ماذا لو ترك الأقباط مصر؟

لنا أن نفكر لبعض من الوقت، ماذا سيكون حال مصر لو تركها الأقباط؟؟، حقاً سيكون الأمر مخيف ومرعب وربما تكون تلك المنطقة تحديداً أكثر تعاسة، وربما يكون السؤال لماذا سيحدث هذا لو ترك الأقباط مصر؟ وهنا ستكون الإجابة واضحة -أو يجب أن تكون هكذا بالنسبة للجميع-.

فحينما يترك الأقباط مصر يعني أن أكبر أقلية مسيحية في الشرق الأوسط ستغادر المنطقة، بما يعنيه ذلك من استمرار انعزال تلك المنطقة على نفسها بالشكل الذي ريما يجعل منها منطقة مخيفة بالفعل.

لو ترك الأقباط مصر، أعتقد النتيجة محسومة لصالح موت العلمانية المصرية والسبب ليس بدعوى أن مَن يطالب بالعلمانية أو مدنية الدولة المصرية هم الأقباط فقط، ولكن بسبب أن الأقباط أكثر قدرة من غيرهم على التكيف وقبول فكرة مدنية الدولة أكثر من غيرهم.

ولعل هذا ما يساعد بالفعل على وجود جانب من المقاومة غير المتعمدة ضد فكرة الدولة الدينية، ولعل هذا أكثر ما يوصل مصر بالدول الأخرى حيث تعتبر مقصد لكثيرين بسبب القدر من المدنية التي تتمتع به مصر وذلك مقارنة بعدد من دول الخليج التي عندما يزورها أي شخص يعلم أن كلمة "ممنوع" هي السائدة على كل أو معظم أشكال الحياة في تلك الدول الأحادية.

لو ترك الأقباط مصر، يعني هذا أن تلك المنطقة غير قادرة على استيعاب الاختلاف سواء كان هذا الاختلاف ثقافي أوديني، وهو ما يشير إلى وجود نفى للآخر بشكل مستمر من جانب الأغلبية التي رأت باستمرار استحالة التنوع كجزء من مميزات تلك البلاد التي تختلف تجربتها بشكل كامل عن كافة الدول العربية بما فيها لبنان وسوريا والعراق التي تحوي داخلها بعض الأقليات المسيحية، فالتجربة المصرية فريدة في كل شيء من حيث عدد الأقباط، ومن حيث عدم تمركزهم في منطقة واحدة داخل مصر، فالأقباط يمتد وجودهم من الإسكندرية شمالاً وحتى أسوان جنوباً، ومن الناحية الاقتصادية كافح الأقباط على مستوى القرون السابقة ليصبح منهم من يملك الثروة نتيجة العامل الخاص بعد أن أصبح العمل في الحكومة أو المناصب العليا مغلق أمامهم، وهو ما جعلهم قوة اقتصادية لا يمكن إنكارها.

ترك الأقباط لمصر يعني قتل الميراث الثقافي والديني لتلك المنطقة بأثرها وهو ما يصب نحو مزيد من التوحد وربما التخلف لتلك المنطقة، فتأثير الأقباط على كل مناحي الحياة في مصر واضح، حتى ولو ظهرت الصورة غير ذلك، ففي وسط الكثير من المحجبات سوف ترى صورة مصر الأخرى أيضاً في وجود غيرهم من غير المحجبات وهنا سيتغير انطباعك عن أحادية التواجد الفكري والعقائدي داخل البلاد.

فلو ترك الأقباط مصر يعني ذلك مزيد من العزلة لتلك البلاد ناهيك عن افتقاد مصر للكثير من قوتها الإقليمية التي تستمدها من هذا التنوع الذي تعيش فيه.

أن فكرة ترك الأقباط لمصر يجب أن يحللها أصحاب الدعاوي التي تحاول أن تخنق هذا البعد الثقافي والديني في الحياة المصرية لأنه ليس من مصلحة أحد بما فيها الأغلبية أن تجعل من الوجود القبطي في مصر أمر هامشي، بل على العكس تماماً فأن المصلحة المصرية تقضي الحفاظ على هذا الإرث الذي تمتعت به مصر منذ زمن بعيد، وكان أحد أسباب تميزها.

لو أمكن لنا أن نختار بين توحد مصر وتنوعها فعلينا جميعاً أن نعلو بصوت واحد أن تنوع مصر أمر لا جدال فيه وأنه بالنسبة لنا جميعاً أمر حيوي ويجب أن نحارب بكل ما أوتينا من قوة ضد هذه النزعة التي ستخلق من مصر في حال ترك الأقباط لها دولة معزولة ومبتورة الأوصال.