حوار مع الأب العلامة سمير خليل اليسوعي

 

 

حاورته في عمان: باسمة السمعان

الاب الدكتور سمير خليل، كاهن يسوعي، مصري الأصل، ولبناني الاقامة، عالم وباحث معروف في الادب العربي المسيحي والتراث المسيحي، التقيته في مؤتمر الواحة للحرية الدينية الذي انعقد بتاريخ 28-29/6/2008 في بيت الزيارة في دابوق. فكان شعلة من الحيوية والنشاط، متميزا بمداخلاته وأفكاره، فانتهز موقع ابونا وجوده في المؤتمر وكان لنا معه هذا اللقاء:

 

الاب الدكتور سمير خليل، تهتمون بالادب العربي المسيحي (التراث المسيحي الذي كتب بالعربية قديما وحديثا)، ماذا يقول لك هذا؟ هل لدينا كنوز كبيرة في هذا المجال؟

التراث العربي المسيحي المقصود منه كل ما انتجه المسيحيون خلال العصور باللغة العربية، منه تراث علمي مثل الطب، وتراث فكري فلسفي. هناك ترجمات عديده قام بها علماء امثال مؤلفات ارسطو، افلاطون، جالينوس وأبو قراط، او ترجمات دينية عن اباء الكنيسة: الكتاب المقدس  اليوناني والقبطي والسرياني، او وهو الاهم الانتاج الفكري في  المجال الديني او المدني مثل الكتاب المقدس، علم الكلام (اللاهوت)، الاخلاقيات، الروحانيات، الطقوس، القانون، وهو تراث واسع جدا  يشمل عشرات الالاف من المخطوطات، وللاسف كل هذه الكنوز لم يستفد منها  او درسها الا الاجانب.

لهذا الأدب أو التراث مرجعان اساسيان: مرجع قديم باللغة العربية للاب لويس شيخو، ذكر فيه اكثر من الف مؤلف عربي مسيحي في حوالي 250 صفحة، وهناك عالم الماني يدعى جراف عمل بحثا شاملا جدا من 2400 صفحة ذكر فيه مئات الاف من المؤلفين، وهذا عمل عمره اكثر من 60 سنة، وأنا أسست مركزا في بيروت للبحوث اسمه "مركز التراث العربي المسيحي" للتوثيق والبحث والنشر.

تراثنا العربي المسيحي واسع جدا ولكنه غير معلوم وغير منشور وغير مدروس وبالتالي اذا اراد المسيحيون أن يدرسوا المسيحية وتاريخها، فهم يضطرون لدراستها من خلال الكتب الاجنبية. الكتب الاجنبية ضرورية لانها تضم ابحاثا عديده، ولكن الاهم انه تراثنا والمفروض خصوصا في كليات اللاهوت والمعاهد الدينية وحتى الابرشيات والخورنيات ان نستقي من الطرفين: من تراثنا اولا ثم من الغرب.

اهمية هذا التراث مع انه تراث عربي فهو مشترك بيننا وبين المسلمين واليهود، ليس من فرق، تراث عربي فيه عامل مشترك، العلوم والاداب، ثم عندنا دراسات اسلامية تفاسير القران، الاحاديث النبوية، هذا يخص المسلمين، قليل منه يخص غيره. التراث المسيحي، تفسير الكتاب المقدس، اباء الكنيسة، يخص المسيحيين والجزء منه شامل يخص المسلمين ايضا، وعندنا التراث العلمي مهم جدا في العصور الوسطى وهذا ايضا شامل. فالمطلوب من  المسيحي ان يدرس التراث الاسلامي، والتراث المشترك والتراث االمسيحي، كل التراث العربي، والمسلم كذلك، ولكن للاسف اهملنا تراثنا. وفي الأردن، هنالك العديد من المخطوطات غير المنشورة وعند بعض العائلات.

هناك اباء كثر درسوا معي التراث العربي الفلسطيني، مثل المطران بولس ماركوتسو، والمطران الجديد غالب بدر والمطران ياسر عياش. سنة 1999 دعاني البطريرك ميشيل صباح تمهيدا لليوبيل المئوي لسنة 2000 لالقاء محاضرات حول التراث الفلسطيني العربي القديم.

 

أبونا، انت معروف كعلم من أعلام الحوار الاسلامي المسيحي، هل انت متفائل من الأوضاع الحالية للحوار؟ خاصة بعد الاعلان عن انشاء المنتدى الاسلامي المسيحي الدائم في الفاتيكان؟

الحوار ضرورة. والانسان حيوان متحاور، حيوان بالمعنى الفلسفي، اي حي عنده نفس وعنده الحوار لان الحوار مبني على النطق والكلام. وميزة الانسان انه حيوان ناطق، ولا يمكن ان يكون هناك انسان الا ان يكون متحاورا، او هو ليس بانسان. فالحوار ليس خيارا فهو ضرورة وطبيعة.

لكن هناك عوائق للحوار: التعصب، الجهل، الكبرياء.. الخ بما اننا نعيش سويا فاول انسان احاوره هو الاخ المسلم واول شخص يحاوره المسلم هو أخوه المسلم واخوه المسيحي. انا احاور المسيحي لانه اقرب واحد لي وهذا اسميه الحوار المسكوني، واحاور المسلم، اقرب واحد الي بعد المسيحي وهذا ما يدعى بحوار الاديان، وهناك أيضا حوار الثقافات والحضارات.. الخ

ما معنى الحوار؟ اي اخذ وعطاء يعني محاولة فهم الاخر فهما اعمق. هذا هو الحوار، ممكن ان اخطيء اول مرة بالفهم، عندما استمر بالحوار اصحح ما فهمته بالخطأ.

الحوار يحتاج الى وقت، ويحتاج الى اخذ وعطاء مثال الحوار بين رجل وامرأته متشابهين،  فكيف بالاحرى بين جماعتين عندهم مفاهيم مختلفة لان عندهم مصادر العلم مختلفة، الاسلام والمسيحية، اذا الحوار المسكوني ليس سهلا،  وعنده نفس الاسس: الكتاب المقدس، الانجيل، وشخص السيد المسيح، فكيف بالاحرى الحوار مع المسلم  لان عندنا اصولا ومصادر مختلفة: القرآن، شخصيات مختلفة،  لكن لانه مختلف وان الاختلاف اكبر يجب ان يكون الحوار اكثر حتى نعوض النقص.

تساليني اذا كنت متفائلا او متشائما، انا متفائل بالطبع لاني مسيحي وأعرف عمل الروح القدس الذي يعمل في هذا العالم وفي قلب كل انسان وليس فقط في قلب المسيحي. وأنا متفائل ايضا لاني واقعي.  نعم هناك عقبات، نحن نمر في العالم العربي والعالم الاسلامي اجمالا في ازمة شديده  ازمة الهوية. وعقده نقص موجوده عند كثير منا  لانه نعيش في بلدان -انتم في الاردن ممكن لا تحسون بها- لكن نعيش في بلدان عربية فيها دكتاتورية مسيطرة، فيها فرق شاسع بين الغني والفقير ناس تعيش تحت مستوى الحياة المقبولة -الحد الادنى من الحياة– ليس لديها ديموقراطية، رأي او تصرف، كل هذا يشكل عقدة نقص.

اذا وجدت هذه العقد يكون الحوار أصعب. لأن الحوار معناه اخذ وعطاء بين شخصيتين قدر الامكان كاملتين ومرتاحتين، وكل واحد يعيش هويته ومبسوط فيها، بينما اذا انا تعبان بشخصيتي لا استطيع ان اعمل حوارا او اشارك مع احد، هذا نلاحظه بين الازواج مثلا.

نحن حاليا بأزمة، وازمة شديده، ويجب علينا ان نتخطى هذه الازمة وان  نتصالح مع الجميع: مع الغرب ومع عدونا: ازمة فلسطين اكثر من 60 سنة، ربطتنا وربطتهم واخرتنا واخرتهم انا ليس لي صالح ان هم ايضا تأخروا، فهل هذا يعزيني انا تقول لي هم ايضا تأخروا؟ طبعا لا، نحن تأخرنا ليس فقط 60 سنة وانما اكثر من 100 سنة، تخيلي  لو كان هناك مصالحة ما كان قد عملناه في الاردن وفلسطين منذ زمن؟ بالاضافة الى كل ما نعانيه من مصاعب وما يؤثر بالنفسية وبالاضافة الى مئات الاف الذين ماتوا، هذا ليس فقط مؤثر على فلسطين فقط، فلسطين جزء من القضية، لكن غياب السلام فيها يؤثر على الاردن، لبنان، العراق ومصر.

وفي الحوار يجب احترام وجهات النظر. أنا أومن ان المسيح ابن الله. والمسلم يؤمن أن محمدا رسول الله. لا يجب أن يستفز أحدنا الآخر أو أن يرفض أحدنا ما يؤمن به الآخر. من واجبك أن تؤمن بتعاليم ديانتك، وأنا أحترم ذلك، لكن أترك لي الحق أن أومن بما تعلمه ديانتي، والا فلن أكون مسيحيا حقيقيا ولن تكون أنت بدورك مسلما حقيقيا.

انا متفائل عن مبدأ، واقول ان الطريق طويل وبطيء بعد خطاب ريجنزبورج 12/9 /2006 هذا الخطاب الذي اثار ردة فعل بالعالم الاسلامي ردة فعل سلبية وعنيفة، انا اعتبر هذه مرحلة تغيير جاءت كردة فعل رسالة الاولى 38 شخصيات اسلامية ومن ثم جاءت من الاردن وتحت اشراف الامير غازي، رسالة من 138 شخصية، وفيما بعد حوالي ال 100 وقعوا على الرسالة، جاءت ردود فعل عديده من جامعات من كنائس، الفاتيكان كالعادة في تأني دائما، واجاب الكاردينال سكرتير الدولة الفاتيكانية البرتوني مرحبا بالحوار، وقد اقترح البابا أربعة مواضيع اهمها نقطة حقوق الانسان، وكرد فعل اجاب الامير غازي، وقال نحن على استعداد وموافقون، وحضروا في شهر اذار 5  منهم  الى حاضرة  الفاتيكان، انا لم اكن حاضرا يومها لكن دعيت في اليوم الثاني من قبل المسؤول عن الحوار لدى الكنيسة الكاثوليكية الكردينال توران تحادثنا وتناقشنا بالموضوع لمدة ساعة وتقرر أن يكون أول لقاء للجنة المشتركة في شهر ايلول وان يكون اول لقاء لجنتين، لجنة مكونة من مندوبين عن 138 ولجنة من الفاتيكان. هذا بداية حوار لا يمكن ان يقف الا اذا هناك من يريد ايقافة، دولة الفاتيكان لا تقف امام اي حوار، ولا يمكن ان تكون السبب في وقف اي حوار.

 

\"\"
"مندوبة أبونا" السيدة باسمة السمعان أثناء حوارها مع الاب
 الدكتور  سمير خليل على هامش مؤتمر الحرية الدينية

مؤتمر الحرية الدينية الذي نشارك فيه هذه الايام، هل تساعد مثل هذه المؤتمرات على فتح أبواب واسعة أمام حقوق الانسان والحرية الدينية التي ما زالت غير موجوده في أكثر من بلد عربي؟

الى اي مدى تساعد:

اولا: تساعد المشتركين على ضبط الفكرة، نريد بداية ان نفهم بعض ونتعرف على معنى الحرية الدينية والى اي مدى يجب ان تكون، مثلا الذي حصل بموضوع الصور في الدنمارك عن النبي محمد والموقف الاسلامي يقول لا يحق لكم ان تهينوا النبي بهذه الطريقة، الرد الغربي والذين عملوا الصور قالوا: نحن نعيش في بلاد حرة والدستور لا يمنع اي عمل فيه حرية فكرية. لا يمكن تحديد حرية الرأي، انت لا توافق على الذي فعلته، جاوبني بنفس الطريقة او بالتي هي احسن كما يقول القران الكريم ولكن عندما تجاوبني بالعصي وبالعنف فأنا لا اقبل ردك، لانه اثبت بهذه الطريقة انه انت فعلا عنيف والموضوع كله يدور حول العنف.

وقتها قلت، هناك حرية رأي كما يفهمها الغرب. وكانت محاولة غربية للكلام عن العنف في الاسلام. لكن اقول من باب الذوق والاخلاقيات هل فعلا توصلت تلك الرسومات الى الهدف المرغوب فيه وهو ايقاف العنف؟ بالتأكيد لا. فالوسيلة التي تم استخدامها تسيء الى أقدس شخص عند المسلمين. وليس لدى الرسام الحق في أن يصورها كما انه ارتكب خطأ جسيما. من حقك أن تعبر، لكن بطريقة لا تسيء الى مشاعر الآخرين المقدسة والدينية.

اهم شي هو حرية الضمير، هذه نقطة الانطلاق واساس كل الحريات، اذا مسيحي مقتنع يريد ان يتحول الى مسلم يحق له، لا للعائلة ولا الكنيسة ولا الدولة ان تمنعه، انا لن أمنعه، لكن اقول هذا من حقوقك واذا مسلم يريد ان يتحول الى المسيحية لن اشجعه، ولكن لا يمكن ان امنعه لان هذا من حقه ولان الضمير اعمق ما وضع في طبيعة الانسان، اذا ازلنا الضمير في حيوان، لا يحق لأي انسان ان يمس الضمير في الواقع كما قلت انه في العالم العربي الحريات مهضومة والحقوق مهضومة، لذلك اهمية المؤتمر حول الحرية الدينية والذي جرى في عمان، انه مس اساس كل الحريات. لكن الخطر كامن في أن نتكلم عن مباديء وما ندخل بالتفاصيل. على سبيل المثال، لماذا قام البابا بندكتس بتعميد أحد الملسمين في عيد القيامة؟ ألم يكن حريا به أن يتجنب هذا العمل!! عمله لانه لاحظ ان حرية المعتقد وحرية الدين غير مقبولة بالعالم الاسلامي، فاراد ان يقول ان هذا مبدأ لا يمكن التنازل عنه.

ومن أقدس الحريات بناء بيوت العبادة. لا فرق بين ديانة وأخرى. هذه حرية والمفروض أن يؤمن كل دستور هذه الحرية، في الواقع دساتيرنا تؤمن جزءا منها ويجب ان نصل الى ابعد من هذا.

فمثلا حقوق المرأة هذه من حقوق الانسان، لا توجد مساواة هذا ضد حقوق الانسان، اذا قال لي شخص هذا من في شريعتنا، اقول له ما خص الشريعة بهذا، انت الزم شريعتك، الشريعة ليست الهية، وانما هي من وضع الانسان بناء على ما ينسبه الى الله، لكن هذا فيه تأويل بشر، حقوق الانسان سابقة للاديان، وحقوق الانسان اساس الحقوق.

 

عن موقع ابونا الأردني