كيف تعامل السيد المسيح مع المُحرِّض- 16

 

كيف تعامل السيد المسيح مع المختلفين معه؟

دراسة في انجيل متى

 

 

« وكَلَّمَه بَعضُ الكَتَبَةِ و الفِرِّيسيِّينَ فقالوا: "يا مُعلِّم، نُريدُ أَن نَرى مِنكَ آية ". فأَجابهم: "جِيلٌ فاسِدٌ فاسِقٌ يُطالِبُ بِآية، ولَن يُعْطى سِوى آيةِ النَّبِيِّ يونان. فكما بَقِيَ يُونانُ في بَطنِ الحُوتِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال، فكذلكَ يَبقى ابنُ الإِنسانِ في جَوفِ الأَرضِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال. رِجالُ نِينَوى يَقومونَ يَومَ الدَّينونةِ معَ هذا الجيلِ ويَحكُمونَ عليه، لأَنَّهم تابوا بِإِنذارِ يُونان، وههُنا أَعظَمُ مِن يُونان. مَلِكّةُ التَّيمَنِ تقومُ يَومَ الدَّينونةِ مع هذا الجِيلِ وتَحكُمُ علَيه، لأَنَّها جاءَت مِن أَقاصي الأَرضِ لِتَسمَعَ حِكمةَ سُلَيمان، وهَهُنا أَعظَمُ مِن سُلَيمان» (مت12: 38- 42)

 

"يا مُعلِّم، نُريدُ أَن نَرى مِنكَ آية "

قد تبدو وكأنها فرصة ليسوع ، فإذا استعرض أمامهم قوته وصنع معجزة ربما كسبهم أعضاءً في فرقته أو اتباعا لحزبه! انه مطلب يبدو بديهيا :

نحتاج إلى دليل لنصدقك!

كيف نتبعك بلا دليل أو معجزة نريد أمرا مبهرا ؟

نريد منك فعلا يفوق القدرة البشرية كي نتأكد انك مرسل من السماء !!

ما اشبه هذا الطلب بطلب الشيطان عندما جرب يسوع فمَضى بِه إِلى المدينَةِ المُقدَّسة وأَقامَه على شُرفَةِ الهَيكل، « وقالَ لَه: إِن كُنتَ ابنَ الله فأَلقِ بِنَفسِكَ إِلى الأَسفَل، لأَنَّه مَكتوب: يُوصي مَلائكتَه بِكَ فعلى أَيديهم يَحمِلونَكَ لِئَلاَّ تَصدِمَ بِحَجرٍ رِجلَكَ. » مت-4:5- 6.

استعرض قوتك وقدراتك حتى نتأكد انك ابن الله … ورفض المسيح هذا التحريض فقالَ له «مَكتوبٌ أَيضاً: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ ». مت-4: 7

فقد جاءالمسيح ليصنع مشيئة الآب لا لكي يطيع الشيطان .

جاء المسيح مهموما بمنح الناس الخلاص من الأنانية وحب النفس وحب السلطة والتسلط ،

جاء المسيح ليحررهم بالحب ويفديهم ببذل الذات والخدمة، لا باستعراض العضلات اوالتباهي بالقدرات! او اعتلاء المناصب . ويذكر لنا الكتاب في سفر ملوك الثاني انه عندما قدمت حملة أنطيوخس الخامس وليسيّاس للاستيلاء على يهوذا « آنضَمَّ إِلَيهمِ مَنَلاوُس، وجَعَلَ يُحَرِّضُ أَنْطِيوخُسَ بِكُلِّ نوعٍ مِنَ الحِيَل، غَيرَ مُبالٍ بِخَلاصِ وَطَنِه، بل ساعِياً لِأَن يُعادَ إِلى مَنصِبِه»( 2مك13: 3 ) إنه تحريض لا يدفع الى مجد الله بل الى أغراض شخصية بخسة.

 

لقد عاد الشيطان ليجرب المسيح من جديد في ثوب الفريسيين والكتبة ، كما انه لا زال يجرب العالم ويجربك انت شخصيا عزيزي القارئ

على مستوى الجماعة

إنه يسأل على لسان الكثيرين :

لو كنتم على حق ارفعوا الشر من العالم ؟

لو كان الخلاص قد تم لما كل هذا الألم والتسلط والنزاعات والحروب؟

لو كان لكم ايمان حقا لم لا تحولون الحجارة الى خبز فنشبع الجياع في العالم ؟

لو انتم اتباع الرب الشافي حقا فاين انتم من الامراض القاتلة الايدز ، السرطان .. الخ ؟

نريد ان نرى ايه من المسيحيين؟

على المستوى الفرد

ماذا افعل عندما يحرضني أحد للقيام بعمل لا يهدف إلي مجد الله ؟

هل انزلق في هذه التجربة التى تستنفر خطيئة الكبرياء الكامنة فيّ و في كل النوع البشري؟

هناك نوعان من التحريض:

1- تحريض مبارك وهو تكليف من الله القدير للإنسان نتائجه مشاركة الكثيرين من الميراث الأبدي

2- تحريض ملعون وهو تكليف من بني البشر للإنسان نتائجه حرمان الكثيرين من الميراث الأبدي   

وقد ذكر الكتاب المقدس النوعين في سفر صموائيل الأول على لسان داوود في حواره مع الملك شاول :«فلْيَسمع الآنَ سَيِّديَ المَلِكُ كَلامَ عَبدِه: إِن كانَ الرَّبُّ هو الَّذي حرَضَكَ علَيَّ، فليَتَنَسَّمْ رائِحَةَ تَقدِمة، وإِن كانَ بَنو البَشَر، فهُم مَلْعونونَ أَمامَ الرَّبّ، لأَنَّهم نَفَوني اليَومَ مِنَ الاشتِراكِ في ميراثِ الرَّبِّ قائلين: اِذهَبْ فاعبُدْ آِلهَةً أُخْرى » . صم-26-19:

جميع الناس في جميع الأجيال مجربون في هذا الأمر، أمر استعراض المواهب الشخصية والقدرات الفائقة وكأنها من جهدهم نالوها وليست معطاة لهم ! فنسمع من يفتخر بأن هذا الخادم معضد من الله يجترح المعجزات ويخرج الشياطين او يتكلم بالألسنة ! وهذه الكنيسة تعج بالقديسين وتلك أصابها فقر القداسة !!!

والسؤال هنا لماذا رفض المسيح ان يعطهم آية ؟

لان الآية الوحيدة والعجيبة والأكثر صعوبة وهي في نفس الوقت متاحة للجميع هي معجزة الحب ! الله محبة ومن يؤمن به يمكنة ان يعلن عن هذه المعجزة في كل وقت وفي كل آن ومع كل شخص حتى الأعداء .

كشف الوحي الالهي لبولس الرسول عن عظم هذه المعجزة المحيية للروح والمحررة للآخر فنسمعة يقول : « لو تَكَلَّمتُ بلُغاتِ النَّاسِ والمَلائِكة، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما أَنا إِلاَّ نُحاسٌ يَطِنُّ أَو صَنْجٌ يَرِنّ. ولَو كانَت لي مَوهِبةُ النُّبُوءَة وكُنتُ عالِمًا بِجَميعِ الأَسرارِ وبالمَعرِفَةِ كُلِّها، ولَو كانَ لِيَ الإِيمانُ الكامِلُ فأَنقُلَ الجِبال، ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما أَنا بِشَيء. ولَو فَرَّقتُ جَميعَ أَموالي لإِِطعامِ المَساكين، ولَو أَسلَمتُ جَسَدي لِيُحرَق, ولَم تَكُنْ لِيَ المَحبَّة، فما يُجْديني ذلكَ نَفْعًا. 1كور-13: 1 – 3

 

كيف تعامل السيد المسيح مع « المحرِّض »

لم يعطهم يسوع آية كي يستعرض متجاوبا مع استفزازهم وتحريضهم ، بل ليمكنهم هم عينهم من اجتراح اعظم المعجزات ( المحبة) أعطاهم منهجا من خطوتين :

1- التوبة

«رِجالُ نِينَوى يَقومونَ يَومَ الدَّينونةِ معَ هذا الجيلِ ويَحكُمونَ عليه، لأَنَّهم تابوا بِإِنذارِ يُونان»

فلا محبة حقيقية بلا توبة ، والتوبة لا تتطلب رؤية الخوارق والمعجزات بل تطلب انفتاح القلب على الله ، ومراجعة الطريق الذي اسلكه في الحياة، إلى أين انا ذاهب وأي طريق اسلك؟

 

2- طلب حكمة الله

«مَلِكّةُ التَّيمَنِ تقومُ يَومَ الدَّينونةِ مع هذا الجِيلِ وتَحكُمُ علَيه، لأَنَّها جاءَت مِن أَقاصي الأَرضِ لِتَسمَعَ حِكمةَ سُلَيمان، وهَهُنا أَعظَمُ مِن سُلَيمان»

 

أحبائي لنهرب من حب التظاهر والتكلف والتباهي وتعاظم المعيشة والافتخار الباطل فلا ننعطين الشيطان فرصة كي يدفعنا للسقوط في هذا الفخ المميت؟