سرّ المعموديّة بين التاريخ واللاهوت

مقال مترجم عن قاموس العقيدة الصادر باللغة الغرنسية

ترجمة الخورية اندريه انطونيوس مقار ابراهيم

في التاريخ :

1- في القرون الأربعة الأولى :

نرى أن تنّوع التقاليد التي شهدناها في العهد الجديد يُتابع في القرون الميلاديّة الأربعة الأولى، وأن معموديّة المسيحييّن لا تُسند إلى نصٍ بيبلي (كتابي) أصليّ، كما هي الحال مع سرّ الافخارستيّا في العشاء السريّ.

نرى أيضاً أنّ العاديات المسيحيّة تشهد ازدياد رتبة العماد ولكنّها، مع ذلك، لاتعرض سوى احتفالٍ واحد للتدرّج المسيحي. ويعود هذا الاحتفال الوحيد أكثر إلى فهمٍ عام للمعموديّة على أنّها احتفال ثالوثي لدخول الكنيسة منها وَحّدةٌ رُتبيّة.

لاتكثر شواهد القرن الثاني للميلاد أبداً في هذا المجال (بنوا 1953)، ويقدّم الفصّل السابع من كتاب الديداكيه (الذيذاخة)، سرّ العماد بعد تعليم الفصول 1-6.  وهو يذكره باسم الآب والإبن والروح القدس،إنما أيضاً باسم الربّ كما في الفصل (5و9)K  ويعطي توضيحات في استخدام الماء، بسكب هذا العنصر فقط عند الاقتضاءK وعن الصوم الذي ينصح به لكلّ من يستطيع ذلك.

يضيف يوستينوس على ذلك، في منتصف القرن الثاني، أنّ معنى العماد هو الإستنارة (photismos) ثم يذكر أنّ الاحتفال يؤدّي في النهاية إلى الإفخارستيا (65 و16.1Apol ).  من جهته، يشهد القرن الثالث الميلادي تطّوراً رتبيّاً ملحوظاً (طرد الشرير والمسح بالزيت ووضع الأيدي).  تتأتى هذه كلهّا بشكلٍ رئيس من الكتاب المقدّس حتّى لو وجد ما يشابهها في عادات العالم القديم.

كان ترتليانوس أوّل من عرض مقالة في العماد (بداية القرن الثالث) ويُقدّم "التقليد الرسولي" (روما، حوالي 215) كتاب الرتب الأوّل الذي يستحقّ هذا الاسم.  يبدأ الكتاب بمرحلة طلب العماد ( رقم15-20) التي يمكن أن تدوم ثلاث سنوات وهي حقبة تجربةٍ تُمارس فيها حالات طرد الشيطان، ويحتفل بالعماد في نهاية سهرة تكون على الأرجح، سهرة الإستعداد لعيد الفصح.

 يجحد طالبو العماد الشيطان ويدهنهم الكاهن مرّة أولى بزيت طرد الشرير ثم ينزلون عراة في الماء مع شمّاس.  هناك يسألهم الشماس ثلاث مرّات عن إيمانهم فيجيبونه ثلاث مرّات ويعمّدون ثلاث مرات، وعندما يخرج طالبو العماد من الماء يدهنهم الكاهن بالزيت المقدّس، باسم يسوع المسيح.  ومن ثم ينشّف المعمَّدون أجسادهم ويرتدون ثيابهم ويدخلون الكنيسة.

هنا يتلو الأسقف، مع وضع الأيدي، صلاة موهبة الروح القدس، ويتناول الزيت المقدّس ويسكبه على رأس طالبي العماد باسم الآب والإبن والروح القدس.  على أثر المسحة، يقبّلّ كلاًّ منهم قبلة السلام.  بعد ذلك يصلّي المعمَّدون مع المؤمنين ويقدّم الشمامسة القرابين التي ستتحوّل بفعل التقديس إلى جسد الرب ودمه.

ستترك هذه الرتبة المسهبة أثرها على مجمل التقليد الغربي.  ولكن، لابدّ من فهم معناها الكنسي: يصير طالبو العماد مسيحيّين عند دخولهم مرحلة طلب العماد ثم مختارين في نهاية المرحلة المذكورة فمؤمنين بعد نوال سّر الإيمان، عندها ينخرطون حقيقة في الجماعة المسيحيّة.  يتمّ الأسقف محاطاً بشمامسة وكهنة الإحتفال الذي تتوّجهه الإفخارستيا.

 مع ذلك، لا نستطيع أن نعمّم هذه المعلومات ولا سيّما في ما يختصّ بالشرق حيث نشهد تقاليد متعدَّدة.  هكذا، مثلاً في سوريا تربط أعمال توما (سريانية، أوائل القرن الثالث) موهبة الروح بمسحة ما قبل العماد (الختم) كما سيكون الحال عليه أيضاً عند يوحنا فمّ الذهب ولا تتضمن أعمال توما  لا إعلان الإيمان ولا الجحود بالشيطان.

في الإسكندريّة، يجري الاحتفال بسرّ العماد في عيد الظهور الإلهي (عيد الغطاس) أي عماد المسيح وبالتالي عماد المسيحيّين.

 من جهتها، تعتمد الليتورجيا القبطيّة لاهوتاً عمادياً إزائياً، فعلى مثال يسوع يعتمد المسيحي في بداية حياته وينال الروح القدس تهيئة لرسالته وبعد أربعين يوماً يُقدَّم للهيكل.

يحمل منتصف القرن الرابع ولا سيّما الجزء الأخير منه تعاليم مسيحيّة عماديّة ومستاغوجيّة كبيرة  تعكس الشأن الذي أولاه أساقفة تلك الفترة وهم كيرلّس أو يوحنا الأورشليمي ويوحنّا فمّ الذهب وثيودورس المصيصي أو امبروسيوس للتدرُّج المسيحي.

تعطي هذه التعاليم معلومات وافرة حول لاهوت وطقوس عمادية (كاملو1963) كان يتمّ، في تلك الحقبة، تبادله بين الكنائس.

ونلاحظ فيها الأهميّة الأكبر المولاة للاهوت القدّيس بولس حول العماد على أنّه مرور بموت المسيح وقيامته، وسيساهم هذا المفهوم الممثَّل قليلاً إلى الآن في إبرازٍ أوضح لموهبة الروح وذلك أيضاً بعلاقة مع مجمع القسطنطينية سنة 381م كما نشاهد، إضافة إلى ذلك، طقوس ما بعد عماديّة لم تكن موجودة قبلاً.

يذكر ترتليانوس للمرّة الأولى عماد الأطفال بوضوح في أوائل القرن الثالث في المقالة حول العماد (18,4) ليعترض على العماد المبكر فيقول " نعم ليأتوا ولكن لمّا يكبرون، لمّا يبلغون سنّ التعلّم….أمّا بالنسبة إلى التقليد الرسولي فهو يشير إلى أنّ عماد الأطفال لا يتمّ، كما سيجري لاحقاً، بمفردهم، إنّما مع أهلهم (وهذا متعلّقٌ، على الأرجح، ب"عماد العائلات" الوارد في أع 16، 15).  نلاحظ في ما بعد، في القرن الرابع، تأخيراً في منح سرّ العماد.  فالكبادوكيّون، أمثال يوحنّا فم الذهب وإيرونيموس وأوغسطينس وغيرهم، المولودون من أهلٍ مسيحيّين تعمّدوا وهم بالغين، لربّما عاد ذلك إلى أسبابٍ متعلّقة بالتوبة (إرميا 1967)، ولكن، لمّا صاروا أساقفة، أعلنوا تأييدهم لعماد الأطفال.

ظهرت الصعوبات اللاهوتيّة مع ظهور النوفاطيّة (بدعة الأطهار)، فلقد عمد أتباع نوفاطيانوس إلى إعادة منح العماد لمن أراد أن ينضمّ إلى حركتهم.  حتّى في "الكنيسة الكبرى"نفسها، كان ثمّة تقليدان في هذا الخصوص، فإفريقيا وآسيا الصغرى كانتا هما أيضاً تعيدان منح سرّ العماد، أمّا روما ومصر فاكتفيتا بوضع الأيدي.  إشتدّ الجدال في منتصف القرن الثالث بين إفريقيا وروما والتأمت مجامع إفريقيّة عديدة لدرس المسألة وكتب قبريانوس بهذا الموضوع رسالتيه: 69 و 74.  لقد اعتمد البابا إسطفانوس مبدأ "لنمتنع عن إدخال أيّ تحديث ولنتّبع فقط التقليد بوضع الأيدي علامةً للتوبة." (رسالة 74، 2، 2-3).  أقام قبريانوس من جهته الحجّة أنّ هناك عماداً واحداً لا غير، ذلك الذي تمنحه الكنيسة الكبرى، لأنّ ليس هنالك سوى كنيسةٍ واحدة وروحٍ واحد ولأنّ أحداً لا يستطيع أن يكون الله أباه إن لم تكن الكنيسة أمّه (رسالة 74، 2،7).  فضلاً عن ذلك، "ما من خلاصٍ خارج الكنيسة" (رسالة 73، 2،21).  وتنقل الكنيسة، في العماد، ما يعود إليها وما عماد الهراطقة إلاّ طقسٍ مائيّ.

لن يُقبَل هذا الطرح، وسيأتي مجمع أرل حليفاً للنظرة الرومانيّة مؤكّداً أنّ قيمة العماد تتوقّف على محتوى الإيمان المُعلن (قانون 8).  وقد وافق مجمع نيقيا عام 325 على وجهات النظر هذه (قانةون 19،8).

تَتابع الجدال ضدّ الدوناتيّة في شكل نزاعٍ تمكّن أوغسطينس من حلّه بالانتقال من مفهوم قبريانوس بحسب علم الكنيسة، إلى فهمٍ مسيحاني للعماد.  فهذا الأخير يعود بالدرجة الأولى إلى الله والمسيح وليس إلى الكنيسة ومهما كان الخادم، هو المسيح دائماً الذي يعمّد (يو 33،1). من هنا جاءت العبارة المشهورة: "أبطرس عمّد أم بولس أم يهوذا فالمسيح هو الذي يعمّد" (مقالة حول إنجيل يوحنا VI  5-8،57-56,36,SL.CChr).  في هذا الإطار ولد مفهوم خادم السرّ،  فأوغسطينس يميّز ما بين قدرة سرّ العماد (التي تعود إلى المسيح وحده) وخدمة الخادم: هذا الأخير لا يعطي ممّا يملكه (قبريانوس)، بل هو خادم المسيح.  لهذا، يقبل الغرب، في الحالات الطارئة، أن يتمّ منح سرّ العماد على يد أيٍّ كان، حتّى على يد غير المعمَّد، بشرط أن يكون له نيّة أن يقوم بما تقوم به الكنيسة (خدمة الكهنة الراعويّة وحياتهم،1315، 1617).

ويأتي إنتقاد البلاجيّة بفرصٍ لتوضيحاتٍ جديدة. فقد اعتاد البلاجيّون منح العماد للأطفال ولكن بسبب براءة هؤلاء كانوا ينفون قبولهم إيّاه لمغفرة الخطايا.  يعترض أوغسطينس هنا قائلاً إنّ عماد الأطفال يشير إلى حاجتهم للخلاص.  " ممّا إذاً، إن لم يكن من الموت، من الرذيلة، من القيود، من العبوديّة، من ظلام الخطيئة؟ وبما أنّ سنّهم يحول دون ارتكابهم هذه شخصيّاً، تبقى الخطيئة الأصليّة" (حول قيمة الخطايا ومغفرتها، وحول عماد الأطفال.، سنة 412،I، 26، 39، مجمع آباء الكنيسة اللاتينيّة44, 131).

نرى إذاً، عند أوغسطينس، تطوّر عقيدة الخطيئة الأصليّة، إثر مسلّمة مزدوجة قائمة على براءة الأطفال الشخصيّة (المفترضة بحسب العقل) وعلى عماد الأطفال الذي تمّ قبوله ومنحه "لمغفرة الخطايا".  ولمّا تطوّرت، عادت العقيدة المذكورة سبباً لمنح العماد للأطفال.  وقد طغى الأخير في ما بعد، في الغرب، لدرجة أنّه حجب القيم الإيجابيّة التي أكّد عليها، مثلاً، يوحنّا فم الذهب (التعليم العمادي III, 5-6).

سيطوّر أوغسطينس، في الجدال ضدّ الدوناتيّة، الخطوط الأولى لما سيصير لاحقاً عقيدة ميزة الإيمان (خدمة الكهنة الراعويّة وحياتهم1609).  ولمّا أراد هذا اللاهوتي أن يشدّد على الشكل النهائي للسرّ، تحدّث عن "السرّ الذي يبقى". ومن بين الصور التي استخدمها ليشرح حقيقة هذا الشكل النهائي، صورة النعجة المختومة بختم صاحبها.

تحوّل سواد سكّان منطقة البحر الأبيض المتوسّط إبتداءً من النصف الثاني من القرن الرابع إلى المسيحيّة ممّا أدّى إلى تغيُّرٍ في علم اجتماع الكنيسة (أنظر رسالة إينوشنسيوس الأوّل إلى دوسنسيوس دي غوبيو التي تبيّن نتائج هذا الوضع الجديد على العماد والتثبيت، وعلى الإفخارستيّا والخِدَم.  أمّا بالنسبة إلى التدرُّج المسيحي، فقد انتهج كلٌّ من الشرق والغرب طريقين مختلفين، فالشرق خصّ بالأولويّة، وحدة التدرُّج وأعطى الكهنة حقّ منحه كاملاً فيما أبقى الغرب، للتثبيت، رابطاً بالأسقف ممّا أدّى تدريجيّاً إلى الفصل بين العماد والتثبيت.

 

2.      العصور الوسطى الغربيّة السحيقة.

ننتقل، في القرن الخامس، من غالبيّة عمادٍ للبالغين، إلى غالبيّة عمادٍ للأطفال.  ظلّ الأسقف، في المدن، هو الذي يمنح سرّ العماد في عيد الفصح، وهو الذي يثّبت ويعطي الإفخارستيّا، كلّ ذلك في الاحتفال عينه. أمّا في الريف، فصار الكاهن يعمّد الأطفال أكثر فأكثر عند الولادة ويناولهم بالدم المقدَّس، إلاّ أنّ التثبيت بقي، مُرجأً إلى حين مرور الأسقف في المنطقة.

وتضيف الكتب الليتورجيّة ، في القرن الثامن، إلى الأسئلة والأجابات حول الإيمان، صيغةً عماديّةً مأخوذة من إنجيل القدّيس متّى 28، 19 يمكن التقدير أنّها كانت معروفة قبل قرنين (دي كليرك 1990).  كما تبدّلت العلاقة بين الإيمان والعماد، فلم يعد هذا الأخير يحصل بإعلان الإيمان وصارت لعبة الأسئلة والأجوبة نوعاً من شرطٍ مسبَقٍ للحصول على السرّ الذي يؤدّيه الخادم بواسطة صيغةٍ تشير إليه على أنّه فاعل الفعل (أُعمّدُك…..") وستتحوّل هذه الصيغة إلى قالب صِيَغ الأسرار الأخرى.

 

3.      العصور الوسطى الغربيّة.

باستطاعتنا أن نعتبر أنّ الغرب، وابتداءً من القرن الثاني عشر، عرف العماد quam primum أي الذي يمنح في أسرع وقتٍ ممكن بعد الولادة.  إذاً، إبتعد الغرب عن العماد الفصحي كما تغيّر الحال بالنسبة إلى المناولة الأولى التي أُرجئت إلى سنّ التمييز.  إستقلّت، هكذا أسرار التدرُّج المسيحي الثلاثة التي كانت سابقاً مجموعةً في احتفالٍ واحد ونرى في لائحة السباعيّة الأسراريّة الموضوعة سنة 1150 أنّ كلاًّ من العماد والتثبيت والإفخارستيّا معدودٌ بمفرده.  من جهتهم، ينظّم اللاهوتيّون المدرسيّون التعليم الذي وصلهم ولنا مثالٌ على ذلك في الخلاصة اللاهوتيّة لتوما الأكويني

71-66 . q ,aIII .

نتطرّق أيضاً إلى مسألة الأولاد الذين توفّوا من دون الحصول على المعموديّة وهي مسألةٌ دقيقة في مجتمعٍ كثُرت فيه وفيّات الأطفال وطغى فيه إعتبار الخطيئة الأصليّة على لاهوت العماد.  من هنا برز مبدأ يمبوس الأطفال ( مكان وسط)، فهؤلاء، وهم بعد غير معمَّدين، لا يمكنهم أن يدخلوا ملكوت الله، بحسب يوحنّا 3،5.  هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، تحول براءتهم دون اعتبارهم هالكين.  يقول القدّيس توما الأكويني إنّ هؤلاء الأطفال محرومون من الرؤية السعيدة.  ولكن، بما أنّ الطبيعة ليست بحدّ ذاتها موجّهة نحو الفائق الطبيعة، فهم لا يعانون من الأمر:" فما من حزنٍ من أن، نُحرَم من خيرٍ لا يناسبنا" (بواسّار 1974).  إنّما، لن يتمّ قبول هذا اللاهوت، اللطيف بالنسبة إلى وجهات النظر الأوغسطينيّة، كعقيدةٍ في الكنيسة.  ومع ذلك، كان له التأثير البليغ ولم يمحُ المخاوف كلّها.  في هذا الإطار، ظهرت "مزارات الراحة" أي تلك المزارات حيث كانوا يحملون الأطفال المتوفّين من دون الحصول على العماد.  لقد جرت العادة أن يوضع الأطفال على المذبح وكان بعضهم يبدو وكأنّه استعاد الحياة لفترةٍ وجيزة فيعمدون إلى منحهم سرّ العماد في خلال هذا الوقت القصير.

 

4.      الإصلاح والحقبة الحديثة.

لن ينتقد المصلحون الكبار لا العماد ولا عماد الأطفال، بل سيأتي الانتقاد من جانب تجديديّي العماد الذين يعارضون عماد الأطفال مقدّمين أسباباً كتابيّة (يفرض العهد الجديد الإيمان شرطاً للعماد) وكنسيّة (لا يمكن للكنيسة أن تتألّف سوى من معترفين).  هؤلاء التجديديّون هم اسلاف معمدانيّي القرن السابع عشر الذين يعلّمون لاهوت العماد نفسه ويمنحون السرّ بالتغطيس.

 

5.      القرن العشرون.

يدمغ هذا القرن حدثان كبيران هما الحركة المسكونيّة والمجمع الفاتيكاني الثاني.

أ‌)       يكرّس الدستور في الليتورجيا المقدَّسة، في المجمع الفاتيكاني الثاني، الأرقام 64 إلى 70 للعماد فيقرِّر الرقم 64 إعادة موعوظيّة البالغين على مراحل، ويطلب الرقم 66 إعادة النظر في طقس معموديّة الأطفال بغية "تكييفه وواقع الأطفال الصغار".  من جهته، يتحسّب الرقم 69 لحالات منح العماد للأطفال بطريقةٍ طارئة، فيؤلّف طقس استقبالٍ في الجماعة (أنظر فصل VI من كتاب طقوس عماد الأطفال)، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأشخاص المعمَّدين في مذهبٍ آخر فيضع لهم طقس قبول في شركة الكنيسة الكاملة (في كتاب رُتب التدرُّج المسيحي للبالغين).

لقد وضع المجمع هذه الإرشادات لاستخدام الدستور. وتمّ نشر كتاب رتبة عماد الأطفال باللغة اللاتينيّة في العام 1969 وظهرت في السنة عينها ترجمة موّقتة، أمّا النصّ الفرنسي المصدَّق فيعود إلى سنة 1984.  يضمّ هذا الأخير ملاحظات عقائديّة ورعائيّة هامّة تشرح القسم الرتبي.  الجدير ذكره هو أنّ التعديلات الرئيسة تأتي على مستويين، فمن جهةٍ أولى، يستعيد العماد ليتورجيا الكلمة، ومن جهةٍ ثانية يصدر للمرّة الأولى في تاريخ الكنيسة كتاب رتبٍ "يتكيّف والوضع الحقيقي للأولاد الصغار" الأمر الذي يؤكّد أنّ النموذج اللاهوتي للعماد هو، في ضمير الكنيسة، نموذج البالغين.  ويُحِلُّ هذا التكيُّف أيضاً الأهل محلّ العرّاب والعرّابة  في الصدارة "فهم يمارسون خدمةً حقيقيّة" (ملاحظة رقم 40) عندما يطلبون العماد لأولادهم ويجاهرون ن هم أنفسهم، بإيمان الكنيسة.

في مرحلةٍ لاحقة، تمّ نشر كتاب رتب التدرج المسيحي للبالغين باللغة اللاتينية عام 1972م ثم كان له طبعة موقّتة باللغة الفرنسيّة عام 1974م وطبعة فرنسيّة مصدقة عام 1997.

إعتمد المجمع الفاتيكاني الثاني مفهوم التدرُّج المسيحي الذي اكتشفه مُجدداً ل . دوشان في نهاية القرن التاسع عشر وهو، أي المفهوم، موجودٌ في مقدّمة كتب الرتب جميعها.

 نعود الآن إلى كتاب رتب التدرُّج المسيحي فهو مؤلّفٌ ضخمٌ يحتوي، إلى جانب الملاحظات العقائديّة والرعائيّة، على رتبة طلب العماد الذي يمكن أن يمتدّ على مدى ثلاث سنوات وعلى رتبة أسرار التدرّج.

يُقسم الكتاب موضوعنا إلى أربعة أزمنة ( التبشير الأول، طلب العماد، الصوم الأخير، مستاغوجيّة) وثلاثة إحتفالات (ولوج طلب العماد، نداء قاطع وتسجيل الإسم، الأسرار).

يحتفل الأسقف عادةً بالأسرار إبّان السهرة الفصحيّة أو يحتفل به الكاهن الذي يمكنه، في هذه الحالة، أن يُثبتَ هو نفسهُ المعمَّدين الجدد. (رقم228،انظر نور الأمم رقم 26 الذي ينصّ على أنّ الأسقف هو الخادم الأصلي لسرّ التثبيت).  تتعارض هذه التعليمات تماماً مع تعليمات القرون الوسطى السحيقة وتُلغي إذاً السبب الرئيس لتفرّق أسرار التدرّج المسيحي.

 

ب‌)  يبدو جليّاً أنّ الحركة المسكونيّة إهتمت بالعماد.  فمنذ المؤتمر الأوّل في لوزان عام 1927م أدرجت وثيقة "إيمان ودستور" على جدول الأعمال البحثَ عن نصِّ تلاقٍ عقائدي حول العماد وقد عرف هذا الأخير طبعات عديدة قبل أن يتمّ نشره في ليما عام 1982م تحت عنوان "عماد،إفخارستيا،خدمة" حتى يُعمل على دراسته من قِبل الكنائس المختلفة. أدّت أجوبة الكنائس بعد الدراسة إلى صدور تقريرٍ نُشر عام 1991م.

سمحت هذه الخطوات للكنائس بالاعتراف المتبادل بالعماد الذي يُمنح في داخل كلٌ منها. يصحّ هذا خصوصاً في بلجيكا (عام1971م) وفي فرنسا (1972م) والمانيا (وفاق لوينورغ،1973م) (سيكار1991م). يولي الحقّ القانوني اللاتيني (CIC) اليوم الحماية لصلاحيّة عماد غير كاثوليكي فينصّ على ما يلي: " لا يجب على الأشخاص المعمَّدين في إطار جماعةٍ كنسيةٍ غير كاثوليكية أن يُعمّدواُ بشرط، إلّا إذا وجدَ سببٌ وجيه للشك بصلاحية عمادهم، بالنظر إلى الطريقة والصيغة المستعملتين لمنح السرّ وإلى نيّة المعمَّد البالغ والخادم الذي عمّد (قانون  869 &2).

 

 

IIIلاهوت العماد.

يشكّل التدرّج المسيحي للبالغين نموذج العماد وهو يُظهر بأفضل طريقة التحقيق الرتبي للسرّ ويقدّم أحسن أساسٍ للتفكير اللاهوتي.

في الواقع، يمكننا أن نفهم فرادة عماد الأطفال إنطلاقاً من هذا التدرج.

 

1-  العماد والمصير الشخصي.

يشكل العماد أساس الهوية الشخصية للمسيحي أمُنحَ للأطفال أم للبالغين . وتظهر العلامة الأبرز له عند الأطفال في إعطاء الإسم حيث يبدأ الإجراء الرتبي.  أمّا البالغون فيكتسبون هذه الهويّة في خضمّ وجودهم، في الخيار الذي يقومون به ليرفضوا الشرّ الذي اختبروه في حياتهم السابقة ( الجحود) وليختاروا الله ومسيحهُ والروح القدس الذي حبهُ أقوى من أي شكلٍ مِن أشكال الموت ( إعلان الإيمان) .

 

2معنى عماد البالغين.

 لا يتحقّق أيّ عماد من دون وساطة جماعة مسيحيّة ولكن ليست هذه هي الغاية القصوى أنّما الغايةُ هي الإيمان بالله الثالوث وهذا الإيمان هو موضوع الأسئلة التي تُطرح مباشرة قبل حركة الماء.  الغاية هي تأكيد القيمة الأسرارية للحدث، لفعل الله الذي تؤدّيه كنيسته والذي لا يقتصر على رتبة إنتماء.  ويدعو هذا المنطق الأسراري للنظر أوّلاً إلى العلاقات الكنسيّة التي يبنيها العماد للنظر في ما بعد في العلاقات الثالوثية التي فيها تكمن نعمة هذا السرّ.

 

3العماد وإقامة علاقات كنسيّة.

بحسب سفر أعمال الرسل 2/41 "وانضمّ في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس"، وبما أنّ لا مفعول فيه للفعل، يمكننا أن نفهم أنّ المعمَّدين الجدد انضمّوا إلى المسيح الذي باسمه قبلوا العماد، كما انضمّوا أيضاً إلى الجماعة.  وتأتي الآية 47 لترجّح التفسير الأخير، وهناك بعض الطبعات التي تسمّي الكنيسة. 

يتمّ كلّ عماد عن طريق الكنيسة وأحد خدّامها (الأسقف أو الكاهن أو الشمّاس)، في الكنيسة، لأن، "لا يستطيع أحد أن يكون الله أباه إن لم تكن الكنيسة أمّه" (قبريانوس، رسالة 74، 7)، وذلك بغية تشكيل الكنيسة.

بأي كنيسة يلتحق العماد؟ لا يلتحق هذا السرّ فقط بالجماعة المحليّة لأنّنا لا نتعمّد مجدّداً إذا ما تردّدنا إلى جماعةٍ أخرى.  يدعو البعد الأسراري للعماد وتدعو الإتّفاقات الأخيرة للاعتراف المتبادل بالعماد بين الكنائس إلى التأكيد على أنّ المعمَّدين ينضمّون إلى كنيسة الله.  ولكنّهم ينضمّون إليها بالضرورة عبر وساطة كنيسةٍ محليّة.  وبما أنّ الكنائس ليست جميعها في شراكة، يجب الاعتراف بأنّ المعمَّدين هم في آنٍ معاً منضمّين إلى كنيسة الله وأعضاء في كنيسة خاصّة بطائفة معيّنة.  حتّى لو، على مثال الكنيسة الكاثوليكيّة، اعتبرت أنّها جامعة.

جاء في كتاب العماد والإفخارستيّا والخدمة ما يلي، تحت عنوان "الانضمام إلى جسد المسيح": "يشكّل العماد الذي نحتفل به طاعةً لربّنا، علامةً وختماً لالتزامنا المشترك كتلاميذ."  في الواقع، يؤول عماد المسيحيّين إلى اتّحادهم بالمسيح، وبكلّ واحدٍ من المسيحيّين الآخرين وبالكنيسة في كلّ زمانٍ ومكان.  هكذا، يشكّل عمادنا المشترك الذي يوحّدنا بالمسيح في الإيمان، رابطَ وحدةٍ أساسيّاً.  نحن شعبٌ واحدٌ ومدعوّون للاعتراف بربٍّ واحد ولخدمته في كلّ مكانٍ في العالم أجمع.  وتحمل وحدتنا هذه بالمسيح التي نشترك فيها، إرتداداتها على وحدة المسيحيّين، "هناك….عمادٌ واحد وإلهٌ واحد أبٌ للجميع…" (أف 4، 4-6) وعندما تتحقّق وحدة العماد في الكنيسة الواحدة، المقدَّسة الجامعة الرسوليّة، تتحقّق شهادةٌ مسيحيّةٌ حقيقيّة لحبّ الله الذي يشفي ويصالح.

لهذا السبب، عمادنا الواحد في المسيح، هو نداءٌ للكنائس حتّى تتعالى على إنقساماتها وتظهر شراكتها بشكلٍ جدّيّ (رقم 6).

العماد هو، في الواقع، أساس وحدة المسيحيّين، إن داخل كنيسةٍ نصير أعضاء فيها بفعل المسيح (وليس بفعل اختيار الأعضاء الآخرين)، أو بين الكنائس التي تجد في هذا علّة جهودها المسكونيّة.

يقيم العماد علاقةً بالله بواسطة كنيسةٍ ما ولكنّه لا ينفي سبلَ خلاصٍ أخرى بالمسيح "الذي فيه ومن أجله خُلق الكلّ" (كو 1، 16)، والذي "يريد أنّ الناس جميعاً يخلصون" (1 تيم 2,4)، لأن، إن صحّ القول إنّ العماد بالإيمان يخلّص، يصحّ أكثر التأكيد على أنّ الله هو الذي يخلّص بالعماد، أو بطرقٍ أخرى من رحمته.  ويحدّد اللاهوت الكلاسيكي ضرورة العماد في أنّه تعليمٌ وليس واسطة، لأنّ "الله لم يربط قدرته بالأسرار" (توما الأكويني الخلاصة اللاهوتيّة، 7  .a, 64  .q, aIII ) وتفرض هذه الضرورة ذاتها على كلّ شخص يرى في العماد تحقيق العهد مع الله.

 

ت‌)   العماد كإقامة علاقات ثالوثيّة.

تظهر العلاقة بالمسيح، وهي زمنيّاً الأولى (أع 2، 38/ 1 كور 1، 13) أنّها أيضاً الأبرز وهذا ما يؤيّده الفعل الأوّل في الاحتفال بالسرّ اي الختم على شكل الصليب والتقليد الغربي بمنح العماد في الفصح.  يعني العماد، في الواقع، من وجهة نظر المعمَّدين، أوّل ما يعنيه، العبور في موت المسيح للقيام معه و"السير معه في جدّة الحياة" (رو 6، 4). ويعني بالنسبة إلى المسيح، الحركة التي بها يلتزم تجاه من أعطوه إيمانهم وهذا ما تؤكّده بعباراتٍ أخرى عقيدة الطابع العمادي (خدمة الكهنة الراعويّة وحياتهم 1609).

هكذا نرى بنية تبادلٍ تتحكّم بمنطق الفعل الأسراري، فنيّة الله في المسيح، يتلقّاها أشخاصٌ يجيبون عليها بالروح بغية بناء الكنيسة.  وينال المسيحيّون دعوتهم في العماد كما تشهد على ذلك الصلاة التي ترافق الدهن بالميرون المقدَّس: "من الآن فصاعداً، أنتم من شعبه (الآب)، أنتم أعضاء في جسد المسيح وتشاركون في كرامته ككاهنٍ ونبيٍّ وملك". نجد هذه الدعوة موسَّعةً في نور الأمم 34-36.  فإذا ما نظرنا إليها من هذا المنظار، نرى الحياة المسيحيّة بكاملها حياةً عماديّة. 

من جهته، يؤكّد العهد الجديد العلاقة بالروح القدس، إمّا بخطّ القدّيس لوقا الإنجيلي أي خطّ قوّة الله التي ينالها المعمَّد للقيام بالرسالة، إمّا بخطّ القدّيس بولس أي خطّ التحوّل الداخلي أو التقدُّس.

ولا يمكننا أن نستنتج غياب هبةٍ خاصّةٍ للروح، في العماد، بسبب أنّها موجودةٌ في سرّ التثبيت بما أنّنا ننال العماد باسم الآب والإبن والروح القدس علماً أنّ هبة الروح هي مغفرة الخطايا (يو 20، 22s).  ينال الإنسان في المعموديّة روحاً غير روحه وهو مدعوٌّ ليحمل ثمار هذا الروح الجديد (غل 5، 22) في حياةٍ "روحيّة" "لأنّ كلّ الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (رو 8، 14).

 تنتهي المسيرة العماديّة عند العلاقة بالله المُعتَرف به أباً وخالقاً بالإضافة إلى الثقة التي تحملها معها لأن "إن كان الله معنا فمن علينا؟" (رو 8، 31-39).

 

3.      المعنى الخاص لمعموديّة الأطفال.

أ‌)       تبرير معموديّة الأطفال – بما أنّ العماد هو سرّ الإيمان، كيف يمكننا أن نقبل قيمة عمادٍ حقيقيّ يتمّ في سنٍّ ينفي، بالمبدأ، أيّ جوابٍ شخصيٍّ عن الإيمان؟

تقوم الإجابة على ضرورة الإنابة، أي ضرورة إيمانٍ ينوب عن إيمان الطفل يضعه تقليد الكنيسة على مستويين:  أوّلاً هناك إيمان الكنيسة حيث يتمّ الاحتفال بأيٍّ من الأسرار (وليس فقط عماد الأطفال).  يلزمنا هذا بقبول أنّ عبارة "العماد سرّ الإيمان" لا تحمل معنىً ذاتيّاً (يُفترَض بالمعمَّدين أن يجيبوا عن إيمانهم) فحسب، إنّما أيضاً معنىً موضوعيّاً، ففي الحقيقة، عندما تعمِّد، ترسم الكنيسة الهيئة الأسراريّة لإيمانها بخلاص الله.  يسمح لنا هذا أن نفهم أنّ المُسند إليه الإيمان ليس أوّلاً شخصاً إنّما الكنيسة، أيّ شعب الله.  بعبارة أخرى، تلقي معموديّة الأطفال الضوء على بعض أبعاد الإيمان بحدّ ذاته.

ثانياً، مطلوبٌ أيضاً إيمان الآخرين بمعنى أنّ إيمان الكنيسة لا بدّ وأن ينتقل عبر أشخاصٍ ملموسين.

يرى اللاهوتيّون الذين يقبلون بمعموديّة الأطفال أنّ هذه الأخيرة تجد تبريرها عندما يطلبها مؤمنون (توما الأكويني، الخلاصة اللاهوتيّة، 68 . q, aIII) وليس حكماً الأهل.

 

ب‌)   دواعي معموديّة الأطفال.

تتصدّر الدواعي اللاهوتيّة، إرادة الله لخلاصٍ شامل يطال أيضاً الأطفال، بالتالي، وجود معموديّتهم تبيّن قيمتهم في عينيّ الله.  وثمّة داعٍ آخر، هو الخطيئة الأصليّة: من الواضح أنّ ما من خطيئة فعليّة تُنسب إلى الأطفال، مع ذلك هم يخلقون في عالمٍ كان الناس فيه دوماً بحاجةٍ إلى خلاص الله (خدمة الكهنة وحياتهم 1514). هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يعكس عماد الأطفال بامتياز مجّانيّة الخلاص لأنّ الله يتقدّم منهم بمبادرته حتّى قبل أن يتمكّنوا من الإجابة عن إيمانهم.  هذا هو داعي النعمة السابقة العزيزة على قلب اللوثريّين.  باستطاعتنا أن نتوسّع في هذا الداعي بطريقةٍ وجوديّة أكثر إذا ما أظهرنا كيف أنّ معموديّة الأطفال تدرك سرّ الوجود البشريّ.  في الواقع، لا يملك الإنسان سوى القسم القليل من التحكّم على حياته، على الأقلّ، هو لا يملك مبادرة ولادته في العالم. معموديّة الأطفال هي إعادة تضعيفٍ رمزيّةٍ لذلك، ممّا يشرح، من دون شكّ، إستمراريّتها على مدى التاريخ بالرغم من الانتقادات المستمرّة لها.  كما تقدّم هذه المعموديّة، في النهاية، مثال التضامن الكنسيّ لأنّ الخلاص يتجرّد من أيّ معنىً في ما لو كان فرديّاً، هنا أيضاً تُبرز معموديّة الأطفال أبعاد الإيمان.

 

ث‌)  الاعتراضات ضدّ معموديّة الأطفال – غالباً ما تمّ التعبير عن هذه الاعتراضات وهي ملخَّصة في التعليم حول موضوعنا هذا الذي نشره مجمع عقيدة الإيمان في تشرين الأوّل 1980. ويأتي، إلى جانب عدم إمكانيّة إعلان الإيمان المذكورة أعلاه إعتراضان أساسيّان يتعلّقان بنوع الكنيسة الذي يؤدّي إليه عماد الأطفال وبالحريّة.

 

ج‌)    غالباً ما جرى الاعتراض على الكنيسة المتعدِّدة التي يؤدّي إليها عماد الأطفال في النصف الثاني من القرن العشرين. توسّع هذا الانتقاد أيضاً فاتّخذت كنائس كثيرة إجراءاتٍ ضدّ "معموديّة الأطفال المعمَّمة" (ج. ج فون ألمن 1967) بشكلٍ خاصّ، تحضير الأهل.  ويؤدّي التطوّر الإجتماعي-الكنسي في الغرب إلى تحوّل الإشكاليّة، في أيّامنا هذه، نحو موقفٍ أكثر صراحة من معموديّة الأطفال (جيزال 1994).

يبقى الاعتراض الأكثر شيوعاً متعلِّقاً بحريّة الأطفال وبموقفٍ طائفيّ لمعموديّتهم.  في الواقع، يتوجّه كتاب الرتب الجديد إلى الأهل، وذلك بغضّ النظر عن الماضي، ويدعوهم إلى إعلان إيمانهم الخاص في معموديّة ولدهم.  بالطبع، هو هذا الأخير الذي يقبل العماد ولكن لا يُعتبَر تراجعٌ ممكنٌ من قبله، في وقتٍ لاحق، جحوداً، طالما لم ينتم شخصيّاً إلى إيمان عماده.  علاوةً على ذلك، يمكن دحض هذا الاعتراض بواسطة تفكيرٍ فلسفيّ حول الحريّة: فهذه، في الواقع، ليست تحكّماً دائماً بل تمثّل قدرة إلقاء الخيارات وإدراجها على مدى الحياة.  أخيراً، باستطاعتنا أن نتساءل ما إذا كان الاعتراض المذكور لا يظهر أيضاً عدم تأكُّد الأهل لجهة إستعداداتهم الإيمانيّة الشخصيّة.

 

د) خصائص معموديّتي البالغين والأطفال.

يمكننا أن نقدّم التأكيد التقليدي أنّ ليس سوى معموديّةٍ واحدة (أف 4،4) إذا بيّنّا بوضوح المنطق الخاص لكلٍّ من المعموديّتين.

تظهر الاختلافات جليّاً بين الشكلين، تتناول أوّلاً الأشخاص (بالغون – أطفال) والخادم (أسقف – كاهن أو شمّاس) والتسلسل الرتبيّ (ثلاث سنوات، إحتفالٌ واحد).  إذا تجاوزنا هذه الاختلافات، نحن أمام نموذجين متمايزين، ففي التدرُّج المسيحين تسبق العماد عناصر عديدة للوصول إلى الإيمان ويُحتفل بالسرّ ليلة الفصح مع التثبيت والإفخارستيّا (راجع كتاب رتب التدرُّج المسيحي للبالغين رقم 34) اللذان يبدأ معهما زمن المستاغوجيّة.  ينعكس النموذج تماماً بالتسبة إلى معموديّة الأطفال فكلّ ما يسبق عماد البالغين يتبعها عند الأطفال. نحن إذاً أمام منطقين مختلفين للعماد نفسه، منطق الإهتداء للكبار ومنطق التربية التدريجيّة للأطفال .

 

ترجمة الخورية اندريه انطونيوس مقار ابراهيم