كيف تعامل السيد المسيح مع ناصب الفخّ -15

 

كيف تعامل السيد المسيح مع المختلفين معه؟

دراسة في انجيل متى

 ( 15 )  

فسأَلوه   . . .   ومُرادُهم أَن يَشكوه


وذَهَبَ مِن هُناكَ فدَخَلَ مَجمَعَهم. فإِذا رَجُلٌ يَدُه شَلاَّء، فسأَلوه: ((أَيَحِلُّ الشِّفاءُ في السَّبْت؟ ))ومُرادُهم أَن يَشكوه. فقالَ لهم: ((مَن مِنكُم، إِذا لم يَكُنْ لَه إِلاَّ خَروفٌ واحدٌ ووقَعَ في حُفرَةٍ يومَ السَّبْت، لا يُمسِكُه فيُخرِجُه؟ وكمِ الإِنسانُ أَفضَلُ مِنَ الخَروف! لِذلكَ يَحِلُّ فِعلُ الخَيرِ في السَّبْت )). ثُمَّ قالَ لِلرَّجُل: ((أُمدُدْ يَدَكَ )) فمَدَّها فعادت صَحيحةً كالأُخرى. فخَرجَ الفِرِّيسيّونَ يَتآمرونَ عليه لِيُهلِكوه.
عَلِمَ يسوع فَانصرَفَ مِن هناك، وتَبِعَه خَلْقٌ كثير فشَفاهُم جَميعاً نَهاهم عَن كَشْفِ أَمْرِه ليَتِمَّ ما قيلَ على لِسانِ النَّبِيِّ أَشَعْيا: هُوَذا عَبْدِيَ الَّذي اختَرتُه حَبيبيَ الَّذي عَنهُ رَضِيت. سَأَجعَلُ رُوحي علَيه فيُبَشِّرُ الأُمَمَ بِالحَقّ.  لن يُخاصِمَ ولن يَصيح ولَن يَسمَعَ أَحدٌ صوتَهُ في السَّاحات. القَصَبةُ المَرضوضَةُ لن يَكسِرَها والفَتيلةُ المُدَخِّنةُ لن يُطفِئَها حتى يَسيرَ بِالحَقِّ إِلى النَّصْر. في اسمِه تَجعَلُ الأُمَمُ رجاءَها»
(مت 12: 9- 21 ).

 فسأَلوه ومُرادُهم أَن يَشكوه

إنه سؤال مفخخ، سؤال من نوع « الأسئلة الموجهة» بغرض إيقاع المجيب في فخ قد سبق نصبه ، وناصب الفخاخ موجود على مر الاجيال،  فنسمع كاتب المزمور يستنجد بالله من أولئك : «إِحفَظْني مِن قَبضَةِ الفَخِّ الَّذي نَصَبوه لي ومِن شِباكِ فَعَلَةِ الاَثام » (مز:141-9). يرتكز الفخ على قيم سلبية : الحاق الضرر بالآخر، إحراجه: « الَّذينَ يُجَرِّمونَ الإِنْسانَ بسَبَبِ كَلِمَة ويَنصِبونَ الفَخَّ لِمَن يَحكُمُ عِندَ الباب ويَستَميلونَ البارَّ بِأَباطيلِهم » (اش:29- 21 ). فسأَلوا السيد المسيح:« أَيَحِلُّ الشِّفاءُ في السَّبْت؟» رغبة في إظهار عجزه أمام الجمهور وأعلان عدم احترامه للمقدسات (السبت)، وتقويض حريته، تحديه … الى اخره من قيم الصراع غير النافع الذي لا يَخدِمُ تَدبيرَ الله المَبنيَ على الإيمانِ. يحث بولس الرسول تلميذه أن يعلم الناس ألاّ يقعوا في هذا الفخ: «ولا يُصغوا إلى الخُرافاتِ وذِكرِ الأنسابِ الّتي لا نِهايةَ لها، فهذا يُثيرُ المُجادَلاتِ ولا يَخدِمُ تَدبيرَ الله المَبنيَ على الإيمانِ» (1تم-1: 4).

مَن يضع ثقته في الرب لايخاف هذه الفخاخ «  لأَنَّ الرَّبَّ يَكوَنُ لَكَ سَنَدًا ويَحفَظُ رِجلَكَ مِنَ الفَخّ » (ام:3-26 ). أما من يضع ثقته في حكمته او معرفته بالشريعة فقط فإنه معرّض للسقوط في فخ المجادلات العقيمة: « ذَكِّرْهُم بذلِكَ وناشِدْهُم أمامَ اللهِ أنْ لا يَدخُلوا في المُجادَلاتِ العَقيمَةِ، لأنَّها لا تَصلُحُ إلاَّ لِخَرابِ الّذينَ يَسمَعونَها» (2تم: 2: 14).

ينصب الصياد الفخ بشكل إحترافي ، فيجتهد ويبتكر سبلا تساعده على خداع الفريسة فلا تدري إلى اين هي ذاهبة إلا عندما تكون بالفعل قد سقطت في الفخ. يتوقف نجاح الفخ في مهمته على مهارة الصياد في اعداد الفخ من ناحية  وعلى مدى سذاجة الفريسة المبتغاة من ناحية أخرى.

 كيف تعامل السيد المسيح مع  ناصب الفخاخ

تحزن نفوسنا عندما نواجه أشخاصا خبثاء يبغون الشر لنا وينصبون الفخاخ للإيقاع بنا فيغتم قلبنا، يقول الكتاب المقدس: « القَلبُ الخَبيثُ يسبب الغَمّ» (سي36: 20 ) ولكن هناك سبيل للخلاص من فخ هذا الخبيث: «   ولكنَّ الرَّجُل الخَبيرَ يَعرفُ كَيفَ يعَامُلُه » (سي36: 20 ). وما من خبير بأحوال وطباع البشر مثل يسوع ليعلمنا كيف نتعامل مع ناصبي الفخاخ.

 

لنتأمل كيف تعامل السيد المسيح مع ناصب الفخاخ:

 

1- سؤال بسؤال من اجل اعلان الحق لا من اجل الجدل

يسوع مقدم على شفاء ذي اليد الشلاء، فبدأ ناصبوا الفخ في العمل على دفع يسوع للسقوط في فخهم ، طرحوا سؤالا منتظرين اجابة، فهو المعلم والمفترض انه يعرف !!ولكن المدهش ان يسوع لم يعط الاجابة مباشرة !! فقالَ لهم مستنكرا : « مَن مِنكُم، إِذا لم يَكُنْ لَه إِلاَّ خَروفٌ واحدٌ ووقَعَ في حُفرَةٍ يومَ السَّبْت، لا يُمسِكُه فيُخرِجُه؟» ومن الواضح من طريقة طرح السؤال أن الجاري هو انقاذ الخروف يوم السبت!

2- مقارنة سلوك بسلوك

لذا أكمل المسيح في مقارنة بين انقاذهم للخروف وإنقاذه للإنسان المريض الذي سقط في حفرة المرض. « وكمِ الإِنسانُ أَفضَلُ مِنَ الخَروف! »

3- إعلان المبدأ : فعل الخير واجب دائما

« لِذلكَ يَحِلُّ فِعلُ الخَيرِ في السَّبْت»

4- اتمام الخير

«ثُمَّ قالَ لِلرَّجُل: "أُمدُدْ يَدَكَ " فمَدَّها فعادت صَحيحةً كالأُخرى.»

ينتقل المسيح من الشرح والمقارنة النظرية الى مساحة العمل (عمل الخير) فلم يسقط المسيح في فخ المجادلات ولم ينتظر منهم قبولا او رفضا لما سيقوم به، ففي ذلك السقوط عينه. لأنهم ليسوا المشرعين ولأن المسيح لن يتناسي ولن يتجاهل للانسان المريض وهو الأهم . وفأمر الرجل المريض هذا الأمر المحرر:«ثُمَّ قالَ لِلرَّجُل: أُمدُدْ يَدَكَ» وكأنه يقول قدم لي ضعفك فاحوله الى قوة، فكسر يسوع الفخ «  نَجَت نُفوسُنا مِثلَ العُصْفور مِن فَخِّ الصَّيَّادين. الفَخُّ اْنكَسَرَ ونَحنُ نَجَونا » (مز:124-7).

5- ترك مكان المجادلات

«عَلِمَ يسوع فَانصرَفَ مِن هناك،… وتَبِعَه خَلْقٌ كثير فشَفاهُم جَميعاً»

إن إعداد الفخ لسقوط اللآخر، أو السماح للنفس بالسقوط فيه أمر لايليق بالمسيحيين ، فقد جاء المسيح ليحررنا من كل ذلك «  فنَحنُ أيضًا كُنّا فيما مَضى أغبِياءَ مُتَمَرِّدينَ ضالِّينَ، عَبيدًا لِلشَّهَواتِ ولِجميعِ أنواعِ المَلَذّاتِ، نَعيشُ في الخُبثِ والحَسَدِ، مَكروهينَ يُبغِضُ بَعضُنا بَعضًا. فلمَّا ظهَرَ حَنانُ اللهِ مُخلِّصِنا ومَحَبَّتُهُ لِلبَشَرِ» (تي3:3-4).

 

في تاريخ الجماعة المسيحية كم من أعمال خيّرة توقفت بسبب هذه المجادلات العقيمة وسقط كثيرون في فخ الشيطان ؟ كم من جماعة انقسمت فانشغلت عن فعل الخير باثبات الذات او والتشكيك في المبادرات الخيرة الأن الفاعل من خارجها؟ وكم من جماعة بات بعض من أعضائها منعكفا على دراسة التاريخ والأنبياء وأقوال الآباء ليخرج لجماعته (ومن ثَمّ لنفسه ) مجدا باهتا هزيلا ؟؟ فلا مجد حقيقي إلا لله ، وللجماعة التي اختارت الرب مخلصا لها من فخاخ العدو !! ووسمت الطيبة أعضاءها «  الإِنْسانُ الطَّيِّبُ مِن كَنزِه الطَّيِّبِ يُخرِجُ الطَّيِّب. والإِنْسانُ الخَبيثُ مِن كَنزِه الخَبيثِ يُخرِجُ الخَبيث » (مت:12-35).

وتلخص النبؤة التي قيلت على لِسانِ النَّبِيِّ أَشَعْيا سلوك أولاد الله الطيبين:

« يُبَشِّرُ الأُمَمَ بِالحَقّ.

لن يُخاصِمَ

ولن يَصيح

ولَن يَسمَعَ أَحدٌ صوتَهُ في السَّاحات.

القَصَبةُ المَرضوضَةُ لن يَكسِرَها

والفَتيلةُ المُدَخِّنةُ لن يُطفِئَها

حتى يَسيرَ بِالحَقِّ إِلى النَّصْر.

في اسمِه تَجعَلُ الأُمَمُ رجاءَها