علينا أن نجذر حب الوطن في قلوب شعبنا

الأنبا ابراهيم اسحاق لحامل الرسالة

تحمل إيبارشية الأقباط الكاثوليك بالمنيا طابعاً تاريخياً فريداً إذ يعود تأسيسها إلى القرار الرسولي " المسيح الرب " الذي أصدرة قداسة البابا لأون الثالث عشر في 26 نوفمبر 1895 . وإلى جانب الأجواء التاريخية العريقة تحظى الايبارشية كذلك بالكثافة العالية نسبيا لمؤمنيها وتنوع الخدمات الروحية والاجتماعية والتنموية مما يضفي طابعاً من الحركة الدائمة والنشاط الفعال بين أركانها . ويحمل الأنبا إبراهيم إسحاق عصا الرعاية بالايبارشية منذ أكثر من خمس سنوات ويعد سيادته الأسقف السابع ضمن سلسلة الآباء الأساقفة الذين تولوا إدارة الإيبارشية على مدى 112 عام هي عمر الايبارشية . وفي لقاء حميم وسيادة المطران كان لنا هذا الحوار الثري . 

·       سيادة المطران ألق لنا أضواء على سيرتكم الذاتية ؟

         ولدت في 19 اغسطس 1955 بقرية بني شقير مركز منفلوط محافظة أسيوط ، سافرت وعمري 3 سنوات مع عائلتي إلى القاهرة. وعقب المرحلة الثانوية التي أتممتها بالأكليريكية الصغرى، التحقت بكلية الفلسفة واللاهوت وحصلت على الليسانس وتمت سيامتي قسيسا،بالمعادي، بيد الأنبا اسطفانوس الأول في 7 فبراير 1980 . ومن الأعوام 80 إلى 83 خدمت كاهناً معاوناً للقمص منير قسيس برعية الملاك ميخائيل بحدائق القبة والمليحة وعملت كذلك مرشداً لمساجين ليمان طرة . ثم سافرت إلى روما للدراسة في الفترة من ( 83 إلى 88 ) حيث حصلت على الدكتوراة في اللاهوت العقائدي . وعدت إلى مصر وعملت بالاكليريكية منذ 1989 مسئولا للشمامسة ومدرسا لمادة اللاهوت. وفي سبتمبر عام 1990 ، تم اختياري رئيساً للأكليريكية حتى عام 2000 . بعد ذلك قضيت سنة( سبتية= تجديد)دراسات حرة بين أمريكا وبلجيكا، عدت بعدها إلى مصر وتوليت إدارة معهد التربية الدينية بالسكاكيني، إلى جانب التدريس في كل من المعادي والسكاكيني،  حتى اختياري  خادما للمنيا في سبتمبر 2002، وتمت السيامة الأسقفية في 15  نوفمبر .

·        إعطنا فكرة مبسطة عن أهم الملامح المميزة لايبارشية المنيا ؟

         بالتأكيد هناك عناصر مشتركة في كل الايبارشيات الكاثوليكية، لكن لدى كل ايبارشية ملامح تميزها . و في تقديري أن أهم ما يميز ايبارشية المنيا أمرين: الأول هو روح التطوع التى تملئ قلوب أبناء المنيا والتى تظهر بصورة واضحة في العمل الاجتماعي والخدمات الإنسانية . حيث تقوم أغلب الأعمال الرعوي منها والتنموي على روح التطوع مما تنعكس ثمارها على روح الوحدة والتضامن بين الشباب والعائلات، وهذا حصيلة عمل الرعاة . والأمر الثاني هو العمل المدني الذي تقوم به الايبارشية في مجال التعليم وسائر الخدمات المشتركة. إذ أن الايبارشية تدير خمسة  مدارس، إلى جانب مدارس الصعيد والمدارس التي تديرها الرهبانيات العاملة بالايبارشية. هذه المدارس تفتح أبوابها لجميع أبناء محافظة المنيا وتؤدي خدمة تعليمية نرى أنها متميزة . واعتقد أن دور الايبارشية في العمل الاجتماعي والتعليمي يجعل لها مشاركة وحضور في المجتمع المحلي بالمنيا .

·        ماذا عن شعاركم الأسقفي ( حيث روح الرب تكون الحرية ) ؟

         حيث روح الرب تكون الحرية(1كور 3: 17 ) ، نعم هو شعاري الأسقفي ، لكنه لم يكن بمثابة خطة عمل لي بالايبارشية بقدر ما كان جواباً على سؤال شخصي(أين حريتي الشخصية؟) فيما يخصّ دعوة الرب لى لأكون اسقفاً . ففي اثناء استعدادي لسماع صوت الرب أثناء مرحلة القرار وقع بصري على هذه الكلمات الانجيلية والتي رأيت من خلالها ان حريتي الحقيقية هي في أن أكون للرب وأن أتمم مشيئته . وبلا شك تقودني هذه القناعة وهذا الإيمان إلى تعميق معنى الحرية الحقيقية بين أبناء الايبارشية .

·        ماذا عن موقع التربية الدينية على خريطة اهتماماتكم الرعوية ؟

         لإيبارشية المنيا مسيرة طويلة في التكوين الديني لأبنائها ،بدأت مع السابقين، ونجتهد في مواصلة هذه المسيرة والاهتمام بالتكوين الشامل لمختلف المراحل العمرية .وكذلك نسعى إلى تكوين الابناء والعائلات تكويناً روحياً وانسانياً يقود الفرد نحو اكتشاف ذاته ليعيش رسالته ويؤدي واجبه بأمانة وبمسئوليته في أسرته ومجتمعه . ومما يساعدنا على مواصلة المسيرة بجدية وعمق ما يقوم به الأباء المسئولون من تواصل الندوات التكوينية للخدام والخادمات، في شهور الصيف وخلال السنة . كذلك البحث المتواصل عن استثمار الطاقات وتوظيفها في موضعها المناسب حتى يتسنى للخدمة أن تأتي بثمر وفير . ولعل روح التعاون بين الخدام والعمل بروح الفريق الواحد يعطي مسيرة التكوين الشامل افاقاً جديدة .

·        للعائلة نصيب كبير في نشاطكم الرعوي … كلمنا عن ذلك  ؟

         في العائلة يتجسد حضور الكنيسة والمجتمع ، لذا فالاهتمام بشأن العائلة هو اهتمام مباشر بهما . وبالفعل نهتم كثيراً بالتكوين المسيحي والإنساني وكل ما يتعلق بالزواج والعائلة. ولقد توسعنا في تقديم الخدمة لشرائح مختلفة من العائلات وذلك من خلال ما يقوم به مركز "قانا الجليل للعائلة والحياة" . ولقد حرصت أن يكون المسئول عن المركز كاهناً متزوجاً وصاحب خبرة ،يعاونه فريق مؤهل من الخدام والخادمات . ولقد اتسعت أنشطة المركز من الاهتمام بندوات المقبلين على الزواج إلى العائلات المتزوجة حديثاً حتى العائلات التي مضى على زواجها ربع قرن. ويعتمد المركز في عمله على تنوع البرامج والأنشطة التى تلائم احتياجات الأسرة المصرية .

·        تحتل قضية " الانتماء للكنيسة " خاصة لدى الشباب اهتمام الباحثين والعامة .. ماذا عن رأي نيافتكم ؟

         إذا أردنا أن نناقش قضية الانتماء فعلينا أن نقرأ جيداً علامات العصر وما تحمله مرحلة العولمة من انفتاح ضخم اساسه ثورة الاتصالات . لقد عمل هذا الانفتاح على ظهور قيم وثقافات جديدة  وانحسار قيم أخرى ، ربما يكون من بينها الانتماء للأسرة  وللوطن…  ولأن الكنيسة جزء من المجتمع، فإلى جانب أنها روحية، هي أيضا مؤسسة بشرية تعكس ما يعيشه  المجتمع من أفراح ومعاناة وصراعات . لذلك نتساءل مع الشباب ونسعى إلى الأوليات؟ وماذا يمكن للكنيسة أن تقدم ؟ وكيف تكون الكنيسة مركز جذب للشباب وملتقى لتنمية قدراتهم الباطن منها والظاهر( الروحية والعقلية والانسانية ). وهو ما نحاول القيام به . وهذا  يقود الشباب إلى الاعتراف بفضل الكنيسة الأم والمعلمة ومن ثم يقودهم إلي الاعتزاز بالانتماء للكنيسة.

·        أصبح للمكاتب التنموية في الايبارشيات دور هام في مساعدة أبناء الكنيسة اقتصادياً واجتماعياً .. في رأيكم ما هي الآلية المناسبة للقيام بهذه الرسالة بعدالة ؟

         التنمية قطاع هام داخل الكنيسة، على مر العصور وان اختلفت الأساليب، فمن خلالها تعمل المؤسسات التنموية على النهوض بمستوى الفرد ، كذلك تتيح توفير عدد من فرص العمل للشباب والشابات . لكن التتمية التى نركز عليها هي التنمية الشاملة  لكافة جوانب الإنسان إنسانيا واجتماعياً واقتصاديا، مما يتطلب التدريب الدائم للقائمين على هذه الخدمات وتكوينهم تكويناً علمياً وروحياً وفنيا حتى يتسنى لهم أداء رسالتهم بصورة جيدة، ويصلون مباشرة إلى المستحقين الحقيقيين .والأمر يحتاج إلى التقييم المستمر والقرار الصائب حتى تتحقق الأهداف المرجوة من التنمية .

·        التعصب الديني ظاهرة اجتماعية خطيرة .. كيف ترون الأمر ومن ثم معالجته ؟

         السبب الرئيسي في التعصب هو الجهل فالإنسان الجاهل لا يرى إلإ نفسه ولا يصدق إلإ ذاته ولا يعرف ولا يريد أن يعرف أي شئ عن الأخر . ومن ثم تكون أحكامه احادية خاطئة . والتعصب ظاهرة ليس بين المسيحيين والمسلمين فحسب بل حتى داخل الطوائف المسيحية أيضاً . واعتقد أن السعي إلى المعرفة بالأخر وقبوله هى أولى خطوات مواجهة آفة التعصب، كذلك  محاولة بناء جسور ثقة مع الأخر من خلال الأعمال الانسانية والاجتماعية . وسأعطيك مثالاً عملياً . في خدمة "يسوع السجين" في الإيبارشية يقوم المسئولون في هذه الخدمة بزيارة المساجين المسيحيين والاهتمام بذويهم . وعندما أراد مجموعة من الشباب المسلم تطبيق التجربة عندهم رحبنا بذلك وبدأنا نساعدهم وكان لذلك مردود طيب على علاقاتنا معاً . والأمثلة كثيرة في التنمية والعمل الاجتماعي ونحن بحاجة إلى التضامن الأخوي بين المصريين (مسيحيين ومسلمين) حتى يتحقق السلام الاجتماعي، وتعود مصرنا إلى سابق عهدها الجميل

·        الصحافة الكاثوليكية إحدى روافد المعرفة والتواصل داخل الكنيسة .. كيف تقرأون ملف الصحافة الكنسية ؟

         لا ننكر أن في صحافتنا الكاثوليكية بمصر جهودا صادقة، وراءه بلا شك فريق عمل متميز مهنياً وانسانياً ، يتضح ذلك فيما يصدر من جرائد ومجلات . لكني أرى أن هذه الجهود مبعثرة وفي حاجة إلى جهة أو مظلة تستجمع ذلك كله ويكون لدى هذه الجهة أجندة عمل تبرز غنى تعليم الكنيسة وتوجهها الاجتماعي والإنساني حتى تستطيع الصحف الكاثوليكية أن تكون جسر تواصل ليس بين أبناء الكنيسة فحسب بل وبين الكنيسة والمجتمع .

·        لنسمع من نيافتكم كلمة ختامية لقراء هذا الحوار ؟

 – الحوار لا ينتهي أبدا ، لكني أريد أن أؤكد أنه علينا أن نغرس ونعمق حب الوطن في قلوب شعبنا، لأننا مصريون أولاً وقبل أي شئ . واخيراً اقول لأبناء الكنيسة الكاثوليكية كونوا فخورين بكنيستكم، فحبكم لها خير سند، وبأيديكم ومشاركتكم يتشكل إيمان اليوم والغد.

 

أجرى الحوار :

ناجح سمعـان