لـماذا يجب الإعتراف على الكاهـن؟

   1. لأن الكاهـن لـه سلطان الحِلْ من الخطايـا

جاء فـى الكتاب المقدس إن الله هـو وحده غافر الخطايـا

"من يقدر أن يغفـر الخطايا إلاّ الله وحده" (مرقس7:2) .

ويسوع الـمسيح هو إبـن الله "إن إبن الإنسان له سلطان على الأرض ليغفر الخطايا"(مرقس10:2)، وقد مارس بالفعل سلطانه الإلهي هذا عندما قال للـمخلّع الذى أتوا بـه للسيد الـمسيح وعندما رأى إيمانهـم قال للـمخلّع: "يـا بني مغفورة لك خطاياك" (مرقس5:2)، وأيضاً عندما جاءوا إليـه بالـمرأة التى أُمسكت فـى الزنـا قال:"ولا أنا أحكم عليكِ اذهبي ولا تعودي تخطئين"(يوحنا11:8)، وللـمرأة التى سكبت الطيب على قدميـه وقال لها:"مغفورة لكِ خطاياكِ"(لوقا48:7).

والسيد المسيح أعطى سلطانه الإلهـى هذا للبشر ليمارسوه بإسمه حتى أن الشعب عندما شاهد معجزة شفاء الـمخلّع بعد مغفرة خطايـاه جاء عنهم انهم"خافوا ومجدّوا الله الذى أعطى الناس سلطان كهذا"(متى8:9)، وأيضاً جـاء إنـه أعطى للكنيسة فـى شخص القديس بطرس مفاتيح ملكوت السموات "سأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما ربطته على الأرض يكون مربوطاً فى السموات وكل ما حللته على الأرض يكون  محلولاً فى السموات" (متى19:16)، وفـى مرّة أخرى أعطى هذا السلطان للرسل:"ألحق أقول لكم إن كل ما ربطتموه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء وكل ما حللتموه على الأرض يكون محلولاً فـى السموات"

(متى18:18). وفى هذا النص نجد أن سلطان "الحل" و"الربط" يعني سلطان يختص بالروحانيات وليس شيئاً ماديـا وهو يتعلق بالخطايـا التى قد يقترفهـا الإنسان فتقيده من الإنطلاق والنمو فـى الحياة الروحية, وايضا هو سلطان غير محدود "كل ما ربطتموه..وكل ما حللتموه"، وكذلك هذا السلطان هو سلطان للحكم، وايضا سواء أكان هذا "الحل" أو "الربط" تم ممارسته بواسطة الرسل على الأرض لكنـه سيصل تأثيـره للسماء.

وهذا السلطان تـم تأكيده بعد موت وقيامـة السيد الـمسيح وعهد بهذا السلطان لرسله عندما ظهر لهم وقال لهم:"خذوا الروح القدس.من غفرتم خطايـاهم تُغفر لهم ومن أمسكتم خطايـاهم تُمسك لهم"

(يوحنا22:20-23). وفـى هذا النص أكد السيد الـمسيح بصورة قويـة السلطان الـمُعطى للرسل من قبل "للحل" و"الربط" بقولـه "من غفرتم" ، "من أمسكتموها" والتى ترجع كلهـا للخطايـا. وأيضاً يعلن أن مهـمة الرسل هى مشابهة لـمهمة السيد الـمسيح "كما أرسلني الآب كذلك أنـا أرسلكم"(يوحنا21:20)، فهو قد جاء للعالم ليقهر الخطية وفى عديد من الـمواقف جاء ذكر ما قام بـه من مغفرة الخطايا مثل الـمخلّع (متى2:9-5)، وللمرأة الخاطئة (لوقا47:7) فهو "الذى أحبنـا وغسلنا بدمـه من خطايانا"(رؤيا5:1)، وعليه فمهـمة الرسل لابد أن تحـمل هـى أيضاً مغفرة الخطايـا. وهذا السلطان فـى مغفرة الخطـايـا هو مطلق فلم يشمل على أيـّة خطيـئة بذاتهـا أو على أي خاطـئ حسب نوعيـتـه لهذا قال السيد الـمسيح للرسل "من غفرتـم خطاياهـم". وأيضاً هذا السلطان الـممنوح للـمغفرة أو الإمساك للرسل يتبعـه موافقـة الله عليـه "تُغفر لهـم" أو "تُمسك لهـم".

وأيضاً نجد أن السيد الـمسيح عندما أعطى الرسل هذا السلطان لـمغفرة الخطايـا "نفخ فيهـم"(يوحنا22:20)، والعجيب أن الـمرّة الأولـى التى جاء فيهـا أن الله نفخ فـى الإنسان كان عند خلق آدم "ونفخ فـى أنفـه نسمة حياة"(تكوين6:2)،وفيهـا أعطى الإنسان الحيـاة، أمـّا الـمرّة الثانيـة فكانت عندما أعطى الرسل "الروح القدس" وسلطان الحل والربط،وبهذا أعطى القوة لبقاء الحياة لإنسان العهد الجديد. 

ولهذا يتضح من كلام السيد الـمسيح الذى لا يقبل النقاش أو الجدل أنه قد أعطى الرسل السلطان على الحكم بـمغفرة الخطـايـا. ولاشك أن سلطان الـمفاتيح هذا  هو السلطان الـمطلق الذى بلا قيد وشرط كما يُستدل على ذلك من اشعيا "سأعطيك مفاتيح بيت داود"(اشعيا22:22)، وكما جاء فى سفر الرؤيـا"وفى يدي مفاتيح الـموت والقيامـة"(رؤيا18:1).

 والرسل قد فهـموا جيداً هذا السلطان ولهذا قال الرسول بولس ان الله قد أعطى للرسل "خدمـة الـمصالحـة" (2كورنثوس18:5). ولقد عـمل الرسل بهذا السلطان،فبولس الرسول قد حكم على الخاطئ الذى حاز إمرأة أبيـه قائلاً:"أما أنا الغائب بالجسد الحاضر بالروح فقد حكمت كأنى حاضر على الذى فعل مثل ذلك بإسم ربنا يسوع الـمسيح وأنتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع بأن يُسّلم مثل هذا الى الشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح فى يوم ربنا يسوع الـمسيح"(1كورنثوس3:5-5)، وايضاً قال:"وإن كان أحد لا يطيع ما نوصي بـه فى الرسالة فلاحظوه ولا تخالطوه لكي يخجل ولا تنـزلوه منزلـة العدو"(2تسالونيكي14:3-15)، ويوصي تلميذه تيطس قائلاً:"ورجل البدعـة بعد الإنذار مرة وأخرى أعرض عنـه عالـما ان من هو كذلك قد فسد تماما وهو فى الخطيئة لأن ضميره يقضي عليـه"(تيطس10:3-11).  

ولكي تقوم الكنيسة بمهمتها أي خلاص النفوس وتكميل القديسين ، وضع الله فيها رسلا وأنبياء ومبشرين ورعاة ومعلّمين "وهو الذى جعل بعضاً رُسلاً وبعضاً أنبياء وبعضاً مبشريـن وبعضاً رعاةومعلّـمين لأجل تكميل القديسين ولعـمل الخِدمـة وبنيان جسد الـمسيح"(افسس 11:4). وجاعلا اياهم وكلاء أسراره "فيحسبنا الإنسان كخّدام الـمسيح ووكلاء أسرار الله"(1كورنثوس1:4)،(تيطس7:1)،وسفراء عنه "فنحن سفراء الـمسيح كأن الله يعظ على ألسنتنـا"(2كورنثوس20:5)،وأعطاهم الحل والربط فى السماء والأرض (متى 18:18).

ولدوام سلسلة الولاية او الخلافة الرسولية فى كل الأجيال أعطاهـم ان يقيموا آخرين لإستمرار الكنيسة فى أداء مهمتها حتى المجيئ الثانى:

"وإنتخبـا لهم قسوساً فى كل كنيسة(أعمال23:14)،"من أجل هذا تركتك

فى كريت لكي تُكـمّل ترتيب الأمور الناقصة وتُقيـم فى كل مدينـة شيوخاً كـما أوصيتك" (تيطس 5:1).وحدّد طريقة هذه الإقامة بوضع اليد

"وأقاموهـم أمام الرسل فصلّوا ووضعوا عليهم الأيدي(أع 6:6)، "لاتُبادر إلـى وضع يدك على أحد ولا تشترك فى خطايا غيرك"(1تيموثاوس22:5).

ولهذا يواصل الأساقفة خلفاء الرسل والكهنة معاونوهم القيام بهذه الخدمـة بالسلطان الذى نالوه بسر الدرجة الكهنوتيـة. ولقد أعلنت الكنيسة منذ نشأتهـا إيـمانهـا بهذا السلطان الـممنوح لهـا ومارستـه بكل تدقيق.

2. لأن الكاهـن هو رسول الله

فالكاهـن هو كرسول الله للإنسان "لأن شفتي الكاهن تحفظان العِلم ومن

فِيـهِ يطلبون الشريعـة إذ هو ملاك رب الجنود"(ملاخى20:2).

3. لإمكانيـة التقدم من سر التناول بإستحقاق

ان الإعتراف للكاهـن ضروري لكى يسمح الكاهن للتائب بالتقدم لسر التناول بإستحقاق لأن "أي إنسان أكل خبز الرب أو شرب كأسه وهو على خلاف الإستحقاق فهو مجرم إلى جسد الرب ودمه"(1كورنثوس27:11).

4.من أجل الإرشاد الروحـي

يكون من أجل الإرشاد الروحي ليشرح الكاهن للإنسان التائب ما يجب أن يفعلـه للنمو فى الحياة الروحيـة والإنتصار على الخطيّـة.

5. لكي يجلب الإحساس بالخجل

الإعتراف بالزلاّت والضعف أمام شخص آخـر كما يذكر الكتاب

الـمقدس" إعترفوا بعضكم على بعض بالزلاّت"(يعقوب16:5) غالبـاً ما

يُصيب الإنسان بالخجل،ويزداد هذا الخجل خاصـة عندما يذكر خطاياه أمام شخص روحانـي، وأمام الكهنوت بالذات، وهذا الخجل الإيجابـي فـى كثير من الأحيان يساعد الإنسان على عدم إرتكاب الخطيـّة فى الـمستقبل.

6. من أجل المصالحة مع الله

لقد علّمنا السيد الـمسيح فى موعظتـه على الجبل ضرورة أن نزيل أي

غضب أو حزن قد يصيب الغيـر بسبب الإساءة أو خطأ إقترفنـاه قبل أن نتقدم بأي ذبيحة للـه" فإن قدمت قربانك على الـمذبح، وهناك تذكرّت أن لأخيك شيئاً عليك،فاترك هناك قربانك قدام الـمذبح، واذهب أولاً وصالح أخاك"(متى23:5و24). فإذا ما إنطبق ذلك فـى العلاقات البشريـة، فبالأحرى أن نتذكر مدى الإساءة التى سببناهـا الى الله بخطايـانـا فنأتـى الى كاهن الله طالبيـن منـه الـمغفرة والصفح،لهذا طالبنـا بولس الرسول قائلاً:"فأسألكم من قِبَل الـمسيح تصالحوا مع الله"

(2كورنثوس20:5).

8.لأنـه جاء ضمن ممارسات الكنيسة فـى العصور الأولـى للـمسيحية إن الآبـاء منذ الجيل الأول للـمسيحية استعملوا سلطان الحل والربط وأمروا بالإعتراف كما يستدل على ذلك من كتابات الآبـاء:

– كتاب الديداخى (70م)وهو كتاب يحوي ملخص لقوانين الرسل حيث جاء به:"وإذا اجتمعتم فى يوم الأحد لكسر الخبز وتلاوة الشكر فليكن بعد الإعتراف بخطاياكم كى تكون ذبيحتكم نقيـة".

– القديس كليمنس St. Clementو الذى مات عام 99م جاء فى رسالته

الشهيرة لأهل كورنثوس:"على الـمتمردين أن يتقدموا لكهنة الكنيسة للحصول على الـمغفرة إذا ما تابوا".

– رسالة القديس أغناطيوس الأنطاكي الـى أهل فيلادلفيـا(110م) حيث جاء بها:"اعترف بخطاياك فى الكنيسة ولا تقترب من الصلاة بضمير غير نقي".

– القديس ايريناوس فى دفاعه عن الهرطقات(180م).

– العلاّمـة ترتليانوس فى رسالته عن التوبـة(203 م).

– القديس هيبوليتس فى كتابه عن التقاليد الرسولية (215م).

القديس كبريانوس St. Cyprian of Carthage(251م) فى رسالته عن السقوط، حيث جاء بها:"أطلب منكم أيها الأحباء  أن تعترفوا بخطاياكم ما دمتم فى الحياة الحاضرة حيث صفح الخطايا الممنوح من الكهنة مقبول ومرضي عند الله".

                               Firmilian of Caesarea(268م) اسقف قيصرية فى رسالته الى أهل جزيرة قبرص.

– القديس باسيليوس الكبير St. Basil the Great (374م) فى كتابه عن ملخص القواعد الـمعمول بهـا حيث جاء به:"إن صفة الإعتراف بالخطايا هى صفة الآلام الجسدية فكما ان امراض الجسد لا تعلن لكل واحد ولا لمن اتفق،بل للأطباء الخبيرين الحاذقين بالداء وعلاجه،هكذا الإعتراف بالخطايا يجب ان يكون للكهنة القادرين على الداء والشفاء".

– القديس أثناسيوس الذى توفى عام 375م حيث جاء فى إحدى كتاباتـه:"كما ان الـمعتمد من الكاهن يستنير بنعمة الروح القدس هكذا من يعترف بخطاياه بواسطة الكاهن يحظى بالغفران بنعمة المسيح".

– القديس يوحنا ذهبي الفم St. John Chrysostom(387م) فى رسالته عن الكهنوت:"لا تخجل من الذهاب للكاهن لأنك أخطأت،ولكن من أجل هذا السبب إذهب إليه، فلا يمكن أن يقول من هو مريض أنه لن يقترب من الطبيب أو أخذ العلاج".

– القديس أمبروسيوس  St. Ambrose of Milan(388م) فى كتابـه عن القصاص،حيث جاء"هوذا الآن الزمان الذى فيه يلزم ان تعترفوا بخطاياكم للـه وللكاهن وتمحوها بالأصوام والصلوات والدموع".

– القديس جيروم (388و389م) فى كتاباتـه عن انجيل متى وسفر نشيد الأناشيد.

– القديس أغسطينوس St. Augustine (395م) فى قول يعقوب الرسول"اعترفوا بعضكم لبعض بالزلاّت"(يعقوب16:5):ليس المقصود ان يعترف الكهنة للعلمانيين كما يعترف هؤلاء لهم،فإن هذه الجملة توجب دائما حصول المشاركة بين كل من الطرفين اي لا يلزم منها اعتراف الكهنة للشعب واعتراف الشعب للكهنة بل هى على حد قولك علّموا بعضكم بعضا وعالجوا احدكم اخاه وليسعف الواحد منكم صاحبه يعنى ان العالـِم يعلّم الجاهل والطبيب يعالج المريض والقوي يأخذ بناصر الضعيف".

– القديس البابا ليون الأول (459م):" ان الله فى عِظم رحمته أعطانا وسيلتان هامتان للعلاج لخطايا البشرحتى يمكنهم الحصول على نعمة الحياة الأبديـة،هـما نعمة المعموديـة،ونعـمة التوبة والغفران. 

9.                           لأنـه جـاء ضـمن قوانيـن الكنيسة وتعاليمها

– ضمن قوانين الكنيسة القبطية كما ظهرت فى الجيل الثالث

– ضمن الطقوس الكنسية كما جاء فى قداسي القديس باسيليوس الكبير

   والقديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات.

– وُضع سر الإعتراف ضـمن أسرار الكنيسة السبعة   بدءاً من القرن

   الثانى عشر.

– المجمع اللاتيراني الرابع Fourth Lateran Council(1215) وما تضمنه من قرارات خاصة بسر التوبـة.

– المجمع الترينتي Council of Trent(1545-1562) وما تضمنه من  قرارات خاصة بسر الإعتراف وتشمل: ان التوبـة هو سر حقيقي أنشأه الـمسيح ويتوخى غفران كل الخطايـا،وهناك تميز واضح ما بين سر العماد وسر التوبة،وهو من صميم تعاليـم الإنجيل الـمقدس.

المجمع الفاتيكاني الثاني (1961-1964) حيث استخدم كلمة "سر الـمصالحة" على غيرها من التسميات للدلالة على أنه يصالح الخاطئ بالله وبالكنيسة والبشر بعد فسخ عهد الحب بالخطيئـة.

                               Catechism of the Catholic Churchملخص التعاليم المسيحية -1992حيث جاء فى البنود أرقام 980و1441و1444 ما يختص بسر الإعتراف.

هذا بالإضافـة ان ممارسة سر الإعتراف كان معروفـاً كما سبق وأن أوضحنـا فى الكنيسة على مر العصور،على الرغم من تلك الإنقسامات التى حدثت بين الكنائس فى الشرق والغرب بدءاً من سنة451م، ثم فى سنة 876و1053م وأخيراً فى عام 1472. فلم تضع الكنائس الشرقيـة ما كانت وضعته الكنائس الغربيـة من قبل عن سر الإعتراف، أو إتهـمتهـا بأنهـا أدخلت تعاليـم غريبـة،لكن بالعكس إعترفت كل كنيسة بضرورة التوبـة والإعتراف فى الكنيسة للحصول على مغفرة الخطايـا طبقاً لتعاليـم السيد الـمسيح رأس الكنيسة،والكنيسة التى لا يمارس بهـا سر الإعتراف لا تنطبق عليهـا صفة أو علامـة كنيسة السيد الـمسيح.