عظة البابا بمناسبة افتتاح السنة البولسية

الفاتيكان، الاثنين 30 يونيو 2008 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر أثناء الاحتفال بصلاة الغروب في بازيليك القديس بولس خارج الأسوار في روما، افتتاحًا للسنة البولسية، بحضور صاحب القداسة البطريرك المسكوني برثلماوس الأول.

* * *

صاحب القداسة والإخوة المبعوثون،

السادة الكرادلة،

أيها الإخوة الأجلاء في الأسقفية والكهنوت،

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

نجتمع بالقرب من ضريح القديس بولس، الذي ولد منذ 2000 سنة، في طرسوس بكيليكية، في تركيا اليوم. من كان بولس هذا؟ أمام الحشد الهائج الذي كان يبغي قتله في أورشليم، يقدم بولس ذاته بهذه الكلمات: " إِنّي رجُلٌ يَهودِيٌّ، وُلِدْتُ في طَرْسوسَ بكيليكِيةَ، بَيْدَ أَنّي رَبيتُ في هذِهِ المَدينَةِ [أورشليم]، وتأَدَّبْتُ بدِقَّةٍ لدى قدَمَيْ غَمالِئيلَ على ناموسِ آبائِنا؛ وكُنتُ غَيورًا للهِ …" (رسل 22، 3).

وفي ختام مسيرته سيقول عن نفسه: "لقد جُعلت… معلمًا للأمم بالإيمان والحق" (1 تيم 2، 7)؛ راجع 2 تيم 1، 11). معلم الأمم، رسول يسوع المسيح والمعرف عنه، بهذا الشكل يصف نفسه ناظرًا إلى الوراء، إلى مسيرة حياته. ولكن بذلك، لا يرجع النظر فقط إلى الوراء. "معلم الأمم" – تنفتح هذه الكلمة على المستقبل، على كل الشعوب وكل الأجيال. ليس بولس بالنسبة لنا شخصية من الماضي، نذكرها ونكرمها. بل هو أيضًا معلمنا، ورسولنا والمعرف عن يسوع المسيح.

لذا، لسنا مجتمعين هنا للتفكير بقصة من الماضي، تخطاها الزمان دون رجوع. فبولس يريد أن يخاطبنا اليوم. ولذا أردت أن أعلن هذه "السنة البولسية" الخاصة: لكي نصغي إليه الآن ونتعلم منه، كمعلمنا، "الإيمان والحق"، اللذين تتجذر فيهما دواعي وحدة تلاميذ يسوع.

من هذا المنظور أردت أن أوقد، بمناسبة الألفية الثانية لمولد الرسول، "شعلة بولسية" خاصة، ستبقى متقدة طوال العام في مشعل خاص في رواق البازيليك. ولكي أجعل الحدث احتفاليًا، قمت بافتتاح "الباب البولسي"، الذي دخلت عبره إلى البازيليك، يرافقني بطريرك القسطنطينية، والكاردينال رئيس الكهنة، وسواهما من السلطات الدينية.

إنه لمدعاة فرح عميق لي أن يتخذ افتتاح السنة البولسية طابعًا مسكونيًا خاصًا لأجل حضور عدد كبير من المبعوثين والممثلين عن الكنائس الأخرى والجماعات الكنسية، التي أستقبلها بانفتاح قلب.

أحيي في المقام الأول صاحب القداسة البطريرك برثلماوس الأول وأعضاء البعثة التي ترافقه، كما وأحيي حشد العلمانيين الكثيف الذين أتوا من كل حدب وصوب إلى روما لكي يعيشوا معه ومع الجميع وقفة الصلاة والتأمل هذه.

أحيي المبعوثين الإخوة من الكنائس التي لها رباط خاص بالرسول بولس – أورشليم، أنطاكيا، قبرص، اليونان – والتي تشكل البيئة الجغرافية لحياة الرسول قبل وصوله إلى روما.

أوجه تحية قلبية إلى ممثلي الكنائس الأخرى والجماعات الكنيسة في الشرق والغرب، وأحييكم جميعًا إذ أردتم أن تشتركوا في هذا الافتتاح الاحتفالي للسنة المكرسة لرسول الأمم.

ها نحن نجتمع للتفكير بشأن رسول الأمم الكبير. ونتساءل: من كان بولس؟ ولكن أيضًا وبشكل خاص: من هو بولس؟ ماذا يقول لي؟ في هذه الساعة من بدء "السنة البولسية" التي نفتتحها، أود أن أختار من شهادة العهد الجديد الغنية ثلاثة نصوص تظهر فيها شخصيته الداخلية، وطابعها الخاص.

في الرسالة إلى أهل غلاطية، يقدم لنا بولس الرسول اعتراف إيمان شخصي جدًا، يفتح فيه قلبه أمام قرائه في كل العصور ويكشف عن الزخم الأعمق في حياته: "أحيا بإيمان ابن الله الذي أحبني وبذل ذاته لأجلي" (غلا 2، 20). كل ما يفعله بولس ينطلق من هذا المحور. إيمانه مبني على خبرته لمحبة يسوع له بشكل شخصي بالكلية؛ هو وعي بأن المسيح واجه الموت لا لأجل سبب مجهول، بل حبًا به، ببولس، وأنه كقائم من الموت، يحبه الآن أيضًا، وكمسيح وهب ذاته لأجله.

إيمانه هو أنه تتيّم بغرام يسوع المسيح، الذي يحبه بمحبة تصل إلى أعمق أعماقه وتحوله. إيمانه ليس نظريات، أو أفكار بشأن الله والعالم. إيمانه هو وقع حب الله في قلبه. ولذا فهذا الإيمان بالذات هو حب ليسوع المسيح.

يقوم الكثيرون بتقديم بولس كرجل محارب يعرف أن يستعمل سيف الكلمة. وبالواقع، في مسيرته كرسول لم تنقص النقاشات. لم يبحث عن تناغم سطحي. في أولى رسائله، تلك الموجهة إلى أهل تسالونيكي، يقول: " تجرَّأْنا في إِلهِنا على أَنْ نُكلِّمَكم بإِنجيلِ اللهِ، في جهادٍ جَمّ… فإِنَّا لم نَعتَمِدْ قَطُّ كلامَ تَمَلُّقٍ، على ما تَعلمون" (1 تسا 2، 2 . 5). كانت الحقيقة بالنسبة له عظيمة جدًا ولم يكن مستعدًا البتة أن يضحي بها لأجل نجاح خارجي.

إن الحقيقة التي اختبرها في اللقاء مع القائم من الموت كانت تستحق منه هذا الصراع، وأن يحتمل الاضطهاد والألم. ولكن الدافع الذي كان يحركه في العمق كان حب يسوع المسيح له، وشوقه أن ينقل إلى الآخرين هذا الحب.

كان بولس رجلاً لمسه حب عظيم، وهذا الحب وحده هو المحور الذي يشرح كل جهده وألمه. يمكننا أن نفهم المفاهيم الأساسية لبشارته فقط انطلاقًا من هذا الحب.

لنأخذ بعين الاعتبار أحد هذه المفاهيم الأساسية: الحرية. إن خبرة محبة المسيح له فتحت عينيه على حقيقة وسبيل الوجود الإنساني – وهذه الخبرة كانت تغطي كل شيء. كان بولس حرًا كرجل يحبه الله، وبفضل الله، كان قادرًا أن يحب معه. هذا الحب هو الآن "شريعة" حياته وبهذا الشكل أصبحت حياته حرة. يتحدث بولس ويعمل انطلاقًا من مسؤولية الحب. الحرية والمسؤولية تتحدان بشكل لا ينفصم. وبما أنه يعيش في مسؤولية الحب، بولس حر حقًا: وبما أنه شخص يحب، يعيش بالكلية في مسؤولية هذا الحب ولا يغتنم الحرية فرصة للأنانية والاعتباطية.

بالروح عينه، أطلق أغسطينوس العبارة التي أصبحت شهيرة في ما بعد: (Dilige et quod vis fac) أحبب وافعل ما تشاء(Tract. in 1Jo 7 ,7-8). من يحب المسيح كما أحبه بولس، يستطيع أن يفعل حقًا كل ما يشاء، لأن حبه متحد بإرادة المسيح وبالتالي بإرادة الله؛ لأن إرادته ترسي على الحقيقة، ولأن إرادته ليست إرادته وحسب، اعتباطية الأنا المستقل، بل هي متحدة بحرية الله ومنها تنال السبيل الذي يجب أن تسير فيه.

في البحث عن المعالم الداخلية للقديس بولس أود، في المقام الثاني، أن أذكر الكلمة التي وجهها المسيح القائم لبولس على طريق دمشق. يسأله الرب أولاً: "شاول، شاول، لما تضطهدني؟" فيجيب: "من أنت يا رب؟" فيأتي الجواب: "أنا يسوع الذي تضطهده" (رسل 9، 4 +). باضطهادة الكنيسة يضطهد بولس يسوع بالذات. "أنت تضطهدني". يماثل يسوع نفسه مع الكنيسة بشخص واحد. في هتاف القائم من الموت هذا، الذي حول حياة شاول، نجد كامل لاهوت الكنيسة كجسد المسيح. لم ينكفئ يسوع إلى السماوات تاركًا على الأرض جمعًا من الأتباع ليكملوا "قضيته".

الكنيسة ليست جماعة تريد أن تعزز قضية ما. الكنيسة لا تحمل قضية. الكنيسة تحمل شخص يسوع المسيح، الذي بقي "جسدًا" حتى بعد القيامة. هو "لحم وعظم" (لو 24، 39)، بحسب ما يقول القائم من الموت عن ذاته في إنجيل لوقا لدى ظهوره إلى التلاميذ الذين ظنوا أنه خيال. يملك يسوع جسدًا. وهو حاضر شخصيًا في كنيسته، "الرأس والجسد" يشكلان فردًا وحدًا، بحسب القديس أغسطينوس. "ألا تعرفون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟" يكتب بولس إلى أهل كورنثوس (1 كور 6، 15). ويضيف: كما هو الحال في كتاب التكوين حيث يضحي الرجل والمرأة جسدًا واحدًا، كذلك المسيح مع خاصته يضحي روحًا واحدًا، أي يضحي شخصًا فريدًا في عالم القيامة الجديد (راجع 1 كور 6، 16 +).

وفي كل هذا يظهر السر الافخارستي، الذي فيه يهب المسيح باستمرار جسده ويجعلنا جسده: "الخبز الذي نكسره، اليس شركة مع جسد المسيح؟ لأن هناك خبز واحد، ونحن، رغم أننا كثر، فنحن جسد واحد: جميعنا نشترك بالخبز الواحد" (1 كور 10، 16 +). بهذه الكلمات يتوجه إلينا، لا بولس وحده، بل الرب بالذات: كيف استطعتم أن تمزقوا جسدي؟ أمام وجه المسيح، هذه الكلمة تضحي في الوقت عينه طلبًا ملحًا: لم شملنا من كل الانقسامات. فليضحي اليوم من جديد حقيقة هذا الأمر: هناك خبز واحد، ولهذا، نحن، رغم كثرتنا، نحن جسد واحد.

بالنسبة لبولس، الكلام عن الكنيسة كجسد المسيح ليس تشبيهًا كسواه. إنه أمر يتخطى التشبيه. "لم تضطهدني؟" يجتذبنا يسوع باستمرار إلى داخل جسده، ويبني جسده انطلاقًا من المحور الافخارستي، الذي هو بالنسبة لبولس محور الوجود المسيحي، والذي بفضله، يستطيع كل فرد أن يختبر بشكل شخصي: أحبني وبذل ذاته لأجلي.

أود أن أختم بكلمة متأخرة للقديس بولس، بتحريض من السجن وجهه لتيموثاوس، وهو بوجه الموت. "تألم معي أنت أيضًا لأجل الإنجيل"، يقول الرسول لتلميذه (2 تيم 1، 8). هذه الكلمة التي تقف في ختام الدرب الذي سار فيه الرسول كوصية، تعيدنا إلى الوراء إلى مطلع رسالته. بعد لقائه بالقائم، مكث بولس أعمى في مسكنه في دمشق، وتسلم حنانيا مهمة أن يذهب إلى المضطهد المرهوب لكي يضع عليه الأيدي فيستعيد البصر. وجوابًا على اعتراض حنانيا الذي أشار إلى أن بولس هذا كان مضطهدًا خطيرًا للمسيحيين، يأتي الجواب: يجب على هذا الرجل أن يحمل اسمي أمام الشعوب والملوك. "وأنا سأريه كم يجب عليه أن يتألم لأجل اسمي" (رسل 9، 15+).

إن تلقي المهمة التبشيرية والدعوة إلى الألم لأجل المسيح هما أمران لا ينفصلان. الدعوة لكي يصبح معلم الأمم هي في الوقت عينه وبشكل جوهري دعوة إلى الألم في شركة مع المسيح، الذي فدانا بفضل آلامه. في عالم يسود فيه الكذب بقوة، يضحي الألم ثمن الحقيقة. من يرفض الألم ويحاول إبقاءه بعيدًا، يبعد عن ذاته الحياة وعظمتها؛ لا يستطيع أن يكون خادمًا للحقيقة وخادمًا للإيمان. ما من حب دوم ألم – دون ألم التخلي عن الذات، والتحول وتطهير الأنا من أجل الحرية الحقة.

تفقد الحياة عينها معناها عندما لا يوجد شيء يستحق أن يتألم الإنسان لأجله. ترتكز الافخارستيا – محور كياننا المسيحي – على تضحية يسوع لأجلنا. لقد ولدت الافخارستيا من ألم الحب، الذي وجد في الصليب قمته. نحن نعيش بفضل هذا الحب الذي يهب ذاته. هذا الحب يهبنا الشجاعة والقوة لنتألم مع المسيح ولأجله في هذا العالم، عالمين أنه بهذا الشكل تضحي حياتنا عظيمة وناضجة وحقيقية.

على ضوء كل رسائل القديس بولس نرى كيف أنه في مسيرته كمعلم الأمم تتحقق النبوءة التي سمعها حنانيا عندما تلقى مهمته لزيارة بولس: "سأريه كم ينبغي عليه أن يتألم لأجل اسمي". إن ألمه يجعله معلمًا للحقيقة جديرًا بالتصديق، لأنه لا يبحث عن منفعته، وعن مجده الخاص، وعن اكتفائه الذاتي، بل يلتزم لأجل من أحبنا ووهب ذاته لأجلنا كلنا.

في هذه الساعة، نشكر الرب، لأنه دعا بولس، جاعلاً منه نورًا للأمم ومعلمًا لنا جميعًا، ونصلي إليه: أعطنا اليوم أيضًا شهودًا للقيامة، مولعين بحبك وقادرين أن يحملوا نور الإنجيل في زماننا. يا مار بولس، صل لأجلنا! آمين.

* * *

نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.

بندكتس السادس عشر: "لا يمكن للمسحيين أن يقدموا شهادة حقيقية للمسيح إن لم يكونوا واحداً"

في كلمته قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي

الفاتيكان، الاثنين 30 يونيو 2008 (Zenit.org).

 "لا يمكن للمسحيين أن يقدموا شهادة حقيقية للمسيح إن لم يكونوا واحداً". هذا ما قاله البابا بندكتس السادس عشر في الكلمة التي القاها قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي يوم الأحد، بمناسبة عيد القديسين بطرس وبولس وافتتاح السنة البولسية.

وقال البابا بأن الكنيسة جمعاء تحتفل بهذا العيد الذي يتميز هذا العام بافتتاح السنة البولسية لمناسبة الذكرى الالفية الثانية لولادة رسول الامم.

وقال الحبر الأعظم بأن "البعد الرسولي يحتاج لأن يترافق دائماً والوحدة، التي يمثلها القديس بطرس، الصخرة التي شيد المسيح عليها كنيسته"، مذكراً بما تقوله الليتورجيا عن مواهب الرسولين بأنها "اساسية لبناء شعب الله الواحد، ولا يمكن للمسحيين أن يقدموا شهادة حقيقية للمسيح إن لم يكونوا واحداً".

وختم بندكتس السادس عشر كلمته داعياً المؤمنين الى الصلاة من أجل "السنة البولسية، التبشير، والشركة في الكنيسة ووحدة جميع المسيحيين".

المفتاح لفهم شخصية بولس هو خبرته لمحبة المسيح الشخصية له

بحسب بندكتس السادس عشر

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الاثنين 30 يونيو 2008 (Zenit.org).

تحدث الأب الأقدس في عظته التي ألقاها بمناسبة افتتاح السنة البولسية في بازيليك القديس بولس خارج الأسوار عن آنية شخصية القديس بولس مشيرًا إلى أن بولس بالنسبة لنا "ليس شخصية من الماضي، نذكرها ونكرمها. بل هو أيضًا معلمنا، ورسولنا والمعرف عن يسوع المسيح".

وأعرب البابا عن أن النية وراء إعلان "السنة البولسية" الخاصةهي الإصغاء إلى بولس في يومنا هذا والتعلم منه، "كمعلمنا، الإيمان والحق، اللذين تتجذر فيهما دواعي وحدة تلاميذ يسوع".

وسعيًا منه إلى كشف المفتاح لفهم شخصية بولس، انطلق الأب الأقدس من الرسالة إلى أهل غلاطية، حيث يقدم لنا بولس الرسول "اعتراف إيمان شخصي جدًا، يفتح فيه قلبه أمام قرائه في كل العصور ويكشف عن الزخم الأعمق في حياته: "أحيا بإيمان ابن الله الذي أحبني وبذل ذاته لأجلي" (غلا 2، 20)".

وعلق البابا على إيمان بولس بالقول: "إيمانه هو أنه تتيّم بغرام يسوع المسيح، الذي يحبه بمحبة تصل إلى أعمق أعماقه وتحوله. إيمانه ليس نظريات، أو أفكار بشأن الله والعالم. إيمانه هو وقع حب الله في قلبه. ولذا فهذا الإيمان بالذات هو حب ليسوع المسيح".

وتطرق البابا إلى ما يشتهر به بولس أي سيف الكلمة وقال: "يقوم الكثيرون بتقديم بولس كرجل محارب يعرف أن يستعمل سيف الكلمة. وبالواقع، في مسيرته كرسول لم تنقص النقاشات. لم يبحث عن تناغم سطحي".

وأضاف: "في أولى رسائله، تلك الموجهة إلى أهل تسالونيكي، يقول: " تجرَّأْنا في إِلهِنا على أَنْ نُكلِّمَكم بإِنجيلِ اللهِ، في جهادٍ جَمّ… فإِنَّا لم نَعتَمِدْ قَطُّ كلامَ تَمَلُّقٍ، على ما تَعلمون" (1 تسا 2، 2 . 5)".

وأشار الأب الأقدس أن جهاد بولس في سبيل الدفاع عن الحقيقة ينبع من عظمة لقائه بهذه الحقيقة الشخصانية، يسوع المسيح: "كانت الحقيقة بالنسبة له عظيمة جدًا ولم يكن مستعدًا البتة أن يضحي بها لأجل نجاح خارجي".

وأضاف بندكتس السادس عشر: "كان بولس رجلاً لمسه حب عظيم، وهذا الحب وحده هو المحور الذي يشرح كل جهده وألمه. يمكننا أن نفهم المفاهيم الأساسية لبشارته فقط انطلاقًا من هذا الحب".

الحرية الحقة هي حرية الحب المسؤول

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الاثنين 30 يونيو 2008 (Zenit.org).

توقف البابا بندكتس السادس في العظة التي تلاها بمناسبة افتتاح السنة البولسية نهار السبت على بعض المفاهيم الأساسية في لاهوت بولس، ومن أهم هذه المفاهيم الحرية.

وقال الأب الأقدس بهذا الصدد: "إن خبرة محبة المسيح له فتحت عينيه [عيني بولس] على حقيقة الوجود الإنساني"، "كان بولس حرًا كرجل يحبه الله، وبفضل الله، كان قادرًا أن يحب معه".

وتابع البابا مشيرًا إلى أن هذا الحب بات "شريعة" حياته وبهذا الشكل أصبحت حياته حرة.

الحرية والمسؤولية

يتحدث بولس ويعمل انطلاقًا من "مسؤولية الحب". وأشار البابا إلى أن في فكر الرسول "الحرية والمسؤولية تتحدان بشكل لا ينفصم".

وشرح موضحًا: "بما أنه يعيش في مسؤولية الحب، بولس حر حقًا: وبما أنه شخص يحب، يعيش بالكلية في مسؤولية هذا الحب ولا يغتنم الحرية فرصة للأنانية والاعتباطية".

واستشهد الأب الأقدس بهذا الإطار بعبارة أغسطينوس الشهيرة حيث يقول: (Dilige et quod vis fac) أحبب وافعل ما تشاء؛ فمن يحب المسيح كما أحبه بولس – تابع البابا – "يستطيع أن يفعل حقًا كل ما يشاء، لأن حبه متحد بإرادة المسيح وبالتالي بإرادة الله؛ لأن إرادته ترسي على الحقيقة، ولأن إرادته ليست إرادته وحسب، اعتباطية الأنا المستقل، بل هي متحدة بحرية الله ومنها تنال السبيل الذي يجب أن تسير فيه".

انقسام المسيحيين هو اضطهاد للمسيح

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الاثنين 30 يونيو 2008 (Zenit.org).

افتتح الأب الأقدس بندكتس السادس عشر السنة البولسية نهار السبت 28 يونيو في بازيليك القديس بولس خارج الأسوار في روما. وقد ترأس الأب الأقدس للمناسبة الاحتفال بصلاة الغروب بحضور صاحب القداسة بطريرك القسطنطينية المسكوني برثلماوس الأول، وممثلين عن مختلف الكنائس والجماعات الكنسية.

وتوقف البابا في معرض حديثه على لقاء بولس بالمسيح القائم على طريق دمشق حيث سأل الرب بولس: "شاول، شاول، لما تضطهدني؟" فأجاب الفريسي الغيور: "من أنت يا رب؟" فأجاب المسيح: "أنا يسوع الذي تضطهده" (رسل 9، 4 +).

وعلق البابا بالقول: "باضطهاده الكنيسة يضطهد بولس يسوع بالذات"، "يماثل يسوع نفسه مع الكنيسة بشخص واحد".

الكنيسة جسد المسيح

وشرح البابا في هذا الإطار أن الكنيسة ليست جماعة تريد أن تعزز قضية ما. الكنيسة لا تحمل قضية، بل تحمل شخص يسوع المسيح، الذي بقي "جسدًا" حتى بعد القيامة".

يسوع حاضر شخصيًا في كنيسته، فهو الرأس والكنيسة هي الجسد وسوية يشكلان المسيح الكامل (Christus totus) بحسب القديس أغسطينوس.

واستشهد الأب الأقدس ببولس الذي يسأل القورنثيين: "ألا تعرفون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟" (1 كور 6، 15). ويضيف مقاربًا بين سر المسيح والكنيسة وسر اتحاد الرجل بامرأته: "كما هو الحال في كتاب التكوين حيث يضحي الرجل والمرأة جسدًا واحدًا، كذلك المسيح مع خاصته يضحي روحًا واحدًا، أي يضحي شخصًا فريدًا في عالم القيامة الجديد" (راجع 1 كور 6، 16 +).

الافخارستيا والوحدة

ومن هذا المنطلق وسع الأب الأقدس التفكير مشيرًا إلى أن سر هذه الوحدة هو إظهار لس الافخارستيا، "الذي فيه يهب المسيح باستمرار جسده ويجعلنا جسده".

يقول بولس في هذا الصدد: "الخبز الذي نكسره، اليس شركة مع جسد المسيح؟ لأن هناك خبز واحد، ونحن، رغم أننا كثر، فنحن جسد واحد: جميعنا نشترك بالخبز الواحد" (1 كور 10، 16 +)".

وأشار البابا إلى أن كلمات بولس هي أيضًا كلمات الرب بالذات الذي يسألنا كمسيحيين منقسمين: "كيف استطعتم أن تمزقوا جسدي؟".

وتابع الأب الأقدس: "أمام وجه المسيح، هذه الكلمة تضحي في الوقت عينه طلبًا ملحًا: لُمَّ شملنا من كل الانقسامات. فليضحي اليوم من جديد حقيقة هذا الأمر: هناك خبز واحد، ولهذا، نحن، رغم كثرتنا، نحن جسد واحد".

وتابع بالقول: "بالنسبة لبولس، الكلام عن الكنيسة كجسد المسيح ليس تشبيهًا كسواه. إنه أمر يتخطى التشبيه. "لم تضطهدني؟" يجتذبنا يسوع باستمرار إلى داخل جسده، ويبني جسده انطلاقًا من المحور الافخارستي، الذي هو بالنسبة لبولس محور الوجود المسيحي، والذي بفضله، يستطيع كل فرد أن يختبر بشكل شخصي: أحبني وبذل ذاته لأجلي".