تاريخ وجغرافيا الكتاب المقدس

تدور الأحداث المدونة في الكتاب المقدس في أرض متعددة الوجوه. ويزور المؤمنون الأماكن المقدسة التي فيها التقى البشر بالله.

= جبل سيناء، جبل العهد حيث نال موسى عهد الحياة.

اليهودية والمسيحية هما ديانتا العهد مع الله: العهد القديم والعهد الجديد.

= البحر الميت 392م تحت سطح الماء، نسبة الملوحة 25%

قد يكون المنطقة التي وجدت فيها صادوم وعامورة.

الصحراء مكان رهيب مكان التجارب (بنو إسرائيل والله المسيح).

مكان الوحدة، التوبة حيث يلتقي الإنسان باله (جومر زوجة هوشع).

قمران مكان وحدة المسيح والمعمدان عاشا في الصحراء / البرية.

كانت قرى اليهودية متناثرة في الصحراء والجبل وكانت مكان مقاومة شديدة في وجه الغزاة.

أورشليم المدينة المقدسة ، مدينة داود، عاصمة المملكة- تل صهيون بنى عليه سليمان الهيكل.

هي أيضاً المكان الذي تألم وصُلب فيه يسوع المسيح.

هي رمز وجود الله بين أفراد الشعب.

رؤ 12:1-3 يصف أورشليم الجديدة النازلة من السماء.

نهر الأردن يجري غالباً تحت مستوى البحر، يخصب الأرض على جانبيه حيث تزدهر الحقول ما بين بحرية طبرية والبحر الميت حيث ينساب من الشمال إلى الجنوب. الصحراء القاحلة مقر الوحوش الكاسرة.

يتوسط بلاد ما بين النهرين (العراق وإيران) ومصر سهل خصيب كان مطمعاً للغزاة والفاتحين: الفلسطينيين، اليونانيين والرومان.

خشي بنو إسرائيل البحر لمدة طويلة. إلا أنه من مواني البحر الأبيض المتوسط انطلقت الإرساليات لتكوين جماعات اليهود في الشتات والكنيسة الأولى.

حوالي سنة 30 تنطلق البشارة بالإنجيل من ضفاف بحيرة طبرية في قلب الجليل، وهي مدينة على الحدود وفي نفس الوقت ملتقى.

 

 

 مقدمة

قال الرب لإبراهيم (تك 13: 14- 17)

يروي لنا الكتاب المقدس الكثير من الأحداث. إنه يركز على مغامرات شعب بني إسرائيل: إنه العهد الأول أو كما نسميه نحن المسيحيين العهد القديم. ويضم كتاب المسيحيين المقدس حياة ورسالة يسوع المسيح وقصص وشهادات بداية الكنيسة: إنه العهد الجديد.

تكوّن العهد القديم خلال 1000 عام تقريباً. بمرور الزمن كانت ذاكرة الشعب تزداد قوة، ووعياً بذاتها وبما يدور حولها فكانت تعيد صياغتها وتصفية وإثراء قصص الماضي. ويضم هذا قصصاً شعبية، بطولات خارقة، أشعار رقيقة، احتفالات دينية، مراثي ومآسي قومية تصورات للمستقبلالخ.

يقص الكتاب المقدس تاريخ جماعة صغيرة أصبحت شعباً، ثم قصة حفنة أفراد التفت حول يسوع: المسيحية. ويدور تاريخ هاتين الجماعتين، بلحظاته السعيدة والعقيمة، في بلد واحد اسمه فلسطين. وتصطبغ فلسطين مثل غيرها من البلاد المحيطة- بالأحداث التاريخية العسكرية والسياسية بالثقافة الدينية السائدة في المنطقة. وتسمى هذه المنطقة: الهلال الخصيب. يدور إذاً التاريخ في جغرافيا محددة، حيث يتأثر مستقبل بني إسرائيل والمسيحيين فيما بعد بالتغيرات والانقلابات السياسية والطبيعية للمنطقة. ويولي الكتاب المقدس اهتماماً كبيراً للأماكن والمواقع ووصفها وصفاً دقيقاً.

سنحاول هذا العام أن نتعرض للحقبات الكبرى لهذا التاريخ الطويل، أهم خصائصها مستعينين ببعض الصور والخرائط الجغرافية.

ولكنا نقول أن الكتاب المقدس ليس كتاب تاريخ أو جغرافيا بحصر المعنى حتى وإن كان يضم بين صفحاته الكثير من المعلومات التاريخية والجغرافية- أحياناً ثمينة للغاية. هدف الكتاب المقدس الأول هو توصيل رسالة إيمان ورجاء ويتناول هذا الأمر من خلال الأحداث ولذلك فهو ينبض بالحياة: إنه خبرة حيّة.

ويؤمن، من يقرأون الكتاب المقدس، أن الله يقود التاريخ… إنه قائد هذه المغامرة الكبرى. ويتجلى حبه وخطته في أيام الانتصار، أما باقي اللحظات الحالكة فهي تعكس لحظات عدم أمانة البشر تجاه الله وتجاه ميثاق العهد، ميثاق الحياة الذي اقترحه لهم.

ويتأمل بنو إسرائيل بلا انقطاع أحداث تاريخهم هذا، إنهم يؤمنون أن حياتهم وتاريخهم على أرضهم هما هبة مجانية في نفس الوقت ضرورة إيمانية ملّحة إنها دعوة. في هذا الإطار تتم كلمة الله. ويرجع المسيحيون مراراً عديدة إلى هذه اللحظات الحاسمة من ماضي بني إسرائيل والكنيسة الناشئة لكي يفهموا رسالة الدعوة الإلهية اليوم.

"الرب إلهك يقودك… (تث 7:8-10)

"كل موضع…         (يش 3:1-4)

 

 

 

 

 

 

 

العالم كما تصوره القدماء

لم يكن العلم بمعناه الحديث قد بدأ. في هذه الحقبة تصور القدماء أن العالم ناتج عن حرب شرسة بين الآلهة . وقد شارك وتأثر كتّاب الكتاب المقدس بهذا الفكر، ولكنهم أعادوا صياغته بما يتفق وإيمانهم بإله واحد.

للعالم مستويات أو أبعاد ثلاثة: الهاوية- الأرض- السماء.

الهاوية: المقصود بذلك المياه الأولية، الفوضى التي كان يلفها الظلام والتي عليها كان يرف روح الله إنها بلغتنا اليوم- العدم.

وفي الهاوية توجد وحوش بحرية، مثل اللامتان، التي تذكرنا بالآلهة تيمات. وهي آلهة المياه الأولية حسب معتقدات ديانات بلاد ما بين النهرين. أدركت الهزيمة الآلهة تيمات فشقت نصفين. وفي قصة الكتاب المقدس تم الفصل بين المياه: مياه علوية ومياه سفلية.

الأرض: هي عبارة عن كرة ضخمة مرتكزة على أعمدة فوق الهاوية وكانت المياه تغمر الأرض وتكسوها مثل الثوب مغطية بذلك حتى قمم الجبال وظهرت الأرض عندما أمر الله المياه بالانسحاب . فانحشرت المياه وراء الحدود المرسومة لها. وتظل الأرض على صلة بالمياه السفلية عن طريق الينابيع والمياه الجوفية، وبالمياه العليا عن طريق الأمطار. عندما فتح الله كوى السماء انسابت المياه العلوية، وفجّر المياه السفلية مكان الطوفان. إلى العودة إلى الفوضى الأولية.

السماء: تصور الأقدمون السماء طبقة صلبة تتدلى منها النجوم والكواكب مثل المصابيح التي تتدلى من السقف. وكانت الكواكب أو بعضها تعبد على أنها آلهة ومن فوق يوجد مقر الله والكائنات السماوية.

اقرأ

مز 104

تك 1: 1-4:2

وأي 38: 4-11

مز 104: 2-10

130  

ثم استخرج عناصر الصورة الملحقة

الصورة الأولى: الكون في تصور بني إسرائيل

الثانية: المجموعة الشمسية

 

الرابعة: الكون كما تصوره قدماء البابليون

وصف أصل الهاوية: مذكور في 2: 10-14

استخرج أي 38 : 1-18 الوحوش المائية

مز 104: 6-10 حدود المياه

 

إسرائيل والعالم

 

تقع مملكتا يهوذا وإسرائيل في قلب الهلال الخصيب. بين مصر ودول ما بين النهرين القوية. تأثر تاريخ بني إسرائيل في معظم الأحيان وبشدة بالحركات السياسية والعسكرية والثقافية التي سادتا في الشرق الأدنى كله.

الخريطة:

بحروف سوداء: الأسماء القديمة

بحروف عادية: الأسماء الحالية

 

جغرافيا الأرض المقدسة

أثّرت ظروف وجغرافيا ومناخ البلاد كثيراً على حياة وتاريخ بني إسرائيل.

شط الساحل: كان عبارة عن ممر وظل معظم الأحيان بعيداً عن سيطرة بني إسرائيل، الذين كانوا يفضلون ويبرعون في المناطق الجبلية في وسط البلاد. وطأت رجل الفلسطينيين القادمين من البحر في القرن 8-7 ق.م الشط الساحلي واستوطنوا في الجزء الجنوبي، أما شمالاً على سفح جبل الكرمل فكانت منطقة نفوذ الكنعانيين في صور وصيدا.

احتل واستطن سبط يهوذا الجزء الوعر جنوباً. احتمى في ظل الجبل والصحراء وبذلك كان يهرب من التأثيرات الخارجية.

أما قبائل الشمال التي كونت مملكة إسرائيل فاستوطنت في منطقة مفتوحة من ناحية على ممالك الكنعانيين (صور وصيدا) ومن ناحية أخرى على صحراء سوريا. وبذلك خضعت للتأثير الكبير للتيارين كليهما الكنعاني والسوري.

وكان يتوسط أراضي مملكة الشمال سهل الجليل الخصيب. واعتمدت مملكة الشمال كثيراً على منتجات هذا السهل الزراعية. وهذا يفسر غنى مملكة الشمال بالمقارنة مع مملكة الجنوب التي كانت معظم أراضيها جبال قاحلة. ولكن سكان سهل الجليل كانوا أكثر تعرضاً للعبادات الوثنية (طقوس الخصب…) مما كان سكان المناطق الجبلية (مملكة يهوذا).

بحيرة طبرية وسهل الأردن والبحر الميت: إنها عبارة عن منخفض عن مستوى البحر يصل طول البحر الميت إلى 80كم؛ على 392م تحت سطح البحر. ظاهرة "البخر" فيه عالية جداً، جعلت منه بحراً بلا حياة (نسبة الملوحة 25%) قسم لكل الملح على شاطئه بتذكر قصة زوجة لوط التي تحولت إلى تمثال من الملح (تك 19: 26).

شعب الله والأرض

تظهر قصص الآباء (إبراهيم اسحق- يعقوب) أن أرض إسرائيل مرتبطة بالوعد الإلهي. بالخروج من مصر في القرن الثالث عشر ق.م أصبحت قبائل بني إسرائيل شعباً وذلك عندما منحهم الله أرض الموعد التي تدر عسلاً ولبناً (خر3:8).

وبعد سليمان انقسمت المملكة (سنة 339). ولم يمس هذا الانقسام هذه الرؤية الخاصة بالأرض على أنها مباركة، وذلك دليل على وجود الله في وسطها. هذا الالتصاق بالأرض الموعودة والتمسك بها يسمح لنا أن نفهم مدى عمق المأساة والكارثة الإنسانية والدينية التي تعرّض لها الشعب عند السبي. وعندما يتعمق بنو إسرائيل أكثر وأكثر في الإيمان سوف يكتشفون أن وجود الله لا يتقيد بالضرورة ببلد أو وطن ما.

اقرأ

صورة استيلاء يشوع على أرض الموعد (يش 13)

وصف أرض الموعد (يش 22)

(تك 17 :8)

(خر 3: 8)

 

إنسان ما قبل التاريخ في فلسطين

يرجع تاريخ قصة الخلقة في كتاب التكوين إلى القرن السادس والقرن الثامن ق.م لم يكن هدف الكتّاب إعطاء تاريخ أو وصف علمي لنشأة العالم، إنما كان هدفهم كيف فهم المؤمنون العالم وعلاقته بالله.

ويخضع وصفهم لمعارف العصر. ويرجع تك 10 الشعوب إلى 3 أجداد: سام، حام، يافث، أبناء نوح. ولكنه في الواقع يذكر الشعوب التي كانت معروفة في بداية القرن العاشر وما بعده. أما قبل العاشر ق.م. فلا يذكر.

وقد سمحت أعمال الحفر والبحث التي تمت في فلسطين ابتداءً من سنة 5291 إلى التعرف على الحياة ما قبل التاريخ في فلسطين، وعرفنا أن الإنسان عاش هناك منذ 4 آلاف سنة تقريباً.

وأول أثر إنساني عُثر عليه في "العبيين"، وهو عبارة عن جمجمة الإنسان المستقيم والذي يرجع إلى 500000 سنة.

في سنة 1925 وجدت بقايا إنسان يُطلق عليه "إنسان الجليل" وهو يرجع إلى حقبة الإنسان الحكيم (120000).

في طامون وقداره وُجد إنسان (100000)

في قفزة اكتشف علماء أجداد كرومانيين (حوالي 50000)

في عين جيف، بالقرب من بحرية طبرية وُجد هيكل عظمي عمي 12000.

وفي أريحا القديمة توجد بيوت ويوجد برج شهير ترجع إلى القرن 80ق.م.

من القرن 70 ق.م توجد بيوت في مونهاتا.

وفي بئر سبع وُجد أُناس يرجعون إلى القرن 40 ق.م.

كما وُجد موتى مدفونون في مغاور صناعية في عازور: ق 4 ق.م

كما توجد في أراد بقايا مدينة حصينة تعود إلى القرن الثالث ق.م.

وبذلك نستطيع أن نقول: عندما وصل بنو إسرائيل إلى الأرض، كان لها تاريخ طويل.

اقرأ

قائمة الشعوب في تك 10 أعد قائمة في شكل شجرة بكل الشعوب المعروفة يش 24: 13

 

 

معلومات تاريخية وجغرافية

عن عصر الآباء

 

زيارة الأرض الموعودة

يروي لنا الكتاب المقدس تنقلات الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب إسرائيل مع قبيلتهم.

وإذا تتبعنا خط سيرهم أمكننا التعرّف على الأرض الموعودة وعلى البلاد المحيطة بها. وفي إطار قصص الكتاب المقدس عن إبراهيم يقدم لنا الكاتب الإطار: أورحاران (ما بين النهرين) والقوى العظمى شرق إسرائيل. لعبت هذه القوى دوراً هاماً في تاريخ إسرائيل. ورحلة إبراهيم في أرض الموعد كلها وتوقف خاصة عند أهم المعابد التي كانت موجودة قبل احتلال بني إسرائيل لأرض الموعد. ويرتبط كل معبد باسم أحد الأسلاف العظام: معبد ممرا = إبراهيم

بئر بيت سبع = اسحق

سكيم = إسرائيل

بيت ايل = يعقوب

وهكذا يربط تاريخ بني إسرائيل كل هذه المعابد والتقاليد المحيطة بها بإبراهيم كما أن لقاءات الآباء وعلاقاتهم تقدم لنا الشعوب المجاورة.

لابان  جد الآراميين

لوط    جد الأمونيين والموآبيين

عيسو    جد الآدميين

وهكذا يظهر لنا أن شعب بني إسرائيل ليس معزولاً عن الشعوب المجاورة وليس جديداً على أماكن العبادة.

اقرأ   

البلاد  :      تك 11 و21

المعابد:       تك 14: 13؛ 18: 1-16؛ 21: 25-32؛ 26: 23-33؛ 12: 6-7؛ 33: 18-19؛ 12: 8؛ 28: 10-22.

الآباء: تك 12-50

الشعوب: 25: 2؛ 29؛ 19: 30-38 ؛ 36: 1و8-9و43.

طريق الخروج

يعود بنو إسرائيل كثيراً إلى ماضيهم لينهلوا منه: الله يدعو موسى من العليقة المشتعلة للصعود إلى "جبل الله". 40 سنة في البرية (ق13ق.م) هي عبارة عن ملخص تاريخ بني إسرائيل الذي يقوم على العهد وذلك بابتعادهم عن إلههم وجريهم وراء آلهة أخرى وارتكابهم الخطايا.

ولد إسرائيل كشعب من عمل إعجازي: عبور البحر ووالي الله الشعب بعنايته، فكان يطعمه ويرويه بالرغم من تذمره وتمرده. وأعطاه على جبل سيناء شريعة الحياة التي منها تنبع كل العظمة والشرائع اللاحقة . وسوف يعود إيليا النبي (مسيرة 40 يوماً) بعد 4 قرون من استلام بني إسرائيل الشريعة، يعود إليها لكي يتعمق في إيمان الآباء، وسيبقى يسوع المسيح 40 يوماً في البرية يكمل بها دعوة بني إسرائيل التي نالوها في البرية.

أعاد بنو إسرائيل قراءة تاريخهم وتفاعلوا معه لذلك امتزجت تقاليد مختلفة وكثيرة معاً يصعب فصلها عن بعضها الآن. لا يمكن تحديد خط الخروج بدقة. هناك 3 احتمالات:

1-     الطريق المباشر الساحلي والذي يسمى "طريق فلسطين". ولكن احتمال سلوك بني إسرائيل لهذا الطريق صعب بسبب القلاع الحصينة وأماكن الحراسة المكررة عليه.

2-               طريق عبر برية قادش

3-               الطريق الجنوبي الذي يمر بجبل موسى جنوب شبه سيناء إنه الطريق التقليدي للحجاج ابتداء من قرن 4م.

الرأي الأكثر احتمالاً هو الثاني. العامل الوحيد الأكيد الثابت هو عبور بني إسرائيل بواحة قادش قبل توجههم إلى جبل موآب للدخول إلى أرض الموعد بالقرب من أريحا.

اقرأ

أهم لحظات الخروج

الأعمال الشاقة (خر 1: 11)         السمان (14)

العليقة المشتعلة (خر3)                      الماء من الصخرة (17)

عبور البحر (خر14)                سيناء (19)

المن (16)                                   العجل الذهبي (32)

قادش (عد 13 وتث 1)                      التمرد في البرية (عد14)

موت موسى (تث 34)

تأمل في البرية:

تث 8: 2-3                         مز 78: 52-53

أسباط بني إسرائيل في أرض الموعد

قض 17: 6

يفصل أحداث الخروج عن نشأة الملكية في إسرائيل قرنان تقريباً (1230-1030)

يملأ الكتاب المقدس فراغ هذين القرنين بأحداث فتح أرض الموعد وتقسيمها على الأسباط الإثني عشر.

كانت المخاطر تهدد الأسباط وللتغلب على هذه المخاطر ودرئها قام رؤساء أو قادة، هم القضاة.

ويعتبر أبناء يعقوب الإثني عشر أجداداً للأسباط التي تحمل أسماءهم. ولا يظهر سبط لاوي على الخريطة. إنه لا يمتلك أرضاً، إنه سبط مكرس للخدمة والعبادة. كما أن حصة يوسف تقسم على اثنين أفرايم ومنسى ويعطي كل منهما اسم سبطه. ويستغرق سبط دان الكثير من الوقت قبل أن يثبت قدميه في الأرض الموكلة إليه حول منابع نهر الأردن.

تاريخ القضاة

عنئيل يخلص بني إسرائيل من ملك أرام (قض 3: 8-11)

أهود البنياميني يهزم ملك موآب (    3: 15-26)

شمجر يهزم الفلسطينيين (   3: 31).

دبوره وباراق يخلصان قبائل الشمال من حملة ملك جاصور، الموقعة في جبل طابور (قض 4: 6-27).

جدعون يهزم المديانيين في وادي يزرعيل ويطاردهم حتى الأردن (قض7: 1-8).

قصة أبناء أبيملك تدور حول سكيم (قض 9).

تولع من سبط يساكر (10: 1-).

ياثير يمارس عمله انطلاقاً من جلعاد (10: 3-5)

يفتاح الجلعادي يهزم الأمونيين (11)

ابصان  5

لا يذكر لاوي

ينقض أحياناً شمعون

طباع وأخلاق الأسباط من:

تث 33 وقض 5

توزيع الأرض: يش 13-21 وقض 1.

جش 21: 43

 

 

 

مملكتا يهوذا وإسرائيل أيام داود وسليمان

(1020 933 ق.م)

تك 12:2-3

أدت مجهودات شاول، ومن بعده داود إلى توحيد القبائل فيما بينها، في فترة ضعف في القوتان العظميان: مصر وبلاد النهرين. أثمرت هذه الجهود بتكوين دولة شابة قوية.

أصبح داود الملك الوحيد للأسباط المجتمعة في وحدتين متسعتين: مجموعة الشمال ومجموعة الجنوب اللتان فيما بعد ستكونان مملكة الشمال ومملكة الجنوب. أصبح داود إذاً ملكاً ليهوذا ولإسرائيل . كان عاصمة مملكة داود الأولى حبرون لأنها تتوسط أراضي يهوذا. ثم استولى داود على أورشليم وهي على حدود يهوذا  وإسرائيل فجعل منها داود عاصمة لمملكته الموحدة.

وأخضع داود كل الدويلات الصغيرة المجاورة لمملكته: عمون، موآب، أدوم، الفلسطينيين وأرام إنه أقصى اتساع لمملكة يهوذا وإسرائيل.

ولكي يتمكن داود من إدارة هذه المملكة المتسعة استعان بإدارة وموظفين أكفاء. وكان معظمهم من المصريين. ووجود الكتبة أسهم في وضع حجر الأساس للوثائق التي ستكون نواة الكتاب المقدس الأولى. قام الكتبة بجمع التقاليد القديمة وبذلك أسسوا أرشيف وثائق المملكة.

وفي نهاية ملك سليمان تقلصت حدود المملكة قليلاً فقد أجبر سليمان على التنازل عن بعض مدن الجليل لملك صور لكي يتمكن من بناء هيكل أورشليم. كما استطاع أدوم أن يحصل على استقلاله مرة أخرى، وذلك بمساعدة حكام مصر. كذلك أرام استقل بذاته.

اقرأ

الشعب يطالب بملك 1صم 8

نصب شاول ملكاً 1صم 11: 12

داود في خدمة شال 1صم 16: 14

 داود يعمل في الخفاء 1صم 22

داود ملكاً على يهوذا 2صم 2: 1-4

داود ملكاً على إسرائيل 2صم 5: 1-5

الاستيلاء على أورشليم 2صم 5: 6-12

نبوءة ناثان 2صم 7

دور الكتاب 2صم 8: 15-18

تنصيب سليمان ملكاً 1مل 1: 28-40

بناء الهيكل 1مل 5: 15-32

2صم 5: 4-5

1مل 5: 14

انقسام المملكة

الأخوة الأعداء: مات سليمان الملك سنة 933 وانقسمت بعده المملكة. كونت أسباط الشمال مملكة إسرائيل (أول ملك هو ياربعام) فيما كان رحبعام ملك يهوذا.

لم تكن العلاقات قوية وعميقة بين المملكتين الذي كان يجمعها هو الإيمان بالله والذي أخرجهم من مصر. استطاع داود بقوة شخصيته وحنكته وخبرته أن يجمع ويوحد يهوذا وإسرائيل. قبله كانت الجماعتان منفصلتين مستقلة كل واحدة عن الأخرى. وظهرت بعض الفوارق في زمن سليمان نفسه. بالرغم من إقامته على حدود المنطقتين إلا إنه أهل الشمال اعتبروه دوماً منتمياً إلى يهوذا كما أن أعمال سليمان المعمارية (بناء الهيكل وقلعة مجدو وغيرها) جعله يفرض ضرائب على الشعب؛ تحمل أغلبها سكان الشمال الأكثر غناً من سكان الجنوب. أدت هذه الضرائب إلى التعجيل بالانقسام الذي تم بين رحبعام (ابن سليمان) وياربعام قائد الانقسام (أول ملك لإسرائيل) أحيا ياربعام الاهتمام بمعابد الشمال، وخاصة بيت إيل الذي أقام فيه عجلاً ذهبياً. وبذلك أراد أن يغني أهل الشمال عن الذهاب إلى هيكل أورشليم.

ولكن الذي ساهم أكثر في الانقسام هو اختلاف مفهوم الملكية عند الفئتين قبل يهوذا وبدون مشاكل ملكية وراثية قائمة على وعد الله لداود على لسان النبي ناثان (2صم 7). بينما ظل إسرائيل متمسكاً بالمفاهيم القبلية . وتشهد كثرة الانقلابات في إسرائيل على عدم تمسكهم بالملكية.

استقلت كل الدويلات المجاورة التي كان داود قد أخضعها وبقيت أورشليم وحدها.

اقرأ

انقسام المملكتين 1مل 12

نظامان مختلفان: نبوءة ناثان (2صم 7) = دوام سلالة داود، المسيا المنتظر قائم على هوة النبوة مز 89: 21و29-30

مملكة الشمال : ثورات متتالية ابتداءً من سنة 588. أول ثورة في 1مل 16: 8-22.

أشور يهدد مملكة إسرائيل (933-735ق.م)

توالى ملوك كثيرون على عرش مملكة الشمال وذلك بسبب المؤامرات التي كانت تؤدي إلى قتل الملوك. نتيجة لذلك أصبحت إسرائيل تدور في فلك إحدى القوى العظمى (مصر-أشور) وهنا ارتفعت أصوات الأنبياء ومنددة بذلك: إيليا، إليشع، عاموس، هوشع.

عمت في البداية حالة من الرخاء والازدهار وخاصة تحت ملك عمري (886-875) قام هذا الملك وهو أعظم ملوك إسرائيل ببناء السامرة وجعلها عاصمة للمملكة وواصل ابنه أحاب سياسته في التعمير والبناء، معتمداً على رواج التجارة وعلى مساعدة حلفائه الفلسطينيين وصور وصيدا . كان عدو المملكة في ذلك العصر ملك أرام دمشق (سوريا).

ولكن سرعان ما ظهرت الأخطار: إمبراطورية أشور التي كانت حدودها وادي دجلة بدأت تتوسع في اتجاه البحر المتوسط. استطاع أحاب بمساعدة ملك دمشق أن يوقف زحف شلمناصر الثالث (ملك أشور) في قرقار.

كان ياربعام الثاني (783-747) هو آخر ملوك إسرائيل العظام. استقل هذا الملك ضعف إمبراطورية أشور المؤقت واستعاد الكثير من المدن والأراضي التي كانت تحت سيطرة سليمان وازدهرت الحالة الاقتصادية وخاصة بالنسبة للطبقة العليا مما جعل عاموس النبي يندد بذلك.

وافق موت ياربعام الثاني نهضة إمبراطورية أشور. وتردد ملوك إسرائيل المتواليين بين الخضوع للمارد الآشوري أو التمرد عليه بمساندة فراعنة مصر وسوف يندد هوشع النبي بهذه السياسة المتقلبة.

اقرأ

عمري يبني السامرة 1مل 16: 23-28

إيليا ورسالته أمام أحاب 1مل 17-21

رسالة إليشع 2مل 2-7

ياربعام الثاني 2مل 14:23-29

عاموس يندد بنبلاء السامرة عا 3: 9-15؛ 4: 1-3؛

                              5: 10-12و21-27 

هوشع يندد بتغلب ملوك إسرائيل هو 7: 11؛ 11: 5؛ 12: 2

عا 3: 10 و 12 و 15

توسع أشور بقيادة تجلت قلاصر الثالث (732ق.م)

قام تجلت قلاصر الثالث بحملة على صور ووسعه والسامرة. فاضطر ملوك الدول الثلاثة إلى دفع جزية للملك المنتصر.

أراد فاتح ملك إسرائيل مع ملك دمشق إجبار ملوك يهوذا على الدخول في تحالفهم ضد أشور . لم يقبل أحاز ملك يهوذا هذا الغرض . شق فاتح ملك إسرائيل وملك دمشق الحرب على يهوذا لكي يقيما على عرش يهوذا ملكاً موالياً لهما مشاركاً في تحالفهما. هددت هذه الحرب سلالة داود ولكن أشعيا النبي يطمئن آحاز ، الذي كان قد استنجد بأشور. تدخل تجلت قلاصر الثالث (732) في الحال وزحف على الساحل ليخضع صور وصيدا ثم يستولي بعد ذلك على دمشق والسامرة.

بعد هذه الحملة أصبحت دمشق مجرد محافظة في إمبراطورية أشور، والسامرة مجرد مدينة تحيط بها بعض الأراضي: وقد سبى تجلت قلاصر عليه القوم.

نبوءة أشعيا عن عمانوئيل: أش 7: 14-16.

اقرأ

حرب دمشق وإسرائيل ضد يهوذا (2مل 16)

تدخل أشعيا لطمأنة أحاز ملك يهوذا (أش 7)

 

نهاية مملكة إسرائيل (722)

تعرضت أشور لأزمة شديدة بموت تجلت قلاصر، إذا كان هناك صراع على من يخلفه. استقل هوشع ملك إسرائيل هذه الظروف لكي تمرد على أشور بمساندة مصر. كان ثمن هذا التمرد غالياً. شن شلمناصر الخامس، خليفة تجلت قلاصر الهجوم تلو الآخر على السامرة وواصل ابنه سرجون الثاني هذا إلى أن استطاع أن يستولي على السامرة 722 فهزم المدينة وسبى قادة وحكام المدينة. بذلك أصبحت السامرة مجرد مدينة تابعة لإمبراطورية أشور . إنها أول كوارث إسرائيل الكبرى.

وقام سرجون بجلب الشعوب التي هزمها إلى السامرة وأحلهم مكان ال فاختلطوا بسكان السامرة وواصلوا ممارسة عاداتهم وعباداتهم. نتج عن ذلك السامريون الذين كان اليهود يحتقرونهم: بسبب معاشرتهم ومصاهرتهم وتعاملهم مع الوثنيين لا يمكن اعتبارهم وارثين لتقاليد شعب الله.

هرب بعض السامريين إلى أورشليم وحملوا معهم بعض كتبهم المقدسة وتقاليدهم التي أدمجت في كتابات مملكة يهوذا. وهناك أثار كثيرة تبين ذلك في كتابي التكوين والخروج.

أثر سقوط مملكة الشمال ونهايتها تأثيراً شديداً على تكوين إسرائيل: حيث اقتنعوا أن حماية إله إبراهيم وموسى ليست شيئاً مضموناً مهما كانت تصرفاتهم وحياتهم. هذه الحماية والعناية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأمانة الشعب لإله الآباء. وكتاب التثنية في مجمله هو نتيجة التأمل في كارثة سنة 722.

اقرأ

سقوط السامرة (2مل 17)

رأي المؤمنين في الأزمات التي تعرضت لها مملكتا إسرائيل ويهوذا ما هي إلا نتيجة عدم أمانتهم لله. ونقرأ كثيراً الحكم على الملوك: صنع الخير والشر في عيني الله/ ووضع هذا التحذير الرسمي على شفتي موسى (تث 20: 15-20).

 

اقتراب نهاية مملكة يهوذا (732-587ق.م)

لم تتعرض مملكة يهوذا لما تعرضت له مملكة إسرائيل. عقد أحاز الملك معاهدة مع أشور سنة 732. وظل ابنه حزقيا بعيداً عن التحالف ضد أشور، لا بل ابنه استغل مساندة أشور له في مهاجمة مدن الفلسطينيين.

ولكن حزقيا تزعم حركة تمرد على أشور بعد موت سرجون الثاني. عارض أشعيا النبي سياسة حزقيا الملك. قام سنحاريب، خليفة سرجون الثاني بإخضاع المتمردين الواحد تلو الآخر: بابل، صور، صيدا، ثم حاصر أورشليم سنة 701. أعلن أشعيا النبي أن المدينة لن تسقط. وفعلاً أصاب الطامعون جيوش أشور ففكوا الحصار عن المدينة وانسحبوا. وبذلك نجت أورشليم مؤقتاً من الخطر الذي ظل محدقاً بها. وملأ الغرور نفوس اليهود واعتقدوا أن مدينتهم لا يمكن أن تسقط.

وفي منتصف القرن السابع ضعفت أشور بدرجة كبيرة. وفي إطار هذه الظروف المواتية قام يوشيا ملك يهوذا (640-609) بإصلاحه الديني العظيم بما يتفق وروح التثنية. انتهز يوشيا ضعف أشور وفرض إصلاحه الديني على السامرة ومد سلطة إليها وإلى مدن الفلسطينيين.

اشتدت هجمات بابل ومادي على أشور فاضطرت هذه إلى عقد معاهدة مع مصر. وبالرغم من المعاهدة سقطت نينوى عاصمة أشور (612). هرع تكو الثاني فرعون مصر لنجدة ملك أشور والتقى في طريقه بلوشيا في مجدو الذي أراد أن يقطع عليه الطريق. سقط يوشيا قتيلاً في موقعة مجدو. وبذلك طويت أكثر صفحات مملكة يهوذا إشراقاً.

اقرأ

أشعيا و أحاز : أش 7

حزقيا: 2مل 18

حصار أورشليم وتدخل أشعيا 2مل 18-20

أش 36 39

إصلاح يوشيا وموته 2مل 22-23

أش 37: 21-29

سي 49: 1-2

سقوط أورشليم وخرابها

قضى نبوكد نصر ملك بابل، على الحلف المصري الآشوري وطارد المصريين فارضاً سلطانه أثناء مروره على سوريا وفلسطين. اضطر يواقيم ملك يهوذا إلى دفع الجزية لملك بابل. فشل نبوكد نصر في الاستيلاء على مصر . شجع ذلك يواقيم على التمرد على بابل وعقد معاهدة مع مصر. لم يصغ يواقيم لنصائح أرميا النبي. فحاصر نبوكد نصر أورشليم . مات يواقيم أثناء الحصار وخلفه ابنه يوباكين الذي استسلم (597) فأجلس الملك أسرته وأعيان الشعب إلى بابل.

أقام البابليون صدقيا ابن يوشيا ملكاً ليهوذا خلفاً ليوباكين. مال صدقيا إلى مصر وتحالف معها بالرغم من معاهدة يهوذا. بابل. لم يتأخر انتقام بابل المروع: عاد نبوكد نصر وحاصر أورشليم. كانت أورشليم غارقة في أوهامها بأنها لا يمكن أن تهزم مستندة أيضاً على قوة مصر. ولكن نبوكد نصر هزم المصريين واستولى على أورشليم (587)، وقتل أفراد أسرة صدقيا أمام عينه ثم فقأ عينه وأسره وساوى سور المدينة والهيكل وبيوت الأعيان بالأرض وأجلس معه إلى بابل أعيان الشعب وباقي الكهنة. وبذلك طويت صفحة تاريخ مملكة يهوذا.

اقرأ

تحذيرات أرميا ار 26-29؛ 34

مصير ارميا ار 36 40

أيام يهوذا الأخيرة 2مل 24-25

سبي بابل (597- 587- 538 ق.م)

ضاعت الأرض، هدم الهيكل وانتهى الملك هل هي نهاية مأساوية لقصة جميلة قصيرة؟

عاد الكهنة في منفاهم في بابل إلى تقاليد إسرائيل القديمة ازداد إيمانهم ورجاؤهم في وسط المأساة وبسببها عمقاً عرفوا أن خطاياهم هي سبب نكباتهم ويظل الله بالرغم من كل شيء أميناً على مواعيده. إنه لا يحتاج لأرض ولا لهيكل لكي يكون حاضراً فيهما. ويصف حزقيال في رؤيا مغادرة مجد الله للهيكل اتجاهه إلى الشرق : وجود الله غير مرتبط بمعنى حجري. إنه يوجد حيث يوجد شعبه.

تجمع المسبيون في جماعات وكتبوا الشريعة التي ستكون دستور الشعب المجدد. لا يعوقهم انعدام الهيكل وعن حياة روحية عميقة. وتتشكل ثقافة دينية جديدة وقيادة جديدة لبني إسرائيل في منفاهم وسبيهم. وبدلاً من العبادة في الهيكل تطورت طقوس صلوات الجماعة يوم السبت. وقد تكون المجامع "ولدت" في تلك الحقيقة، وإن لم يكن هناك دليل أكيد على ذلك. وحلت الصلاة والتأمل في "الكتب" محل الذبائح في الهيكل والاحتفال بالفصح يتم في المنزل حيث يجتمع أهله مع جيرانهم.

ثم ولدت قوة سياسية وعسكرية جديدة في الشرق: فارس، وأصبح قورش ملك فارس ملكاً لفارس ومدين في نفس الوقت وانقض قورش على مملكة بابل واستولى عليها سنة 539. دامت دولة بابل سنة 50 تقريباً. أذكت انتصارات قورش واستيلاؤه على المدن والممالك المجاورة، الأمل في نفوس المسبيين كما تشهد بذلك نصوص أشعيا 40-55

اقرأ

مجد الله يغادر الهيكل حز 11: 22-25

الرب يستريح في اليوم السابع تك 2: 1-2

عمل رمزي عن السبي  خر 12: 3-11

قورش مسيح الله أش 44: 28؛ 45: 1

أش الثاني (أش 40-55) يعلن نهاية السبي والعودة  إلى أورشليم.

 

 

العصر الفارسي ( 538- 333 ق.م)

نهاية السبي

ضعفت إمبراطورية بابل بعد موت نبوكد نصر سنة 562 إلى أن تهاوت نهائياً تحت ضربات قورش ملك مدين وفارس المتلاحقة. اختلفت فلسفة وأسلوب حكم قورش عن فلسفة وأسلوب حكم قورش عن فلسفة وأسلوب حكم بابل أشور . قسم الإمبراطورية إلى أجزاء وولى حاكماً على كل جزء، يحكمها ويديره باسمه وطلب من الشعوب التي أخضعها له فقط عدم معارضة سلطانه. خلاف ذلك كانت الدول الخاضعة له تحتفظ بعباداتها وعاداتها ولغتها الخاصة بها. وأصدر قورش سنة 538 مرسوماً سمح بمقتضاه لبني إسرائيل بالعودة إلى أورشليم، المدينة وتحيط بها مساحة محدودة من الأراضي اليهودية. لم يعد كل بني إسرائيل إذ فضل بعضهم، وكانت حالتهم الاقتصادية ومكانتهم الاجتماعية متوطدة في بابل. وسيكون لهذه الجماعة شأن كبير على الفكر والديانة اليهودية بعد القرن الأول الميلادي.

عزرا ونحميا

بدأ العائدون من بابل تحت قيادة زروبابل في بناء الهيكل. ارتفع صوت حجاي النبي ومعاصره زكريا مشجعين أعمال البناء. استمرت أعمال البناء 20 سنة تقريباً بعد قرن تقريباً برز شخصان بأعمالهما ودعوتهما للترميم وإعادة البناء: عزرا الكاهن- الكاتب وهو بلا شك المحرر الأخير لأسفار الشريعة الخمسة ونحميا باني ومعمر أسوار ومدينة أورشليم.

ولم تكن أعمال البناء والترميم هذه تتم بلا صعوبات: الصراع القاتل بين العائدين من السبي الذين كانوا يعتبرون أنفسهم الإسرائيليين الحقيقيين والباقين في البلاد الذين كانوا يشكون في حسن نوايا هؤلاء الأغراب! كان المسبيون قد نقوا وطهروا إيمانهم أثناء سبيهم في بابل ، بينما اختلط الباقون بشعوب أخرى غريبة.

ساهم الكهنة في السبي في تحرير الشرائع المكتوبة. وفي زمن يسوع كانت الطقوس التي أقرها الكهنة في السبي هي السائدة وهي طقوس تتعمق صلوات وابتهالات وطلب غفران الخطايا. وكتاب المزامير هو الصلوات التي كانت تستعمل في الطقس الذي أقره الكهنة في السبي.

اقرأ

أش 55-66، حجاي ملاخي زكريا: كتبت أثناء الزمن الفارسي وبناء أورشليم من جديد.

عزرا- نحميا: يحتويان الكثير من الوثائق في فترة العودة من السبي.

يونان: يظهر مسكونية وعالمية عبادة يهوه..

العصر اليوناني (333-63 ق.م)

هزم الإسكندر المقدوني سنة 333 داريوس ملك فارس وبذلك قوض أركان مملكته. واتسعت مملكة الإسكندر اتساعاً عجيباً: من اليونان حتى مصر والهند. هزم الإسكندر سوريا وفلسطين ومصر . لا يذكر الكتاب المقدس شيئاً عن دخول الإسكندر الأكبر إلى أورشليم: لقد خضع له اليهود بلا مقاومة وترك لهم الحقوق التي اكتسبوها تحت حكم فارس وفي مصر في مدينة الإسكندرية التي ستصبح أهم منائر العلم والثقافة اليونانية. وفي القرنين 3-2 ق.م ترجم يهود الشتات الكتاب المقدس إلى اللغة اليونانية. تسمى هذه الترجمة بالترجمة السبعينية . وسمحت هذه الترجمة لليهود المشتتين في حوض البحر المتوسط بالاحتفاظ بالروابط الوثيقة بكتبهم المقدسة. واستعمل المسيحيين الأوائل هذه الترجمة.

لجأ الإسكندر الأكبر في توحيد الشعوب التي أخضعها إلى الثقافة اليونانية ولم يلجأ للقوة. فانتشرت في أرجاء الإمبراطورية المدن على الطراز اليوناني وأصبحت اللغة اليونانية هي اللغة المستعملة (الشائعة ) كما قامت المعابد والمضامير الرياضية والمسارح في كل مكان.

تم تقسيم الإمبراطورية بعد موت الاسكندر وأصبحت فلسطين مرة أخرى بين نارين البطالمة في مصر من ناحية، والسلوقيين في بلاد ما بين النهرين من ناحية أخرى أخضعت أولاً للبطالسة ولكنها انتقلت إلى السلوقيين سنة 200 ق.م.

استمر العصر اليوناني مدة قرنين. داخل القرنين هناك حقبات كبرى: في الأولى ترك اليونانيون العبرانيين حرية لممارسة ديانتهم. وفي فترة لاحقة اشتد ضغط اليونانيين على اليهود وأدى ذلك إلى التصادم. أراد اليونانيون فرض ثقافتهم الغريبة على تقاليد اليهودية. وهي ثقافة تتعارض ومفاهيم بني إسرائيل الدينية.  السلوقيون اليهود أولاً وأعطوهم امتيازات خاصة ولكن حاجتهم إلى المال دفعتهم لمحاولة الاستيلاء على كنز الهيكل. ولكي يصلوا إلى ذلك خلع أنطيوخوس الرابع أبيفانيوس رئيس الكهنة أونيا وأجلس مكانه شقيقه ياسون، نصير اليونانيين، ثم ألغى كل الحقوق الخاصة باليهود. أثارت هذه التصرفات غضب ثورة المكابيين (167ق.م).

اقرأ

يهوديت وراعوث: رجاء في فترة اضطهاد.

دانيال: في فترة اضطهاد أنطيوخوس الرابع أبيفانيوس. كتاب كله ألغاز لا يفهمه إلاّ من يملك مفتاح حل الألغاز. يشجع المواطنين ويحثهم على الثبات والمقارنة واصفاً أحداثه في زمن نبوكد نصر. إنه بداية الأيوبي.

 

ثورة المكابيين وملك الجشمنايين (172-13 ق.م)

أثارت تصرفات أنطيوخوس الرابع أبيفانيوس حنق وغيرة اليهود الأكثر تمسكاً بإيمان وعادات الأباء: لم يقبل هؤلاء أن يعيّن الحاكم الوثني رئيس الكهنة ومحاولات الحاكم المستمرة في هللنة العادات والتقاليد وإدخال عادات غريبة على العبادة وبناء المضامير الرياضية التي يمارس فيها الشباب الرياضة عراة (الخجل من الختان… وأخيراً استيلاؤه على صندوق الهيكل.

تمرد اليهود على ذلك ولكن أنطيوخوس فاجأهم يوم السبت واستولى على أورشليم. وقتل عدداً كبيراً من اليهود وسحب كل امتيازات اليهود ومنع تقديم المحرقات والعبادة في الهيكل وحرم الختان وراحة السبت وقراءة الكتب المقدسة؛ لا بل إنه أقام مذبحاً لزيوس كبير آلهة اليونان: إنه الرجس والنجاسة بعينهما: تمثال في الهيكل، لا بل تمثال وثن!.

رفضت إحدى العائلات الكهنوتية تقديم المحرقات للآلهة الوثنية: إنه مقانيا وأولاده الخمسة. لا بل يقتلون أحد ضباط الملك أثناء تقديمه محرقة للآلهة ثم يهربون إلى الجبال. سنة 166أحرز ابنه يهوذا الملقب بالمكابي انتصارات متتالية على الجيوش التي أرسلت لمحاربته. ويأمر يهوذا بتطهير الهيكل في عيد التقدمة (حانوكة) ، عن المنارة ذات الثمانية شمعدانات (سنة 164ق.م) ويضطر أنطيوخوس إلى عقد هدنة ويعيد لليهود حريتهم الدينية.

ولكن المكابيين "استحلوا" الحكم وتحولوا إلى سلالة حكام: الجشمنانيون، اسم أحد أجدادهم: حشمناي! ويجمع يوناثان بين وظيفتي نائب الملك وكبير الكهنة. ولكن مقانيا وأولاده ينحدرون من عائلة كهنوتية مجهولة وغير متفق مع خط الصدوقيين، وهم وحدهم الذين يحق لهم رئاسة الكهنوت. لذلك تكونت حركات مقاومة. ربما تكون تلك هي المناسبة التي فيها احتمى كهنة أورشليم الأمناء على التقاليد في صحراء قمران تحت قيادة "معلم العدل". ووسع يوحنا هرقانوس (134 ق.م) رقعة مملكته بقوة السلاح ولكن حركة هرقانوس كانت ذات نصرة قومية أكثر منها دينية. سنة 36 ق.م تسقط مملكة الحشمانيين في يد الرومان الذين استولوا بقيادة بومبايوس على أورشليم.

اقرأ 1-2 مكا = أحداث هذه الحقبة المضطربة.

 

الاحتلال الروماني وملك هيرودس الكبير (63-4 ق.م)

اختلف قادة اليهود فيما بينهم فاستعانوا بالرومان لكي يحكموا بينهم. فدخل بومبايوس أورشليم سنة 63 وأضاف اليهودية إلى مقاطعة سوريا تاركاً بعض السلطات المحدودة على اليهودية وبيريه والجليل باستثناء السامرة لهرقانوس الثاني.

وهنا يتعقد التاريخ، لأنه يرتبط بمحاولة كل طرف اكتساب صداقة وحماية روما. وكان يوحنا هرقانوس ساعد قيصر، لذلك أعلن الأخير أن الديانة اليهودية هي إحدى الديانات الرسمية للإمبراطورية الرومانية. كما أن انطباطر الأدومي كان قد ساعد بدوره يوحنا هرقانوس. وكان لأنطباطر الأدومي ثلاثة أولاد: نسائيل، هيرودس ويوسف، ورأس كل منهم إحدى المقاطعات: اليهودية، الجليل، مساوا. وتزوج هيرودس مريام ابنة يوحنا هرقانوس، وبذلك دخل هيرودس بالمصاهرة في سلالة الحشمانيين. حاول أحد أبناء سلالة الحشمانيين وهو أنطيجونوس بمساعدة البارطين استعادة مملكة أجداده. فاستعان هيرودس بالرومان (القانيوس ومارك أنطونيوس). وأعلن مجلس الشيوخ الروماني سنة 40 ق.م هيرودس ملكاً على اليهودية. واستطاع هيرودس بمساعدة الرومان الاستيلاء على الجليل واليهودية ثم أورشليم نفسها، كما أنه توسع بمساعدة الرومان فاستولى على السامرة وغزه وجداره. وبذلك أعاد هيرودس حدود مملكته إلى ما كانت عليه أيام داود باستثناء العشر مدن.

لم يكن هيرودس يهودياً (كان أدومياً) فأراد أن يسترضي اليهود فأقام مدائن الأباء في حبرون (الخليل) ووسع الهيكل ورممه. كان هبرودس معمارياً (               ) في أورشليم وأريحا وهيروديون ومساوا وماكيرونت كما بنى مدناً رومانية في قيصرية والسامرة وسماها سبساط.

مات هيرودوس سنة 4 ق.م. تاركاً وراءه مملكة مزدهرة قوية ولكن ذلك لم يغط جرائمه وسفكه للدماء وضراوته وقسوته: لقد قتل بين ما قتل اثنين من أبنائه، وانطباطر وزوجته مريام. ولد يسوع أيام هذا الملك!

اقرأ

مذبحة الأطفال (مت 2: 16-18)

1مك 8: 1-13

 

فلسطين في زمن العهد الجديد

قسم الرومان مملكة هيرودس بعد موته على أبنائه وعمتهم سالومي.

أصبح أرخيلاوس رئيس ربع على اليهودية وأدوم والسامرة وكان طماعاً مما اضطر الرومان إلى نفيه. وبذلك تحولت اليهودية إلى مقاطعة رومانية سنة 6 ميلادية.

وأصبح هيرودس أنطياس رئيس ربع على الجليل وبيريه. وحكم حتى سنة 39 إنه الملك الذي أمر بقطع رأس يوحنا المعمدان وهو الذي مثل يسوع أمامه قبل موته (مر 6: 17-29؛ لو 23: 8-12).

هيرودس فيلينيوس رئيس ربع على غلانطيدية وبطانية وتراخونيدس. يرد ذكره في لو 3: 6 وقد بنى هذا الملك قيصرية فيلبس حيث يعترف بطرس بألوهية يسوع (مر 8: 37) ومات سنة 34م.

وكانت المدن الساحلية أشدد ويامنيا وعسقلون من نصيب سالومي.

كانت اليهودية إذاً في الوقت الذي مارس فيه يسوع رسالته مقاطعة رومانية يحكمها والي من قبلهم. وفي سنة 26 أصبح بيلاطس البنطي والياً على اليهودية. وكانت قيصرية هي مقر الوالي وكان يصعد إلى أورشليم أيام الأعياد فقط. وهناك كان يحل في قصر هيرودس القديم، حيث تمت على الأرجح محاكمة يسوع، بقيت العشر مدن مستقلة إنها أراضي وثنية على ضفة طبرية المقابلة للجليل ومقاطعة فينيقيا السورية مقاطعة رومانية.

بعض التواريخ: 6 ق.م ميلاد المسيح قبل موت هيرودس (+4ق.م) هناك خطأ في تحديد بداية التاريخ الميلادي الذي أقره في القرن الخامس الراهب دينيس الصغير.

27: رسالة يوحنا المعمدان وبداية رسالة يسوع

يوم الجمعة 417/30 موت يسوع.

اقرأ

يضع لوقا الإنجيل اللحظات الحاسمة في إنجيل في إطار تاريخ عصره:

بشارة الملاك لزكريا (لو 1: 5)

ميلاد يسوع (2: 1)

بداية رسالة يسوع (3: 1)

ويلاحظ لوقا بدقة موقف هيرودس أنتياس تجاه الحركة الدينية للمعمدان والمسيح.

 

 

 

 

 

 

 

أهم المجموعات

1-              الصدوقيون

كتب المؤرخ يوسيفوس فلافيوس لقرائه الهللينة تفاصيل عديدة عن الجماعات والحركات المتنوعة داخل اليهودية في القرن الأول الميلادي: "لدى اليهود 3 أنواع من المدارس الفلسفية: مدرسة للفريسيين، والثانية للصدوقين والثالثة تعيش حياة متقشفة جداً ويسمى أتباعها "أسينيون" . وشبه الربيون كثيراً الصدوقين بالأبيقوريين، التي كانت فلسفتهم متجهة أساساً للحياة الرضية. اختفى الصدوقيون بعد خراب أورشليم سنة 70م ولذلك فكل معلوماتنا عنهم نعرفها بطريقة غير مباشرة. واستناداً على هذه المعلومات نستطيع أن نؤكد أنهم لم يكونوا مدرسة فلسفية تشبه مدرسة الأبيقوريين.

الاسم يعود إلى الكاهن صادوق الذي كان رئيس الكهنة أيام سليمان الملك (1مل 2:35) اعتبره أعضاء هذه الجماعة جدهم. ويعهد حزقيال في رؤياه الكبرى (حز 40-48) إلى الصدوقيين الخدمة الكهنوتية (حز 40: 46؛ 43: 19؛ 44: 15؛ 48: 11). لقد ساهم الصدوقيون في إعادة بناء الجماعة اليهودية بعد العودة من السبي واهتموا باعتبارهم الكهنة الشرعيين بالعبادة في هيكل أورشليم.

وكانت نهاية هذه العائلة العريقة، في فترة حكم أنطيوخوس الرابع  نهاية بائسة. إذ استطاع ياسون المتهلن أن ينتزع رئاسة الكهنوت من شقيقه أونيا وبدأ يشجع اليهود على اقتباس وممارسة العادات اليونانية من ارتياد المضامير الرياضية وخلافه. ووضعت ثورة المكابيين حداً لانتشار الثقافة والعادات اليونانية بين الشعب. حتى عندما اغتصب الحشمنايون سلطان رئاسة الكهنة، استمر أبناء الصدوقيون في الهيكل أعمال العبادة ويقومون بمهام الكهنوت. ولم يكن في استطاعة الحشمنايين أن يوطدوا حكمهم دون استمالة الأستقراطية الكهنوتية بأورشليم. لأن دور الكهنة وتأثيرهم في الحياة السياسية كان عظيماً. ولم يقبل كل الكهنة التعاون مع الحشمنايين. فانفصلت جماعة من المتشددين والتفت حول معلم العدل. وحافظت على أدق ترتيبات الشريعة. واصطدمت هذه الجماعة برئيس الكهنة، فانسحبت إلى ضفاف البحر الميت وسمت نفسها "جماعة العهد" تحت قيادة أبناء صادوق وبذلك يكون الصدوقيون جماعتين: جماعة على ضفاف البحر الميت، وجماعة بقيت في الهيكل تمارس مهام الكهنوت.

انبثقت جماعة الصدوقين من الأوساط الكهنوتية العليا ومن العائلات ذات النفوذ في أورشليم. فمن حيث الأصل كانوا يشعرون بضرورة المحافظة، ولكن المهام التي أوكلت إليهم دفعت إلى أن يكونوا واقعيين، لذلك تفاعلوا مع الأحداث. وتحت حكم المملكة سالومي ألكسندرا ضعف تأثيرهم للغاية. وعندما دخل رجال الكتاب: الفريسيون كأعضاء في السنهدرين، حتى وإن استمرت الأغلبية فيه للصدوقيين إلا أنهم كانوا يراعون أراء الفريسيين.

تمسك الصادوقيون بأدق تفاصيل الشريعة، ولذلك قاوموا التقليد الشفهي الذي كان الفريسيون يقدرونه ويولونه مكانة عظيمة. لقد رفضوا أن يولوا التقليد الشفهي نفس مكانة واحترام النص المكتوب. وقام بعضهم بالاهتمام بالكتب ودراستها ومحاولة تفسير الشريعة. لم يؤمنوا لا بالملائكة ولا بالشياطين ولا بالقيامة من بين الأموات في اليوم الأخير. ويكشف سؤالهم ليسوع (مت 22: 23-28) عن اعتقادهم هذا بعدم قيامة الموتى. يرفض يسوع هذا الرأي. لأنه عندما يقوم الناس من بين الأموات يمكن مقارنة حياتهم بحياة البشر الأرضيين: يرتكز الإيمان بقيامة الموتى على شريعة موسى: الله هو إله إبراهيم واسحق ويعقوب وهو إله أحياء وليس إله أموات. إذاً إبراهيم واسحق ويعقوب هم أحياء بعد موتهم.

فاق الصادوقيون الفريسيين حرصاً على السبت ورفضوا كل محاولات التحصينات والتقسيمات التي لجأ إليها الفريسيون بطريقة ذكية جداً، والعقاب الذي يوقع على المخالف كان يجب أن يكون مطابقاً تماماً لمقتضيات الشريعة وبذلك كان الحكم بالإعدام الذي تنطق به المحكمة، ينفذ بالرجم.

 

 

 

امتاز الصادوقيون بالمهارة السياسية الفائقة. ظهرت مهارتهم أثناء حكم الحشمنايين. مكنتهم هذه المهارة من تولي أعلى المناصب في أورشليم تحت حكم هيرودس وحكم الولاة الرومان. فكان رؤساء الكهنة يختارون من جماعتهم. وحاول الصادوقيون أن يجمعوا بين المحافظة على الإيمان وبين العيش بموجب متغيرات العصر. لذلك قبلوا دائماً الحكام أياً كانوا وحاولوا أن يحدو من عداء الشعب اليهودي تجاه الرومان. لذلك قاوم الصادوقيون الغيورين لأنهم كانوا يبثون في الشعب روح العداء للسلطة الوثنية. ولكن في الواقع كان تأثير الصادوقيين في الشعب محدوداً، كما يذكر يوسيفوس فلافيوس : "حتى وإن كانوا قد وصلوا إلى مناصب عليا كانوا يمتثلون ولو مرغمين لرأي الفريسيين خوفاً من لفظ الشعب لهم. وعندما اندلعت الثورة ضد الرومان، حاول الصادوقيون بلا جدوى تفادي الصدام المسلح. وبسقوط أورشليم انتهى دور الصادوقيين ووجودهم. بعد سقوط أورشليم وخراب الهيكل (سنة 70) قاد الفريسيون وحدهم حركة إعادة بناء الجماعة.

2-              الفريسيون

يشتق اسم الفريسيين من العبري                أي المغرور ومن المحتمل أن يكون آخرون هم الذين أطلقوا عليهم هذا الاسم لابتعادهم عن الآخرين كجماعة مقدسة خوفاً من الوقوع في النجاسة الشرعية. انتشر الاسم وشاع لأنه بالفعل ينطبق على طريقة حياتهم ولم يكن الفريسيون، أكثر من غيرهم من الجماعات اليهودية، مدرسة فلسفية، كما يوحي بذلك يوسيفوس.

 

 

 

 

 

 

تعود بداية حركة الفريسيين إلى زمن المكابيين عندما تصدى البعض للدفاع عن نقاء الإيمان والعبادة تجاه محاولة تهلينهما. ونقرأ في 1مك 2 :42 وجود جماعة يهود أتقياء أقوياء ومتحمسين للشريعة. ومن جماعة ال          هذه التي كانت تساق المكابيين في نضالهم، نشأ الفريسيون، أي جماعة اليهود المحافظين على الشريعة والذين لم تكن لهم أية أهداف سياسية. كل هدفهم هو المحافظة على الشريعة كما يجب (راجع 1مك 7: 13). وعندما استقرت العبادة والحياة حسب الشريعة، انفصل الفريسيون عن الحشمنايين، لأن لهؤلاء كانت أهداف سياسية. ولم يقتصر الأمر على القطيعة، بل امتد إلى العداء ومن العداء إلى الصدام المسلح الذي كان أيام ألكسندروس يانيوس. وفي هذا الصدام انتصر رئيس الكهنة وسيطر على الموقف بالإرهاب وإعدام المعارضين وكف الفريسيون عن التدخل في الأمور السياسية بالقوة واكتفوا بالاستعداد بالصلاة والتقوى والصوم للانقلاب الذي سيجريه الله. لذلك رفضوا فيما بعد التحالف مع الغيورين الذين أرادوا إسراع حلول الأزمنة المسيانية بمحاربة الوطنية وخططوا للانقلاب ضد المحتل الروماني.

كون الفريسيون جماعات صغيرة قوية استطاعوا فيها المحافظة على ترتيبات الشريعة وكان كل أعضاء هذه الجماعات مطالبين بالمحافظة على سنن الطهارة الشرعية والعشور. فسنن الطهارة الشرعية لم تكن مطلوبة فقط من الكهنة واللاويين لكن من كل الفريسيين حتى في حياتهم اليومية. ومن لامس أشياء نجسة ميت أو حيوان نافق مثلاً أو الذي سال فيه يفقد بذات الفعل الطهارة الشرعية وللحصول عليه كان يجب إجراء طقوس التطهير والغسولات الشرعية وفي بعض الحالات كان يجب مرور فترة معينة من الزمن قبل اعتباره طاهراً شرعياً. وكان الفريسيون يغسلون أيديهم قبل الأكل (راجع مر 7: 3) حتى يستطيعوا أن يرفعوا أيديهم نظيفة أثناء الصلاة قبل الأكل. ولم يعتنوا فقط بطهارة الإنسان بل اهتم أيضاً بطهارة الأدوات التي يستعملونها. فإذا مر فأر على طبق، أو وقعت قطعة عظم في كوب كانا يتنجسان. فكانت الأكواب دائماً تطهر دائماً (راجع مت 23: 25.. لو 11: 39).

لم يكن جميع المعاصرين لهم يحافظون على شريعة العشور أي إعطاء العشر من كل المحاصيل والدخل لقبيلة لاوي التي لم تأخذ نصيباً في الأرض بل كانت متفرغة لأعمال العبادة في الهيكل (أح 27: 30-33؛ عد 18: 21-24). لم يهتم السكان غير اليهود بذلك (العشور) لا بل بعض اليهود كانوا يحاولون التهرب من ذلك. وبذلك لم يكن مؤكداً أن البضاعة التي يشتروها مشرعة (مدفوع عنها العشور) كان الفريسيون يعشرون منتجاتهم ومشترياتهم لا بل العطور والأعشاب غير مهملين أي شيء يمكن أن يوقعهم في مخالفة الشريعة (راجع مت 23: 23، لو 11 :42 ).

بالإضافة إلى هذه الواجبات الأساسية كانت هناك أعمال أخرى من المستحسن أن يتمها الفريسي: مثل الصوم الاختياري يومي الاثنين والخميس بهدف التوبة والصلاة لأجل إسرائيل ولأجل خلاصه. لذلك تقول إن الفريسي لا يبالغ عندما يعلن في صلاته أصوم يومين في الأسبوع وأدفع العشور عن كل مل أربح (لو 18 :12) ويحفظ لنا التلمود (صلاة) صيغت في القرن الأول الميلادي، كان على الفريسي أن يتلوها. تشبه هذه الصلاة صلاة الفريسي في مثل الفريسي والعشار: "أشكرك أيها الري إلهي لأنك جعلت نصيبي بين الذين يجلسون في بيت التعليم وليس بين الذين يجلسون على رؤوس الشوارع، لأني أقوم مبكراً كما يقومون هم أيضاً: أنا أقوم لأردد كلمات الشريعة وهم يقولون من أجل أعمال تافهة باطلة" أنا أتعب وأنال جزائي وهم يتعبون ولا ينالون جزاءً أنا أجري كما يجرون: أنا أجري تجاه حياة العالم الآتي وهم يجرون تجاه هاوية الموت. يعود الفريسي في صلاة الشكر كل ما يقوم به من أعمال وفي ذات الوقت يفصل نفسه عن الآخرين الذين بخلافه لا يعيشون بمقتضى الشريعة.

وكانت جماعة الفريسيين تتكون من كهنة ومن علمانيين: حرفيين، مزارعين وتجار. وكانوا يعيشون سواء في المدن أو القرى، في اليهودية أو الجليل. وكانوا يجتمعون للأكل معاً لأنهم يستطيعون المحافظة أكثر على شريعة الطهارة وكانوا بقدر ما تسمح الظروف، يتعاملون فقط مع الفريسيين في تجارتهم لكي يضمنوا شرعية البضاعة (عشرها مدفوع). ويخبرنا يوسيفوس فلافيوس أن جماعة الفريسيين كانت تتكون من أكثر من 6000 عضواً. ولا يعتبر هذا الرقم مرتفعاً قياساً إلى عدد الشعب ومع ذلك كان تأثير الفريسيين ملحوظاً. ويرجع تأثيرهم الشديد بلا شك إلى الكتبة = رجال الكتب الذين كانوا يقودون الجماعات، فهم الذين كانوا يدرسون الكتب المقدسة ويتولون تفسيرها وشرحها، وكانوا يحفظون التقليد الشفهي ويعرفون مكانها الصحيح بالنسبة للشريعة المكتوبة. وكانوا يعتبرون المثال الذي يحتذي به التلميذ وكانوا يتمتعون بمكانة واحترام عاليين بين أفراد الشعب. كانوا يكرمون ويزورون قبور الأنبياء ومدافن الصديقين (مت 23: 29) وبذلك كانوا يجمعون بين التقوى الشعبية واحترام التقليد.

اعتزل الفريسيون أولئك الذين كانوا يجهلون الشريعة أو لم يريدوا إتباعها. وكانوا يشيرون باحتقار بعبارة "أهل الأرض" (2مل 11: 14و19؛ 15: 5) الغوغاء التي تجهل الشريعة قارن أر 1: 18، 34: 19 ) ويبتعدون عنهم. وكانوا يبتعدون بنوع خاص عن العشارين والخطاة. ولم يكن من المعتاد أن يجلس يهودي تقي على مائدة واحدة معهم (راجع 2: 14-17؛ لو 15 :2 ) وذلك لأن العشارين كانوا في خدمة سلطة الاحتلال الوثنية، التي كانت تفضل في معاملاتها من يدفع أكثر للحاكم وكانوا يجمعون أكثر من اللازم ويحتفظون بالباقي لذواتهم. ولأن الخاطئ الذي يريد التوبة عليه أن يصلح ما أفسد ويرد ما أخذ بدون وجه حق، فإن العشار لا يستطيع التوبة لأنه لا يعرف عدد الذين خدعهم وختلهم. كذلك كان الفريسيون يعتبرون خاطئاً كل من مارس عملاً أو وظيفة تحرمها الشريعة وتحرم بعض نتائجها: المفسدون والمرتشون والعشارون ذوو الاتصال بالوثنيين.

كان الفريسيون يحاولون كجماعة بني إسرائيل الحقيقي، المحافظة على شريعة الله في حياتهم وفي تصرفاتهم. وكانت أهم كتب العهد القديم لديهم "الشريعة". وتعاليم الشريعة لا توجد فقط في النص المكتوب إنما أيضاً في الشرائع التي تناقلتها الأجيال شفهياً: وهكذا كان لديهم، بجوار النص المكتوب تقليد الأقدمين (راجع مر7: 3) ويعلن كل منهما إرادة الله. وبرع الفريسيون في تطبيق وتفسير وملائمة الوصايا الإلهية على الظروف الراهنة . فكانوا يحاولون صياغة وصية السبت بطريقة تجعلها ملائمة للعصر وذلك ببعض التقسيمات المخففة: يمكن كسر وصية السبت لمساعدة إنسان في خطر الموت. والمسافة التي يمكن يمشيها الإنسان في السبت كانت توسع بإضافة الفسحات أمام البيوت واعتبارها جزءاً من البيت.

أما بالنسبة للاعتقاد بقيامة الموتى فإننا نقول إن بعض نصوص العهد القديم المتأخرة (راجع أش 24-27؛ دا 12: 1-3) تمثل نوعا من الإشارات الواضحة إلى ذلك، بالإضافة إلى ذلك اعتمد الفريسيون على تفسير الكتاب المقدس ككل وعلى التقليد الشفهي. إمكانية إقامة ميت لم تكن شديدة الغرابة آنذاك (قارن مر 6: 16 و لو 9: 9). أعطى الفريسيون لانتظار قيامة الموتى شكل العقيدة الراسخة وبها كانوا يتميزون عن الصادوقيين (راجع أع 23: 8) وكان رجاؤهم المسياني راسخاً جداً. إذا استعد الشعب جيداً بالطهارة والقداسة لمجيء المسيا فإنه يأتي ويجمع أسباط بني إسرائيل المشتتين ويقيم ملكه. بقدر ما كان رفضه للحشمانيين باتاً قاطعاً، بقدر ما كان انتظارهم قوياً راسخاً لمسيح من بيت داود، يظهر أورشليم من الوثنيين ويقضي على الأشرار ويستولي على مملكته.

كان الفريسيون ينتظرون الأزمنة المسينية الآتية وكانوا يتممون البر والصدق كما تقضي الشريعة ذلك ولذلك كانوا حريصين جداً لئلا يقعوا في مخالفة ما. فكانوا يحيطون الشريعة بسياج مثلاً يرتكبون دون أن يدروا أي خطأ. لذلك كانت راحة السبت تبدأ لديهم قبل ميعادها بمدة لكي يكون اليوم السابع كله مكرساً وبعناية لإله إسرائيل. وكانوا يقومون بأعمال صالحة كثيرة غير مطلوبة من الشريعة (صلوات إضافية) ليكفروا عن الأخطاء التي قد يرتكبها الصديقون دون أن يدروا. بذلك يضمنون حكماً لصالحهم في نهاية الأزمنة. كانوا يحاولون أن تكون حياتهم وصلاتهم مطابقة لإرادة الله وكانوا يقدمون صدقات للفقراء (مت 6: 2) لكي تكون حياتهم مرضية لله.

ولقيت حياة يسوع ورسالته مقاومة شديدة من الفريسيين. كانت تعاليمه تلتقي في بعض النقاط مع معتقداتهم- مثل انتظار قيامة الموتى ودعوته للتوبة- إلا أنه كان يخالط الخطاة والعشارين (مر 2: 15؛ لو 7: 36-50؛ 15: 1) وكان يضع ذاته فوق شريعة السبت (مر 2: 23-3: 6). ولم يكن يهتم كثيراً بشريعة الطهارة (مر 7: 1-5). وكان يسوع بدوره يلوم الفريسيين لريائهم في الغيرة على البر؛ لقد كانوا مهتمين بالمحافظة على حرف الشريعة (لو 11: 39-43؛ تث 23: 23-26) ولكنهم كانوا منتمين بكليتهم إلى الله . كانوا متكلين على حياتهم الصالحة وكانوا يعتقدون أنهم يستطيعون أن يبرروا ذواتهم أمام الله (لو 18: 9-14) فقرر الفريسيون مقاومة يسوع، لا بل أزالوه من الوجود لأنه يخالف الشريعة. ووصل الفريسيون إلى هذا القرار بعد دخول يسوع أورشليم. وبالرغم من اختلاف الرأي القائم بين الفريسيين والصادوقيين، إلا أنهم اتفقوا في الحكم على يسوع بالخطأ وتسليمه للسلطة الرومانية كزعيم سياسي خطر على الأمن.

ظل تأثير الفريسيين حتى سقوط أورشليم (70 سنة) قوماً في السنهدرين (أع 5: 34-40؛ 23: 6-8). وعندما بلغ حقد الشعب ونقمته على المستعمر الروماني ذروته وقاد إلى الثورة المسلحة لم يستطع إلا الفريسيون بتأثيرهم الشديد ان يحولوا دون الكارثة. لقد انضم عدد كبير منهم إلى صفوف المتمردين بينما رفض آخرون ومات منهم عدد لا بأس به أثناء الكارثة. ولكن نجا آخرون كثيرون وكان لهم تأثيرهم الملحوظ على تنظيم المجامع بعد سنة 70م وفرض تعليمهم كتعليم رسمي لليهود.

3. اليهود عندما عُزل الملك أرخيلاوس سنة 6م من منصبه واستولى الرومان على مقاليد الحكم في اليهودية، أمروا بإحصاء المقاطعة الجديدة لكي يستطيعوا فرض الضرائب الملائمة. أثار هذا الأمر عدم الرضا والسخط في بعض الأوساط اليهودية التي قررت مقاومة هذه الإجراءات وخاصة بعض الفريسيين الذين انفصلوا عن الجماعة التي رفضت التدخل في الشئون السياسية العامة. رفض هؤلاء طاعة الرومان غيرة منهم في الدفاع عن الشريعة. وكان الغيورون متفقين في كل التعاليم مع الفريسيين ولكنهم يختلفون عنهم فقط في "أنهم يحرصون شديد الحرص على الحرية ويعترفون بالله كسيد أوحد" وكانوا يعتقدون أن من يعترف بالإمبراطور سيداً ويدفع الضرائب يخالف الوصية الأولى من الوصايا العشر التي تطلب أن يكرم الإنسان الله وحده.

رفض الغيورون الاعتراف بالإمبراطور اعتباره سيداً      لم يكن لديهم صبر الفريسيين في انتظار مجيء المسيا ولكنهم أرادوا أن يؤثروا بنشاطهم في إسراع عجلة التاريخ ومؤسس الجماعة هو يهوذا الجليلي في بداية القرن الأول الميلادي الذي "جرر عدداً كبيراً إلى التمرد (راجع أع 5: 37) وظهر قادة آخرون مثله (راجع أع 5: 36؛ 21: 38) الذين اعتزلوا بمرديهم في الصحراء لينتظروا هناك النهاية. لم يكونوا يستطيعون مواجهة القوات الرومانية مباشرة ولكنهم مارسوا حرب العصابات في المناطق الجبلية التي تصعب فيها حرب نظامية. وكان الرومان يعتبرونهم لصوصاً وقطاع طريق وحاولوا الضرب على أيديهم بشدة، في حين أنهم تمتعوا بتقدير وإعجاب كبيرين بين أفراد الشعب، وذلك بسبب غيرتهم الشديدة على الشريعة. كان الغيورون يزرعون العداء في نفوس الشعب تجاه الوثنيين ويثيرون الشعب إلى أن وصلوا إلى التمرد العلني. وبدمار أورشليم وإبادة آخر القوى المقاومة انتهت حركة ووجود الغيورين.

يذكر لوقا في (لو 6: 15 وأع 1: 13) أن أحد تلاميذ يسوع كان غيورياً وهو سمعان الغيور وكانت حياة ورسالة يسوع متميزة عن المسيانية السياسية التي ينادي بها الغيورون، وذلك لأن ملكوت الله يتم بدون الحاجة إلى الإنسان (مر 4: 26 29). وعندما سئل يسوع إذا كان يحق دفع الجزية لقيصر لم تكن إجابة موافقة لمطالب وتعاليم الغيورين، إذ قال إنه يجب إعطاء قيصر مل له والله ما له (راجع مر 12: 17). وبذلك رفض يسوع إضفاء هالة الألوهية على الإمبراطور ومن ناحية أخرى لم يوافق على استعمال العنف لتغيير الأوضاع وحلول ملكوت الله.

4. الأسنيون

ويذكر يوسيفوس فلافيوس بالإضافة إلى الفريسيين والصادوقيين فئة ثالثة وهي فئة الأسنيون ويقدمها مثل الفئتين الأخريين على أنها مدرسة فلسفية. ونلاحظ إله العهد الجديد يذكر كثيراً الفريسيين والصادوقيين في حين إنه لا يذكر إطلاقاً الإسنيين. ونجد بعض المعلومات المتناثرة عن الإسنيين في كتابات فيلون الإسكندري و يوسيفوس فلافيوس ونظراً لطبيعة كتابات هذين الكاتبين، التي تهدف إلى تقديم الإسنيين إلى القرار الهلليني فيجب قبل قبول كل ما يقولانه وبالطريقة التي يقولانه بها.

كون الإسنيون حركة مستقلة عن العبرانيين. عاشوا في عزلة بعكس الفريسيين والصادوقيين الذين لعبوا دوراً كبيراً في سياسة البلد الاسم مشتق من الآرامية          : الأتقياء. وربما يكون آخرون من خارج الجماعة هم الذين أطلقوا هذا الاسم عليهم. وربما يشير الاسم إلى أصلهم، لأن اليهود الذين واصلوا ثورة المكابيين كانوا يسمون        أي الأتقياء المملوءين غيرة على الشريعة (راجع 1مكا 2: 42). ينتمي الأسنيون في الأصل إلى نفس الفئة التي أفرزت الفريسيين وإن كان الأولون يتميزون بطاعة شديدة للشريعة ولا يخفونها بأي حال من الأحوال.

ووصل عدد هؤلاء حسب رأي يوسيفوس و فيلون إلى 4000 عضواً وعاش معظمهم في فلسطين؛ وبعضهم في المدن أيضاً وكانوا يكونون جماعات قوية متماسكة لكي يتحاشوا النجاسة. وكانوا يعرضون عن الزواج وليس لأسباب نسكية لأن هذه غريبة على فكر اليهود وإنما كانوا يتحاشون التعامل والعلاقة مع المرأة لكي لا يتنجسوا. ومع ذلك كان هناك بعض الأسنيون المتزوجين، ولكنهم كانوا يرتبطون بزوجتهم لمدة محدودة (3 أو 4 سنوات) للتأكد من أن الزوجة قادرة على الإنجاب. وكانوا يعتبرون الزواج مجرد وسيلة للإنجاب وكانوا يمتنعون عن العلاقات الزوجية أثناء فترة الحمل. كان أهم ما يشغل الأسنيين هو الحفاظ على نقاء وطهارة عبادة الجماعة ككل وأعضائها كأفراد.

وكان مراقبون يشرفون على حياة الإسنيين وكان على الجميع الخضوع للمشرفين. وكان يُعهد لكل عضو ينضم إلى الجماعة بفأس وثوباً أبيض. ويظهر هذا الأهمية الكبرى التي يوليها الإسنيين للطهارة: الفأس يستعملها الأسيني لكي يحفر حفرة عمقها قدم على الأقل ويدفن فيها مخلفاته وستر يخفي به أجزاء جسمه الحساسة لكي لا يخدش بهاء الله، أي الشمس. والثوب الأبيض يرتديه المطهرون. وكان المرشح لحياة الإسنيين يمر بسنة اختبار. فإذا اجتاز السنة بنجاح كانت يعهد إليه بالأعمال التي تشركه في طهارة الجماعة وبعد مرور سنتين أخريين كان يقبل كعضو عامل وكامل العضوية في الجماعة، عندئذ كان يسمح له بمشاركة الجماعة وجبات الغذاء الجماعية.

وكان الأعضاء يضعون كل ممتلكاتهم تحت تصرف الجماعة وكانت هذه الخيرات تصبح ملكاً للجميع. وكانت الجماعة تعين مديراً يشرف على تصريف الأمور المادية. وكانوا يستيقظون قبل شروق الشمس للصلاة. بعدها ينطلقون للعمل في الحقول ويعودون للغذاء الجماعي. فكانوا يغتسلون بماء بارد ويرتدون الثياب البيضاء. وكان أحد الكهنة يصلي قبل وبعد الغذاء الجماعي. ثم ينطلقون مرة أخرى للعمل في الحقول ليجتمعوا مساء حول مائدة للعشاء الجماعي. وكانوا يحافظون بمنتهى الدقة على النظام اليومي. وكانوا يأكلون ما يكفيهم للاستمرار في الحياة. وكانوا يحافظون على الصمت التام. وفي الاجتماعات كانوا يتكلمون الواحد تلو الآخر حسب نظام دقيق معروف.

وكان كل عضو قبل قبوله في الجماعة يتعهد رسمياً بالمحافظة على القوانين. وقبل أن يشارك العضو الجديد في الغذاء الجماعي كان يتفوه أمام الجميع بقسم هذا مضمونه: أن يكرم الإله، أن يقوم بواجباته تجاه الآخرين، ألا يتسبب في ضرر لأي إنسان لا يرغبه ولا تنفيذاً لأمر آخر، أن يكره الأشرار ويؤيد ويساند الصديقين أن يكون مخلصاً مع الجميع وخاصة مع الرؤساء.

وتتكون الجماعة من 4 درجات منفصلة كل واحدة عن الأخرى بدقة شديدة. كان على العضو الجديد الابتعاد بقدر الإمكان عن الأعضاء القديمين بحيث لا يلمسه. وإن لمسه فيجب عليه أن يتطهر بالغسولات الخاصة. شريعة حفظ السبت كانت تنفذ بدقة شديدة. لا تقوم الجماعة فيه بأي عمل. الأكل كان يعد في اليوم السابع. وحتى قضاء الحاجة الطبيعية لم يكن مسموحاً للحفاظ على قدسية اليوم. وكان العضو الذي يخالف قوانين الجماعة ينال عقاباً صارماً. وإذا كان الخطأ جسيماً كان العضو يفصل من الجماعة.

لم يكن مسموحاً للأعضاء بالكلام على غير الأعضاء عن حياة وقوانين وكتب الجماعة، ولا يذكر فيلون و يوسيفوس شيئاً عن كتب الجماعة. أما عن تعليمهم وإيمانهم فيؤكد فلافيوس أنهم كانوا يؤمنون بخلود النفس وإن نفس الإنسان سماوية ومصيره محدد مسبقاً وإن الجسد هو سجن النفس. وبالموت تتحرر النفس من قيود الجسد فتطير نفوس الصديقين إلى السماء. مكان الطوباويين، أما نفوس الأشرار فإنها تذهب إلى مكان العقاب لتنال ما تستحقه. ويظهر هنا تأثير الفكر الهلليني الخاص بتحديد مصير الإنسان مسبقاً. الاختيار الإلهي هو الذي يحدد الطريق الذي يسلكه الإنسان للخلاص إما للهلاك. يموت الجسد أما الروح عطية الله فلا يموت. وتتفق ملامح فكر الإسنيين التي يشير إليها يوسيفوس بلا تفاصيل مع تعاليم نصوص قمران اعتبر الأسنيون ذواتهم جماعة بني إسرائيل الطاهرة وكان هذا الاقتناع هو الذي يحدد حياتهم وإيمانهم، وهذا يبرر طريقة تفسيرهم للشريعة ومحافظتهم الدقيقة على شروط وطقوس الطهارة الشرعية.

ويذكر بيلنيوس أن مركز تجمع الأسنيين كان على ضفاف البحر الميت. لم يكونوا يشاركون في الحياة العلنية، إلا أن طريقة حياتهم كانت محل إعجاب وتقدير الكثيرين خاصة أثناء التمرد ضد الرومان الذي شارك فيه بعضهم وحافظوا حتى النهاية وبشجاعة على شريعة إله إسرائيل ويمدح فلافيوس شجاعتهم واستهانتهم بالموت: وظهرت مشاعرهم في الحرب ضد الرومان فقد تحملوا الجلد والكي والحرق ولكل أنواع التعذيب لكي يجدفوا على معطي الشريعة أو يأكلوا نجساً. ولكنهم ظلوا أمناء وتحملوا بدون شكوى أو بكاء لا بل أنهم كانوا يبتسمون وهم يعذبون ساخرين من جلاديهم مضحين بحياتهم ليقينهم بأنهم سيستعيدونها مرة أخرى.

اعتمد هذا العرض عن الأسنيين على المعلومات المستقاة من كتابات فيلون و يوسيفوس ولكن بعد اكتشافات قمران قام العلماء بدراسة وتحليل المخطوطات وتوصلوا إلى معلومات وتفاصيل هامة سنتعرض لها إذا كان هناك متسع من الوقت فيما بعد.

5. عبيد الله

يذكر فيلون جماعة عبيد الله ويضعهم كنقيض للإسنيين الذين يمارسون حياة نشطة. مارست جماعة عبيد الله حياة تأملية ويصطبغ وصف فيلون للجماعة بآرائه وانطباعاته الشخصية. ومع ذلك نقول إن هذا الوصف يشمل النواة التاريخية الحقيقية عاش هؤلاء في دير بالقرب من بحيرة مريوط وتسمي الجماعة هكذا لأنها ترفض كل ملكية شخصية وعاشوا حياة بسيطة متوحدة في عشش صغيرة حيث كانوا يفرضون في دراسة الكتاب المقدس والتأمل وكانوا يتناولون وجبة واحدة خفيفة بعد غروب الشمس. وكانوا يلتقون جميعاً يوم السبت لصلاة الفرض الجماعي وكان للسبت السابع مكانة خاصة فكانوا يجتمعون عشية اليوم السابع، وهم يرتدون الثياب البيضاء، للعابدة وتناول العشاء الجماعية وبعدها سهرة صلاة مقدسة. وكانت الجماعة تتميز مثل الأسنيين وآخرين بالمحافظة التامة على الشريعة. ويعتبر البعض جماعة عبيد الله آخر مشروع جماعة الأسنيين الذي تطور مستقلاً في شتات  مصر. وطبق أباء الكنيسة في العصور اللاحقة وصف فيلون لهذه الجماعة على الرهبان المسيحيين لا يمكن أن ننفي الصلات الوثيقة بين الجماعات اليهودية والكنيسة الأولى إلا أنه تنقص الأدلة الأكيدة لكي نثبت صحة ذلك (فيكون نصيب الرهبان).

6. جماعة قمران

I-               نظرة سريعة على نصوص قمران

كانت بداية اكتشاف نصوص قمران مجرد وصفة حيث طارد راع صغير جدياً شارداً فرأى مدخل مغارة عميقة لم يجرؤ على دخولها فاستدعى ابن عمه في اليوم التالي فوجدا في المغارة عدداً من الجرار بداخل بعضها بعض المخطوطات (البداية كانت سنة 1947) وتوالت الاكتشافات بلغت 11 مغارة سنة 1956 أهم المخطوطات وجدت في المغارة 1 و 4 طريقة ذكر المخطوطات الرقم + مغارة + حروف بداية المخطوط:  قانون الجماعة؛         = تفسير حبقوق

1) الاكتشافات التاريخية

على مسافة ليست بعيدة من ضفاف البحر الميت وبالقرب من المغارة التي اكتشفت سنة 1947 كانت ربوة من الخرائب. وتساءل العلماء عما إذا كانت هناك صلة بين هذا المكان "خربة قمران" وبين المخطوطات المكتشفة. وحصل العلماء على إجابة إيجابية من خلال الحفريات. لقد كشفت الحفريات من مكان إقامة جماعة يهودية: مبنى مساحته 37 × 30م به برج/ حصن وقاعة اجتماعات فسيحة وكانت تستعمل أيضاً كغرفة طعام جماعية وبجوار هذه القاعة مخزن مؤن به الأواني الفخارية التي كانت تستعمل في غرفة الطعام، ثم مكان لتصنيع الفخار، قاعة تستعمل لنسخ ودراسة المخطوطات وأماكن أخرى للاستعمال الجماعي. وكانت توجد خزانات مياه كثيرة لحفظ مياه الأمطار يغذيها قناة مياه تنزل من الجبل. وكانت المياه تستعمل للشرب ولطقوس التطهير.

يضم المكان غرف نوم أو عنابر. لذلك من المرجح أن الجماعة كانت تقضي النهار في هذا المكان حيث تعمل في المخطوطات والخزف والليل في المغاور الكثيرة المنتشرة بالقرب من المكان. ووجدت بعض المخطوطات في بعض المغاور الحالة التي وجدت فيها المخطوطات تشير إلى أن المغاور كانت مقراً مسكوناً. أما طريقة حفظ مخطوطات المغارة 1 تدل على أن المغارة استعملت قصداً لمخبأ. والمغارة 4 كانت مكتبة عامة لاستعمال الجماعة.

كما وجد عدد كبير من العملات المعدنية مما ساعد على تحديد فترات استعمال المكان. أقدم العملات ترجع إلى عصر يوحنا هرقانوس (134-104ق.م) ويدل هذا على أن المكان استخدم كمقر منذ منتصف القرن الثاني ق.م وتدل الأشياء الموجودة في المكان على أنه سُكن لمدة قرن. أطاح زلزال اجتاح المكان سنة 31 ق.م بمعظم أجزاء المبنى فهجرته الجماعة. ثم توجد عملات تحمل صورة أرخيلاوس (4ق.م 6م) وعملات أخرى تصل إلى فترة ثورة اليهود على الرومان. هناك أثار حريق شديدة مما يشير إلى أن المكان تعرض للهدم بطريقة عنيفة لقد احتلته بالتأكيد القوات الرومانية سنة 68م عندما اجتاح فسبيزيانوس لجيشه منخفض الأردن حتى البحر الميت ليعيد سيطرة الرومان على البلد. وربما تكون الجماعة سمعت أخبار اقتراب الرومان من المكان ولذلك خبأت المخطوطات في الجرار الفخارية في المغارة ولكي تستعيدها بعد أن تهدأ الأحوال ولكن الجماعة ذابت وانقرضت في أحداث الحرب. بعد الحرب استقرت الفرقة العاشرة من القوات الرومانية كما استقر في المكان أتباع بار كوكبة أثناء ثورته. ثم ينتهي تاريخ سكنى المكان ويظل أكوام خرائب إلى أن اكتشف.

شرقي المكان توجد مدفنه كبيرة أكثر من 1000 متر يدفن فيها أعضاء الجماعة وأثبتت دراسات بالقرب من "عين فيشكا" وهي تقع جنوباً أن الجماعة كانت ترمي الماشية هناك، كما كانت أشجار النخيل وبعض الأراضي المزروعة لسد احتياجات الجماعة الأساسية.

وتساعد الدراسات العلمية على تحديد زمن نسخ المخطوطات بدقة عاشت الجماعة في قمران منذ منتصف القرن الثاني ق.م حتى سنة 68. لذلك تقول إن المخطوطات التي وجدت في قمران هي مخطوطات يهودية ناتجة عن جماعة عاشت حياة جماعية في زمن يسوع في قمران.

2) النصوص الكتابية

عدد كبير من المخطوطات التي وجدت في قمران مخطوطات كتابية ففي المغارة1 وجد ملفان كبيران من كتاب أشعيا، أحدهما في حالة جيدة جداً ويشمل معظم كتاب أشعيا والآخر في حالة سيئة وأكثر إيجازاً من الأول ويعتبر المخطوطان أقدم 1000 سنة من أقدم المخطوطات الكتابية للعهد القديم. ويختلف المخطوطان من حيث طريقة الكتابة ومن حيث الكلمات عن النص الذي وصلنا (النص المسوّر) ولكنهما إجمالاً لا يختلفان كثيراً عن هذا النص أما صموئيل فإنه يتفق مع نص الترجمة السبعينية ويختلف عن النص المسور ومن المعروف أن المسور يختلف كثيراً عن السبعينية بالنسبة لصموئيل وهذا يجعلنا نؤكد أن الترجمة السبعينية لكتاب صموئيل لم تكن ترجمة تقريبية حرة إنما كانت ترجمة أمينة لمخطوط يختلف عن مخطوط المسور وبذلك نقول إنه حتى زمن جماعة قمران لم يكن هناك اتفاق على نص عبري موحد. توحيد النص تم بمجهودات علماء عظام بعد سنة 7م وبذلك حصلنا على النص الرسمي.

لقد حسم الربيون أمر قانونية كتب العهد القديم في نهاية القرن الأول الميلادي، إلا أن جماعة قمران كانت قد استقرت على مجموعة الكتب وبذلك نقول إنه بالنسبة لهم كان القانون قد أختتم وتوجد أجزاء من كل كتب العهد القديم ماعدا كتاب استير ربما يكون غياب أجزاء من هذا الكتاب مجرد صدفة وربما يكون مقصوداً حيث أن كتاب يصف الاحتفال بعيد بعدريم وهو عيد لا تقبله جماعة قمران ولذلك لم يكن قراءة الكتاب مسموح بها.

3) نصوص يهودية (غير كتابية)

إذا كانت المخطوطات الكتابية هامة بالنسبة لدراسة تاريخ النص والقانون، فإن المخطوطات الغير كتابية لا تقل أهمية. والآن نصف بإيجاز شديد أهم هذه المخطوطات التي تساعد على إعطاء صورة دقيقة لإيمان وحياة الجماعة. وجدير بالذكر أن بعض أجزاء المخطوطات وصلت في حالة سيئة جداً، والبعض الآخر وصلنا ناقصاً ولكن هذا لا يمنع استنتاج ما ينقص وبطريقة شبه أكيدة.

أ) قانون الجماعة

وصلتنا كاملة في مخطوط مكون من 11 عاموداً كما أنه وجدت أجزاء من 11 نسخة في المغارة 4. وتتكون القانون من أجزاء فير متناسقة. ويبدأ بتعليمات وتنظيمات طقسية خاصة بالاحتفال السنوي بتجديد العهد (1: 1-3: 12) يلي ذلك تعليم خاص بالروحيين اللذين يؤثران في حياة الإنسان روح الحق وروح الضلال (3: 13-26). ثم يلي ذلك قواعد خاصة بتنظيم الجماعة وسلسلة العقوبات التي توقع على مخالف الشريعة والقانون (5: 1-9: 25). وأخيراً بعض الصلوات + مزمور يعلن فيه المصلي عدل الله وفرحه بشكره (9: 26-11: 25) . والقانون مصافح بلغة عبرية جيدة. والمواد المكتشفة تشير إلى تطبيق القانون وحياة الجماعة بموجب الشريعة. لذلك فالمخطوط هو وصف لأداء المراسيم الطقسية ومعتقدات الجماعة وحياتها.

وهناك ملحقان قصيران لهذا القانون. قانون الاجتماع وبه ترتيبات لبني إسرائيل حتى نهاية الأزمنة فيه وصف الاجتماع العام للجماعة وترتيب جلوس الأعضاء على المائدة المسيانية والملحق الآخر البركات نجد بركات للمؤمنين وللكاهن الأعظم والكهنة ورئيس الجماعة وليس من المؤكد أن تكون هذه الترتيبات اتبعت نقلاً في الطقس. ويمكن أن تفترض أنها كانت قواعد طقسية تستعمل في المستقبل (زمن الخلاص).

ب) وثيقة دمشق

اكتشفت سنة 1896 في مجمع عين عزرا بمصر القديمة. ولا يحمل عنواناً لأن الجماعة تطلق على ذاتها اسم جماعة العهد الجديد في دمشق (قارن عا 5: 27)  لذلك سمي النص وثيقة دمشق. مخطوط 1 وهو عبارة عن 4 ورقات مكتوبة على الوجهين (عا 1-8) ومخطوط آخر لناسخ آخر أيضاً من 4 ورقات على الوجهين (9-16) والمخطوط b والذي يوجد في ورقة واحدة على الوجهين (19-20). وقد وجدت في المغاور 4و5و6 أجزاء عديدة من الوثيقة ويظهر مضمون هذه الأجزاء صلة الوثيقة بقانون الجماعة ولذلك من المرجح أن تكون الوثيقة نشأت في جماعة قمران. صفحات 1-8 عبارة عن نصائح منها أن تاريخ الجماعة ناتج عن قراءة أحداث تاريخ بني إسرائيل. وهذه النصائح تتر في نهاية صفحة 8أ ب ولكنها تستوقف مرة أخرى في المخطوط  Bالذي يعتبر نصاً موازياً لصفحات 7-8.

صفحات 9-16 عبارة عن تقنين للشريعة

ونلاحظ أن وثيقة دمشق تفترض أشخاصاً متزوجين في الجماعة بعكس قانون الجماعة. لذلك لا تصلح توجيهات الوثيقتين لنفس الجماعة. فالجماعة التي تتحدث عنها وثيقة دمشق تعيش معاً مع التمييز واحترام الدرجات (كهنة- لاويون- علمانيون) وهذا يوجد أيضاً في قانون الجماعة. وليس من السهل الكشف عن العلاقة بين وثيقة دمشق وقانون الجماعة، من المرجح أن تكون الوثيقة أحدث من قانون الجماعة.

جـ) الأناشيد                  =                18 عاموداً وعدد من الأجزاء المتناثرة القصيرة الموجودة في المغارة 1 والمغارة 4. إنها قريبة جداً من حيث المضمون والشكل من مزامير العهد القديم. ويبدأ عادة النشيد بعبارة أمجدك يا إلهي ثم يصف المصلي حالته واحتياجه وشدته التي خلصه الله منها ويشيد بالخلاص الذي ناله، ويمدح الضمير الصالح الذي يهبه الله للمستقيمين ويطلب من الله الحماية ولا يمكن اعتبار هذه المجموعة عملاً أدبياً متناسقاً. وتعبر بعض القطع عن خبرات أليمة وتطلب الخلاص عن طريق التعليم القويم، مما يرجح احتمال  نسبتها إلى شخص محدد ربما معلم العدل (مثلاً 7: 6-25) وفي أناشيد أخرى نجد العبارات التقليدية المستعملة في العهد القديم للتعبير عن حاجة المصلي. ويعبر في هذه الأناشيد عما يمكن ويجب أن يشكر به عضو جماعة العهد، لذلك ترد عبارة "أنا" ولا يجب فهمها بالمعنى الفردي (الجماعة كلها تصلي وتقول أنا).

د) درج الحرب

حرب أبناء النور مع أبناء الظلام. به 91 عاموداً. وجدت أيضاً بعض الأجزاء في مغارة 4 تعود صياغتها إلى فترة سابقة لصياغة نص مغارة 1. واكتشاف الأجزاء الصغيرة في مغارة 4 ثبتت أن نص مغارة 1 هو عبارة عن نتيجة تطور نص. إنه وصف للصراع في الأيام الأخيرة بعبارات متخذة من نصوص العهد القديم. تتناول أسباب الحرب المقدسة التي عادت أشد ما يكون في الجماعات التقية أيام المكابيين. وهناك تعليمات واضحة ومحددة لترتيب القوات وطريقة القتال. من هذه الترتيبات يتضح أن الحرب حقيقية وتتخذ أبعاداً رؤيوية: بليعال قواته في ناحية وميخائيل وملائكته في ناحية أخرى. ويقطع وصف الحرب، تدخلات طقسية (صلوات شكر، أناشيد، خطب كهنوتية). وهناك بعض التكرارات المثيرة للدهشة. يتكرر نشيد طويل بالنص. وهذا يدل على تجميع تقاليد مختلفة في وثيقة واحدة دون الاهتمام الشديد بالتوحيد والربط.

هناك اهتمام جماعة قمران بدراسة الكتاب المقدس شديداً جداً. الاهتمام الأكبر كان للشريعة ثم باقي الكتب: الأنبياء والمزامير.

هـ) تفسير حبقوق

عبارة عن تفسير حبق 1-2 آية آية وتطبيق النص على الظروف الراهنة للجماعة. لم يكن هدف المفسر هو دراسة وتوضيح الحالة التاريخية لجماعة بني إسرائيل وقت كتابة النص، إنما حالة جماعة أبناء النور الإسكاتولوجية على ضوء رسالة النبي. فيرى المفسر في "الكلدانية" (نص حبقوق) السلوقيين والرومان. ويطبق عبارات: يقدمون الذبائح حرياتهم على الرومان. بالتالي تقول إن المفسر كتب تفسيره أثناء الاحتلال الروماني ملقياً نظرة إلى التاريخ الماضي للجماعة. لقد اضطهد معلم العدل الذي منحه الله موهبة النبوة. واضطهد كذلك أتباعه، فهربت جماعة الفقراء إلى السبي معه. ويحكم في أورشليم الكاهن الشرير، الذي دُعي إلى الحق عندما تسلم مهام عمله، إلا أنه خالف الوصية حراً في المال والغنى.

و) كتاب التكوين الأبوكريفي

يتناول بتوسع وحرية نص التكوين القانوني. فنجد فيه وصف مولد نوح، ووصف جماله في حوار بين لامك وزوجته وفي سياق الحديث عن إبراهيم يرد وصف لجمال سارة الباهر: وجهها، شعرها، عيناها، أنفها، خصاصة جسمها، نهداها، ذراعاها، يداها، أصابعها، مقدماها، روقاها، حكمتها!

ز) درج النحاس

به تحديد مكان الكنز. يذكر أن 200 طن من الأغذية والذهب والفضة مخبأة في أماكن محددة الرقم يجعلنا نستبعد حقيقة هذا الأمر. ربما يكون في ذلك أثار وصف غنى وكنوز الملك والكهنة في التقاليد الطقسية لبني إسرائيل.

مجموعة 41 مزمور (مزامير ثانوية) + 7 مزامير غير كتابية وقطعة نثرية تذكر أن داود ألّف 4050.

2. إيمان وتعليم جماعة قمران

يعود أصل جماعة قمران إلى الأوساط الكهنوتية بأورشليم، التي كانت أخذت على عاتقها المحافظة الشديدة على أدق تفاصيل الشريعة. ويحتل الكهنة المكانة الأولى بين أفراد الجماعة حتى المسيا المنتظر هو مسيح كاهن إلى جوار المسيا الملك. ويرد ذكر معلم العدل كثيراً في التفاسير الكتابية. هذا المعلم هو مؤسس الجماعة في نظرهم. واجتمع حوله عدد من الكهنة واللاويين والمؤمنين الأتقياء المحافظين على الشريعة والذين يحاولون ضمان نقاء العبادة والمحافظة على التقويم الوحيد الصحيح في نظرهم. اتبع كهنة أورشليم تقويماً قمرياً بينما اتبعت جماعة قمران تقويماً شمسياً يتكون من 12 شهراً من 30 يوم كل شهر ويضاف يوم زيادة كل ثلاثة شهور. هكذا كان العام يبدأ دائماً بنفس اليوم: يوم الأربعاء وهو يوم عيد رأس السنة وكل أيام الأعياد تقع في ذات الأيام في الأسبوع، ولا يقع يوم عيد إطلاقاً يوم سبت ولكن الجماعة لم تتمكن من فرض هذا التقويم الذي يساعد كثيراً على الحفاظ على قدسية يوم السبت. واصطدمت جماعة قمران مع رؤساء الكهنة الذين اتهمتهم بالإهمال في المحافظة على تنظيمات الشريعة. أدى هذا التصادم مع رئيس الكهنة الذي أطلقوا عليه الكاهن الشرير إلى طرد معلم العدل وجماعته من أورشليم وانسحابهم إلى الصحراء على ضفاف البحر الميت.

وتتهم الجماعة الكاهن الشرير بأنه لا يحافظ على وصايا الله في ممارسته مهام وظيفته. دعاه إلى هذه الوظيفة صوت الحق ولكنه بعد أن حصل على حكم أسر وقبل تكبر قلعه وترك الله وخالف دساتيره بسبب الغنى، ونهب وكنز أموال الأشرار الذين تمردوا على الله. أخذ غنى الشعوب مثقلاً نفسه بالذنوب وسلك طريق الأشرار القذرة. وظلم معلم العدل وعامله بعنف في مكان منفاه وفي أيام عيد الراحة، يوم التكفير، ظهر لكي يبتلع معلم العدل وأتباعه ولكي يقضي عليهم في يوم الصوم، يوم السبت يوم الراحة. ولكن الله عاقبه نتيجة ظلمه واضطهاده لمعلم العدل فأسلمه إلى أيدي أعدائه: لكي يذلوه بضربات مميتة. وتتفق هذه الإشارات إلى الكاهن إلى الشرير والأحداث التي جرت أيام يوناثان المكابي. لقد خلف يوناثان أخاه يهوذا المكابي في قيادة الثورة وتزعم الحرب ضد سوريا فاغتصب لنفسه وهو أول من فعل ذلك من الحشمنايين كرامة الكاهن الأعظم حتى وإن لم يكن من نسل صادوق. ولم تكن ظروف حياته وحروبه تتفق ومتطلبات خدمة الكاهن الأعظم من استعداد وطهارة شرعية، ومات على أيدي أعدائه.

أما تعب معلم العدل فإنه يظل مجهولاً ولا يرد ذكره في أي مكان آخر. إنه هو الذي قاد الجماعة إلى الصحراء مستوحياً هذا الاتجاه من أش 40:3 "البرية أعدوا طريق الرب…" ويرد هذا النص في قانون الجماعة وبعده هذا التعليق: إنها دراسة الشريعة التي أعلنها على يد موسى لكي يتم كل شيء قد أعلن عبر الأزمنة كما أعلن الأنبياء وبواسطة الروح. تعرف الجماعة أنها مدعوة لإعداد طريق الرب بدراسة الشريعة وطاعتها بأمانة وتعرف أنها قادرة بفضل روح الله على فهم كلام الأنبياء وبفضله تميز الأزمنة.

كانت الجماعة الكهنوتية في قمران المحرومة من الخدمة الطقسية في الهيكل، كانت تنتظر الخلاص الآتي والذي سيبقى العبادة ويعيدها إلى بهائها الأول. إن ابتعاد الجماعة عن الهيكل لا يعني رفضها للعبادة الطقسية في حد ذاتها، بل كانت رفض للطريقة التي تتم بها العبادة في هيكل أورشليم آنذاك. ظلت الجماعة دائماً على أهبة الاستعداد تحت قيادة الكهنة للصراع في الأيام الأخيرة والانتصار واستعادة شرعية العابدة. لذلك حافظت الجماعة كلها على الطهارة الشرعية المفروضة على الكهنة وابتعدت عن كل نوع من النجاسة الشرعية عن طريق الغسولات الشرعية يومياً. ولم يكن الاغتسال وحده يكفي للحصول على الطهارة الشرعية، إنما يجب أن تصاحبه التوبة وطاعة الشريعة. "إنهم أولئك الذين تنجسوا لا يتطهرون إلا بالابتعاد عن الشر، لأن عدم الطهارة قائمة في كل المخالفين لكلمته (الله)". لذلك فالتوبة هي الابتعاد عن عالم الشر والكذب والاتجاه إلى الله والبحث عنه بكل القلب والنفس وعمل ما هو مستقيم أمامه كما أمر بواسطة موسى وكل عبيده الأنبياء ولحب ما اختاره هو وكره كل ما يرفضه للابتعاد عن كل شر والاتجاه لكل عمل صالح وممارسة البر والعدل والحق على الأرض" .

وخضعت الجماعة لنظام دقيق لكي تستطيع محاربة أبناء الظلام. فعلى رأسها كان أبناء صادوق- الكهنة- يليهم اللاويين وأخيراً بقية المؤمنين، أبناء العهد ثم المبتدئون وكان على المبتدئين المرور بفترة اختبار لا يحق لهم أثناءها المشاركة في الوجبات الجماعية. وبعد مرور سنتي الاختبار يخضع المبتدئ لامتحان بحسب رأي الكثيرين (الجمعية العمومية) "فإذا كان الحكم في صالحه يدخل ضمن الجماعة ويكتب اسمه في درجته بين اخوته في الشريعة والعدل والطهارة والشركة في الممتلكات. وكان عليه أن يتلو قسماً محنثاً "أن يلتزم بشريعة موسى كما أمر الله بذلك بكل قلبه وكل نفسه على أساس كل ما كشف لأبناء صادوق، الكهنة الذين يحافظون على العهد ويحنون عن إرادة الله، وعلى أساس أغلبية الناس الذين أعلنوا استعدادهم لقبول حقيقته والسير بما يرضيه" . وعندئذ كان المرشح يضم كل ممتلكاته إلى ممتلكات الجماعة والتي كان يديرها مدير تعيين الجماعة وكان يمكنه ممارسة "طهارة العديدين" أي الغسولات العامة للجماعة وكانت الطهارة الكهنوتية هي العامل المسيطر على حياة أعضاء الجماعة، كان عليهم أن يظلوا دوماً مستعدين متخبين الزواج لكي لا يتنجسوا مع امرأة.

وكانت الجماعة الكهنوتية تجتمع للوجبات والعبادة ودراسة الكتب المقدسة: "يأكلون ويتلون البركات ويتشاورون جماعة. وفي كل مكان يوجد فيه عشرة رجال من مجلس الجماعة يجب أن يوجد فيه كاهن: يجلسون أمامه كل حسب درجته ويستشيرونه في كل شيء. وعندما يمدون المائدة للأكل ويعدون النبيذ للشرب ليكن الكاهن أول من يمد يده بالبركة على بواكير الخبز والخمر. لا يجب أن يغيب عن مكان به عشرة أفراد من يبحث في الشريعة ليل نهار وبالدور "

كانت الجماعة تخضع لنظام صارم. كان كل عضو منتمياً إلى درجة معينة ويعيش بموجب هذه الدرجة. وكل من يخالف نظام الجماعة ينال عقاباً مناسباً ومخالفته: "إذا أعطى أحدهم معلومات كاذبة عن ممتلكاته، يفصل من طهارة الجماعة لمدة سنة ويعاقب بحرمانه من ربع حصته في الطعام". حتى المخالفات الصغيرة كان لها عقابها الصارم: "من يتلفظ بكلمة زائدة، يحرم 3 شهور ومن يقاطع حديث غيره 10 أيام، من ينام أثناء الاجتماع 30 يوماً" ومن يقهقه يعاقب بـ30 يوماً. أقسى ما في العقاب هو العزل عن الجماعة: فلا يتناول معها الطعام ولا يمكنه الحصول على طعام من الخارج، لأن الخارج على صلة بعالم الكذب وبالتالي يتنجس فكان عليه أن يبحث في الصحراء عما يقيه شر الموت جوعاً إلى أن تضمه الجماعة ثانية إلى حضنها.

لم تكن جماعة قمران تلجأ أو تسمح لتفاسير سهلة لكي تساير الشريعة والحياة اليومية لليهود والواقع التاريخي، بينما لجأ الفريسيون إلى ذلك كما سبق وأشرنا. كانت الجماعة تحافظ وتطالب بالمحافظة على كل الشريعة بكامل تفاصيلها ومتطلباتها. وانطلاقاً من هذا المفهوم الصارم نجد سلسلة طويلة من الشروط الخاصة بيوم السبت في وثيقة دمشق وللمحافظة على السبت بدقة، كانت هذه الترتيبات تتلى عصر الجمعة وتتضمن أنه لا يجب العمل عندما يكون بُعد الشمس عن الباب مقدار محيطها ولا يستطيع المرء أن يتفوه بكلمة تافهة يوم السبت. لا يمكن الابتعاد عن المدينة أكثر من 1000 خطوة بينما يرى الفريسيون أنه يمكن السير 2000 إذا وقع حيوان في داخل حفرة لا يجب جذبه خارجاً يوم السبت ونعرف أن يسوع يعتبر أن ذلك شيئاً مفروغاً منه مساعدة من يحتاج حتى يوم السبت (مت12: 11 ولو 14: 5).

والعهد الذي ترتبط به الجماعة هو عهد موسى، وكما تسميها وثيقة دمشق "العهد الجديد" ولا يقصدون بالجديد عهداً جديداً حل محل الأول ولكنهم يقصدون عهد الله مع موسى الذي تعيد الجماعة أحبائه. من يبتعد عن الغش والكذب يصبح عضواً في الجماعة ويهتدي إلى شريعة موسى وينزع من عالم الكذب الذي يسقط فيه الوثنيون ومن لا يعيش بمقتضى الشريعة من بني إسرائيل أما المختارون فيقودهم الحق والنور.

يعيش جماعة قمران أو جماعة العهد الجديد حالة صراع تصفها الوثائق بطريقة رمزية بالتضاد بين النور والظلام في الخارج مصير أبناء الظلام، قوات بليعال والشعوب الوثنية التي يذكرها العهد القديم باستمرار (أدوم، موآب، عمون، الفلسطينيين، الكلدانيين). ويعضد حامي شعب الله ميخائيل وقواته أبناء النور. ويوسع الصدام في قالب تعليمي ويتم بأمر ترتيب إلهي لأنه من إله المعرفة يأتي كل إنسان وكل عمل. وهو خلق الإنسان لكي يسيطر على الأرض وأولاه روحين لكي يسير حتى نهاية الزمن المحدد لافتقاده وهما روح الحق وروح الضلال "أساس النور هو الحق بينما أساس الظلام هو الضلال". فمن ناحية نجد أمير النور الذي عهد إليه الأبرار البر الذين يسيرون في طريق الظلام، وينبع من خلال الظلام، حسب مخطط الله منذ البدء" وتحاول قوى الشر أن تجر أبناء النور ولكن إله إسرائيل وملاك الحق يساعدان أبناء النور. وتكشف أعمال الإنسان في العالم الجهة التي ينتمي إليها. حتى الإنسان الذي يعمل الخير لا ينجو من القتال، بل يجب عليه دوماً محاربة الكذب الضلال والظلام بثبات. يتصارع في قلب الإنسان ملاك النور وملاك الظلام حتى النهاية الأزمنة. ولا يستطيع أحد التهرب من هذا الصراع حتى الصديقون يواصلون الحرب. بقدر ما يرث الإنسان الحق والعدل يكره الظلم، وبقدر ما يرث من الظلم يحارب ويكره الحق" وهكذا يظل القتال محتدماً إلى أن يضع الله له حداً. لأن الله وضع كل منهما (الروحيين) مقابل الآخر إلى الزمن المحدد والخليقة الجديدة.

يرد ذكر ووصف التضاد بين النور والظلام في العهد القديم أكثر من مرة (راجع تك 1: 3-5؛ 1: 14-19؛ عا 5: 18..)، وتقليد الحرب المقدسة، التي فيها يقاتل إله إسرائيل مع أو عن شعبه المعروفة منذ القدم وازدهرت مرة أخرى في عصر المكابيين. الشيء الجديد والذي لا ذكر ولا مثيل له في العهد القديم ولا في التقليد هو الصراع بين الروحين. ولكن هناك أراء شبيهة في دبابات فارس حيث تفهم الحياة على أنها صراع بين الخير والشر، وبدأ هذا الصراع منذ البدء ويستمر حتى ينتصر إله الخير على إله الشر. فالروح الصالح يحث الإنسان على العمل الجيد المنظم المفيد بينما يدفع الروح الشرير الإنسان إلى ارتكاب المعاصي وعمل الشر. كما أن الأفكار والمفاهيم الفارسية أثرت على الأدب الرؤيوي عند اليهود، كذلك أثرت الثنائية الحرب بين روح الحق وروح الغش قد تكون متأثرة بالأفكار الفارسية. ولا يعني ذلك أن التأثير الفارسي على جماعة قمران هو تأثير مباشر. من المحتمل أن يكون التأثير الفارسي انتقل بطرق لا نعرفها حتى الآن عن طريق يهود الشتات (بلاد ما بين النهرين) ولكن هذه الآراء والأفكار لم تُقبل على علاتها ولكنها خضعت لتغير وتعديل حسب إيمان بني إسرائيل: الله هو خالق وسيد التاريخ وهو الذي خلق كل شيء وهو الذي سمح بالصراع بين الروحين والذي سيضع نهاية له في يوم من الأيام. وهكذا استخدمت جماعة قمران فكرة الثنائية للتعبير عن قدرة الله من ناحية ولشرح وتبرير الصراع والقتال الذي تتعرض به الجماعة حتى اليوم الأخير. كما استخدمت الثنائية كنوع من التضاد فهي تدخل من ناحية في مخططات الله منذ البدء ومن ناحية أخرى تتحقق بفعل اختيار الإنسان الانحياز للخير أو للشر.

فمن ناحية هناك تأكيد على أن الله يقود التاريخ وأن اختياره هو الذي يحدد مصير اٌلإنسان ومن ناحية أخرى التأكيد المستمر على أن الشريعة تلزم الإنسان بالطاعة المستمرة والهداية واتباع الصراط المستقيم وتتميم جميع الوصايا لأنه مسؤول تماماً عن أعماله. لا يمكن للإنسان أن يقاوم الله. هذا ما تعبر عنه صلاة الأبرار: "أنا أنتمي للبشرية الضالة لجماعة الجسد الشريرة. خطاياي وشروري وآثامي وميول قلبي الشريرة تضمني إلى جماعة الديدان فهو السائرين في الظلام. ولأنه لا يوجد إنسان يستطيع أن يكون سيد طريقه ومسدد خطواته لأن العدل هو ملك الله ومن يده السلوك الكامل وبقدرته توجد الحياة . إنه يوجه كل كائن حسب خطته ولا يتم شيء بدونه. فإذا تزعزعت فإن جودة الله هي خلاص دائماً وإذا عثرت قدماي بسبب فساد جسدي فإن تبريري يأتي من عدل الله. ويصبح الإنسان الساقط مقبولاً فقط بفضل نعمة الله فهو الذي يخلصه ويضعه على الطريق المستقيم: أي مخلوق من تراب قادر على هذه العجائب؟ إنه في الخطيئة منذ الحبل به في بطن أمه وإلى الشيخوخة يظل مديناً. أعرف أنه لا عدل في الإنسان ولا سلوك كمال في بني البشر الله وحده هو صاحب العدل بينما طريق الإنسان لا يستقيم إلا بقدرة الروح الذي خلفه الله لذاته لكي يجعل حياة بني البشر كاملة، ليعرفوا كل أعماله في قوة سلطانه وعظم رحمته على كل الأبناء الذين رضي عنهم.

 وتظهر هذه العبارات ضعف وهشاشة الإنسان الترابي لأن جسده فانِ ضعيف واهِ. وينفصل الإنسان عن الله بسبب خطيئة لأنه لا بر فيه وارتكب المعاصي. نعمة الله هي التي تخلصه وتقربه منه تعالى وتدخله في جماعة العهد وتجعله عضواً في زمرة القديسين. لا ينقذ ولا يخلص الشرير إلا رحمة الله. فإذا تبرر الشرير لكنه إن يسلك الطريق المستقيم وحفظ الشريعة ومتطلباتها. لا يحجم تبرير الخاطئ الذي تتكلم عنه جماعة قمران الشريعة لأنها هي طريق الخلاص الوحيد. نعمة الله ورحمته ينعشان ويقويان الخاطئ لكي يستطيع أن يحافظ على الشريعة. تفسر جماعة قمران الآية البار بالإيمان يحيا (حبق 2: 4) بالطريقة التالية: ينطبق هذا على الذين يحافظون على الشريعة من بني يهوذا. الله يخلصهم من بيت الحكم (المحكمة) بسبب آلامهم وإيمانهم بمعلم العدل. تحفظ جماعة قمران الشريعة كما يفسرها معلم العدل. بهذا تضمن الجماعة أنها تنال الخلاص الآتي. ولا تذكر نصوص قمران شيئاً عن قيامة الموتى. تعليم الجماعة لم يسلك نفس الاتجاه الذي سلكه تعليم الفريسيين. إنها تتوقع في كل لحظة قدوم المسيا. يهمها هذا الأمر أكثر من المستقبل.

الرجاء الإسكاطولوجي: موجه إلى مجيء النبي وإلى مسيحي هارون وإسرائيل ففي نهاية الأزمنة ستظهر 3 شخصيات: أولاً النبي الذي يعشر بالزمن المسياني ثم المسيحان . سيكون المسيح الكاهن والمسيح الملك جنباً إلى جنب، القيادة الروحية والقيادة الزمنية لجماعة الخلاص كما ورد في زكريا النبي (زك4) زيتونتان = مسيحان سيكون المسيح الملك على غرار داود ويملك على الشعب، والمسيح الكاهن يسهر على طهارة ونقاء وأمانة الجماعة الإسكاطولوجية . وللمسيح الكاهن المكانة الأولى كما يتضح من ترتيب أماكن الجلوس في مراسيم العشاء المسياني في قانون الجماعة: "لا يستطيع أحد أن يمد يده إلى بواكير الخبز والخمر قبل الكاهن، لأنه هو الذي يتلو البركة على بواكير الخبز والخمر. هو الذي يمد يده أولاً إلى الخبز، بعده يمد مسيح إسرائيل يده إلى الخبز. وبعد أن يتلو البركة يمد كل واحد من الجماعة حسب ترتيب كرامته. ويقدمون دليلاً كتابياً على ذلك: نبوءة بلعام (عدد 24: 17) سيخرج نجم من يعقوب وصولجان من إسرائيل.

وينال المؤمنون المعرفة والفهم عن طريق الوحي كما يقول المصلي: من نبع علمه أشرق الله نوره فرأت عيناي عجائبه ونور قلبي فهم سر ما يحدث ورأت عيناي ما هو أبدي الفهم العميق الخفي على البشر، المعرفة والأفكار الحكيمة المستورة عن بني البشر. لذلك تباركت يا إلهي يا من يفتح قلب عبده للمعرفة أنت علمت كل معرفة وموضوع هذا المعرفة يختلف عن موضوع الغنوسية. معرفة أسرار الكون وأساطير خاصة بالوطن السماوي للإنسان المحكوم عليه بالسجن في المادة. وثنائية النور والظلام لا تطبق على الروح الجسد على كل إنسان أن يقرر اتباع نداء التوبة والهدى. فإذا اهتدى وتبع شريعة موسى وضع ذاته في جانب الفوز وبنعمة الله يحصل على المعرفة الحقيقية. إنه يعترف الله هو الخالق والسيد ويفهم إرادته التي تتضمنها الشريعة ويفهم أن الإنسان لا يقوم أمام الله ويختبر جودته ورحمته. ويظهر الإنسان بتصرفاته لأي روح ينساق، روح الحق والبر أو روح الضلال والشر.

بدراسة حياة وإيمان جماعة قمران من المخطوطات يجب أن نقر أن نسبة احتمالها جماعة اسنيين عالية جداً. فالمكان إقامة جماعة قمران هو ضفاف البحر الميت مثل جماعة الإسنيين. يقود الجماعة كهنة وتقوم بغسولات شرعية يومية لكي تحافظ على الطهارة الكهنوتية، وتفضل ذاتها بدقة وحرص عن بقية أفراد الشعب لكي تحيا كجماعة قديسين بموجب الشريعة على من يريد الانتماء إليها أن يمر بفترة اختبار قبل قبوله عضواً فيها. عليه أن يتفوه بقسم محنث مغلظة يلزمه بطهارة الجماعة وواجباتها لا يتصرف أحد في أي ممتلكات والجماعة منقسمة إلى درجات ورتب متميزة. تحافظ بدقة على الشريعة وترفض الزواج لتتجنب النجاسة. ويذكر فلافيوس أنه كانت هناك جماعة من الإسنيين المتزوجين ونعرف من وثيقة دمشق أن بعض الجماعات القريبة من قمران كان أفرادها متزوجين ولهم حرية محدودة في التصرف في الممتلكات الخاصة. والسبب الذي قد يبرر عدم ورود كلمة "اسنيين" في نصوص قمران ربما يكون أن آخرين أطلقوا عليهم هذا الاسم. الجماعة تعرف أنها هي إسرائيل الحقيقي، جماعة القديسين المختارين الذين كشف لهم الله أسراره.

3) نصوص قمران والعهد الجديد

ترد في العهد الجديد نصوص تظهر علاقة واحتكاك يسوع والمسيحيين الأوائل بالفريسيين والصادوقيين بينما لا يرد أي ذكر للإسنيين ولجماعة قمران. حتى وإن كانت جماعة قمران معتزلة في الصحراء على ضفاف البحر الميت إلا أن ملكهم ونفوذهم مدت أشعتها إلى أبعد من ذلك وأثرت في اليهود المعاصرين. لذلك لا عجب إن كان هناك تشابه بين أفكار وتعاليم جماعة قمران مع لاوي الرؤيوي وكذلك مع بشارة وحياة المسيحيين الأوائل. لا يمكن أن ننسب هذا التشابه إلى تأثير المسيحية على جماعة قمران بالعكس استلهم المسيحيون الأوائل كما يتضح من نصوص عديدة في العهد الجديد بعض أراء جماعة قمران وتبنوها وأدخلوا عليها بعض التعديلات.

لقد ظهر يوحنا المعمدان على ضفاف الأردن ليس بعيداً عن البحر الميت منادياً بالمعمودية بالتوبة (راجع مر 1: 4) كانت جماعة قمران تعرف أن الغسولات الخارجية لا تكفي وحدها لمنح الإنسان الطهارة، بل عليه أن يتوب لينال طهارة القلب . الفارق أن جماعة قمران اعتزلت الناس محافظة بدقة على الشريعة في حين أن يوحنا لم يؤسس جماعة تعيش حسب قوانين ، إنما دعا الجميع للتوبة والاستعداد لاستقبال الآتي . رسالة موجهة لإعلان مجيء الأقوى منه ولذلك لا يطلب غسولات تتكرر مراراً: التطهير والاستعداد لمجيء المسيا يتمان بالعماد.

ويدعو يسوع في بشارته إلى التوبة ويعلم بضرورة وجذرية وصية الله، فالإنسان لا يستطيع أن يتوارى عنها (مت 5: 21-41) ولكن مفهوم التوبة في بشارة يسوع يختلف تماماً عنه عند جماعة قمران لأن ملكوت الله قريب، ولأن إرادة الله ورحمته اللامتناهية يصلان إلى الإنسان مباشرة، فعلى الإنسان أن يتوب ويؤمن (راجع مر 1: 15؛ لو 11: 32؛ 13: 1-5؛ 15: 7و10) فمن ناحية هناك وصية الله المطلقة ومن ناحية أخرى رحمته اللامتناهية التي تمنح الإنسان مغفرة الخطايا وتدفعه لتتميم شريعة الله. تقدم الأناجيل الإزائية عشاء يسوع الأخير مع تلاميذه قبل موته في إطار العشاء الفصحي (مر14: 22-25//) في حين يقدمه إنجيل يوحنا (18: 28؛ 19: 14و36) في اليوم السابق للفصح، ففكر البعض أن يسوع اتبع للاحتفال بالفصح تقويم جماعة قمران إلا أن هذا الاحتفال صعب الإثبات لأن التقويم المتبع في أورشليم هو التقويم الرسمي الذي لأقره كهنة الهيكل. لم يقدم يسوع إلى قمران إنما إلى أورشليم، ولم يعبأ بمشاكل التقويم التي كانت تشغل العديدين من اليهود. لم يكن ملماً بفتاوى قمران التي تحدد طريقة التصرف في كل حالة (فيما يخص السبت) ولكنه كان يعلن أن إرادة الله هي عطية ثمينة تفتح الإنسان على الحب وعلى الإنسان أن يتقبلها بشكر (كلام عن السبت في مر 2: 27؛ مت 12: 11؛ لو 14: 5). لم يتضمن تعليم يسوع أولويات في الشريعة ولا يرد ذكر أبناء النور وأبناء الظلام والتمييز بينهما، ولا الابتعاد عن العالم واعتزال الناس، إنه يتوجه للجميع ويصادق العشارين والخطأة، تطالب جماعة قمران بمحبة أبناء النور وكراهية أبناء الظلام في حين يأمر يسوع تلاميذه بمحبة الأعداء والصلاة لأجل المضطهدين (قارن مت 5: 43) وذلك لأن رحمة الله وحبه لا حد لهما.

شعرت الكنيسة الأولى مثلما فعلت جماعة قمران أنه شعب الله وأنها تمثل القديسين الذين تنطبق عليهم وعود الكتاب المقدس. تسمي جماعة قمران نفسها مختاري رضا الله. أبناء رضائه وأبناء رضا الله اقتربت النهاية لذلك أصبح من الممكن فهم معنى ما أراد الله إعلانه على فم نبيه (قارن 1كو 10 : 11) الفرق بين الكنيسة وقمران أن جماعة قمران كانت تنظر الخلاص الآتي، في حين أن الكنيسة اعتبرت أن الخلاص قد تم. فهي تؤمن أن يسوع الناصري الذي صلب وقام هو المسيح، وطبقت عليه كل الصفات والألقاب التي صكتها اليهودية للتعبير عن رجائها المسيحاني. كانت جماعة قمران تنتظر النبي والمسيح الكاهن والمسيح الملك في حين أن المسيحية تقبل مسيحاً واحداً نبياً وكاهناً وملكاً. لم يظهر هذا المسيح في مجد وطهارة شرعية، إنما معذب، متألم محتقر ومرذول وسمر على خشبة العار ومات ميتة الملعونين لأجل خطايانا (راجع 1كو 15: 3-5).

ولا تحتفل الجماعة المسيحية بالعشاء الرباني كإرادة كهنوتية إنما كمواصلة الشركة مع يسوع. تتذكر الجماعة موت يسوع وتعترف بقيامته وتقبل غفران خطاياها منه (راجع 1كو 11: 23-26؛ مر 14: 22-25). لقد استعانت كنيسة فلسطين بنظام جماعة قمران لتنظيم حياة المؤمنين التابعين لها. ويبدو أن شركة الممتلكات كانت معروفة ومقبولة في كنيسة فلسطين (راجع أع 2: 44؛ 4: 34؛ 5: 1-11) وكانت مثل جماعة قمران تؤنب الأخوة الضالين. والذي يرفض التحذير كان يؤدي الحساب أمام شاهدين ثم أمام الجماعة كلها (راجع مت 18: 15-17 و                  ) الفارق أن الجماعة المسيحية لم تنعزل عن العالم ولكنها حملت الإنجيل.

ويستعمل بولس الرسول في حديثه عن الصراع ضد الشيطان وقوات الظلام عبارات مشابهة لتلك التي استعملتها جماعة قمران. فيجب أن يلبس الإنسان أسلحة البر (رو 6: 12، 13: 12-14) والحرب ليست فقط ضد قوات ملموسة من لحم ودم ولكنها داخل الإنسان حيث يريد الجسد السيطرة على الروح (راجع غل 5: 16-24). يتصارع الروحان، روح الحق وروح الضلال داخل الإنسان ويجب على الإنسان أن يختار إلى أي روح ينحاز. هكذا تعلم جماعة قمران. عند بولس لا يتصارع روحان بل الجسد والروح من ناحية الإنسان الذي يتكل على ذاته وقواه ومن ناحية أخرى الإنسان الذي يعيش فقط بالله. هناك إذاً نقاط تشابه بين تعليم جماعة قمران وتعليم بولس الرسول . ففي الحالتين هناك مواجهة بين مجالين من مجالات الوجود الإنساني يتحدد مرة لمن تكون الغلبة. يكون الإنسان في الجانب الصحيح إذا قبل حكم الله وعاش بعدله. يمنح الله هذا لمن يجعل رجاءه فيه وحده. تعلم جماعة قمران كذلك بولس أن التبرير يتم بنعمة الله فقط. الفرق أن جماعة قمران ترى أن هذا التبرير يمكن الإنسان من فهم وممارسة الشريعة، بينما يرى بولس أن التبرير يحرر الإنسان من الشريعة ويجعله عبداً للمسيح. وفرق آخر ترى جماعة قمران أن التبرير بالنعمة يلزم الإنسان بالمحافظة على الشريعة بالكامل لأنه لا خلاص بدون الشريعة، بينما بولس أن الشريعة انتهت بصلب المسيح (رو 10: 4)، لذلك ينال الإنسان بر الله بالإيمان فقط.

وهناك نقاط تشابه بين تعاليم قمران وإنجيل يوحنا ورسائله: النور والظلام، الحق والباطل. الحق ليس مجرد موضوع معرفة بل ممارسة الذي يؤمن بالله هو ابن النور. عند جماعة قمران أبناء النور هم أعضاء جماعة العهد الذين يعيشون الحق بطاعة الشريعة، في حين أنهم في إنجيل يوحنا المؤمنون فقط ؛(قارن يو 8: 12؛ 9: 5؛ 14: 6) ولا يرد في تعاليم قمران إطلاقاً الكلام عن مرسل الله النازل من السماء.

كانت نصوص قمران تبرز الأفكار والمفاهيم التي تغذي فكر إيمان ورجاء بني إسرائيل الأتقياء المحافظين على الشريعة، في زمن يسوع وتلاميذه استعمل أحياناً يسوع ورسله الأفكار المصاغة في قمران ليبرهنوا على أن البشارة بالإنجيل هي الإجابة الصحيحة على الأسئلة التي تتردد في أوساط اليهود والأتقياء الذين كانوا يعيشون على رجاء الخلاص. وهذه الإجابة كانت مختلفة في بعض الأوجه والجوانب عما كان الناس ينتظرون هكذا تلقي نصوص قمران الأضواء على خلفية البشارة المسيحية.

7- الكتبة

لعب الكتبة دوراً هاماً في تاريخ اليهودية. لقد أضاف الكتبة بصمة واضحة على المجموعات المختلفة التي تكونت في القرن الثاني قبل الميلاد: الصادقيون، الفريسيون، الأسينيون وجماعة قمران. ولكن بداية نشاط الكتبة تعود إلى فترة سابقة القدم. كان نقل وتعليم كلمة الله يقع على عاتق الكهنة أساساً. وكان عزرا الذي أعاد تنظيم وتقوية اليهودية بعد العودة من السبي كاهناً وكاتباً (عزر 7: 11) كان كاهناً بمولده وكاتباً لأنه مارس فن الكتابة وكان موظفاً لدى الملك. قاد عزرا بموافقة وتشجيع ملك فارس جماعة اليهود إلى ممارسة الشريعة وحفظ الوصايا وبذلك استحق وصف : كاتب متجر في الشريعة التي أعطاها الله لموسى (عزر 7: 6) إليه وإلى رجال المحفل الأعظم الذي أسسه . ينسب التقليد سلالة الكتبة التي لم تنقطع (مشنا، أبوت 1: 1) وينسب التقليد إلى رجال المحفل الأعظم تسليم الشريعة والربط بين الأنبياء والكتبة ولكن أول المعلومات الملموسة عن الكتبة تظهر ابتداء من القرن الثاني قبل الميلاد، وتخص رجلاً ذا اسم يوناني: أنتيجونوس الساخي (1بوت 1: 3) ومارس شمعون بن شتاي عمله أثناء حكم الكسندروس يانيوس وسالومي الكسندرا. وابتداءً من زمن المسيح والكنيسة الأولى يكثر عدد الكتبة البارزين والذين حفظت أسماؤهم وأعمالهم.

ويبدو أن تأسيس فئة الكتبة تم في إطار الاحتكاك بالهللينة لمقاومتها. لم يعد التعليم التقليدي للكهنة كامناً لصد التيار والتأثير الهلليني الشديد. لذلك لجأ هؤلاء إلى الاستعانة بأساليب وتراث اليونانيين لدراسة الكتب المقدسة وتفسيرها تفسيراً موضوعياً. وتعلم هؤلاء أيضاً أسلوب الحوار التعليمي القائم في أسئلة وأجوبة، أسئلة رداً على أسئلة إلى أن يصلوا إلى اتفاق عام، وكما كان اليونانيون يرجعون إلى المعلمين والفلاسفة ومدارسهم، حفظ اليهود مجموعة سماء اللامعين وأرجعوها إلى عزرا ورجال المحفل الأعظم.

عكف الكتبة على حفظ التقاليد وشرح استعمال الكتاب المقدس لذلك أطلقت عليهم ألقاب حكماء وعلماء الشريعة ومعلمين. ونظراً لأن شريعة الله تمتد إلى كل جوانب الحياة، فكان عليهم أن يحلوا بالإضافة إلى المسائل اللاهوتية المسائل القانونية مثلاً: ما هي حدود وراحة السبت والعمل المسموح؟ كيف يتم عقد زواج أو طلاق؟ كيف يتم شراء بيت أو حقل..إلخ وتمتع الكتبة بسمعة وبمكانة عالية لدى أفراد الشعب. لم يكن النسب أو المولد هما اللذان يدخلان الشخص في فئة الكتبة بل الاجتهاد والجد والثقافة والكفاءة. كانت الفئة تضع كهنة ورجال نبلاء وتجار وأناس من أصل بسيط للغاية. وأحياناً وثنيين اهتدوا إلى اليهودية كان الكاتب يصول نفسه بعمل ممارسة كما فعل بولس الرسول في صنع الخيام (1تس 2: 9؛ 1كور 4: 12).

وعلى من أراد الانضمام إلى فئة الكتبة أن يقوم بمسيرة طويلة ودراسة جادة عميقة. وحول كل كاتب مشهور كان يجتمع عدد من التلاميذ. وعندما كان تلميذ يريد الانضمام إلى كاتب ما، كان هذا يقوم باختبار قدراته قبل أن يقرر ضمه إلى مدرسته. وكان التلميذ يدخل في جماعة المعلم ويرافقه في كل مكان، ويلاحظ ويدرس طريقة حله للمسائل ويسأل المعلم ليتعلم منه. كان المعلم يلقي درسه جالساً (مت 5: 1) وكان التلميذ يجلس عند قدميه (رادع أع 22: 3) وكان عليه أن يألف كل الأساليب ليتعلم ويقدر غنى التقليد ويستعمله. وكان المدرس يقوم في تكرار وحفظ ما يعرضه المعلم. وكان التلميذ يسأل المعلم وهذا يجيب لكي يدفعه إلى التفكير الصحيح. أول إجابة للمعلم (لو 10: 25) كانت: ماذا تقرأ؟ ماذا تجد في الكتب؟ (لو10: 26) فيعرض التلميذ ما استطاع استنتاجه من الكتب (لو 10: 27) ويجيب المعلم : حسناً أجبت (لو 10: 28) ثم كان التلميذ يطرح سؤالاً مثيراً يرد عليه المعلم بتعاليم كافية، يختمها بسؤال يصل من خلاله التلميذ إلى الرد النهائي (لو 10: 37) ونستطيع أن نكتشف في خطب يسوع مدى التنوع في الأسلوب حسب الشخص الذي أمامه: التلاميذ أو الجموع. ولكن تصرفات يسوع مع تلاميذه تختلف عن تصرفات الكتبة مع تلاميذهم، لأن التلاميذ لم يطلبوا منه أن يقبلهم في مدرسته هو الذي طلب منهم أن يتبعوه ولأنه بعكس الكتبة يعلم بسلطة كبيرة (مر 1: 22، مت 7: 29).

وعندما يصل التلميذ إلى نهاية تعليمه بنجاح كان المعلم يعلنه كاتباً ويضع يده عليه ويرسمه وبذلك يدخل في السلسلة التي يرجعونها إلى موسى ويستطيع منذ اللحظة أن يجيب بنفسه على الأسئلة التي يطرحها الشعب ويعطي حكمه. وكان الناس ينادونه بلقب ربي (مت 23: 7) ويجيبونه باحترام المجمع (مر 12: 39). ويُحكى عن ربي ماثيرا القرن الثاني الميلادي أنه كان يزور إحدى الجماعات اليهودية في آسيا الصغرى في عيد بوريم الذي فيه يقرأ كتاب استير ولكن تلك الجماعة لم يكن لديها هذا الكتاب فجلس ربي ماثير وكتب الكتاب كله غيباً، ثم قرأه على الشعب (تلمود باب مجلوت 18ب) كانت هذه المعرفة تثير دهشة وتقدير الشعب.

وكان أكبر معلمين في وقت يسوع هما هلليل وشماهي. كان هلليل قد جاء إلى فلسطين من شتات بابل ولكي يعول نفسه كان يعمل حمالاً وفي أحد الأيام لم يكن قد حصل ما يدفعه لحضور الدرس فتسلق على السور وتابع الدرس من الشباك. ورآه زملاؤه وقدروا حبه للدرس. وكان هلليل ومدرسه في صراع مع شمعي ومدرسيه . فأراء هلليل لم تكن صارمة مثل أراء شمعي. فكان شمعي يسمح بالطلاق فقط إذا امتهنت المرأة التقاليد والشرف، بينما كان هلليل يسمح به لأي سبب لأنها مثلاً لا تجيد الطهي. المهم أن كتاب الطلاق يعطى بالطريقة التي تقتضيها الشريعة. واستطاع هلليل أن يثبت قاعدة وحلاً لمسألة ظلت حتى زمانه بلا حل: كانت الشريعة تأمر بتحرك كل الديون في السنة السبتية لذلك عندما تقترب السنة السبتية كان الجميع يمتنعون عن قرض المحتاجين فرأى هلليل أن الدائن يمكنه أن يحرر عقداً كتابة أمام قضاة مكان إقامته بأن هذا الدين غير خاضع بشريعة السنة السبتية كان هذا الحل نوعاً من التحاليل على الشريعة ولكنه في نفس الوقت كان يسمح بحفظ النظام الاقتصادي ومدح الجميع هلليل لهذا الحل.

خرج حملائيل من مدرسة هلليل الذي تمتعت آراؤه باحترام كبير في السنهدرين (أع 5: 34-39) وكان معلماً لبولس الرسول (أع 22: 3) ويكرم التقليد اليهودي معتبراً إياه أتقى المعلمين. وتعود إعادة تنظيم الجماعة اليهودية إلى ربي يوحنان بن زكاي. الذي كان رجلاً متواضعاً جداً. يقول عنه التقليد أنه طوال حياته لم يقل كلمة غير مفيدة لم يسر 4 خطوات دون التوراة والصلوات لم يصل أحد قبله إلى المدرسة لم ينم إطلاقاً فيها، ولم يخرج أحد بعده منها، لم يجده أحد جالساً متكاسلاً بل دائماً على عاكفاً على المدرس وكان يفتح باب مدرسته بنفسه لتلاميذه، لم يقل شيئاً لم يسمعه من معلمه ولم يقل أبداً حان وقت ترك المدرسة (تلمود باب سوكا 28أ) وعندما حاصر الرومان أورشليم استطاع الخروج منها حيث حمله اثنان من تلاميذه على أنه ميت استقبله وقبله الرومان وسمحوا له بتأسيس مدرسة في عنيا . ومن هذه المدرسة خرج تعليم الشريعة إلى كل المجامع وفيها اجتمع سنهدرين مكوناً فقط من الكتبة لدراسة كل المسائل المتعلقة بالجماعات اليهودية. لقد ساد الاتجاه الهلليلي بعد سقوط أورشليم وهو الذي اعاد تنظيم حياة اليهود وواصل تقليد الفريسيين وطوره.

ولكن أشهر الربيين في بداية القرن الثاني الميلادي هو أبي عقبة كان تلاميذه عديدين ودرس معهم تفسير الكتب المقدسة. لقد صار ربي عقبة بار كوكب في بداية ثورته على أنه ابن النجم. وبعد فشل الثورة قتل الرومان عقيباً مع كثيرين آخرين بالرغم من خطأه في تقدير بار كوكب إلا أن مكانته كانت كبيرة لدى اليهود اللاجئين . وبين الذين نقلهم الرومان أبي أشمعيل الذي كان يرأس مدرسة كبيرة والذي كان وضع أسساً وقواعد لتفسير الكتاب المقدس. فقد الكتبة الكثير في إطار ثورة بار كوكبا ولكن اليهودية استمرت بعد هذه الكارثة وتم جمع كل المواد الخاصة بالتقليد وترتيبها وصياغتها في المشنه. وقام بهذا العمل العظيم ربي يهودا (أو ربي فقط لشهرته) الذي انتهى في نهاية القرن الثاني الميلادي وهكذا، بالإضافة الكتب أصبح لدى الجماعة اليهودية تفسير الشريعة الذي نظم حياة الجماعة اليهودية.