لنتأمل مع بندكتس 25-26-27-28-29-30 من يونيو

الخامس والعشرون من يونيو

روما، الأربعاء 25 يونيو 2008 (zenit.org).

نشر في ما يلي تأمل اليوم من يونيو للبابا بندكتس السابع عشر، من كتاب "بندكتس".

 أساس الرسل

 لقد بنيت الكنيسة على أساس الرسل، كجماعة إيمان ورجاء ومحبة. نصل عبر الرسل إلى يسوع المسيح بالذات. يبدأ تأسيس الكنيسة عندما يلتقي بعض الصيادين الجليليون بيسوع، ويفسحوا له المجال أن يستهويهم بنظرته، بصوته، بدعوته الدافئة والقوية. يشكل الرسل، بعد مريم، إشعاعًا صافيًا لنور المسيح، الذين ننال عبر كلمتهم وشهادتهم حقيقة المسيح. لكن رسالتهم ليست منفصلة، بل هي في صلب سر الشركة الذي يتعلق بكل شعب الله والذي يتحقق تدريجيًا من العهد القديم إلى العهد الجديد. من اللحظة الأولى من عمله الخلاصي، يسعى يسوع إلى جمع شعب الله. بالواقع، يهدف يسوع باستمرار إلى بناء شعب الله الذي أتى إلى جمعه، وتطهيره، وتخليصه. من الواضح أن كامل رسالة الابن الصائر بشرًا تحمل غاية جماعية. لقد أتى حقًا ليجمع البشرية المشتتة؛ لقد أتى حقًا ليوحد شعب الله.

 

السادس والعشرون من يونيو

دعوة الاثني عشر

 في تعليمنا بشأن المسيح والكنيسة، لقد رأينا كيف أن الكنيسة "مؤسسة مبنية على أساس الرسل". يبين الإنجيل كيف أن يسوع، في مطلع رسالته العامة، اختار 12 رسولاً ليضحوا "صيادي بشر". يقدم القديس يوحنا بشكل خاص دعوة الاثني عشر كثمرة لقاء شخصي ومحول مع الرب. وبدل أن يكون مجرد إعلان لرسالة، يظهر الإنجيل كشهادة لشخص يسوع المسيح ودعوة للدخول في شركة معه. أرسل يسوع تلاميذه أولاً إلى "الخراف الضالة من بيت إسرائيل". يجب فهم هذا العمل النبوي على ضوء انتظار إسرائيل المشيحاني، الذي سيجمع في الله شعبه كراعٍ يجمع قطيعه، عبر مسيحه المختار. "الجمع" هو علامة لمجيء ملكوت الله وامتداد قوته الخلاصية إلى كل أمة وشعب. بعد القيامة، تضحي رسالة الرسل الجامعة ظاهرة. يرسلهم الرب القائم لكي يتلمذوا كل الأمم، حتى "أقاصي الأرض".

السابع والعشرون من يونيو

مصير المدعوين

 
مصير "المدعوين" هو أن يكونوا من الآن وصاعدًا مرتبطين حميميًا بيسوع. الرسول هو شخص مرسل، ولكن قبل ذلك هو "خبير" بيسوع. ويسلط يوحنا الإنجيلي الضوء على هذا البعد بالذات في لقاء يسوع مع رسل المستقبل… يتم اللقاء على ضفاف نهر الأردن. إن حضور تلاميذ المستقبل الذين أتوا، مثل يسوع، من الجليل لكي ينالوا معمودية يوحنا، يسلط الضوء على عالمهم الروحي. إنهم رجال كانوا ينتظرون ملكوت الله، متحمسين للتعرف على المسيح المتوقع مجيئه عن قريب. لقد اكتفوا بإشارة يوحنا المعمدان إلى يسوع كحمل الله، فتأجج فيهم الشوق إلى لقاء شخصي مع المعلم. إن خطوط خطاب يسوع مع الرسولين الأولين هي بالغة التعبير. فردًا على سؤاله: "ماذا تطلبان؟"، أجابا بسؤال: "رابي، أين تقيم؟"، ويجيب يسوع بدعوة: تعاليا وانظرا". تعاليا لكي تتمكنا من الرؤية. لقد بدأت مغامرة الرسل كلقاء أشخاص منفتحين بعضهم على بعض. كان ذلك بالنسبة للرسل بدء تعارف تأقلم مباشر مع المعلم، إذ رأوا أين يقيم وبدأوا بالتعرف إليه. بالواقع، ما كانوا ليعلنوا عن فكرة بل ليشهدوا لشخص. وقبل أن يتم إرسالهم للتبشير، كان عليهم أن "يكونوا" مع يسوع، ويبنوا معه علاقة شخصية. على هذا الأساس، التبشير لم يكن إلا إعلان ما شعروا به، ودعوة إلى الدخول في سر الشركة مع المسيح.

 

 

الثامن والعشرون من يونيو

الاثنا عشر

يجب أن نلاحظ أن جماعة تلاميذ يسوع ليست حشدًا عشوائيًا. بل في وسطها هناك جماعة الاثني عشر التي تشكل نواة منسوجة بشكل محكم… يجب أن نذكر أن الاثني عشر نالوا لقب "الرسل" فقط بعد القيامة. قبل ذلك كان اسمهم بكل بساطة "الاثنا عشر". هذا العدد الذي يضمهم سوية في جماعة منظمة بوضوح، هو ذو أهمية كبرى إذ يجري تتميمه من جديد بعد خيانة يهوذا (رسل 1، 15 – 26). يصف مرقس دعوتهم بهذه العبارة "أقام يسوع الاثني عشر" (3، 14). دورهم الأول هو أن يكونوا ببساطة جماعة الاثني عشر. ثم تبرز مهمتان إثنتان: "لكي يكونوا معه، ولكي يرسلهم" (مر 3، 14). لذا فالقيمة الرمزية للاثني عشر هي ذات أهمية مصيرية: إثنا عشر هو عدد أبناء يعقوب، وعدد أسباط إسرائيل. عبر تأسيس دائرة الاثني عشر، يقدم يسوع نفسه كبطريرك إسرائيل الجديد ويجعل من هؤلاء الرجال الاثني عشر مبدأه وركيزته. ليس هناك أسلوب أوضح للتعبير عن بدء شعب جديد، لا يتألف من بعد من السلالة الجسدية بل من "الكينونة مع يسوع"، وهي واقع يناله الاثنا عشر منه، ثم يرسلهم لكي يكونوا وسطاءها بين الآخرين. يمكن التلميح إلى موضوع الوحدة والتعددية هنا أيضًا، رغم أن وحدة الشعب الجديد هي الطابع الغالب في سرد الوحدة التي لا تنفصم بين الاثني عشر، الذين يحققون رمزيتهم – ورسالتهم – فقط كاثني عشر.

 

التاسع والعشرون من يونيو

بطرس وبولس

الهدف من رسالة الكنيسة هو إنسانية باتت بذاتها مجدًا حيًا لله، وهذه هي العبادة الحقة التي ينتظرها الله: هذا هو المعنى العميق للكاثوليكية… مثل بولس، جاء بطرس أيضًا إلى روما، المدينة التي كانت ملتقى كل الشعوب والتي، لهذا السبب بالذات، يمكن أن تكون التعبير الأول عن شمولية الإنجيل. لا بد أن بطرس شعر، عندما قام بالرحلة من أورشليم إلى روما، بأن أصوات الأنبياء، وإيمان وصلاة إسرائيل تقوده… ينتهي مزمور الآلام العظيم، المزمور 22، والذي تلفظ يسوع بآيته الأولى على الصليب، "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟"، ينتهي بهذه الرؤية: "جميع أقاصي الأرض تتذكر وإلى الرب تتوب؛ وجميع عشائر الأمم أمامه تسجد" (مز 22، 28). عندما جاء بطرس وبولس إلى روما، كان الرب الذي تلفظ بهذا المزمور على الصليب قد قام؛ وتم الآن تبشير كل الشعوب بانتصار الله، فتحقق بالتالي الوعد الذي يختم المزمور…إن وحدة البشر على تنوعهم صارت ممكنة لأن الله، إله السماوات والأرض الأوحد، أظهر نفسه لنا؛ لأن حقيقة حياتنا الجوهرية، حقيقة "من أين؟" و "إلى أين؟" باتت مرئية عندما كشف نفسه لنا وأرانا وجهه في يسوع المسيح. إن حقيقة جوهر كياننا هذه، جوهر حياتنا وموتنا، حقيقة أظهرها الله، هي حقيقة توحدنا وتجعل منا إخوة. الكاثوليكية والوحدة تسيران سوية. وللوحدة مضمونها: الإيمان الذي نقله الرسل إلينا باسم المسيح.

الثلاثون من يونيو

 بطرس الصخر

 ولكن كيف يمكننا أن نفهم اسم بطرس؟ بالطبع لا يكشف لنا هذا الاسم عن شخصية ذلك الرجل الذي ينطبق عليه بشكل لافت الوصف الذي يقدمه المؤرخ يوسيفوس فلافيوس بشأن الجليليين: "شجعان، طيبو القلوب، واثقون، ولكن يسهل التأثير عليهم، وهم يتشوقون إلى التغيير". إن صفة "الصخر" لا تحمل معنىً تربويًا ولا نفسيًا؛ يمكننا أن نفهمها فقط انطلاقًا من السر، أي كواقع كريستولوجي وإكليزيولوجي: سمعان بطرس سيصبح بحسب إرادة يسوع ما ليس هو بالحقيقة بحسب "اللحم والدم"… يمكن لنص رابيني أن يلقي بعض الضوء لفهم ما نريد أن نقول هنا: "قال يهوه: ‘كيف يمكنني أن أخلق هذا العالم بينما سيقوم البشر بإغاظتي؟‘ ولكن عندما نظر الله إلى إبراهيم، الذي كان مزمعًا أن يولد، قال: ‘ها قد وجدت صخرة يمكنني أن أبني العالم وأؤسسه عليها‘. لذا دعا الله إبراهيم صخرًا: ‘انظروا إلى الصخر الذي نُحِتُّم منه‘ (أش 51، 12). إبراهيم، الأب في الإيمان، هو، بالإيمان، الصخر الذي يضع حدًا الفوضى، ولهجوم غمر الدمار الأولي، وهو الذي يحفظ الخليقة. سمعان، هو أول من اعترف بيسوع كالمسيح وهو أول شاهد للقيامة، وقد صار الآن بفضل الإيمان الإبراهيمي، الذي تجدد في المسيح، الصخرة التي تقف ضد دنس غمر عدم الإيمان الذي يدمر الإنسان.