كيف تعامل المسيح مع كتّاب أغاني الشك

(13)

 

أحيانا نلتقي بإنسان ينكر عملا جيدا صنعته، أو صديق يجحد معروفا قدمته، أو قريب يشك في برٍّ أعلنته! عندئذ ماذا ستفعل؟  قد تثور، أو تلوم، أو تفتح جدال لا ينتهي، أو تحزن على نفسك وما أصابها، وقد تقطع صلتك بهذا الإنسان أو ذاك!

كثر على مر العصور كاتبو أغاني الشك، وتسابق الكثيرون على توزيعها وتلحينها بلحن يؤثر في نفوس الجماهير ويُؤْثِر قلوبهم. حقا إنها لأغنية قديمة وضعت كلماتها الأولى الحية في قصة الخلق. وتبارى نسلها في إعادة صياغة الأغنية بشكل يواكب العصر الذين يحيون فيه!

لنتأمل :

وما إِن خَرَجا حتَّى أَتَوه بِأَخرَسَ مَمسُوس. فلَمَّا طُرِدَ الشَّيطانُ تَكَلَّمَ الأَخرَس، فأُعجِبَ الجُموعُ وقالوا: لَمْ يُرَ مِثْلُ هذا قطُّ في إِسْرائيل!  أَمَّا الفِرِّيسيُّونَ فَقالوا: إِنَّهُ بِسَيِّدِ الشَّياطين يَطْرُدُ الشَّياطين. وكانَ يسوعُ يَسيرُ في جَميعِ المُدُنِ والقُرى يُعلِّمُ في مَجامِعِهم ويُعلِنُ بِشارةَ المَلَكوت ويَشفِي النَّاسَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة.  ورأَى الجُموعَ فأَخذَته الشَّفَقَةُ علَيهم، لأَنَّهم كانوا تَعِبينَ رازِحين، كَغَنَمٍ لا راعيَ لها. فقالَ لِتلاميذِه: ((الحَصادُ كثيرٌ ولَكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون. فاسأَلوا رَبّ الحَصادِ أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه ((. ( مت 9 / 32 – 40 )

 

 ظهر في النص خمسة شخصيات ، بين الكلام / الخرس ، بين المبادرة / السلبية ، بين اليقين / الشك

 

1-     جماعة المؤمنين

أَتَوه بِأَخرَسَ مَمسُوس

هم قوم من الناس قدموا الاخرس إلى المسيح، لديهم:  إيمان بالمسيح ، رحمة بالقريب، قدرة على المبادرة. نلاحظ أن الانجيل لا يذكر عنهم شيئا فنحن لا نعرف أسمهم ولا من أين اتوا !! ولم يقولوا شيئا ( في صمت الإيمان ) قدموا الأخرس الممسوس. إنها جماعة وجدت في كل زمان إنها البقية الباقية على مدى الدهور. إنهم بسطاء الإيمان ( أخوة يسوع الصغار ) يعملون في صمت قدر طاقتهم . إنها طاقة يستمدونها من تأصيل ثقتهم في المسيح لا في استحسان العالم ورضا الجماهير. تحركهم محبة القريب وتدفعهم إلى المبادرة رغم التشكيك والصعوبات. إنهم جماعة الإيمان التي تعمل في صمت وتتقدس في الخفية.

 

2-     الأخرس

فلَمَّا طُرِدَ الشَّيطانُ تَكَلَّمَ الأَخرَس

يمثل كل إنسان قيده الشيطان بأحد قيوده ، واحتاج إلى معونة جماعة الإيمان … حتى يحصل على التحرير. ربما قاوم جماعة الإيمان إلى حين ولكن النصرة والغلبة للإيمان. من المعروف أن الأخرس يصدر أصوات غير مفهومة وهذا يختلف عن الصمت فليس بالضرورة ان يكون الأخرس صامتا !! أو الصامت أخرسا !! فجماعة الإيمان هذه التي قدمت الأخرس في صمت لم يكونوا هم خرسا. بعد أن طرد المسيح الشيطان تحرر الأخرس من خرسه وتكلم ليعلن فرحه وليسبح الله.

 

3-     الجمهور

فأُعجِبَ الجُموعُ وقالوا:  لَمْ يُرَ مِثْلُ هذا قطُّ في إِسْرائيل!

جمع من الناس يشاهد المعجزة ويتعجّب !! وماذا بعد ؟؟

قد يكون الاندهاش أمر مطلوبا في المرحلة الأولى من الإيمان وقد يصحب الإنسان المؤمن خلال مسيرة اكتشاف الله وقراءة حضوره في الخلائق والاحداث. « فلَمَّا سَمِعَ الشَّعبُ هذا الكَلامَ آنتَعَشَت أَرْواحُهم » ( 1مك  : 13: 7) وقد يكون الاندهاش والتعجب علامة سلبية ولا سيما اذا لم يصحبه فرح الاهتداء ونعمة الالتقاء بالله. وهنا لا يذكر الانجيلي متى البشير مرحلة ما بعد الاندهاش عند هذا الجمع. فقط ما ورد على لسان يسوع المسيح في وصفهم «ورأَى الجُموعَ فأَخذَته الشَّفَقَةُ علَيهم، لأَنَّهم كانوا تَعِبينَ رازِحين، كَغَنَمٍ لا راعيَ لها».

 

4-     الفريسيون

أَمَّا الفِرِّيسيُّونَ فَقالوا: إِنَّهُ بِسَيِّدِ الشَّياطين يَطْرُدُ الشَّياطين

وسط هذه الردود المتنوعة بين الايمان والاندهاش والاهتداء. يقف الفريسيون موقفا لا يتجانس مع الاحداث، فعندما يقول الانجيل أما الفريسيون كأنه يصف تفردهم عن غيرهم من الناس. يصف انغلاقهم وقدرتهم على صياغة عبارات الشك! « مَن كالسَّيفِ سَنُّوا الأَلسِنَة وسَدَّدوا السِّهامَ ومُرَّ الكَلام» (مز 64: 4:) إنهم يقرون بأن المسيح طرد الشيطان ولكنهم ينكرون ان يكون الله مصدر قدرته. فلو قالوا للجمع انه لا يستطيع ان يخرج الشيطان لما صدقوهم لانهم عاينوا بانفسهم ما حدث وكيف تكلم الاخرس. لذا كان عليهم ان يصيغوا أغية الشك بشكل مقبول من العامة ويمكن تصديقه ممن لم يلتق بيسوع بعد !

لقد حرموا انفسهم:

اولا من نعمة الاندهاش من تدخلات الله في حياة البشر.

ثانيا من مشاركة القريب فرحة التحرير!

ثالثا من الاقتراب من المسيح.

رابعا يحاولون حرمان البسطاء من نعمة الايمان بزرع الشك في قلوبهم .

أصبحوا خبراء في حياكة التبريرات والتفسيرات التي تضمن لهم دوام السلطة ( سلطان المعرفة ) وهذا يذكرنا بما جاء في سفر يشوع بن سيراخ الفصل 23 الآية 12 مِن أَساليبِ الكَلامِ أسْلوبٌ يُشبِه المَوت لَيتَه لا يَكونُ في ميراثِ يَعْقوب! لأَنَّ الأَتْقِياءَ يَبتَعِدونَ عن هذه كُلِّها فلا يَتَمرغونَ في الخَطايا »

5-     السيد المسيح

كيف تعامل المسيح مع كتّاب أغاني الشك. لم يكترث لهم ولم يدخل في مجادلات عقيمة عملا بقول الكتاب « لا تُكثِرِ الكًلامَ معَ الغَبِيّ ولا تَسِرْ إِلى قَليلِ الذَّكاء تَحَفَّظْ مِنه لِئَلاَّ يُتعِبَكَ ولئَلاَّ تَتَنَجَّسَ إِذا اتَصَلتَ بِه. أَعرِضْ عنه فتَجِدَ راحةً ولا تَضجَرَ مِن سَخافَتِه.» ( سي  22: 13)

 لنتامل الأفعال التي وردت في النص وسنجد فيها منهج يسوع في التعامل مع هذة الشخصية:

يسوعُ

طُرِدَ الشَّيطانُ

يَسيرُ في جَميعِ المُدُنِ والقُرى

يُعلِّمُ في مَجامِعِهم

يُعلِنُ بِشارةَ المَلَكوت

يَشفِي النَّاسَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة.

يرى الجُموعَ 

يشفق علَيهم

فقالَ لِتلاميذِه: ((الحَصادُ كثيرٌ ولَكِنَّ العَمَلَةَ قَليلون. فاسأَلوا رَبّ الحَصادِ أَن يُرسِلَ عَمَلَةً إِلى حَصادِه ((.