كلمة البابا في حفل استقبال الشباب المشاركين في لقاء الشبيبة العالمي

سيدني، الخميس 17 يوليو 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي الخطاب الذي القاه قداسة البابا بندكتس السادس عشر بعد ظهر اليوم الخميسن في توقيت استراليا المحلي، في بارانغارو في حفل استقبال الشباب المشاركين في لقاء الشبيبة العالمي الـ 23.

* * *

أيها الشباب الأعزاء،

يسرني أن أحييكم هنا في بارانغارو، على شواطئ مرفأ سيدني الرائع، مع جسره ودار الأوبرا الشهيرين. كثيرون منكم هم أبناء هذه الأمة، من الداخل أو من الجماعات الديناميكية المتعددة الثقافات المقيمة في المدن الاسترالية. آخرون أتوا من جزر أوقيانيا المشتتة، والبعض أيضًا من آسيا، من الشرق الأوسط، إفريقيا والأمريكيتين.  بعضكم أتى من مكان بعيد، كما أتيت أنا، من أوروبا! من أينما كنتم، ها نحن أخيرًا في سيدني. وسوية، نقف في عالمنا كعائلة الله، تلاميذ المسيح، يقوينا روحه للشهادة لحبه ولحقيقته أمام الجميع!

أود أولاً أن أشكر السكان الأصليين الشيوخ الذين استقبلوني قبيل إستقلالي السفينة في روز باي. أنا متأثر جدًا لوقوفي على أرضكم، لعلمي بالألم والظلم الذي تكبدته، ولكن أيضًا بالشفاء والرجاء العامل الآن، والذي هو مدعاة فخر لكل الشعب الاسترالي. أعبر عن شكري للسكان الأصليين الشباب – السكان الأصليين ومواطني جزر مضيق تورس وتوكلاواناس – لأجل ترحيبكم المؤثر. أوجه عبركم تحية قلبية إلى شعوبكم.

أشكر الكاردينال بيل، ورئيس الأساقفة ويلسن لأجل كلمات الترحيب الحارة. أعرف أن أحاسيسكم تتردد في قلوب الشباب المجتمعين هنا هذا المساء، ولهذا أشكر الجميع.

إني أرى أمامي صورة نابضة بالحياة للكنيسة الجامعة. إن تنوع الدول والثقافات التي تلوحون بها تبين أن بشرى المسيح السارة هي للجميع بالفعل؛ لقد وصلت حتى أقاصي الأرض. ومع ذلك أعرف أن الكثيرين منكم ما زالوا يبحثون عن وطنًا روحيًا. البعض منكم، ليسوا كاثوليك أو مسيحيين، ونحن نرحب بكم بحرارة. البعض الآخر يرتاد أطراف الرعية وحياة الكنيسة. أود أن أعبر لكم عن تشجيعي: تقدموا بخطاكم نحو عناق محبة المسيح؛ اكتشفوا أن الكنيسة هي بيتكم. لا يجب أن يبقى أحدٌ خارجًا، لأن الكنيسة منذ يوم العنصرة هي واحدة وجامعة.

هذا المساء، أود أن أشمل أيضًا أولئك الذين ليسوا حاضرين في ما بيننا. أفكر بشكل خاص بالمرضى وبالمعاقين عقليًا، بالسجناء الشباب، بمن يصارع على هامش المجتمع، وبمن لأي سبب كان يشعر بأنه بعيد عن الكنيسة. أقول لهم جميعًا: يسوع قريب منكم! اشعروا بعناقه، بحنانه وبرحمته!

منذ نحو 2000 سنة، اجتمع الرسل في العلية مع مريم، وبعض النساء المؤمنات، وامتلأوا من الروح القدس (راجع رسل 1، 14؛ 2، 4). في تلك اللحظة المميزة، التي ولدت فيها الكنيسة، تحول الخوف والحيرة اللذان أصابا تلاميذ المسيح إلى قناعة راسخة وحس بالهدف. لقد شعروا بدفع يحضهم على الكلام عن لقائهم بيسوع القائم، الذي بدأوا يسمونه بعطف، الرب. بأشكال مختلفة، كان الرسل أشخاصًا عاديين. ما من أحد منهم يستطيع أن يدعي بأنه تلميذ كامل. لقد فشلوا في التعرف على المسيح (راجع لو 24، 12 – 32)، وشعروا بالخجل بسبب طموحاتهم (راجع لو 22، 24 – 27)، وأنكروه (راجع لو 22، 54 – 62). ولكن عندما قواهم الروح القدس، تثبتوا في حقيقة إنجيل المسيح ونالوا الإلهام لكي يعلنوه بل وجل. بعد أن تشجعوا، راحوا يعلنون: توبوا، تعمدوا، فتنالون الروح القدس (راجع رسل 2، 37 – 38)!

عبر ارتكازها على تعليم الرسل، في الشركة، وفي كسر الخبز وفي الصلاة (راجع رسل 2، 42)، تقدمت الجماعة المسيحية الفتية وواجهت فساد الثقافة المحيطة بها (راجع رسل 2، 40)، واهتم التلاميذ بعضهم ببعض (راجع رسل 2، 44 – 47)، ودافعوا عن إيمانهم بيسوع بوجه العداوة (راجع رسل 4، 33)، وشفوا المرضى (راجع رسل 5، 12 – 16).

وطاعة لوصية المسيح، انطلقوا وحملوا الشهادة لأعظم حدث في التاريخ: أن الله صار واحدًا منا، وأن الألوهة دخلت في تاريخ البشر لتحوله، وأننا مدعوون لكي نغوص في حب المسيح الخلاصي الذي ينتصر على شرنا وموتنا.

في خطابه الشهير في الأريوباج، قدم القديس بولس الرسالة المسيحية بهذا الشكل: "الله يُعْطي الجميعَ حَياةً ونَفَسًا وكلَّ شَيء… لكَيْ يَطْلُبوا اللهَ، لَعَلَّهم يَجِدونَهُ مُتَلَمِّسينَ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ بَعيدٍ مِنْ كلِّ واحِدٍ مِنَّا، إِذْ بِهِ نَحْيا ونَتَحَرَّكُ ونُوجَدُ" (رسل 17، 25 – 28).

ومنذ ذلك الحين، ينطلق الرجال والنساء ليخبروا عن هذا الحدث، ويشهدون لحقيقة المسيح وحبه، ويسهمون في رسالة الكنيسة. نفكر اليوم بهؤلاء الكهنة والراهبات والرهبان الرواد الذين أتوا من إيرلندا، فرنسا، بريطانيا، وأماكن أخرى من أوروبا، إلى هذه الشواطئ، وإلى أماكن أخرى في المحيط الهادئ. كانت حياتهم بأسرها شهادة مسيحية مجردة عن الذات. صاروا البنائين المتواضعين والمتشبثين لتراث اجتماعي وروحي عظيم، ما زال يحمل إلى اليوم الخير والرحمة، والمعنى لهذه الأمة. وألهموا أيضًا جيلاً آخر. نفكر مباشرة بإيمان الطوباوية ماري ماكيلوب في تصميمها العنيد على تربية الفقراء بشكل خاص، والطوباوي بيتر تو روت، في عزمه الثابت أن تتبع قيادةُ الجماعة الإنجيل دومًا.

فكروا أيضًا بالأجداد والأهل، الذين هم معلمو الإيمان الأولون. فهم أيضًا قاموا بتضحيات لا تحصى بوقتهم وطاقاتهم حبًا بكم. يحملون، بدعم من كهنة رعاياكم ومعلميكم، مسؤولية، ليست بالسهلة دومًا ولكنها مرضية جدًا، وهي أن يقودوكم في كل سبل الخير والحق، عبر شهادتهم – تعليمهم وعيشهم لإيماننا المسيحي.

واليوم هو دوري. بالنسبة للبعض في ما بيننا، يبدو وكأننا وصلنا إلى نهاية العالم! بالنسبة لأناس من عمركم، كل رحلة هي فرصة مثيرة. ولكن بالنسبة لي، كانت هذه الرحلة مخيفة بعض الشيء! ولكن النظر إلى كوكبنا من العلاء كان رائعًا حقًا. بريق المتوسط، وعظم صحراء إفريقيا الشمالية، خضرة الغابات الآسيوية، وسعة المحيط الهادئ، الأفق الذي أشرقت الشمس وغربت وراءه، وتألق جمال استراليا الخلاب الذي تمكنت أن أتمتع به في هذه الأيام؛ كل هذه الأمور تولد حسًا بالرهبة. كما لو أننا نلقي نظرة سريعة إلى رواية الخلق في سفر التكوين – النور والظلام، الشمس والقمر، الماء، الأرض، والكائنات الحية؛ كل هذه الأمور هي "حسنة" في نظر الله (راجع تك 1، 1 – 2، 4). إذ نغوص في هذا الجمال، كيف يمكننا ألا نردد صدى كلمات صاحب المزامير الذي يسبح الخالق: "ما أعظم اسمك في كل الأرض" (مز 8، 1)؟

وهناك أكثر من ذلك – ما نكاد لا نراه من السماء – رجال ونساء، خلقوا على صورة الله ومثاله (راجع تك 1، 26). في قلب عجب الخليقة هنالك أنت وأنا، العائلة البشرية "المكللة بالمجد والكرامة" (مز 8، 5). يا للدهشة! نهمس مع المرنم: "ما هو الإنسان حتى تذكره؟" (مز 8، 4). وإذ يجتذبنا الصمت، وروح العرفان، قوة القداسة، نبدأ بالتفكير.

وماذا نكتشف؟ ربما نكتشف دون رغبتنا بذلك أن هناك ندبات تشوه وجه الأرض: تآكل، انحسار الغابات، تصحر، تبذير لموارد العالم والمحيطات للحصول على الطاقة من أجل استهلاك لا يرتوي. يأتي البعض منكم من جذر يهدد وجودها ارتفاع مستوى المياه؛ آخرون يأتون من دول تتألم بسبب نتائج الجفاف المدمرة. يتم اختبار طبيعة الله أحيانًا كواقع معادٍ لضيوفه، لا بل أحيانًا كواقع خطير. كيف يمكن أن يبدو ما هو "صالح" خطيرًا بهذا الشكل؟

وهناك أكثر من ذلك. ماذا عن الإنسان، قمة خليقة الله؟ كل يوم نلتقي بعبقرية الإبداع البشري. من حقول الأبحاث الطبية المتطورة وتطبيق التكنولوجيا الحكيم، إلى الإبداع الذي يتجلى في الفنون، ونوعية ورفاهية حياة البشر التي تتزايد بشكل مستمر. أنتم تتمتعون بجهوزية للتنعم بكل الإمكانيات التي تقدم إليكم. يبرع بعضكم بالدرس، بالرياضة، بالموسيقى، أو بالدرس والدراما، والبعض الآخر يتمتع بحس مرهف نحو العدالة الاجتماعية والأخلاق، والكثير منكم يقومون بخدمات وبأعمال تطوع مختلفة. جميعنا، شبابًا ومسنين، نعيش لحظات تظهر فيها طيبة الكائن البشري الباطنية – ربما نحدسها في إيماءة طفل صغير، أو في جهوزية مسن للغفران – فتملأنا بفرح وعرفان عميقين.

لكن هذه اللحظات لا تدوم. ومن جديد نعود إلى التفكير. ونكتشف أن ليست الطبيعة وحدها، بل أن البيئة الاجتماعية – أي البيئة التي ننظمها نحن بالذات – هي جريحة أيضًا؛ جراح تشير إلى أن هناك نقص. وهنا أيضًا، في حياتنا الشخصية وفي جماعاتنا، يمكننا أن نلاقي العداوة، والمخاطر؛ أن نلاقي سمًا يهدد ما هو صالح، ويعيد تشكيل هويتنا، ويحرّف الغاية التي خلقنا لأجلها. وهناك الكثير من الأمثلة كما نعرف. من بين هذه الأمثلة، هناك الكحول، والإدمان على المخدرات، وإعلاء العنف والانحطاط الجنسي، التي غالبًا ما يقدمها التلفزيون وانترنت كوسيلة للترفيه. أتساءل، هل يستطيع أحد أن يقف وجهًا لوجه أمام أشخاص يعانون فعلاً من العنف ومن الاستغلال الجنسي و "يشرح" أن هذه المآسي، المصورة بشكل افتراضي، هي مجرد "ترفيه"؟

هناك أمرًا شاذًا ينبع من واقع فصل الحرية وتقبّل الآخر عن الحقيقة. هذا الأمر تغذيه الفكرة المنتشرة بشكل واسع في أيامنا، أنه لا يوجد حقيقة شاملة تقود حياتنا. لقد أناطت النسبية أهمية مطلقة بـ "الخبرة"، عبر إعطائها أهمية عظيمة لكل شيء تقريبًا. ولكن الخبرات، المنفصلة عن اعتبار ما هو خير وحقيقي، يمكن أن تقود، لا إلى الحرية الأصيلة، بل إلى ضياع أخلاقي أو فكري، إلى انحطاط بالمبادئ، وإلى فقدان احترام الذات، وحتى إلى اليأس.

أيها الأصدقاء الأعزاء،

الحياة لا تقودها الصدفة؛ الحياة ليست واقعًا عشوائيًا. لقد شاء الله وجودكم بالذات، وبارككم ومنحكم غاية في حياتكم (راجع تك 1، 28)! الحياة ليست عبارة عن تسلسل أحداث أو خبرات، رغم أن بعض الخبرات هي مفيدة. الحياة هي بحث عن الحقيقة، عن الخير وعن الجمال. فنحن نقوم بخياراتنا لهذه الغاية؛ لهذا السبب نتمرس بتطبيق حريتنا؛ في الحقيقة، والصلاح، والجمال نجد الفرح والسعادة. لا يضللنَّكم من يرى فيكم مجرد مستهلكين في سوق إمكانيات مشوّهة، حيث يضحي الخيار بحد ذاته الخير، والجدة تغتصب الجمال، والخبرة الفردية تحتل مكان الحقيقة.

المسيح يقدم أكثر من ذلك! بالواقع، يقدم المسيح كل شيء! وحده هو الحقيقة، يستطيع أن يكون الطريق، وبالتالي الحياة أيضًا. ولذا فإن "الطريق" الذي حمله الرسل إلى أقاصي الأرض هي الحياة في المسيح. هذه هي حياة الكنيسة. والمدخل إلى هذه الحياة، إلى هذه الطريق المسيحية هو المعمودية.

لذا أود هذا المساء أن أذكركم باقتضاب بمفهومنا للمعمودية، قبل أن نتوقف غدًا على التفكير بالروح القدس. في يوم معموديتكم، قام الله بجذبكم إلى قداسته (راجع 2 بط 1، 4). لقد تم تبنيكم كأبناء وبنات الآب. لقد تداخلتم في جسد المسيح. صرتم هيكلاً لروحه (راجع 1 كور 6، 19). ليست المعمودية إنجازًا أو جائزة. إنها نعمة؛ إنها عمل الله. وبالواقع، في ختام معموديتكم، التفت الكاهن نحو والديكم الجماعة، ودعاكم باسمكم قائلاً: "لقد صرت خلقًا جديدًا" (طقس المعمودية 99).

أيها الأصدقاء الأعزاء،

في بيوتكم، ومدارسكم، وجامعاتكم، في أماكن عملكم وترفيهكم، تذكروا أنكم خلق جديد! لن تقفوا أمام الله بمخافة متهللين بعمل يديه وحسب، بل ستعون أن ركيزة التعاضد البشري الأكيدة هي في الأصل المشترك لكل شخص، أي النقطة السميا المتألفة من مشروع الله بشأن العالم.

كمسيحيين، أنتم تقيمون في العالم عالمين بأن لله وجه بشري – يسوع المسيح – "الطريق" الذي يشبع كل التوق البشري، و "الحياة" التي دعينا لنشهد لها، في سيرنا على ضوئها دومًا (راجع، المرجع نفسه، 100).

إن دور الشهادة ليس بالأمر السهل. هناك الكثير من الأشخاص الذين يدّعون اليوم أنه يجب ترك الله جانبًا، وأن الدين والإيمان، بينما يصلحان للأفراد، فيجب أن يُزالا من الحياة العامة أو أن يستعملا بقدر ما يؤديان إلى تحقيق أهداف عملية محددة.

تسعى هذه النظرة العلمانية إلى شرح الحياة البشرية وإلى تركيب المجتمع بمرجعية قليلة إلى الخالق، أو دون مرجعية البتة إليه تعالى. وتقدم ذاتها كنظرة مجردة، متسامية على الأطراف، ومتضمنة للجميع. ولكن بالحقيقة، أسوة بكل الإيديولوجيات، العلمانية تفرض نظرة محددة للعالم. إذا لم يكن الله مفيدًا للحياة العامة، فسيتم تشكيل المجتمع انطلاقًا من صورة تنفي الله، وسيتم تسيير الخطاب والسياسات المتعلقة بالخير العام، لا انطلاقًا من المبادئ المرتكزة على الحقيقة، بل انطلاقًا من النتائج.

ولكن الخبرة تبين أن تجاهل مشروع الخالق يؤدي إلى الفوضى التي تحمل بالضرورة أصداءها إلى سائر نظام الخلائق (راجع رسالة اليوم العالمي للسلام 1990، 5). عندما يُغيّب الله، تضعف قدرتنا على إدراك النظام الطبيعي، والغاية، و "الخير". سرعان ما نكتشف أن ما كان يعتبر عبقرية بشرية هو بالحقيقة جنون، وطمع واستغلال أناني. ونعي أكثر فأكثر حاجتنا إلى التواضع بحضرة التركيب المعقد والدقيق لكون الله.

ولكن ماذا عن بيئتنا الاجتماعية؟

هل نعي بشكل مماثل علامات تجاهلنا للبنية الخلقية التي منحها الله للبشرية (راجع رسالة اليوم العالمي للسلام 2007، 8)؟ هل نتعرف على الكرامة الكامنة في كل فرد انطلاقًا من هويته الذاتية العميقة – كصورة للخالق – وبالتالي نعترف بأن الحقوق الإنسانية هي شاملة، ومبنية على القانون الطبيعي، وليست موضوعًا للنقاش أو المحاباة؟

بهذا الشكل نتوصل إلى التفكير بالموقع الذي يحتله المسنون، المهجرون، والذين لا صوت لهم في مجتمعاتنا. كيف يمكن أن يصيب العنف البيتي الكثير من الأمهات والأطفال؟ كيف يمكن أن يضحي أروع مقدس للحياة البشرية – الرحم – فريسة عنف لا يوصف؟

أصدقائي الأعزاء،

إن خليقة الله واحدة، وهي خليقة صالحة. الاهتمام باللاعنف، بالنمو الممكن، بالعدل والسلام، والعناية بالبيئة هي ذات أهمية حيوية بالنسبة للبشرية. ولكن لا يمكن فهم هذه الأمور بمعزل عن تأمل عميق بالكرامة الكامنة لكل حياة بشرية من الحبل وحتى الموت الطبيعي: كرامة يمنحها الخالق بالذات، وبالتالي لا يمكن المس بها.

لقد تعب عالمنا من الجشع، والاستغلال، والانقسام، ومن رتابة الأوثان الكاذبة والأجوبة المجزوءة، ومن ألم الوعود الكاذبة. إن قلبنا وعقلنا تواقان إلى نظرة إلى العالم حيث يدوم الحب، وحيث تتقاسم العطايا، وحيث تبنى الوحدة، وحيث تجد الحرية المعنى في الحقيقة، وحيث توجد الهوية في الشركة المحترمة. هذا هو عمل الروح القدس! هذا هو الرجاء الذي يحمله إنجيل يسوع المسيح. وأنتم خُلقتم من جديد عبر العماد، وتقويتهم بمواهب الروح القدس عبر سر التثبيت لكي تشهدوا لهذا الواقع. فلتكن هذه الرسالة التي تحملونها من سيدني إلى العالم!

* * *

نقله من الإيطالية إلى الإنكليزية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.

 

البابا إلى الشبيبة: لا يمكن اعتبار الفساد والاستغلال الجنسي "ترفيهًا"

بندكتس السادس عشر يتحدث إلى الشبيبة عن جمال وجراح الطبيعة والمجتمع

 بقلم روبير شعيب

 سيدني، الخميس 17 يوليو 2008 (Zenit.org).

وصف الأب الأقدس حشد الشباب الذي اجتمع بعد ظهر اليوم في بارانغارو لافتتاح لقاء الشيبية مع الأب الأقدس "بالصورة النابضة بالحياة للكنيسة الجامعة".

 وانطلق البابا في حديثه داعيًا الشبيبة أن "تقدموا بخطاكم نحو عناق محبة المسيح؛ اكتشفوا أن الكنيسة هي بيتكم. لا يجب أن يبقى أحدٌ خارجًا، لأن الكنيسة منذ يوم العنصرة هي واحدة وجامعة".

 وتحدث عن خبرة الرحلة من الفاتيكان إلى استراليا واصفًا إياها بأنه كانت بمثابة رحلة في الفصل الأول من سفر التكوين: "كان النظر إلى كوكبنا من العلاء رائعًا حقًا. بريق المتوسط، وعظم صحراء إفريقيا الشمالية، خضرة الغابات الآسيوية، وسعة المحيط الهادئ، الأفق الذي أشرقت الشمس وغربت وراءه، وتألق جمال استراليا الخلاب الذي تمكنت أن أتمتع به في هذه الأيام؛ كل هذه الأمور تولد حسًا بالرهبة. كما لو أننا نلقي نظرة سريعة إلى رواية الخلق في سفر التكوين – النور والظلام، الشمس والقمر، الماء، الأرض، والكائنات الحية؛ كل هذه الأمور هي "حسنة" في نظر الله".

 وتوقف على رأس الخلق الإنسان: "وهناك أكثر من ذلك – ما نكاد لا نراه من السماء – رجال ونساء، خلقوا على صورة الله ومثاله (راجع تك 1، 26). في قلب عجب الخليقة هنالك أنت وأنا، العائلة البشرية "المكللة بالمجد والكرامة" (مز 8، 5). يا للدهشة! نهمس مع المرنم: "ما هو الإنسان حتى تذكره"؟

 ندبات الأرض

 وتابع البابا موضحًا أن هذه الجمالات تتخللها جراح لا يمكننا إلا أن نتوقف عليها: "ندبات تشوه وجه الأرض: تآكل، انحسار الغابات، تصحر، تبذير لموارد العالم والمحيطات للحصول على الطاقة من أجل استهلاك لا يرتوي".

 ثم تابع لافتًا أن "ليست الطبيعة وحدها، بل البيئة الاجتماعية – أي البيئة التي ننظمها نحن بالذات – هي جريحة أيضًا" وهذه الجراح تشير إلى أن هناك نقص.

 وأضاف: "في حياتنا الشخصية وفي جماعاتنا، يمكننا أن نلاقي العداوة، والمخاطر؛ أن نلاقي سمًا يهدد ما هو صالح، ويعيد تشكيل هويتنا، ويحرّف الغاية التي خلقنا لأجلها"، مقدمًا أمثلة كالكحول، والإدمان على المخدرات، وإعلاء العنف والانحطاط الجنسي، التي غالبًا ما يقدمها التلفزيون وانترنت كوسيلة للترفيه.

 وشرح الأب الأقدس أن تفشي هذه الشرور في الطبيعة وفي المجتمع يرتبط بنظرة نسبية واستهلاكية تفصل المنفعة واللذة عن الحقيقة، وبالتالي تؤدي إلى اعتبار قيم ما ليس بذلك حقًا، واستنكر البابا في هذا الصدد لظاهرة الانحلال الأخلاقي والعنف المتفشية باسم الترفيه: "هل يستطيع أحد أن يقف وجهًا لوجه أمام أشخاص يعانون فعلاً من العنف ومن الاستغلال الجنسي و "يشرح" أن هذه المآسي، المصورة بشكل افتراضي، هي مجرد "ترفيه"؟".

 واعتبر البابا أن السبيل للخروج من هذه الدائرة المفرغة هي الرجوع إلى اكتشاف القيم بارتباطها بالخير والحقيقة والجمال، وباحترام نظام الخليقة والقانون الطبيعي.

البابا يحذر الشبيبة ممن لا يرى فيهم إلا "مستهلكين في سوق إمكانيات مشوهة"

"في بيوتكم، ومدارسكم، وجامعاتكم، في أماكن عملكم وترفيهكم، تذكروا أنكم خلق جديد!"

 بقلم روبير شعيب

 سيدني، الخميس 17 يوليو 2008 (Zenit.org).

كانت افتتاحية لقاء البابا مع الشبيبة في سيدني غنية بالمعطيات العملية والروحية، فبعد أن توقف على المسألة البيئية، تحدث الأب الأقدس عن مشاكل "البيئة الاجتماعية"، ولخص قداسته جوهر هذه المشاكل بـ "واقع فصل الحرية عن الحقيقة".

 وأشار أن هذا الأمر "تغذيه الفكرة المنتشرة بشكل واسع في أيامنا، أي أنه "لا يوجد حقيقة شاملة تقود حياتنا"، وهي قناعة رسختها النسبية التي أعطت "الخبرة" أهمية مطلقة وساوت بين قيم كل الخبرات على حد سواء انطلاقًا من الرغبات الفردية، لا من القيمة الموضوعية للوقائع.

 
وقال البابا في هذه الصدد أن "الخبرات، المنفصلة عن اعتبار ما هو خير وحقيقي، يمكن أن تقود، لا إلى الحرية الأصيلة، بل إلى ضياع أخلاقي أو فكري، إلى انحطاط بالمبادئ، وإلى فقدان احترام الذات، وحتى إلى اليأس".

 وشدد على أن "الحياة لا تقودها الصدفة؛ الحياة ليست واقعًا عشوائيًا. لقد شاء الله وجودكم بالذات، وبارككم ومنحكم غاية في حياتكم!"

 وأضاف: "الحياة هي بحث عن الحقيقة، عن الخير وعن الجمال. فنحن نقوم بخياراتنا لهذه الغاية؛ لهذا السبب نتمرس بتطبيق حريتنا؛ في الحقيقة، والصلاح، والجمال نجد الفرح والسعادة. لا يضللنَّكم من يرى فيكم مجرد مستهلكين في سوق إمكانيات مشوّهة، حيث يضحي الخيار بحد ذاته الخير، والجدة تغتصب الجمال، والخبرة الفردية تحتل مكان الحقيقة".

 
هبة المسيح والمعمودية

 ثم قال: "المسيح يقدم أكثر من ذلك! بالواقع، يقدم المسيح كل شيء! وحده هو الحقيقة، يستطيع أن يكون الطريق، وبالتالي الحياة أيضًا. ولذا فإن "الطريق" الذي حمله الرسل إلى أقاصي الأرض هي الحياة في المسيح. هذه هي حياة الكنيسة. والمدخل إلى هذه الحياة، إلى هذه الطريق المسيحية هو المعمودية".

 وشرح الأب الأقدس معنى المعمودية بالقول: "في يوم معموديتكم، قام الله بجذبكم إلى قداسته (راجع 2 بط 1، 4). لقد تم تبنيكم كأبناء وبنات الآب. لقد تداخلتم في جسد المسيح. صرتم هيكلاً لروحه (راجع 1 كور 6، 19)".

 وتابع: "ليست المعمودية إنجازًا أو جائزة. إنها نعمة؛ إنها عمل الله. وبالواقع، في ختام معموديتكم، التفت الكاهن نحو والديكم الجماعة، ودعاكم باسمكم قائلاً: "لقد صرت خلقًا جديدًا"".

ومن هذا المنطلق حض بندكتس السادس عشر الشبيبة بالقول: "في بيوتكم، ومدارسكم، وجامعاتكم، في أماكن عملكم وترفيهكم، تذكروا أنكم خلق جديد!".

البابا: "العالم يحتاج الى شباب قديسين"

ويؤكد على أن هدف زيارته الأساسي هو المشاركة في يوم الشبيبة العالمي

بقلم طوني عساف

 سيدني، الخميس 17 يوليو 2008

في أول خطاب له في أستراليا، في دار الحكومة، أوضح بندكتس السادس عشر بأنه في استراليا للقاء الشبيبة بدرجة أولى.

"أنا هنا أولاً للقاء الشبيبة من أستراليا، ومن حول العالم – قال قداسته –  وللصلاة من أجل أن يحل الروح القدس من جديد على جميع المشتركين معنا في هذه الاحتفالات".

 وقال الحبر الأعظم بأن موضوع يوم الشبيبة العالمي مستوحى من كلمات يسوع نفسه لتلاميذه، كما وردت في أعمال الرسل: " ولكن حينما يحل الروح القدس عليكم تنالون القوة، وتكونون لي شهوداً إلى أقاصي الأرض".

 وقال البابا إن الشباب يواجه "تنوعاً مربكاً في الخيارات الحياتية، حتى أنهم أحياناً يجدون صعوبة في معرفة التوجيه الأفضل لمثاليتهم وطاقتهم"، مشيراً الى أن الروح وحده هو القادر على منحهم الحكمة الحكمة "لتمييز الطريق الصحيحة، والشجاعة للمضي فيها".

 وشبّه البابا الروح القدس بالرياح التي "تدفع المركب إلى الأمام بعد أن تملأ الشراع، متخطيةً بذلك إمكانيات المجذفين عبر تجذيفهم المضني". "وبهذه الطريقة – تابع بندكتس السادس عشر –  يجعل الروح من الرجال والنساء من كل بلاد، ومن كل جيل، قادرين على أن يصبحوا قديسين".

 وقبل أن يشكر البابا الاستراليين على استضافتهم دعا الشبيبة ليتشجعوا ليكونوا قديسين بفعل الروح، لأن " هذا ما يحتاجه العالم أكثر من أي شيء آخر".

البابا يشيد بعمل أستراليا على صعيد البيئة الطبيعية والبيئة البشرية

بقلم طوني عساف

 سيدني، الخميس 17 يوليو 2008

في كلمته خلال حفل الترحيب في دار الحكومة، أشاد البابا بندكتس السادس عشر بالدور الذي تلعبه استراليا في المحافظة على البيئة، وقال إن "عجائب خلق الله تذكرنا بضرورة الحفاظ على البيئة، وإدارة خيرات الأرض بكل مسؤولية".

 
كما وأشاد البابا بعمل أستراليا على صعيد البيئة البشرية، من خلال دعمها للعمليات الدولية للحفاظ على السلام، وأضاف بأن هذه البلاد تشكل أرضاً خصبة للحوار بين الاديان والحوار المسكوني بفضل تعددية التقاليد الدينية، معرباً عن شوقه الى لقاء "الممثلين المحليين عن مختلف الطوائف المسيحية، والديانات الأخرى من أجل تشجيع هذا العمل المهم، رمز عمل المصالحة الذي يقوم به الروح الدافع إلى السعي وراء الوحدة في الحق والمحبة".

بندكتس السادس عشر: "إن يوم الشبيبة العالمي يملأني بالثقة لمستقبل الكنيسة، ومستقبل عالمنا"

في كلمته في الدار الحكومية

 بقلم طوني عساف

 سيدني، الخميس 17 يوليو 2008

"إن يوم الشبيبة العالمي يملأني بالثقة لمستقبل الكنيسة، ومستقبل عالمنا". هذا ما قاله البابا بندكتس السادس عشر في حفل الترحيب الرسمي في دار الحكومة في سيدني.

إنه لفرح كبير أن أكون مع الشباب – قال قداسته – وأصلي معهم، وأحتفل معهم بالذبيحة الإلهية، مشيراً الى أنه منذ يوم الشبيبة العالمي الأول، عام 1986، "كان واضحاً أن أعداداً كبيرة من الشباب تُقدر فرصة اللقاء معاً لتعميق إيمانهم في المسيح، ولمشاركة تجربة اتحاد سعيدة في كنيسته".

 وتابع بندكتس السادس عشر مؤكداً بأن الشباب يتوقون الى المشاركة في حدث "يركز على مثلهم العليا التي تلهمهم" كحدث يوم الشبيبة العالمي، "ليعودوا إلى ديارهم ممتلئين رجاءً، ومجدَدين العزيمة، ويساهموا في بناء عالم أفضل".

وأردف قائلاً: "إن يوم الشبيبة العالمي يملأني بالثقة لمستقبل الكنيسة، ومستقبل عالمنا".

 وشكر البابا السلطات الاسترالية على الاستقبال الحار وقال إنه من المناسب جداً الاحتفال بيوم الشبيبة العالمي في أستراليا، "إذ أن الكنيسة في أستراليا، بالإضافة إلى كونها الأصغر بين جميع القارات، فهي إحدى الكنائس الأكثر عالمية".

 واشاد البابا بالدور الذي تلعبه الحكومة الاسترالية في توطيد العلاقات مع السكان الاصليين مذكّراً بالقرار "القرار الشجاع الذي اتخذته الحكومة بالاعتراف بالظلم المرتكب ضد الشعوب الأرومية في الماضي"

 وقال إن "مثل المصالحة هذا يمنح الرجاء إلى الشعوب حول العالم التي تتوق إلى رؤية حقوقها مثبتة، ومساهمتها في المجتمع معترف بها ومعززة".