح رؤية المنطق، تفكير الله الخلاق الذي يظهر في التجسّد كالخير نفسه. بعيداً عن كونها مجرّد تبادل معلومات واقعيّة "مُثقّفة"، فإنّ حقيقة الإنجيل المُحبّة مُبدعة ومُغيّرة للحياة "الصانعة" (راجع بالرجاء مخلصون 2). بكلّ ثقة، يستطيع المربّون المسيحيّون أن يُحرّروا الشبيبة من قيود فلسفة الوضعيّة ويوقظوا تلقّي الحقيقة، والله وصلاحه. بذلك تُساعدون أيضاً على إعداد عقلهم الذي يفتح طريقاً إلى السلام الداخليّ واحترام الغير إن أُغني بالإيمان.

 وبالتالي فإنّه ليس بالمفاجىء أبداً أن يكون لجماعاتنا الكنسيّة، لا بل أيضاً مجتمعنا، توقعّات كبيرة من المربّين الكاثوليك. هذا ما يُحمّلكم المسؤوليّة ويُتيح الفرصة. فالكثير من الناس – الأهالي بخاصّة – يُقرّون بحاجة الامتياز في الإعداد البشريّ لأولادهم. وتُشاركهم الكنيسة قلقهم كأمّ ومُعلّمة. وعندما لا يُعرف تحديداً أيّ شيء ما وراء الفرد، تُصبح النفس وإرضاء تمنيات الفرد الفوريّة معيار الحكم الأخير. والموضوعيّة ووجهة النظر اللّتان تنشآن فقط عن معرفة البعد السامي الأساسيّ للإنسان بامكانهما أن تُفقدا. ضمن أُفق نسبيّة كهذه، تتقلّص حتماً أهداف التربية. وشيئاً فشيئاً، تتدنّى المعايير. ونلاحظ اليوم خجلاً على وجوه أهل الخير وسعي بِدع بلا هدف وهم يستعرضون كأنمّا تمّ تحقيقٌ للحرّيّة. نشهد تظاهراً بأنّ كلّ تجربة مُتساوية بالأخرى، ونفوراً من إقرار الشوائب والأخطاء. وما يُشكّل الإزعاج الأكبر هو تقليص القسم الدقيق من التربية حول الشؤون الجنسيّة إلى تجنّب "الخطر"، من دون الإشارة إلى جمال المحبّة الزوجيّة.

 كيف يُجاوب المربّون المسيحيّون؟ هذه التطوّرات المؤذية تشير إلى الضرورة الملحّة لما ندعوه "إحساناً فكريّاً". وهذا النوع من الإحسان يدعو المربّي للمعرفة بأنّ المسؤوليّة الكبيرة لإرشاد الشبيبة إلى الحقيقة ليست سوى فعل محبّة. بالفعل، تقوم كرامة التربية على تعزيز الكمال الحقيقيّ والسعادة لدى أولئك الذين يريدون التعلّم. يحمل "الإحسان الفكريّ" في الواقع وحدة المعرفة الأساسيّة في وجه التجزئة التي تنشأ عن انفصال العقل عن السعي وراء الحقيقة. كما يرشد الشبيبة نحو الارتياح العميق من ممارسة الحرّيّة المتعلّقة بالحقيقة، ويُناضل من أجل تفسير العلاقة بين الإيمان وكلّ مظاهر العائلة والحياة المدنيّة. وعندما يتمّ إيقاظ شغفهم بكمال الحقيقة ووحدتها، يستمتع الشباب حتماً باكتشاف أنّ مسألة ما يمكنهم معرفته تفتح أمامهم المغامرة الواسعة لما كان عليهم فعله. وهنا سوف يختبرون "بما" و"بمن" يُمكنهم الرجاء ويتمّ إلهامهم للمساهمة في المجتمع بطريقة تُولّد الرجاء في نفوس الآخرين.

 أصدقائي الأعزّاء، أتمنّى أن أختم بتركيز انتباهنا بخاصّة على الأهمّيّة السامية لمهارتكم وشهادتكم ضمن جامعاتنا ومدارسنا الكاثوليكيّة. أوّلاً، دعوني أشكر تفانيكم وكرمكم. وإنّي أعلم من خبرتي كأستاذ، ومن كلام أساقفتكم ومسؤولي لجنة التربية الكاثوليكيّة أنّ صيت معاهد التعليم المسيحيّة في هذه البلاد قد ذاع  إلى حدّ كبير بفضلكم وبفضل أسلافكم. إنّ مساهمتكم الناكرة للذات – من الأبحاث الرائعة إلى العمل في مدارس داخل المدينة – تخدم بلادكم والكنيسة معاً. وإني اُعرب عن امتناني العميق لهذا الأمر.

 أمّا بالنسبة إلى أعضاء الكلّيّة في الجامعات الكاثوليكيّة، أودّ إعادة التأكيد على القيمة العظيمة للحرّيّة الأكاديميّة. بفضل هذه الحرّيّة، أنتم مدعوّون إلى البحث عن الحقيقة أينما يقودكم تحليل الأدلّة الدقيق. ولكن فإنّ أيّ احتكام إلى مبدأ الحرّيّة الأكاديميّة من أجل تبرير مواقف تتعارض مع إيمان الكنيسة وتعاليمها من شأنه أن يُعيق أو حتّى يُضلّل هويّة الجامعة ورسالتها، رسالة في قلب الكنيسة Munus Docendi  وليست مستقلّة أو بعيدة عنها.

 مان حصول الطلاب على التنشئة في العقيدة والممارسة الكاثوليكيّتين هو واجبٌ على المعلّمين والمدراء في الجامعات والمدارس. وهذا الأمر يتطلّب من هذه الشهادة العلنيّة لطريق المسيح، الذي يتضمّنها الإنجيل وتدعمها سلطة الكنيسة، أن تطبع جميع مظاهر حياة المؤسّسة داخل غرفة التدريس وخارجها. إنّ الاختلاف من هذه الوجهة يُضعف الهويّة الكاثوليكيّة وبعيداً عن ترقية الحرّيّة، فإنّه يُؤدّي إلى الفوضى المحتّمة على الصعيد الاخلاقيّ، والفكريّ، والروحيّ.

 أودّ أن أبعث بكلمة تشجيع خاصّة إلى معلّمي الدين من رهبان وراهبات وعلمانيّين يناضلون من أجل ضمان أن يُقدّر الشباب نعمة الإيمان أكثر يوميّاً. إنّ التربية الدينيّة هي رسالة تحدٍّ وعلى الرغم من ذلك، هناك العديد من علامات الرغبة بين الشباب في التعلّم عن الإيمان وممارسته بنشاط. ومن أجل أن ينمو هذا الإدراك، يحتاج المعلّمون إلى فهم واضح ودقيق لطبيعة الكنيسة الكاثوليكيّة ودورها. كما أنّ عليهم أن يكونوا مُستعدّين لإرشاد الالتزام الذي تعهّدت به جماعة المدرسة كلّها لمساعدة شبّاننا وعائلاتهم في اختبار التناغم بين الإيمان، والحياة والثقافة.

 وهنا أوجّه مناشدة خاصّة إلى الرهبان، والراهبات، والكهنة: لا تهملوا رسالة المدرسة لا بل جدّدوا التزامكم بالمدارس وبخاصّة تلك الموجودة في المناطق الأكثر فقراً. في الأماكن حيث الكثير من الوعود الكاذبة التي تضلّ الشبيبة عن طريق الحقّ والحرّيّة الحقيقيّة، تكون فيها شهادة الشخص المكرّس لنُصح الإنجيل، هديّةً لا يمكن الاستعاضة عنها. أشجّع الرهبان والراهبات الحاضرين على حمل حماسة متجدّدة من أجل تعزيز الدعوات. اعلموا أنّ شهادتكم لهدف التكريس والرسالة بين الشبيبة هي مصدر إلهام في الإيمان لهم ولعائلاتهم.

 ولكم جميعاً أقول: احملوا الشهادة للرجاء. غذّوا شهادتكم بالصلاة. قدّروا الرجاء الذي يُميّز حياتكم (راجع 1 بطرس 15:3) بعيش الحقيقة التي تُقدّمونها لتلامذتكم. ساعدوهم على معرفة وحبّ من التقيتم به واختبرتم حقيقته وصلاحه بفرح. فلنقل مع القدّيس أغسطينوس: "نحن الذين نتكلّم، وأنت الذي يُصغي، نُقرّ بأنّنا تلامذة لمُعلّم واحد" (عظات 2:23). بمشاعر المشاركة هذه، أمنح بركتي الرسوليّة لكم، ولزملائكم وتلاميذكم وعائلاتكم.

نقلته من الإنكليزية إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.

البابا يدعو ممثلي الديانات للوقوف معاً في الدفاع عن الحياة والكرامة البشرية

في كلمته إليهم في واشنطن

 بقلم طوني عساف

 واشنطن، 18 أبريل 2008 (Zenit.org)

" ما هو مصدر ومصير البشريه؟ ما هو الخير والشر؟ ماذا ينتظرنا في نهاية اعمالنا في وجودنا الدنيوي؟"

 تساؤلات طرحها بندكتس السادس عشر خلال لقائه مساء أمس بالممثلين عن مختلف الديانات في الولايات المتحدة، في مركز يوحنا بولس الثاني الثقافي في واشنطن، مشيراً الى انه فقط "من خلال مواجهة هذه المسائل العميقة نستطيع ان نبني قاعدة صلبة للسلام والأمن للأسرة البشرية ، لأنه "اينما وحيثما استنار الرجال والنساء ببهاء الحقيقة، يرسمون تلقائياً طريق السلام"

وقال البابا أن للقادة الروحيين واجب خاص يكمن في "وضع المسائل العميقة في الطليعة وفي توعية البشرية على سر الوجود الإنساني وخلق المجال للتأمل والصلاة".

ودعا البابا الى الإصغاء الى صوت الحق في "محاولتنا لاكتشاف النقاط المشتركة، وفي حين نوحد قلوبنا وعقولنا في الدعوة الى السلام".

"وبهذه الطريقة- تابع يقول – لن يتوقف حوارنا عند تحديد مجموعة مشتركة من القيم، بل إنه يذهب أبعد من ذلك لسبر غور ركيزة هذه القيم الأساسية".

واشار البابا الى أن الهدف الأسمى للحوار بين الأديان "يتطلب عرضاً واضحاً للمعتقدات الدينية" مركزاً على دور الجامعات والمعاهد ومراكز الدراسات" في تبادل صريح للأفكار الدينية"، وعلى رغبة الكرسي الرسولي في المضي قدماً في الحوار عبر المجلس الحبري للحوار بين الأديان، المعهد الحبري للدراسات العربية والإسلامية، ومختلف الجامعات الحبرية.

ودعا البابا الجميع الى الوقوف معاً في الدفاع عن الحياة وعن الحرية الدينية في كل مكان"، من أجل بناء السلام المنشود.

 

 


الغرض الأول من الحوار هو اكتشاف الحقيقة

بقلم طوني عساف

 واشنطن، 18 أبريل 2008 (Zenit.org)

"الغرض من الأساسي من الحوار هو اكتشاف الحقيقة". هذا ما قاله البابا بندكتس لسادس عشر في كلمته التي وجهها لممثلي مختلف الدينات في الولايات المتحدة، مساء أمس في مركز يوحنا بولس الثانث الثقافي في واشنطن.

وشجع البابا جميع الفرق الدينية في أمريكا – التي لها تاريخ طويل من التعاون بين مختلف الديانات في قطاعات مختلفة من الحياة العامة – "على المثابرة في تعاونهم وفي إغناء الحياة العامة بالقيم الروحية التي تدفع عملكم في العالم".

واشاد البابا بحرية المعتقد والعبادة الولايات المتحدة حيث – كما قال المؤرخ الفرنسي توكفيل – "يرتبط الدين والحرية "ارتباطاً وثيقاً" في المساهمة في إقامة ديمقراطية مستقرة تنمي الفضائل الاجتماعية والمشاركة في الحياة الاجتماعية لجميع مواطنيها".

كما وتحدث قداسته عن أهمية المدرسة حيث يجلس شبان "مسيحيون ويهود ومسلمون وهندوس وبوذيون، وأطفال من جميع الديانات"  جنباً الى جنب و"يتعلمون مع بعضهم البعض ومن بعضهم البعض".

وتمنى بندكتس السادس عشر أن تتعلم بلدان أخرى من خبرة امريكا وتعي بأنه "يمكن تكوين مجتمع موحد مؤلف من شعوب متعددة، حيث يعترف الجميع بالحرية الدينية كحق مدني أساسي".

وتطرق البابا الى التقاليد الدينية في أمريكا مشيراً الى أن نقلها الى الأجيال الجديدة "لا يساعد على الحفاظ على هذه التقاليد وحسب، وإنما يغذي أيضاً ويدعم الثقافة في الوقت الحاضر".

ودعاالبابا جميع رجال الدين الى "النظر الى الحوار ليس فقط كوسيلة لتعزيز التفاهم المتبادل، وإنما ايضاً كأداة لخدمة المجتمع ككل".

وأعرب البابا عن تقديره لمبادرة عدد كبير من الحكومات لرعاية برامج تهدف الى تعزيز الحوار بين الاديان والحوار بين الثقافات، مشيراً الى أن "الحرية الدينية والحوار بين الاديان يهدفان الى شيء أبعد من توافق في الآراء بشأن سبل تنفيذ استراتيجيات عملية من اجل دفع السلام".

 "الغرض الأساسي من الحوار – قال قداسته – هو إكتشاف الحقيقة.

 

 


البابا: بلوغ الحريّة الحقيقيّة مستحيل في ابتعادنا عن الله

في كلمته الى ممثلي الجامعات والمدارس الكاثوليكية في أمريكا

 بقلم طوني عساف

 واشنطن، 18 أبريل 2008 (Zenit.org) – "أزمة الحقيقة" الحاليّة مُتجذّرة في "أزمة الإيمان".  هذا ما قاله بندكتس السادس عشر في كلمته الى ممثلي الجامعات والمدارس الكاثوليكية مساء أمس، مشيراً أنه "بالإيمان فقط، نستطيع أن نمنح موافقتنا بحرّيّة على شهادة الله ونعترف به كالضامن الأسمى للحقيقة التي يُظهرها".

 وشدد قداسته على أن بلوغ الحريّة الحقيقيّة "مُستحيل في ابتعادنا عن الله لأنّ خياراً كهذا يُهمل في الأساس الحقيقة الفعليّة التي نحن بحاجة إليها من أجل فهم أنفسنا".

ومن هذا المنطلق أوكل البابا المربين مسؤولية حث الشباب على عمل الإيمان وتشجيعهم على نذر نفوسهم للحياة الكنسيّة التي تنتج عن هذا الإعتقاد".

 إن الهويّة الكاثوليكيّة – قال البابا – لا تتوقّف على الاحصاءات، ولا يُمكن تسويتها ببساطة بمضمون الأرثوذكسيّة. فهي تتطلّب وتُحدث أكثر من ذلك بكثير أي أنّ كلّ جانب من جماعاتكم التربويّة ينعكس ضمن حياة الإيمان الكنسيّة".

واضاف: "بالإيمان فقط ، يُمكن للحقيقة أن تتجسّد وللفكر أن يصبح بشريّاً قادراً على توجيه الإرادة في طريق الحرّيّة".

 وعن مساهمة الكنيسة على الساحة العامّة قال بندكتس السادس عشر أن "حقائق الإيمان والعقل لا تتعارض إحداها مع الأخرى أبداً". "في الواقع – أضاف – إنّ رسالة الكنيسة تُلزمها بصراع البشريّة للوصول إلى الحقيقة".

 أما على الصعيد التربوي فقال البابا إن "خدمة الحقيقة تأخذ دلالةً كبيرة في المجتمعات حيث تُفرّق إيديولوجيّة العولمة بين الحقيقة والإيمان"، مشيراً الى أن "الحقيقة تحمل معانٍ أكثر من المعرفة، فمعرفة الحقيقة تجعلنا نكتشف الخير".

 وتحدث البابا مجدداً عن المسؤولية التي يحملها المجتمع والأهالي للمربين والمعلمين الكاثوليكي، مؤكداً أن جوابهم تجاخ هذه المسؤولية يكمن في "الإحسان الفكري" أو المحبة الفكرية. "فكرامة التربية تقوم على تعزيز الكمال الحقيقيّ والسعادة لدى أولئك الذين يريدون التعلّم".

 هذا وأعرب البابا عن امتنانه العميق البابا الحاضرين على تفانيهم في عملهم مشيراً الى أن "صيت معاهد التعليم المسيحيّة في هذه البلاد قد ذاع  إلى حدّ كبير بفضلكم وبفضل أسلافكم".

 وقال إن "ضمان حصول الطلاب على التنشئة في العقيدة والممارسة الكاثوليكيّتين هو واجبٌ على المعلّمين والمدراء في الجامعات والمدارس"، موضحاً أن "التربية الدينيّة هي رسالة تحدٍّ وعلى الرغم من ذلك، هناك العديد من علامات الرغبة بين الشباب في التعلّم عن الإيمان وممارسته بنشاط. ومن أجل أن ينمو هذا الإدراك، يحتاج المعلّمون إلى فهم واضح ودقيق لطبيعة الكنيسة الكاثوليكيّة ودورها".

 وبعد أن شدد بندكتس السادس عشر على دور الرهبان والراهبات في الجاكعات والمدارس الكاثوليكية وبخاصة في المناطق الأكثر فقراً، أوكل البابا الحاضرين بحمل "شهادة الرجاء" فقال: "احملوا الشهادة للرجاء. غذّوا شهادتكم بالصلاة. قدّروا الرجاء الذي يُميّز حياتكم بعيش الحقيقة التي تُقدّمونها لتلامذتكم".

 وختم البابا بكلمات القديس اغسطينوس قائلاً: "نحن الذين نتكلّم، وأنت الذي يُصغي، نُقرّ بأنّنا تلامذة لمُعلّم واحد"، مانحاً بركته الرسولية للجميع.

 

 


بندكتس السادس عشر:إن المؤسسات التربوية الكاثوليكية تشكل "مكاناً لملاقاة الله الحيّ"

بقلم طوني عساف

 واشنطن، 18 أبريل 2008 (Zenit.org)

"ما أجمل أقدام المبشّرين بالخيرات". بهذه الكلمات استهل بندكتس السادس عشر كلمته التي التي وجهها للاساتذة والمعلمين والمربين الكبار في الجامعات والمدارس الكاثوليكية في أمريكا، مساء أمس في جامعة أمريكا الكاثوليكية في واشنطن.

وقال البابا إن التربية " مكملة لرسالة الكنيسة التي تقضي التبشير بالخيرات" مشيراً الى أن المؤسسات التربوية الكاثوليكية تشكل "مكاناً لملاقاة الله الحيّ الذي يُظهر بيسوع المسيح محبّته وحقيقته المحوّلتين".

وأجاب بندكتس السادس عشر في خطابه على تساؤل البعض عما إذا كان من الافض للكنيسة أن تنهمك في استعمال مواردها في أمور خارجة عن نطاق التنشئة، فقال:

"تنشأ جميع نشاطات الكنيسة عن إدراكها بأنّها تحمل الرسالة النابعة من قلب الله نفسه، من صلاحه وحكمته إذ اختار الله أن يُظهر نفسه وأعلمنا سرّ مشيئته".

"إنّ مشيئة الله في جعل نفسه معلوماً، والرغبة الفطريّة للكائنات البشريّة في معرفة الحقيقة – تابع البابا – تُشكّلان المادّة للبحث البشريّ في معنى الحياة".

"من يبحث عن الحقيقة، يعيش في الإيمان"

وأكد البابا أن الهويّة الكاثوليكيّة لجامعة أو مدرسة "ليست ببساطة مسألة عدد الطلاب الكاثوليك بل مسألة إيمان راسخ". وفي هذا الصدد تساءل قائلاً: "هل نؤمن فعلاً بأنّه فقط في سرّ الكلمة المتجسّدة يُصبح سرّ الإنسان واضحاً بصدق؟ هل نحن مُستعدّون لتقديم أفكارنا وإرادتنا، وعقولنا وقلوبنا إلى الله؟ هل نقبل الحقيقة التي يُظهرها المسيح؟ هل الإيمان ملموس في جامعاتنا ومدارسنا؟ هل يتمّ إعطاء تعبير متّقد بشكل طقوسيّ مقدّس من خلال الصلاة، وأعمال الصدقة، والاهتمام بالعدالة، واحترام خليقة الله؟"

فقط بهذه الطريقة – ختم يقول – نحمل فعلاً الشهادة لمعنى نفوسنا وأفكارنا".

 

 


الأمين العام للأمم المتحدة يرحب بالبابا

ويشدد على رسالتهما المشتركة بقلم طوني عساف نيويورك، الجمعة 18 أبريل 2008 (ZENIT.org).

– في كلمة الترحيب بالبابا بندكتس السادس عشر في مقر الامم المتحدة تحدث الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي-مون عن الأهداف الأساسية التي تجمع بين الكنيسة الكاثوليكية والمنظمة.

ورحب بان كي-مون بالبابا في "بيتنا المشترك" مشيراً الى أن رسالة الأمم المتحدة توحد المنظمة برسالة البابا. فقد تحدث البابا عن آفة الفقر التي تضرب قسماً كبيراً من العالم، وشجع على نزع السلاح وغيرها من الأمور التي تطالب بها الأمم المتحدة. وذكّر الأمين العام بأن البابا قال بأن السلام يرتكز الى احترام حقوق الجميع، وبأنه طلب حواراً صريحاً وواضحاً ليس فقط مع الديانات والثقافات الأخرى وإنما ايضاً داخل الكنيسة ذاتها.

وقال بان كي-مون: " إن كنا نعبد إلهاً واحداً أو عدة آلهة أو لا نعبد أحداً، فإننا في الأمم المتحدة نعمل على تعزيز إيماننا يوماً بعد يوم".

من جهته قال رئيس الهيئة العامة للأمم المتحدة السيد سرجيان كريم للبابا أن زيارة قداسته تأكيد على أهمية المنظمات الدولية، وبخاصة الأمم المتحدة.

وقال كريم: "إسمحوا لي أن أعبر عن خالص تقديري بمساهمة الكرسي الرسولي الثمينة في عمل الجمعية العامة، وخاصة على دوره في تعزيز العدالة الاجتماعية، وفي قطاع التربية وفي العمل على التخفيف من حدة الفقر والجوع في العالم".

 

 


البابا: على الأمم المتحدة أن تكون عادلة إذا ما أرادت أن إحلال السلام بين الدول

بقلم روبير شعيب

 نيويورك، الجمعة 18 أبريل 2008 (Zenit.org).

انطلق البابا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من هوية هذه المنظمة الدولية لكي يذكرها بواجباتها نحو جميع الدول وخصوصًا الفقيرة والمهمشة منها، مرددًا إلى حد ما صدى كلمات يوحنا بولس الثاني: "ما من سلام دون عدالة".

 فإنطلاقًا من المبدأ أن الأمم المتحدة تشكل تجسيدًا للتوق إلى "درجة عالية من التنظيم على الصعيد الدولي" – بحسب ما قال البابا يوحنا بولس الثاني في الرسالة العامة "الاهتمام بالشأن الاجتماعي" – أوضح بندكتس السادس عشر أن هذه الهوية يجب أن تحض المنظمة إلى العمل "بمبدأ التعاون" وبالتالي "الإجابة على حاجات العائلة البشرية، بفضل قوانين دولية فعالة ووضع بنية مناسبة تضمن السريان المتناغم للحياة اليومية للشعوب".

 وأشار البابا أن هذا الدور هو ذو أهمية بالغة في الإطار الحالي "حيث نَختبر المفارقة الواضحة بين توافق متعدد الأطراف يبقى متأزمًا لأنه ما زال مرتبطًا بقرارات عدد صغير، بينما تتطلب المشاكل العالمية، من ناحية الجماعة الدولية، تدخلاً بشكل إجراءات مشتركة".

 ثم أوضح البابا أن "مسائل الأمن، وأهداف النمو، وتخفيف الفوارق على الصعيد المحلي والعالمي، وحماية البيئة والموارد والمناخ، تتطلب كلها من المسؤولين عن الحياة الدولية أن يعملوا سوية وأن يكونوا جاهزين للعمل بحسن نية، محترمين القوانين، لتعزيز التعاضد في المناطق الأضعف في كوكبنا".

 وأضاف مستنكرًا الظلم والتهميش الذي تعاني منه بعد الدول وبعض مناطق الأرض:" يتوجه فكري بشكل خاص إلى بعض الدول في إفريقيا وفي قارات أخرى التي ما زالت على هامش النمو الأصيل والمتكامل، والتي تتعرض بالتالي لخطر ألّا تختبر إلاّ النتائج السلبية للعولمة".

 

 


بندكتس السادس عشر يحض الأمم المتحدة على مناهضة النسبية

بقلم روبير شعيب

 نيويورك، الجمعة 18 أبريل 2008 (Zenit.org).

"تجد الحقوق الإنسانية ركيزتها في القانون الطبيعي المكتوب في قلب الإنسان والحاضر في مختلف الثقافات والحضارات" و "فصل هذه الحقوق عن هذا الإطار يعني أن نحجّم تأثيرها وأن نستسلم لمفهوم نسبي، يمكن بموجبه تغيير معنى الحقوق وتأويلها"، وأيضًا "تعزيز الحقوق الإنسانية يبقى الإستراتيجية الأكثر فعالية لإزالة اللامساواة بين الدول والفئات الاجتماعية، ولزيادة الأمن".

 بهذه الكلمات عبّر بندكتس السادس عشر، في خطابه في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، عن خطر النسبية الداهم الذي يؤدي إلى اعتبار قيم سامية كالحياة البشرية والكرامة الإنسانية كآراء يمكن تعديلها وإعادة النظر فيها غالبًا انطلاقًا من مصالح جد مادية وخاصة.

 وقال البابا مذكرًا بنشأة الأمم المتحدة: "تزامن تأسيس الأمم المتحدة، كما نعرف جيدًا، مع تغيرات عميقة عانت منها البشرية عندما تم التخلي عن مرجعية المطلق والعقل الطبيعي الأمر الذي أدى إلى انتهاك فادح للحرية والكرامة الإنسانية".

 وأضاف: "في هذه الأجواء، تتعرض للخطر الركائز الموضوعية للقيم التي توحي بالنظام الدولي وتنظمه، الأمر الذي يهدد المبادئ الثابتة والملزمة التي سنتها الأمم المتحدة. في وجه تحديات تتكرر من جديد، من الخطأ الانكفاء إلى مقاربة عملانية، تكتفي بوضع "ركائز مشتركة"، شحيحة المضمون وضعيفة التأثير".

 كما وذكر أن هذه السنة تصادف الذكرى الستين لإعلان شرعة حقوق الإنسان العالمية. وقال بشأن هذه الشرعة: "كانت هذه الوثيقة ثمرة لقاء مختلف التقاليد الثقافية والدينية، وقد حركها جميعَها توقٌ مشترك إلى وضع الشخص البشري في صلب المؤسسات، والقوانين وأعمال المجتمعات، واعتباره كجوهري في عالم الثقافة والدين والعلم".

 وأضاف: "يتم تقديم حقوق الإنسان أكثر فأكثر كاللغة المشتركة والركيزة الخلقية للعلاقات الدولية. في الوقت عينه، تفيد شمولية وتماسك وترابط حقوق الإنسان كضمانة لحماية الكرامة البشرية. ولكن من الواضح أن الحقوق المعترف بها والمعروضة في الشرعة تنطبق على الإنسان بكليته، وهذا بفضل الأصل المشترك للبشر، الذي يبقى النقطة المحورية في مشروع خلق الله للعالم وللتاريخ".

 وشدد أن هذه الحقوق تجد ركيزتها في "القانون الطبيعي المكتوب في قلب الإنسان" و "الحاضر في مختلف الثقافات والحضارات" محذرًا من أن "فصل هذه الحقوق عن هذا الإطار يعني أن نحجّم تأثيرها وأن نستسلم لمفهوم نسبي، يمكن بموجبه تغيير معنى الحقوق وتأويلها، ويمكن نفي شموليتها باسم اختلاف المفاهيم الثقافية، السياسية، الاجتماعية وحتى الدينية".

 وأوضح أن "التنوع الشاسع في وجهات النظر" لا يجب أن يكون داعيًا لنسيان أن "ليست الحقوق وحدها شاملة، بل بالمقدار عينه الشخص البشري أيضًا، الذي هو موضوع هذه الحقوق".

 ثم أضاف قائلاً أن "تعزيز الحقوق الإنسانية يبقى الإستراتيجية الأكثر فعالية لإزالة اللامساواة بين الدول والفئات الاجتماعية، ولزيادة الأمن" وشرح بالقول: "بالواقع، إن ضحايا الصعوبات واليأس، الذين تتعرض كرامتهم البشرية إلى الانتهاك دون عقاب للمتعدي، يضحون فريسة سهلة للدعوة إلى العنف، ويمكنهم أن يضحوا معتدين على السلام".

 وتابع أخيرًا بالقول: "إن فضل الشرعة العالمية هو أنها مكّنت الثقافات المختلفة والتعابير القانونية والنماذج المؤسساتية من التلاقي حول نواة أساسية من القيم، وبالتالي من الحقوق. إلا أنه من الضروري اليوم مضاعفة الجهود في وجه الضغوط الرامية إلى إعادة تأويل أسس الشرعة وإلى زعزعة وحدتها الداخلية بغية تسهيل الابتعاد عن حماية الكرامة البشرية من أجل إشباع بعض المصالح البسيطة، والتي غالبًا ما تكون مصالح خاصة. لقد تم اعتناق الشرعة كـ "معيار مشترك للتطبيق" (المقدمة) ولا يمكن تطبيقها بشكل مجزوء، انطلاقًا من نزعات أو خيارات اعتباطية قد تناقض وحدة الشخص البشري وبالتالي تماسك الحقوق الإنسانية".

 

 


البابا: "لا ينبغي أبدًا أن يكون ضروريًا إنكار الله للتمتع بالحقوق الذاتية"

حق الحرية الدينية هو من بين الحقوق الإنسانية

بقلم روبير شعيب

 نيويورك، الجمعة 18 أبريل 2008 (Zenit.org).

توقف البابا في القسم الأخير من خطابه في مقر الأمم المتحدة في نيويورك على موضوع الحرية الدينية لافتًا، في مطلع كلامه، إلى النفحة الإيجابية التي يضفيها البعد الديني إلى الحياة، إذ يسهم التدين الصحيح في "ارتداد القلب"، الذي يقود من ثمّ إلى "التزام في مقاومة العنف، الإرهاب والحرب، وفي تعزيز العدالة والسلام"،  وهذا الأمر يؤمِّن الإطار "المناسب للحوار بين الأديان الذي يجب على الأمم المتحدة أن تدعمه، تمامًا كما تدعم الحوار بين أبعاد النشاط الإنساني الأخرى".

 وتابع البابا موضحًا: "يجب اكتشاف الحوار كوسيلة تتمكن من خلالها مختلف عناصر المجتمع أن تبلور وجهة نظرها وأن تبني توافقًا حول الحقيقة المتعلقة ببعض القيم والأهداف. من طبيعة الأديان المعاشة بحرية أن تتمكن من القيام بحوار فكر وحياة مستقل ذاتيًا".

 وعلى صعيد آخر أشار بندكتس السادس عشر أن بإمكان الأمم المتحدة "أن تركن إلى نتائج الحوار بين الأديان، ويمكنها أن تستفيد من جهوزية المؤمنين لوضع خبراتهم في خدمة الخير العام".

 وأضاف: "بالطبع، يجب أن تتضمن حقوق الإنسان حق الحرية الدينية، المفهومة كتعبير عن بعد هو في الوقت عينه فردي واجتماعي – نظرة تكشف عن وحدة الشخص بينما تميز بوضوح بين بعد المواطن وبعد المؤمن".

 واستنكر العدائية التي يعاني منها المؤمنون في بعض الدول فقال: "من غير المعقول أن يُرغَم المؤمنون على كبت جزء من ذواتهم – إيمانهم – لكي يكونوا مواطنين فاعلين" وأيضًا: "لا ينبغي أبدًا أن يكون ضروريً إنكار الله للتمتع بالحقوق الذاتية".

 وأوضح البابا أن ضمان الحرية الدينية لا يمكن أن يتوقف على السماح بالممارسة الحرة للعبادة، "بل يجب منح الاعتبار اللائق للبعد العمومي للدين، وبالتالي لإمكانية المؤمنين أن يلعبوا دورهم في بناء النظام الاجتماعي".

 لافتًا أن المؤمنين يقومون بذلك، على سبيل المثال، "من خلال تأثيرهم والتزامهم السخي في شبكة واسعة من المبادرات التي تمتد من الجامعات، والمؤسسات العلمية والمدارس، إلى مراكز العناية الصحية والمؤسسات الخيرية في خدمة الفقراء والمهمشين". 

عن موقع الجزيرة

يخاطب الجمعية العامة بنيويورك ويلتقي ضحايا التحرش

   


\"\"

البابا أكد عزمه مواصلة الحوار مع اليهود (الفرنسية)

يلقي بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر اليوم خطابا في الجمعية العامة للأمم المتحدة, يركز فيه على حقوق الإنسان, بعد لقائه ضحايا مجموعة تعرضت للتحرش الجنسي من قبل قساوسة بالولايات المتحدة.

 

وقال سكرتير الفاتيكان تارسيسيو برتون إن خطاب البابا -الذي يتزامن مع الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسانسيتمحور حول "وحدة حقوق الإنسان الأساسية غير القابلة للتجزئة".

 

وأضاف برتون أن بنديكت السادس عشر سيلفت نظر المجموعة الدولية إلى ضرورة تأسيس حقوق الإنسان على أساس "العدالة والأخلاق", وكذا واجبات تلك المجموعة في "حماية حقوق المستضعفين".

 

حوار اليهود

من جهة أخرى وجه البابا رسالة "صداقة" إلى وفد يهودي, كرر فيها تأكيد عزمه على متابعة الحوار بين الجانبين.

 

وقال أثناء لقائه الوفد قبل عيد الفصح اليهودي الذي يبدأ اليوم "أكرر التزام الكنيسة الحوار الذي أدى خلال أربعين عاما إلى تغيير علاقاتنا تغييرا عميقا وتحسينها".

 

وفي رسالته إلى المسيحيين بالشرق الأوسط , تمنى البابا أن "تلهم رحمة الله القيام بجهود جديدة ومواقف جديدة وتطهيرا لقلوب جميع المسؤولين عن مستقبل المنطقة". ومن المقرر أن يزور البابا كنيسا قبل ساعات من بداية الفصح اليهودي.

 

ضحايا التحرش
وفي سياق منفصل التقى البابا بنديكت السادس عشر مجموعة صغيرة ممن تعرضوا لتحرش جنسي من قبل بعض القساوسة التابعين للكنيسة في العاصمة واشنطن, واستمع لرواياتهم.


وقال بيان للفاتيكان إن البابا "استمع إليهم يروون ما تعرضوا له شخصيا, ثم أسمعهم كلمات تتضمن التشجيع والأمل".

 

وأوضح البيان أن بنديكت السادس عشر أكد للضحايا -أثناء اللقاء الذي استغرق نحو 25 دقيقة- أنه "يصلي من أجلهم ومن أجل عائلاتهم وجميع ضحايا الاستغلال "الجنسي".

 

وشهدت الكنيسة الكاثوليكية الأميركية في 2002 أكبر فضائحها منذ قرنين عندما أقر أحد كبار الأساقفة بحماية كاهن تحرش بأطفال, ما فتح الباب لشكاوى بالآلاف كلفت الكنيسة ملياري دولار هي نفقات المحاكم والتعويضات.

 

يشار إلى أن البابا استقبل بحفاوة بالغة من الرئيس الأميركي جورج بوش في البيت الأبيض الأربعاء, حيث حشد لاستقباله نحو 12 ألف شخص